الفصل السابع والخمسون: وهم الجبل وبحر الدماء
____________________________________________
بخط عمودي، ثم انحناءة عمودية، وأتبعها بخط ثالث مستقيم، رسم كلمة "جبل" ببساطة متناهية. ولكن ما إن أنهى يي تشيان آخر لمساته حتى هبطت من السماء قوة مهيبة، ألقت بظلالها على الحاضرين.
لم يتمالك الجميع أنفسهم ورفعوا أبصارهم إلى الأعلى، لكنهم لم يلمحوا شيئًا. أما في عيني لي شنغ قه، فقد تجسدت قمة جبلية سوداء شاهقة بالفعل، تهوي بزخم لا يُقاوم لتطبق على رأسه مباشرة!
صرخ لي شنغ قه محاولًا تفادي الجبل الوهمي، بيد أن سرعة سقوطه كانت خاطفة! وبصوت مكتوم، ارتطم الجبل بكتفيه بقوة ساحقة، فانحنى ظهره وركع على الأرض قسرًا وقد خارت قواه.
"أنت... كيف يمكن هذا!" ارتسم الرعب على محيا لي شنغ قه. لم تكن هذه القمة الجبلية مخيفة في هيئتها كالجبال الحقيقية، بل في ثقلها الذي كان يستنزف كل ذرة من طاقته.
كان عليه أن يبذل قصارى جهده كي لا يسحقه ذلك الوزن، فحاول المقاومة، لكنه مهما استجمع من قوة، كانت القمة تضغط عليه دائمًا عند أقصى حدود قدرته، متسببة له في ألم لا يطاق.
قال يي تشيان ببرود: "ألا ترى؟ هؤلاء هم الأشخاص الذين آذيتهم، إنهم موجودون دائمًا، يحدقون فيك من فوق رأسك."
ما إن سمع لي شنغ قه هذه الكلمات حتى رفع رأسه، فسرى في جسده قشعريرة مرعبة! لم يعد ما يضغط على كتفيه قمة جبلية، بل هيئات مألوفة تترى الواحدة تلو الأخرى، وكانت أخت الفتاة الصغيرة من بينهم. كانت تحدق فيه بعينين تسيل منهما دموع من دم، وتتمتم شفتاها بصمت وكأنها تشكو جريمته النكراء.
"لا، هذا مستحيل!" صرخ لي شنغ قه في ذعر، فقد كان المشهد كفيلًا بأن يجعل الدماء تتجمد في عروقه. ثم صاح مناديًا: "كل هذا زيف، لن تستطيع إخافتي!" وانفجرت هالته بكل قوتها، ولوّح بمروحته المستديرة في يده ضاربًا بها السحب المتوهمة فوقه.
غير أن ضربته لم تجد شيئًا. وحينما فتح عينيه مجددًا، كانت السماء صافية وقد تلاشى كل شيء، ولم يبق سوى عشرات الآلاف من المتفرجين الذين علت وجوههم الدهشة والحيرة.
"ما الذي أصاب لي شنغ قه؟" تساءل أحدهم. "لا أدري، لقد ركع فجأة أمام يي تشيان، ثم بدأ يهاجم الهواء عشوائيًا وكأنه يصارع طيفًا." وعلق آخر ساخرًا: "يبدو كالأحمق، هاهاها!" فتعالت ضحكات الجميع.
كان لي شنغ قه يلهث وأنفاسه تتسارع، وقد اغبرّ وجهه غضبًا. أدرك أن ما حدث قبل قليل لم يكن سوى وهم صنعه يي تشيان، فاشتعلت نيران الغيظ في قلبه.
التفت لي شنغ قه نحو يي تشيان، ونظر إليه بنظرات حانقة كادت أن تلتهمه. لكن في تلك اللحظة، كان يي تشيان قد انتهى من كتابة الكلمة الثانية: "بحر".
تسللت نسمة باردة إلى عنق لي شنغ قه، فغضب وصاح: "هل ستلجأ إلى الحيلة ذاتها مرة أخرى!" وهمّ بالتحرك. ولكن قبل أن يخطو خطوة واحدة، هبت رياح عاصفة كادت أن تفقده توازنه.
تسربت إلى أنفه رائحة رطبة ممزوجة بزنخة الدماء، وشعر بسائل يتدفق تحت قدميه. "إنه مجرد وهم، أهذه هي كل حيلك؟" قال لي شنغ قه وهو يفتح عينيه، وقد توهجتا ببريق أحمر.
لقد تحولت البيئة من حوله إلى بحر لجيّ، بحر أحمر قاني، لم يكن سوى بحر من الدماء. لا عجب أن السائل تحت قدميه كان لزجًا إلى هذا الحد. استمر بحر الدماء في الارتفاع، وسرعان ما وصل إلى خصر لي شنغ قه. رفع يده، فرأى كفه مخضبة بالدماء التي كانت تسيل ببطء.
