مرت عشر سنوات كاملة.. منذ عثر آل (درسلي) على قريبهم على عتبة منزلهم.. لكنَّ شيئًا لم يتغير في شارع (بريفت درايف) طوال هذه السنوات.. مازالت الشمس تشرق على نفس الحدائق الأمامية المنسقة وتنعكس على رقم (٤) النحاسي المثبت على الباب الأمامي لمنزل آل (درسلي).. قبل أن تزحف إلى غرفة معيشتهم التي لم تتغير كثيرًا عن مظهرها في تلك الليلة التي سمع فيها السيد (درسلي) ذلك الخبر الغريب عن البوم في نشرة الأخبار، لا شيء فيها يدل على مرور الزمن سوى هذه الصور الفوتوغرافية الموضوعة على رف المدفأة. منذ عشر سنوات، كان هناك الكثير من الصور لما بدا مثل كرة كبيرة وردية ترتدي قبعات بألوان مختلفة، ولكن (ددلي درسلي) لم يعد طفلًا صغيرًا، فالصور الآن تُظهر ولدًا أشقر ضخمًا وهو يعلو أول دراجة له.. وهو فوق الأرجوحة الدوارة في الملاهي.. وهو يلعب بألعاب الكمبيوتر مع أبيه.. وأمه تحتضنه وتقبِّله. ولكن الحجرة لم تحمل دليلًا واحدًا على وجود ولد آخر في البيت!

ومع ذلك، كان (هاري بوتر) لايزال هناك.. وكان نائمًا في هذه اللحظة ولكن ليس إلى وقت طويل.. فها هي ذي خالته (بتونيا) تستيقظ وتوقظه بصوتها الرفيع: «هيا.. استيقظ.. الآن فورًا!».

هب (هاري) فجأة.. وصرخت (بتونيا) وهي تطرق الباب: «هيا».. وسمع خطواتها وهي تتجه إلى المطبخ.. وتضع المقلاة فوق الموقد..

وتقلَّب في مكانه.. حاول أن يتذكر الحلم الجميل الذي كان يحلم به.. ورأى فيه دراجة بخارية طائرة.. والغريب أنه يشعر بأنه قد رأى هذا الحلم من قبل.

وصرخت فيه خالته وقد عادت وراء الباب: «ألم تستيقظ بعد؟».

وهتف (هاري): «تقريبًا».

صاحت: «حسنًا.. هيا تحرك.. وراقب اللحم الذي فوق الموقد.. إياك أن تتركه يحترق. لا أريد أي أخطاء، فاليوم عيد ميلاد (ددلي)».

وزمجر (هاري).

صاحت خالته من وراء الباب: «ماذا قلت؟».

قال: «لا شيء.. لا شيء».

عيد ميلاد (ددلي) كيف يمكنه أن ينسى هذا اليوم؟ وخرج (هاري) من فراشه ببطء، وبدأ يبحث عن جوربيه.. وجد زوجًا منها تحت السرير ولبس الجورب الأول ثم الثاني بعد أن خلصه من أحد العناكب.. وكان (هاري) معتادًا العناكب؛ فقد كانت تملأ الخزانة الموجودة تحت السلم حيث ينام!

وبعد أن انتهى من ارتداء ملابسه، خرج إلى الصالة ومنها إلى المطبخ.. كانت المائدة مختفية تقريبًا تحت أكوام الهدايا التي وصلت إلى (ددلي) في عيد ميلاده.. يبدو أن (ددلي) قد حصل على الكمبيوتر الجديد الذي يريده، هذا بالإضافة إلى تلفزيون آخر.. ودراجة سباق.. وشعر (هاري) بالحيرة؛ لماذا يريد (ددلي) دراجة سباق؟ إنه بدين جدًّا، ويكره الرياضة.. ولا يتحرك إلا إذا أراد أن يلكم أحدًا والشخص الذي يحب لكمه دائمًا هو (هاري) ولكنه غالبًا لم يكن يستطيع اللحاق به؛ بسبب سرعة (هاري) العالية، وإن لم يبد عليه ذلك.

