يفخر السيد والسيدة (درسلي) المقيمان في المنزل رقم (٤) شارع (بريفت درايف) بأن يقولا إنهما أسرة طبيعية تمامًا.. وهما فعلًا كذلك، لم يكن أحد ليتصور أن تتورط هذه الأسرة في أي أمور غريبة أو غامضة؛ لأنهما ببساطة لا يوافقان على شيء من هذا الهراء.

يعمل السيد درسلي مديرًا لشركة جرونينجس لصناعة المثاقب.. وهو رجل ضخم بدين.. لا تكاد رقبته تظهر من بين كتفيه.. مع أن له شاربًا كبيرًا جدًّا.. أما زوجته فهي نحيفة شقراء.. رقبتها أطول مرتين من أي رقبة عادية.. تستفيد منها في التجسس على الجيران؛ حيث تقضي معظم وقتها في مد رقبتها فوق سياج الحديقة؛ لمعرفة ما يفعلون..

ولهذه العائلة ابن صغير وحيد اسمه (ددلي)، وفي رأيهما أنه أحسن طفل في العالم.

وتمتلك أسرة (درسلي) كل ما تحتاجه في الحياة.. إلا أن لديهم أيضًا سرًّا.. سرًّا خطيرًا.. يكادون يرتعدون خوفًا من أن يكتشفه أحد.. لم يعتقدوا أن بإمكانهم تحمل فكرة أن يعرف أحد شيئًا عن عائلة (بوتر).. ورغم أن السيدة (درسلي) والسيدة (بوتر) شقيقتان.. فإنهما لم تقابل إحداهما الأخرى منذ سنوات عديدة.. بل إن السيدة (درسلي) تدَّعِي أنه ليس لها شقيقة على الإطلاق؛ وذلك لأن أختها وزوجها الذي لا يصلح لشيء كانا يختلفان عنهما تمامًا، وهما يخافان من مجرد التفكير فيما سيقوله الجيران لو أن عائلة (بوتر) ظهرت فجأة في شارعهما.. خاصة أن لديهما أيضًا طفلًا صغيرًا لم يروه قطُّ من قبل.. إلا أنه كان سببًا آخر مهمًّا في تباعدهما؛ حتى لا يختلط (ددلي) بطفل مثل هذا!

حتى كان أحد أيام الثلاثاء.. يوم معتم رمادي.. وفيه بدأت قصتنا هذه.. عندما استيقظ السيد والسيدة (درسلي) في ذلك اليوم، لم يكن هناك شيء في السماء الغائمة في الخارج يوحي بكل الأحداث الغريبة والغامضة التي ستجري قريبًا في كل أنحاء البلاد!

أخذ السيد (درسلي) يدندن وهو يلتقط أحد أكثر أربطة عنقه خلوًّا من الذوق استعدادًا للذهاب إلى عمله. بينما السيدة (درسلي) تثرثر بسعادة وهي تضع (ددلي) الذي لا ينقطع عن الصراخ والرفس فوق كرسيه العالي، ولم يلاحظ أي منهما بومة صفراء تطير عابرة وراء النافذة.

في الثامنة والنصف، تناول السيد (درسلي) حقيبته.. وربَّت على خدِّ زوجته وحاول عبثًا تقبيل (ددلي) الذي كان يصرخ عاليًا وهو يقذف بطعامه إلى الحائط.. وأخيرًا ترك المنزل وهو يغمغم: «ولد صغير شقي».. وركب سيارته ورجع بها إلى الخلف مغادرًا الممر الخاص المؤدي إلى منزله.

وعند ناصية الشارع، لاحظ الشيء الغريب الأول في ذلك اليوم؛ رأى قطة تقرأ في خريطة.. لم يستوعب ما يراه من الوهلة الأولى، فأدار رأسه لينظر مرة أخرى، ورأى فعلًا قطة رمادية تقف على ناصية الشارع، ولكنها لا تقرأ شيئًا.. عاتب نفسه.. هل هذا معقول؟! لا بد أنه خداع الضوء! طرَف السيد (درسلي) وحدق إلى القطة، فحدقت فيه بدورها، وعندما استدار بسيارته عند ناصية الطريق.. رآها مرة أخرى في المرآة القطة نفسها وهي تقرأ اللافتة المكتوب عليها اسم الشارع!

لا.. لا.. القطط لا تقرأ الخرائط ولا اللافتات.. وهز رأسه، يبعد عنه التفكير في القطة.. وبينما هو يقود سيارته في اتجاه المدينة، لم يعد يفكر في شيء سوى صفقة المثاقب التي كان يأمل عقدها اليوم..