جاء صوت يي تشيان من كل حدب وصوب: "لقد قلت إن الدماء هي الشيء المفضل لديك، وإنها مصدر سعادتك." "إذًا، استمتع بها كما تشاء."
"إنه مجرد وهم!" صرخ لي شنغ قه بصوت عالٍ، ثم أغمض عينيه محاولًا تهدئة نفسه. 'طالما حافظتُ على هدوئي وتأملت، سأتمكن من التخلص من هذا الوهم!'
كان بحر الدماء يرتفع ببطء، حتى غمر أنفه تدريجيًا. داهمته رائحة الدماء القوية مع إحساس بالاختناق يزداد عنفًا. جاهد لي شنغ قه لتهدئة مشاعره، مؤكدًا لنفسه أن كل هذا مجرد هلوسات لا تملك قوة فتاكة. لكن شعور الاختناق كان يشتد أكثر فأكثر! 'إن استمر الأمر هكذا، سأموت حقًا!'
لم يعد لي شنغ قه قادرًا على الاحتمال، فصرخ مطلقًا فقاعات من الهواء، ثم بدأ يسبح بيأس في بحر الدماء. لكنه مهما سبح، لم يستطع الإفلات أو الوصول إلى شاطئ. بدأ شعور باليأس يتسلل إلى أعماق قلبه وينتشر بسرعة، فاختلطت مشاعر الغضب والانزعاج والندم والخوف، وشكلت عبئًا ثقيلًا جعله يشم رائحة الموت. وفي النهاية، كان على وشك أن يفقد وعيه.
"وااه!" سقط لي شنغ قه على الأرض وهو يشهق، مستشعرًا الهواء النقي الذي افتقده طويلًا. قال يي تشيان ببرود: "لقد قلت إنك تعذب الآخرين فقط لتعرف كيف يبدو اليأس." "والآن، هل عرفت؟"
كان لي شنغ قه ملقى على الأرض يلهث بصعوبة، وقد استنزفت قواه تمامًا حتى عجز عن نطق كلمة واحدة. لكن يي تشيان بدأ يخط بفرشاته من جديد، وهذه المرة كتب كلمتين. "لقد أقسمتُ أن أُخضعك للقانون." "وأعتقد أن أفضل نهاية لك هي أن تموت على يد الشيء الذي تفضله." ثم أكمل يي تشيان آخر خط بفرشاته، وكتب: "ثعلبة خالدة".
لم يعرف أحد ما الذي كان يراه لي شنغ قه في عالمه الوهمي، لكن تصرفاته كانت تبعث على البرد في الأوصال. كان يضحك تارة، ويبكي تارة أخرى، ثم يتصرف بجنون، وفجأة يستجدي الرحمة بخوف. كان يضحك ويمزق ثيابه، ثم يغرس أصابعه في جسده حتى تسيل منه الدماء. وكان يبكي معتذرًا، ثم يطعن أصابع قدميه ويحطم ركبتيه بيديه.
"كفى!!" لم يعد لي ليو سو على المنصة العالية قادرًا على الاحتمال، فصرخ بأعلى صوته. إن استمر الأمر على هذا النحو، فلن يموت لي شنغ قه فحسب، بل ستُمرغ سمعة عائلة لي في الوحل. لكن غو وان شين، التي كانت تشرف على النزال، تجاهلته تمامًا وكأنها لم تسمعه.
"يي سوي فنغ، لقد بلغ السيل الزبى!" قال لي ليو سو وهو يوجه نظراته الحادة نحو يي سوي فنغ. فرك الأخير ذقنه بهدوء.
'هذا الفتى قد أدركَ دربَ القتلِ من خلال الجبال والبحار.' 'لكن هذا لا ينسجم مع أفكاره.' 'حسنًا، لا بأس، لا بد أن هذا مجرد هوس عابر لديه.' هكذا فكر يي سوي فنغ في قرارة نفسه.
"يي سوي فنغ، هل أصغيت إلى ما قلته!" صاح لي ليو سو وقد استبد به الغضب فنهض واقفًا. أجابه يي سوي فنغ وهو يرفع رأسه: "أصغيت، أصغيت." ثم قال بصوت عالٍ: "يي تشيان، هذا يكفي، لا تعذبه أكثر من ذلك."
أومأ يي تشيان برأسه وهو على الحلبة، ومحا كلمة "ثعلبة خالدة". أطلق لي ليو سو شخيرًا غاضبًا ثم جلس مرة أخرى. عندها قال يي سوي فنغ بهدوء: "دع عنك الأمر."