ربما كان لذلك علاقة بحياته في الخزانة تحت السلم.. فقد كان دائمًا نحيفًا وصغيرًا.. حتى إنه يبدو أصغر من سنه خاصة أنه يرتدي ــ باستمرار ــ ملابس (ددلي) القديمة والذي يزيد حجمه على (هاري) بأربع مرات. ويتميز (هاري) بوجه نحيف وشعر أسود كثيف، وعينين خضراوين يضع عليهما نظارة مستديرة تم تثبيت أجزائها معًا باستخدام ورق لاصق؛ لأن (ددلي) يفضل دائمًا ضربه على أنفه.. وكان الشيء الوحيد الذي يحبه (هاري) في شكله هو هذه الندبة الموجودة على جبينه، والتي تشبه سهم البرق.. وهو لا يعرف متى ولا كيف حدثت له.. وكان هذا هو أول سؤال سأله لخالته (بتونيا) التي أجابته قائلة: «أصبت بها في حادث السيارة الذي ماتت فيه أمك وأبوك! ولا تسأل أي أسئلة أخرى..!».

على أية حال، «لا أسئلة» هي القاعدة الأولى من أجل حياة هادئة مع آل (درسلي).

دخل الخال (فيرنون) إلى المطبخ بينما كان (هاري) يقلب اللحم وزمجر قائلًا كنوع من تحية الصباح: مشط شعرك.

اعتاد الخال (فيرنون) أن ينظر من فوق صحيفته مرة في الأسبوع على الأقل، ويصيح بأن (هاري) يحتاج إلى قص شعره. ويفوق عدد المرات التي قص (هاري) فيها شعره عدد المرات التي قام فيها جميع زملائه في الفصل مجتمعين بقص شعورهم ولكن هذا لم يمثل أي فرق؛ لأن شعره يعود للنمو بنفس الشكل.

كان (هاري) يطهو البيض لحظة وصول (ددلي) وأمه إلى المطبخ، ووضع أطباق البيض واللحم في المكان الصغير الباقي على المائدة.. إن (ددلي) يشبه والده كثيرًا بوجهه الوردي الضخم، ورقبته القصيرة وعينيه الزرقاوين الصغيرتين وشعره الأشقر الكثيف المستقر بنعومة على رأسه الغليظ الضخم.. وتصفه (بتونيا) دائمًا بأنه ملاك صغير. أما (هاري) فيرى أنه يشبه خنزيرًا يضع باروكة على رأسه.

أخذ (ددلي) يحصي هداياه، وظهر الضيق على وجهه وقال: «ست وثلاثون» ثم نظر إلى والديه وقال: «إنها تقل هديتين عن العام الماضي!».

قالت له أمه: لقد نسيت عد هدية عمتك (مارج)، انظر إنها أسفل هذه الهدية الكبيرة التي أحضرها لك ماما وبابا. بدأ وجه (ددلي) في الاحمرار وقال: «حسنًا.. هذا يجعلها سبعًا وثلاثين».. شعر (هاري) بهبوب العاصفة.. فأسرع يلتهم طعامه قبل أن يقلب (ددلي) المائدة.

وشعرت أمه أيضًا بالخطر فأسرعت تقول: «وسوف نشتري لك هديتين أيضًا عندما نخرج اليوم، ما رأيك بهذا يا عزيزي؟هديتان إضافيتان».

عاد (ددلي) يحصي ما عنده وقال أخيرًا ببطء: «حسنًا.. سيكون عندي... عندي...».

قالت الخالة (بتونيا): «تسع وثلاثون يا حبيبي».

جلس (ددلي) بتثاقل وجذب أقرب هدية إليه وقال: «حسنًا إذًا».

قهقه الخال (فيرنون) وقال: «ولد صغير شقي، يريد أفضل الأشياء لنفسه مثل والده»، ثم نفش شعر (ددلي) بأصابعه مداعبًا إياه.

في هذه اللحظة، دق جرس التليفون.. أسرعت الخالة (بتونيا) للرد عليه.. بينما جلس (فيرنون) و(هاري) يراقبان (ددلي) وهو يفتح هداياه: دراجة سباق.. كاميرا حديثة.. طائرة بجهاز التحكم عن بُعد.. ١٦ لعبة كمبيوتر جديدة.. مسجل فيديو.. وفي اللحظة التي بدأ فيها يفتح علبة ساعة يد ذهبية، كانت أمه قد أنهت التليفون وعادت يبدو على وجهها الغضب والقلق وقالت: «أنباء سيئة يا (فيرنون)، لقد كسرت قدم السيدة (فيج)، لن تستطيع أن تأخذه عندها!» وأشارت برأسها إلى (هاري)..

فتح (ددلي) فمه في رعب.. وقفز قلب (هاري) راقصًا.. في كل عيد ميلاد لابن خالته.. تأخذ خالته وزوجها (ددلي) وأحد أصدقائه للنزهة في الحديقة أو السينما ويتركونه عند السيدة (فيج) وهي سيدة عجوز.. مجنونة.. تقيم على بُعد شارعين منهم ويكره (هاري) البقاء عندها؛ فمنزلها تفوح منه رائحة الكرنب.. كما أنها تجبره كل مرة على قضاء الوقت في مشاهدة الألبومات المليئة بصور القطط التي كانت تمتلكها!