لكن عندما وصل إلى أطراف المدينة.. وتوقف وسط زحام مرور الصباح المعتاد.. أبعد أمر غريب آخر المثاقب عن تفكيره؛ لاحظ مجموعات من الناس في ملابس غريبة؛ عباءات مختلفة الأشكال والألوان.. كم يكره هؤلاء الذين يرتدون الأشياء الغريبة، فكر أولًا أنها بعض الأزياء الغريبة التي يرتديها شباب هذه الأيام.. وتصور أنها إحدى تلك الموضات الجديدة السخيفة.. أخذت أصابعه تخبط على عجلة القيادة في ضجر حتى وقعت عيناه على مجموعة من ذوي الملابس الغريبة بالقرب منه، كانوا يتهامسون معًا في حماس. فاستشاط غضبًا عندما وجد أن البعض منهم ليسوا شبابًا على الإطلاق.. بل إن أحدهم يبدو أكبر منه سنًّا.. ويرتدي عباءة خضراء زمردية! كيف يمكنه ذلك! ثم خطر بباله أنهم ربما كانوا إحدى فرق الأكروبات السخيفة التي تجمع التبرعات من أجل شيء ما.. وتحرك المرور.. وبعد دقائق، وصل إلى موقف السيارات الخاص بجرونينجس، وعاد للتفكير في المثاقب.

في مكتبه بالدور التاسع، جلس السيد (درسلي) وظهره للنافذة كما يفعل عادة؛ ولو لم يفعل ذلك لوجد صعوبة في التركيز على المثاقب في هذا الصباح، فهو لم ير هذه الأسراب من البوم التي تطير عابرة أمام النافذة في وضح النهار.. حتى جذبت أنظار المارة في الطريق، وأخذوا يشيرون ويحدقون فيها في دهشة، بينما البومة تلو الأخرى تطير بسرعة عابرة فوق رءوسهم.. معظمهم لم ير بومة من قبل ولا حتى أثناء الليل.

وهكذا قضى السيد (درسلي) يومًا مثاليًّا في العمل خاليًا من البوم.. زعق في خمسة أشخاص مختلفين، وأجرى عددًا من الاتصالات المهمة التي صرخ فيها أكثر.. وكان مزاجه معتدلًا حتى موعد الغداء. وعندما شعر بحاجته إلى أن يحرك ساقيه، قرر السير حتى المخبز المواجه للشركة؛ ليشتري بعض الفطائر.

كان قد نسي كل شيء عن مرتدي العباءات، حتى رأى جماعة منهم؛ فنظر إليهم بغضب وهو يمر بهم.. لم يعرف لماذا. ولكنهم أشعروه بالانزعاج. كما أنه لم يرَأي عُلب لجمع التبرعات بالقرب منهم.. كانوا يتهامسون باهتمام.. وفي أثناء عودته حاملًا كعكة محلاة كبيرة في كيس.. ترامَى إلى سمعه بعض كلمات من حديثهم:

«نعم.. لقد سمعت بذلك..أسرة (بوتر)».

«فعلًا.. إنه ابنهما (هاري)!».

تجمد السيد (درسلي) في مكانه.. اجتاحته موجة من الرعب، ونظر إلى المتهامسين وكأنه يريد الحديث معهم.. ثم تراجع عن ذلك!

اندفع عائدًا عبر الطريق وأسرع إلى مكتبه..زعق في سكرتيرته ألا يزعجه أحد.. وأمسك التليفون وكاد أن ينهي طلب رقم منزله.. إلا أنه بدل رأيه.. وأعاد السماعة إلى مكانها، وأخذ يفكر وهو يجدل شاربه.. لا، لقد تصرف بغباء.. (بوتر) إنه اسم متداول.. الكثير من الناس يحملون نفس الاسم، ولهم ابن يدعى (هاري)..ثم إنه لا يعرف اسم ابنهم على وجه التأكيد، فهو لم يره من قبل.. وربما كان اسمه (هارولد) أو (هارفي).. ليس هناك داعٍ لإزعاج السيدة (درسلي) خاصة أنها تشتعل غضبًا إذا ذكر أحدهم اسم شقيقتها أمامها.. ولها كل الحق في ذلك؛ فلو كانت له أخت مثل هذه.. ومع كل ما فكر فيه فقد ظلَّ التفكير في مرتدي العباءات يؤرقه...

وجد (درسلي) صعوبة في التركيز في المثاقب في فترة ما بعد الظهر ذلك اليوم.. وعندما غادر المبنى في الساعة الخامسة، كان لا يزال متوترًا.. حتى إنه اصطدم برجل قصير في طريقه.. وكاد يسقط الرجل أرضًا.. وأسرع بالاعتذار: «آسف»، ومرت عدة ثوانٍ قبل أن يدرك أن الرجل يرتدي عباءة قرمزية، ولكن الرجل العجوز القصير لم يبدُ عليه أي غضب، بل على العكس.. ابتسم ابتسامة عريضة..

وقال له بصوت عالٍ جعل المارة يحدقون فيهما: «لا تعتذر يا سيدي.. لا شيء يمكن أن يضايقني اليوم، ابتهج، أخيرًا رحل (أنت تعرف من) وحتى أنتم أيها العامة.. يجب أن تحتفلوا بهذا اليوم السعيد.. جدًّا.. جدًّا!»

واحتضن الرجل القصير السيد (درسلي) من وسطه ثم مضى.. تجمد (درسلي) في مكانه.. ثم هُرع إلى سيارته، كان حائرًا فيما يحدث.. لقد احتضنه رجل غريب، وصفه بأنه من العامة، أيًّا كان ما يعنيه هذا.. شعر بالصدمة فأسرع إلى سيارته.. وانطلق إلى منزله..وهو يتمنى أن يكون ما حدث له.. هو مجرد وهم.. وهو شيء لم يتمنَّه من قبل؛ لأنه لا يؤمن بالأوهام..

عندما أوقف السيد (درسلي) سيارته في الممر الخاص بمنزله.. كان أول ما وقعت عليه عيناه هو القطة الرمادية التي رآها في الصباح.. ولكنها هذه المرة كانت تجلس على سور حديقته.. ولم يكن لديه شك في أنها نفس القطة.. كانت لها هذه الدوائر حول عينيها!

صاح بها السيد درسلي: «هش!».

لم تتحرك القطة، ولكنها نظرت إليه نظرة صامتة.. وتساءل السيد (درسلي): ما هذا؟! هل هو تصرف تقوم به القطط عادة؟

حاول أن يسيطر على نفسه، ودخل إلى البيت، وقد قرر ألا يذكر شيئًا لزوجته!

قضت السيدة (درسلي) يومًا عاديًّا لطيفًا.. وقصت على زوجها أخبار جارتهما في المنزل المجاور ومشاكلها مع ابنتها.. والكلمة الجديدة التي نطقها (ددلي) «عيب!». وحاول السيد (درسلي) أن يكون طبيعيًّا في تصرفاته.. وبعد أن نام (ددلي).. اتجه السيد (درسلي) إلى حجرة المعيشة في وقت إذاعة الخبر الأخير في نشرة المساء: «وأخيرًا.. أفادت تقارير مراقبي الطيور في كل مكان في البلاد عن نشاط غريب لطيور البوم؛ حيث ملأت المئات منها الجو منذ فجر اليوم، وفي ضوء النهار، وشوهدت تطير في كل الاتجاهات.. هذا رغم أن هذه الطيور عادة ما تصطاد ما تأكله في المساء، ولا تكاد ترى في ضوء النهار، ولا يعلم المراقبون الأسباب التي أدت إلى أن تغير هذه الطيور من طبيعتها الليلية!».

وابتسم المذيع وقال معلقًا: «أمر غامض.. غريب.. والآن إلى النشرة الجوية مع الزميل (جيم ماكوفين).. أهلًا يا (جيم).. هل يوجد المزيد من أسراب البوم غدًا؟!».

قال مذيع النشرة الجوية: «الحقيقة يا (تيد) أنني لا أعرف شيئًا عن ذلك إلا أن أشياء غريبة أخرى حدثت اليوم.. وصلني الكثير من المكالمات التليفونية من أماكن بعيدة مثل (كينت) و(يوركشاير) و(دوندي)، تقول إنه بدلًا من الأمطار التي توقعناها بالأمس.. أمطرت السماء سيلًا من الشهب المتساقطة وكأنهم يحتفلون بمهرجان «ليلة الشعلة» مبكرًا - ليس قبل الأسبوع القادم أيها القوم! وعلى كل حال، فمن المتوقع أن تكون الليلة رطبة باردة!».

تجمد السيد (درسلي) في مقعده..شهب متساقطة في كل مكان في بريطانيا!! وبوم تطير في وضَح النهار!! وأشخاص غامضون في عباءات ملونة في كل مكان!! وهمس يدور حول آل (بوتر)!!

دخلت السيدة (درسلي) حجرة المعيشة وهي تحمل كوبين من الشاي.. لا بد أن يحدثها؛ أن يخبرها بشيء مما حدث.. سعل بتوتر ليَجْلُوَ حنجرته.. وقال: «آ-(بتونيا) عزيزتي، هل وصلتك أخبار من أختك مؤخرًا؟».

ظهرت الصدمة والدهشة على وجهها.. تمامًا كما توقع.. فهما في المعتاد، يتظاهران بعدم وجود تلك الأخت.. وقالت بحدة: «لا.. لماذا؟».