قالت الخالة (بتونيا) وهي تنظر إلى (هاري) بغضب وكأنه السبب فيما حدث: «ماذا نفعل الآن؟» عرف (هاري) أن عليه الشعور بالأسف لما حدث للسيدة (فيج) ولكن هذا لم يكن سهلًا، خاصة عندما ذكَّر نفسه بأن عامًا آخر سيمر قبل أن ينظر إلى صور (تيبليس وسنوي والسيد باوس وتوفتي) في ألبوم صور القطط الخاص بالسيدة (فيج) مرة أخرى.

اقترح الخال (فيرنون): «هل يمكن أن نتصل بـ(مارج)؟».

قالت (بتونيا): «لا تكن سخيفًا.. إنها تكره الولد!».

كانت هذه هي طريقة آل (درسلي) في الحديث عن (هاري).. وكأنه غير موجود.. أو لا يفهم شيئًا مما يقال!

عاد (فيرنون) يسأل: «ألا يمكن الاتصال بصديقتك (إيفون)؟».

قالت: «إنها في رحلة إلى مايوركا».

قال (هاري) آملًا: «يمكنكم تركي وحدي هنا» (سيكون بإمكانه أن يشاهد ما يريد في التلفزيون..وربما تكون لديه فرصة لتجربة بعض الألعاب على كمبيوتر ددلي).

بدت السيدة (درسلي) ممتعضة، وكأنها قد بلعت ليمونة وقالت: «لا.. لا يمكن.. سأعود لأجد البيت مقلوبًا رأسًا على عقب».

قال (هاري): «لا.. لن أقلب البيت..»، ولكنهما لم ينصتا إليه.

قالت الخالة(بتونيا) ببطء: «ما رأيكما لو نأخذه معنا إلى حديقة الحيوان، ونتركه في السيارة؟».

قال الخال (فيرنون): «لا..لا.. إنها السيارة الجديدة..لا يمكن أن يجلس فيها وحده..!».

وهبت العاصفة.. وبدأ (ددلي) في البكاء بصوت عال. ولكنه في الحقيقة لم يكن يبكي فعلًا. كان يعرف أنه إذا تظاهر بالبكاء ولوى وجهه، ستحقق له أمه كل ما يريد.

أسرعت أمه تضمه إلى صدرها وتقول: «(ددلي).. مودلي.. بودلي.. لا تبكِ يا حبيبي. مامي لن تتركه يفسد يوم عيد ميلادك!».

صاح (ددلي) وهو يتظاهر بالنشيج في حضن أمه، بينما ينظر إلى (هاري) بسخرية من خلال فجوة بين ذراعيها: «لا أريده.. أن.. أن.. يأتي! فهو دائمًا ما... ما يفسد كل شيء».

وفي هذه اللحظة، ارتفع رنين جرس الباب وقالت (بتونيا) وقد أصابها الارتباك: «يا إلهي! لقد حضروا!» وبعد دقيقة كان (بيير بولكس) صديق (ددلي) المقرب يدخل مع أمه.. وهو ولد نحيل، وجهه مثل الفأر.. وكان مختصًّا بتقييد أيدي الناس وراء ظهورهم؛ حتى يتمكن (ددلي) من ضربهم..

وبوصولهم.. توقف (ددلي) عن التظاهر بالصراخ!

وبعد نصف ساعة، لم يصدق (هاري) نفسه وهو يجلس في المقعد الخلفي بالسيارة مع (ددلي) و(بيير) في طريقه إلى حديقة الحيوان لأول مرة في حياته، فخالته وزوجها لم يستطيعا التفكير بأي شيء آخر يفعلانه به. ولكن قبل أن يخرجوا، أخذه (فيرنون) جانبًا وقال له وهو يضع وجهه السمين البنفسجي في مواجهته: «إنني أنذرك.. نعم هذا إنذار لك يا ولد.. إذا ارتكبت أي عمل خطأ.. فسوف أحبسك في الخزانة حتى نهاية العام!».

قال (هاري) بحرارة: «لن أفعل شيئًا!».