غمغم السيد (درسلي): «أخبار غريبة في النشرة.. بوم.. وشهب متساقطة.. وكان هناك الكثير من الأشخاص غريبي المظهر في المدينة اليوم». شخطت السيدة درسلي: «وبعد؟» «فكرت بأن ذلك.. ربما.. يكون له صلة.. كما تعرفين.. جماعتها».. شربت السيدة (درسلي) الشاي في صمت وقد زمت شفتيها وتساءل زوجها: هل يخبرها بما سمعه من همس؟ لكنه لم يجرؤ.. وبدلًا من ذلك، سألها ــ بصورة حاول أن تبدو طبيعية: «ابنها.. هل هو في عمر (ددلي) الآن؟».

ردَّت بجفاء: «أظن ذلك».

سألها: «هل اسمه (هوارد)؟».

قالت: «لا.. (هاري).. اسم شائع سخيف على ما أعتقد!».

سقط قلبه في صدره وقال: «نعم.. أوافقك على ذلك!».

لم يقل كلمة أخرى عن الموضوع حتى صعدا إلى حجرة نومهما.. وبينما كانت السيدة (درسلي) في الحمام.. زحف السيد (درسلي) إلى نافذة حجرة النوم.. نظر من نافذة حجرة النوم إلى الحديقة الأمامية، ورأى القطة الرمادية لا تزال في مكانها تحدق إلى آخر شارع (بريفت درايف) وكأنها تنتظر شيئًا ما..

استغرقت السيدة (درسلي) في النوم على الفور.. أما هو فقد ظل يفكر في كل هذه الأحداث الغريبة التي وقعت اليوم وتساءل: تُرَى، هل كان هذا من صنع خياله أم أن لهذه الأحداث صلة بآل (بوتر)؟! لو أن ذلك صحيح وكان للأمر علاقة بهؤلاء الـ...، حسنًا، فإنه لن يكون قادرًا على تحمل الأمر.. ثم أخيرًا تثاءب وقد خطر على باله خاطر طمأنه.. حتى لو كان لتلك الأحداث علاقة بهم، فإن آل (بوتر) لن يحاولوا الاتصال بهما، فهم يعلمون جيدًا رأيه هو والسيدة (درسلي) فيهم وفيمن هم على شاكلتهم..وهكذا فلا يمكن أن يتورط هو أو (بتونيا) في هذا الأمر، أو يؤثر عليهم بأي حال من الأحوال.

وكم كان مخطئًا في رأيه هذا!

أخيرًا غرق السيد (درسلي) في نوم قلق.. لكن القطة لم تنم على الإطلاق.. كانت تجلس مكانها كالتمثال.. لا يطرف لها جفن.. وعيناها مثبتتان على ناصية شارع (بريفت درايف)، حتى إنها لم تحرك ساكنًا عندما أغلق باب إحدى السيارات بقوة في الجوار أو عندما نعقت بومتان في الجو فوقها.. ثم.. وفي منتصف الليل تمامًا.. بدأت في التحرك.. ظهر رجل فجأة عند ناصية الشارع الذي كانت تراقبه القطة.. ظهر بهدوء وكأنه خرج من بطن الأرض.. فضاقت عينا القطة.. وحركت ذيلها.. لم ير شارع (بريفت درايف) رجلًا مثله من قبل.. كان طويلًا.. وكان نحيفًا.. ويدل شعره ولحيته الفضيان الطويلان جدًّا لدرجة أنهما يصلان إلى الحزام الذي يرتديه في وسطه على أنه في سن كبيرة.. عجوز.. عجوز.. يرتدي معطفًا طويلًا وعباءة قرمزية تجرجر على الأرض.. وحذاءً طويلًا ذا كعب عالٍ مثبتًا بإبزيم يصل إلى منتصف ساقه، وكانت عيناه ذواتا اللون الأزرق تلمعان وتبرقان من وراء نظارة هلالية.. وأنفه كان شديد الطول ومعقوفًا، وكأنه قد تحطم مرتين على الأقل قبل ذلك.. وكان اسم الرجل (ألباس دمبلدور).

ولم يبد على (ألباس دمبلدور) أنه مدرك أنه وصل توًّا إلى شارع لا يرحب بأي شيء يخصه بداية من اسمه حتى حذائه الطويل؛ فقد كان مشغولًا بالبحث عن شيء ما داخل عباءته.. ومع ذلك شعر بأن هناك من يراقبه.. ورفع رأسه فجأة، فرأى القطة التي كانت تنظر إليه من الطرف الآخر للشارع.. ولسبب ما، بدا أن رؤية القطة قد أبهجته وابتسم سعيدًا وتمتم: «كان يجب أن أعرف!».

ووجد ما كان يبحث عنه في جيوبه الداخلية وأخرج ما بدا مثل ولاعة سجائر فضية.. ورفع يده عاليًا ونقرها مرة.. فانطفأ مصباح الشارع القريب بصوت فرقعة طفيف، وعندما كرر النقر عليها، انطفأ المصباح التالي وكرر ذلك اثنتي عشرة مرة.. فانطفأت كل المصابيح في الشارع، حتى لم يبق شيء مضيء سوى ثقبين بالغي الصغر على البعد هما عينا القطة التي تراقبه.. ولو نظر أي شخص من النافذة لما رأى شيئًا مما يحدث على رصيف الشارع على الإطلاق.. ولا حتى السيدة (درسلي) ذات العينين المستديرتين.. وأعاد (دمبلدور) ساحب الضوء إلى جيبه، وسار حتى وصل إلى سور المنزل رقم (٤) وجلس بصمت بجوار القطة، ودون أن ينظر إليها قال: «من الظريف أن أجدك هنا يا أستاذة (ماكجونجال)!».

ونظر مبتسمًا نحو القطة الرمادية ولكنها اختفت.. وبدلًا منها وجد سيدة حادة الملامح تضع على عينيها نظارة مربعة تشبه تمامًا شكل العلامات حول عيني القطة.. وتلبس عباءة زمردية اللون.. وتربط شعرها على شكل كعكة.. وتبدو قاسية الملامح.

سألته الأستاذة (ماكجونجال): «كيف عرفتني؟».

قال: «يا عزيزتي.. لم أر من قبل قطة تجلس في مثل ثباتك..».

قالت: «ستجلس مثلي لو بقيت طوال اليوم على مثل هذا السور!».

قال: «ماذا؟ طوال اليوم!! ألم تشتركي في الاحتفالات؟! لقد مررت على عشرات الاحتفالات في طريقي إلى هنا!».

قالت بنفاد صبر: «نعم.. الجميع يحتفلون.. ألا تظن أنه من الواجب أن نكون أكثر حذرًا.. لقد لفت ذلك الأنظار إلينا.. حتى هؤلاء العامة لاحظوا ما يحدث.. لقد جاء ذلك في نشرات أخبارهم». ثم أشارت برأسها إلى نافذة غرفة المعيشة المظلمة في منزل آل (درسلي) وقالت: «لقد سمعتها.. أسراب من البوم.. شهب متساقطة.. إنهم ليسوا أغبياء تمامًا.. لقد لاحظوا هذه الأحداث الغريبة! شهب متساقطة في (كينت). أراهن أن هذا من فعل (ديدالوس ديجل)؛ فهو لم يملك يومًا ذرة من الإدراك».

قال (دمبلدور) برفق: «لا يمكنك لومهم، فنحن لم نحتفل إلا قليلًا طوال أحد عشر عامًا».

قالت الأستاذة (ماكجونجال) بعصبية: «أعرف ذلك.. لكنه ليس مبرِّرًا لنفقد عقولنا، ونتصرف بإهمال، لقد خرجوا إلى الشوارع في وضح النهار يتبادلون الشائعات حتى إنهم لم يتنكروا في ملابس العامة». ثم نظرت إليه نظرة جانبية حادة وكأنها تأمل أن يخبرها بشيء ما، ولكنه لم يفعل.. فواصلت قائلة: «لن يكون شيئًا جيدًّا أن يكتشف العامة وجودنا في اليوم نفسه الذي اختفى فيه (أنت تعرف من) أخيرًا.. افترض أنه اختفى فعلًا يا (دمبلدور)؟».

قال (دمبلدور): «يبدو الأمر كذلك فعلًا؛ ولذلك يوجد الكثير مما يستحق الاحتفال.. هل ترغبين في بعض شربات الليمون»؟

«ماذا؟».

(دمبلدور): «شربات الليمون إنه أحد أنواع حلوى العامة التي أحبها».

ردت الأستاذة (ماكجونجال) بفتور وكأنها ترى أن الوقت غير مناسب لشربات الليمون: «لا.. شكرًا»، وأكملت قائلة: «كما سبق أن قلت، حتى لو اختفى (أنت تعرف من)...».

«عزيزتي (ماكجونجال).. أنت شخصية مسئولة.. لماذا تقولين (أنت تعرف من)؟! لماذا لا تنطقين اسمه؟! لقد انقضى أحد عشر عامًا وأنا أحاول أن أقنع الناس بأن يقولوا اسمه: فولدمور». أجفلت الأستاذة (ماكجونجال). ولكن (دمبلدور) - الذي كان مشغولًا بفصل اثنتين من حلوى شربات الليمون - لم يلاحظ واستطرد قائلًا: «يصبح الأمر مربكًا مع استمرارنا في قول (أنت تعرف ــ من). لم أر سببًا قطُّ لأن يخاف أحد من ذكر اسم فولدمور».