لكنه لم يصدقه.. لا أحد يصدقه أبدًا.. والحقيقة أن أحداثًا كثيرة كانت تحدث حول (هاري).. لا يكون هو السبب فيها.. ولكنهم يحمِّلونه مسئوليتها.. ففي إحدى المرات، عندما تعبت الخالة (بتونيا) من رؤية (هاري) يعود من عند الحلاق وشعره يبدو كأنه لم يذهب إليه من قبل، أحضرت مقصًّا من المطبخ، وأزالت شعره تمامًا، حتى أصبح كالأصلع.. ما عدا الجزء الأمامي الذي تركته؛ ليخفي أثر الجرح.. وأخذ (ددلي) يضحك ساخرًا من (هاري). وفي هذه الليلة، نام (هاري) في خزانته نومًا متقطعًا وهو يتصور سخرية زملائه بالمدرسة في اليوم التالي.. إنهم يسخرون منه لملابسه الواسعة، ونظارته المربوطة باللاصق.. سوف يزيد عليها الصلع!

في الصباح التالي، اكتشف أن شعره قد عاد طويلًا كما كان.. وكأن خالته لم تلمسه.. وهكذا عوقب بالحبس لمدة أسبوع كامل في الخزانة رغم أنه حاول أن يشرح لهم براءته مما حدث.

مرة أخرى، حاولت الخالة (بتونيا) أن تجبره على ارتداء بلوفر صوف قديم بشع يخص (ددلي)، «لونه بني ومزين بكرات من الصوف البرتقالي»، وكلما حاولت الخالة (بتونيا) إدخاله في رأسه لتلبسه إياه، صغر حجمه حتى أصبح في حجم يصلح لعروس صغيرة ولكنه لا يصلح أبدًا لـ(هاري)، فقررت الخالة (بتونيا) أنه لا بد أن يكون قد انكمش في أثناء الغسيل..وشعر (هاري) بالارتياح؛ لأنه أفلت من العقاب هذه المرة.

ولكنه من ناحية أخرى، وقع في ورطة كبيرة.. عندما طارده (ددلي) وعصابته في المدرسة كالمعتاد.. وإذا به يجد نفسه جالسًا فوق مدخنة مطبخ المدرسة.. ويومها تسلم آل (درسلي) خطابًا من ناظرة المدرسة تشكو فيه من تسلق هاري للمبنى، وقد حاول ــ عبثًا أن يشرح لخالته وزوجها من وراء باب الخزانة المغلق أن كل ما فعله هو القفز وراء الصناديق الموجودة أمام باب المطبخ.. وأن الرياح قد تكون حملته وهو يقفز، لكنه لم يجد أذنًا صاغية.

لكن اليوم يوم غير عادي.. يستحق أن يتحمل (ددلي) و(بيير) فهو بعيد عن المدرسة والخزانة وحجرة معيشة السيدة (فيج) التي تفوح منها رائحة الكرنب.

وبينما يقود السيارة، أخذ الخال (فيرنون) يشكو للخالة (بتونيا)، فهو يحب الشكوى، ومن بين مواضيع شكواه المفضلة: الناس في العمل و(هاري) والمجلس و(هاري) والبنك و(هاري)، أما الشكوى هذا الصباح فكانت من الدراجات البخارية.

قال عندما اجتازته إحدى الدراجات البخارية مسرعة: «... هؤلاء المجانين.. قُطَّاع الطرق الصغار..لا تكف محركات دراجاتهم اللعينة عن الهدير طوال الطريق».

قال (هاري) فجأة وقد تذكر حلمه: «لقد حلمت بدراجة بخارية ولكنها كانت تطير».

كاد السيد (درسلي) يصطدم بالسيارة التي أمامه ثم التفت وراءه وصاح بـ(هاري) وقد بدا وجهه مثل ثمرة بنجر كبيرة: «الدراجات البخارية لا تطير».

ضحك (ددلي) و(بيير).

قال (هاري): «أعرف أنها لا تطير.. لقد كان هذا حلمًا».

ولكنه تمنى لو لم يقل شيئًا، فقد كان الشيء الذي يكرهه آل (درسلي) أكثر من كراهية أسئلته هو أن يتحدث عن أي شيء يقوم بعمل غير معتاد سواء كان هذا في حلم أو حتى في أفلام الكارتون، كانوا على ما يبدو - يعتقدون أنها يمكن أن توحي إليه بأفكار خطيرة.

اليوم هو السبت.. الشمس مشرقة.. وحديقة الحيوان مليئة بالعائلات. اشترى آل (درسلي) كوبين ضخمين من الآيس كريم بالشيكولاتة لكل من (ددلي) و(بيير) عند المدخل، وعندما سألت البائعة (هاري) عما يحبه اضطرت السيدة (درسلي) أن تشتري له قطعة صغيرة من الآيس كريم بالليمون.. والتي وجدها لذيذة.. وأخذ يلعقها وهم يشاهدون الغوريلا.. وفكر (هاري) أنها تشبه (ددلي) تمامًا.. إلا أنها ليست شقراء الشعر!