قالت الأستاذة (ماكجونجال) وقد بدت نصف مستاءة ونصف معجبة: «أعرف هذا، ولكنك مختلف، فالكل يعرف أنك الوحيد الذي يخاف منه (أنت تعرف...) أقصد فولدمور».

قال (دمبلدور) بهدوء: «أنتِ فقط تجاملينني، فأنت تعرفين أن فولدمور يملك قوًى لا يسعني أن أملكها!».

قالت: «لا.. إن حسن أخلاقك فقط هو الذي لا يسمح لك باستعمالها!».

(دمبلدور): «من حسن الحظ أن المكان مظلم، فوجهي لم يحمر هكذا منذ قالت لي مدام (بومفري) إنها معجبة بغطاء أذني الجديد».

رمته الأستاذة (ماكجونجال) بنظرة حادة ثم قالت: «إن طيور البوم ليست الوحيدة التي تطير اليوم.. الشائعات أيضًا تتطاير. هل تعرف ما الذي يقولونه حول سبب اختفائه، وعمَّا قضى عليه أخيرًا؟».

وصمتت الأستاذة (ماكجونجال).. وقد بدا أنها وصلت أخيرًا إلى النقطة التي تتلهف إلى مناقشتها معه، وهو السبب الحقيقي الذي جعلها تنتظر بصبر فوق هذا الحائط الصلب البارد طوال اليوم، وثبَّتت نظرها على (دمبلدور) بطريقة لم تفعلها من قبل سواء كقطة أو كامرأة.. كانت تريد أن تعرف منه الحقيقة، فهي لا تصدق سواه! إلا أن (دمبلدور) كان يأكل قطعة أخرى من شربات الليمون فلم يجبها.

فأكملت قائلة: «تقول الشائعات إن فولدمور ذهب أمس إلى بلدة (جودريكس هولو)؛ بحثًا عن آل (بوتر) وإن... وإن... (ليلي) و(جيمس بوتر) قد - قد ماتا».

شهقت الأستاذة (ماكجونجال) عندما هز الأستاذ (دمبلدور) رأسه موافقًا وقالت: «ماذا؟ (ليلي) و (جيمس) لا.. لا أصدق ذلك... بل لا أريد أن أصدقه... آهٍ يا ألباس!!...».

مد (دمبلدور) يده، وربت على كتف (ماكجونجال) وقال بحزن: «أعرف..أعرف».. ارتعش صوت الأستاذة (ماكجونجال) وواصلت: «ليس هذا كل شيء.. يقولون إن (فولدمور) حاول قتل ابنهما (هاري).. ولكنه لم يستطع قتل هذا الطفل، ولا أحد يعرف السبب.. ولكنهم يقولون إنه عندما لم يستطع قتل (هاري بوتر)، تحطمت قواه لسبب ما؛ ولهذا اختفى!».

أومأ (دمبلدور) برأسه بكآبة.

قالت الأستاذة (ماكجونجال): «إذًا، فالأمر حقيقي - حقيقي فعلًا! بعد كل ما فعله.. وكل الناس الذين قتلهم.. عجز عن قتل طفل صغير!! وكان هذا سببًا في القضاء عليه.. هذا شيء مدهش.. مدهش فعلًا. ولكن، كيف بحق السماء استطاع (هاري) أن ينجو؟».

قال (دمبلدور): «يمكننا أن نخمن.. ولكننا لن نعرف ما حدث أبدًا، وربما إلى الأبد!».

أخرجت الأستاذة (ماكجونجال) منديلًا من الدانتيل الرقيق.. وجففت دموعها تحت النظارة.. وتنهَّد (دمبلدور) بقوة ثم أخرج من جيبه ساعة ذهبية غريبة.. بها اثنتا عشرة يدًا.. ولا توجد بها أي أرقام، ولكن بها بعض الكواكب التي تدور حول حافتها.. ولكن يبدو أنها مفهومة بالنسبة لدمبلدور الذي أعادها إلى جيبه وقال: «لقد تأخر (هاجريد). أعتقد أنه هو الذي أخبرك أنني سأحضر إلى هنا.. أليس كذلك؟».

قالت الأستاذة (ماكجونجال): «بلى.. وأردت أن أعرف لماذا تأتي إلى هذا المكان بالذات؟».

رد قائلًا: «أتيت لأحضر (هاري) إلى خالته وزوجها.. فهما عائلته الوحيدة الآن!».

صرخت الأستاذة (ماكجونجال) وهي تقفز واقفة وتشير إلى المنزل رقم (٤): «تقصد هذه العائلة التي تعيش هنا.. (دمبلدور).. لا يمكنك ذلك.. لقد كنت أراقبهم طوال النهار.. لم أر أحدًا على النقيض منا مثلهم.. ثم إن لديهم هذا الابن.. لقد رأيته يركل أمه طوال الطريق إلى آخر الشارع.. وهو يصرخ في طلب الحلوى.. هل يأتي (هاري بوتر) ويعيش هنا؟!».

قال (دمبلدور) بحزم: «إنه أفضل مكان له.. سوف تشرح له خالته وزوجها كل شيء عندما يكبر.. لقد كتبت لهما رسالة!».

جلست الأستاذة (ماكجونجال) على السور مرة أخرى.. وقالت بصوت خفيض: «رسالة؟! حقًّا يا (دمبلدور) هل تعتقد أن تلك الرسالة ستكون كافية لتشرح فيها الأمر؟ إن هؤلاء الناس لن يفهموا حقيقة هذا الولد أبدًا.. سوف يصبح شهيرًا.. أسطورةً.. وقد يسمى هذا اليوم في المستقبل باسمه، وستؤلف حوله الكتب.. سيعرف كل طفل في عالمنا من هو (هاري بوتر)!».

رد (دمبلدور) بجدية وهو ينظر من فوق نظارته الهلالية: «تمامًا.. طفل مشهور ومعروف قبل أن يمشي أو يتكلم.. مشهور لسبب لا يتذكره.. إن هذا كفيل بأن يدير رأس أي طفل.. ألا ترين أن من مصلحته أن يترعرع بعيدًا عن كل ذلك حتى يصبح قادرًا على تحمله؟!».

فتحت الأستاذة (ماكجونجال) فمها، ثم غيرت رأيها وابتلعت ريقها وقالت: «نعم.. نعم، رأيك صائب تمامًا.. ولكن، كيف يحضر الولد إلى هنا يا (دمبلدور)؟» ثم نظرت إلى عباءته وكأنها تعتقد أنه يخفي (هاري) تحتها.

رد قائلًا: «سوف يحضره (هاجريد)».

قالت الأستاذة (ماكجونجال): «(هاجريد)؟! وهل من الحكمة أن تأتمنه على أمر مهم كهذا؟».

قال (دمبلدور): «إنني أأتمنه على حياتي!».

قالت الأستاذة (ماكجونجال) بتذمر: «لا أقصد أنه غير أمين أو طيب.. ولكن لا يمكنك التظاهر بأنه ليس مهملًا. وأنه يميل إلى أن يكون.. ما هذا الصوت؟».

وفي هذه اللحظة، اخترق السكون حولهم صوت دمدمة.. ظل يزداد بانتظام وأخذا ينظران إلى ناصيتي الشارع باحثين عن أي أثر لضوء مصباح سيارة أمامي، وتضخم الصوت حتى أصبح هديرًا، فرفعا رأسيهما ينظران إلى السماء. وفجأة سقطت دراجة بخارية ضخمة من السماء، وهبطت في الشارع أمامهما تمامًا.

ورغم ضخامة الدراجة، فقد كان الرجل الذي يركبها أضخم كثيرًا.. طوله يزيد على طول رجلين.. وعرضه يساوي خمسة رجال.. كان يبدو ببساطة أكبر كثيرًا من المسموح به بشعره الأشعث الغزير ولحيته السوداء الكثيفة المتشابكة التي يختفي وجهه وراءها.. كانت لديه يدان الواحدة منهما في حجم غطاء صندوق القمامة، بينما تبدو قدماه في حذائه الجلدي طويلتين مثل درفيلين صغيرين وبين ذراعيه الضخمتين لفافة من الملاءات البيضاء!

تنهد (دمبلدور) في راحة وهتف: «(هاجريد).. أخيرًا وصلت.. من أين لك بهذه الدراجة؟».

أجابه العملاق وهو يترجل من فوق الدراجة بحذر: «استعرتها يا سيدي، أعارها لي الصغير (سيريوس بلاك).. وقد أحضرته بها كما طلبت!».

سأله (دمبلدور): «حسنًا.. وهل صادفتك أي متاعب؟!».

(هاجريد): «لا يا سيدي.. كان المنزل مُدَمَّرًا تمامًا، إلا أنني استطعت إخراجه من هناك قبل أن يبدأ العامَّة في استطلاع المكان.. ثم استغرق في النوم ونحن نطير فوق (بريستول)».

وانحنى (دمبلدور) والأستاذة (ماكجونجال) فوق اللفافة التي يحملها (هاجريد).. وبداخلها ظهر طفل صغير، مستغرق في النوم، وتحت كتلة من شعره الأسود تظهر ندبة من آثار جرح في مقدمة رأسه.. تشبه سهم البرق.

وهمست الأستاذة (ماكجونجال): «هل هذه هي...؟».

رد (دمبلدور): «نعم.. إنها ندبة ستظل في رأسه طوال الحياة!».

قالت: «ألا يمكنك أن تخفيها بأي شكل؟».

قال: «لا.. أحيانًا تكون هذه الندوب مفيدة.. أنا نفسي لديَّ واحدة أعلى ركبتي اليسرى وهي على شكل خريطة مترو أنفاق لندن.. والآن.. أعطني إياه يا (هاجريد).. يجب أن ننتهي من هذه المهمة».

أخذ (دمبلدور) (هاري) بين ذراعيه والتفت نحو منزل آل (درسلي).

سأل (هاجريد): «هل يمكنني... هل يمكنني أن أودعه يا سيدي؟!».

وانحنى (هاجريد) برأسه ولحيته الشعثاء على هاري وقبل جبهته قبلة مشعرة ذات صرير. ثم اعتدل وأطلق فجأة صوتًا يشبه نباح كلب مجروح.

فهمست الأستاذة (ماكجونجال): «شششش! سوف توقظ العامة!».

قال (هاجريد) وهو ينشج: «آ آ آسف»، ثم أخرج منديلًا منقطًا كبيرًا وغطى به وجهه، وأضاف: «ولكنني لا-لا.. لا أستطيع تحمل الأمر.. (ليلي) و(جيمس) يموتان.. ثم يذهب ابنهما الصغير المسكين (هاري) للعيش مع هؤلاء العامَّة!».

همست الأستاذة (ماكجونجال) وهي تربت على ذراع (هاجريد): «نعم.. نعم.. إنه أمر محزن.. ولكن، تمالك نفسك يا (هاجريد) وإلا وجدونا»، بينما تقدم (دمبلدور) في اتجاه المنزل رقم (٤) ووصل إلى سلم الباب الأمامي ووضع اللفافة التي تحمل الطفل (هاري) بلطف على عتبة الباب.. وسحب رسالة من جيبه ووضعها داخل اللفافة.. ثم عاد إلى زميليه، ووقف ثلاثتهم يحدقون باللفافة لدقيقة كاملة، وقد اهتز كتفا (هاجريد) من البكاء.. وطرفت الأستاذة (ماكجونجال) بشدة.. وانطفأ البريق المعتاد في عيني (دمبلدور).

وقال (دمبلدور) أخيرًا: «حسنًا.. لم يعد لدينا ما نفعله هنا.. يمكننا أن نذهب ونشارك في الاحتفالات».

قال (هاجريد) بصوت خفيض جدًّا: «نعم، سأذهب لأعيد الدراجة إلى صاحبها.. إلى اللقاء يا أستاذة (ماكجونجال).. ويا أستاذ (دمبلدور)».

ومسح دموعه في كُمِّ مِعطفه.. ثم ركب الدراجة وشغَّل محركها وصعد بها في الهواء وهي تهدر حتى اختفت في الفضاء.

قال (دمبلدور) وهو يومئ برأسه مودِّعًا: «سأراكِ قريبًا يا أستاذة»، بينما تمخطت الأستاذة (ماكجونجال) ردًّا عليه.

واستدار، وسار في الطريق، وتوقف عند ناصية الشارع.. وأخرج ساحب الضوء الفضي.. ونقره مرة، فانطلقت اثنتا عشرة كرة من الضوء عائدة إلى المصابيح لتضيء شارع (بريفت درايف) فجأة، ولمح قطة رمادية تختفي عند الناصية الأخرى للشارع وكان بإمكانه أن يرى اللفافة فوق عتبة المنزل رقم (٤)!

وغمغم قائلًا: «أتمنى لك حظًّا سعيدًا يا (هاري)!».

ودار على عقبيه ملتفًّا بعباءته التي سمع حفيفها وهو يتلاشى في الظلام.

هبَّ نسيم رقيق على شارع (بريفت درايف) الصامت تحت السماء الحالكة؛ حيث لا يتوقع أحد أن تحدث أي أشياء غريبة أو مدهشة. وتحرك (هاري) في لفافته.. لكنه ظل نائمًا.. ويده الصغيرة تقبض على الرسالة.. وهو لا يعرف أنه شخص متميز.. وأنه مشهور.. وأنه سيستيقظ بعد ساعات على صرخة السيدة (درسلي) عندما تفتح الباب لتضع زجاجات اللبن وتجده أمامها.. وأنه سيقضي الأسابيع التالية وهو يعاني ركلات وخبطات ابن خالته (ددلي). لم يكن يعرف أنه في هذه اللحظة بالذات يلتقي أناسٌ في اجتماعات سرية بجميع أنحاء البلاد.. يرفعون كئوس الشراب هاتفين: «في صحة (هاري بوتر)؛ الطفل الذي نجا!!».

2019/11/28 · 964 مشاهدة · 3754 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024