قضى (هاري) أجمل صباح مر به منذ وقت طويل.. وتعمد أن يسير على بعد قليل من آل (درسلي)، حتى لا يعود (ددلي) وصديقه إلى هوايتهما المفضلة في مضايقته بعد أن بدأا يشعران بالملل من الحيوانات بحلول وقت الغداء.. وتناولوا الغداء في مطعم حديقة الحيوان، وعندما ثار (ددلي) وقال إن قطعة الحلوى ليست كبيرة بما يكفي ولا تعجبه، اشترى له الخال (فيرنون) واحدة أخرى.. وسمح لـ(هاري) بأن يأكل باقي القطعة الأولى. فكر (هاري) فيما بعد أن الأمر كان طيبًا جدًّا وكان عليه أن يعرف أنه لم يكن ليستمر.

وبعد الغداء، اتجهوا إلى بيت الزواحف.. كان مظلمًا وباردًا.. وداخل الصناديق الزجاجية الضخمة المضاءة، تزحف كل أنواع الثعابين والسحالي.. حول الصخور وجذوع الأشجار.. وكان (ددلي) و(بيير) يريدان مشاهدة أكبر ثعبان كوبرا سام في المكان.. والأصلة التي تلتف حول الإنسان لتقتله. ووجد (ددلي) بسرعة أضخم ثعبان في المكان.. كان من الضخامة بحيث يمكنه أن يلتف مرتين حول عربة السيد (درسلي) ويهشمها.. لكن الأفعى في هذه اللحظة لم تكن مستعدة لذلك؛ فقد كانت نائمة تمامًا! ضغط (ددلي) أنفه على الزجاج وهو ينظر إلى الحية البنية اللامعة الملفوفة! ثم غمغم قائلًا: «اجعلها تستيقظ!».

طرق (فيرنون) على الزجاج بإصبعه.. لكنها لم تتحرك!

أمره (ددلي): «حاول مرة أخرى!».

فدق الأب الزجاج مرة أخرى، لكن الأفعى الضخمة واصلت نومها!

تذمر (ددلي) وقال: «شيء ممل» وتحرك مبتعدًا!

اقترب (هاري) من الزجاج.. ونظر إلى الحية، وفكر أنه لن يشعر بالعجب إذا كانت قد ماتت من الملل؛ فهي لا ترى سوى هؤلاء الزوار الأغبياء الذين لا يفعلون شيئًا سوى الدق على الزجاج، ومحاولة إزعاجها طوال اليوم.. فكر أن النوم في خزانته تحت السلم أفضل من هنا؛ فهو على الأقل لا تزوره سوى خالته (بتونيا) صارخة فيه لتوقظه.. ثم يمكنه بعد ذلك التحرك في أرجاء البيت!

فجأة، فتحت الحية عينيها الخرزيتين ببطء.. بطء شديد.. ورفعت رأسها حتى أصبحت في مواجهة (هاري).. ثم غمزت له بعينيها!

فوجئ (هاري)، ثم نظر حوله.. فلم يجد أحدًا يراقبه.. عاد ينظر إلى الأفعى.. وغمز لها هو أيضًا!

أشارت الأفعى برأسها إلى زوج خالته (فيرنون) وابنه (ددلي)..ثم رفعت عينيها إلى السقف.. نظرت إلى هاري وقالت في وضوح شديد: «هذا يحدث لي دائمًا».

قال (هاري) من وراء الزجاج.. ولم يكن يدري إن كانت تسمعه أم لا: «أعرف.. شيء مزعج.. أليس كذلك؟».

وأومأت الأفعى برأسها بحرارة!

سألها (هاري): «من أين أتيت؟».

رفعت ذيلها وأشارت إلى لافتة ملصقة بالزجاج. حملق (هاري) (ثعبان بوا عاصر موطنه البرازيل).

قال: «هل البرازيل جميلة؟».

أشارت مرة أخرى إلى اللافتة.. وقرأ:

(هذا النموذج مولود في الحديقة).

قال (هاري): «آه..فهمت.. إنك لم تذهبي قطُّ إلى هناك!».

وفي اللحظة التي هزت فيها الأفعى رأسها بالموافقة؛ ارتفعت عاصفة من الصراخ: «(ددلي).. عمي (فيرنون).. انظروا إلى الأفعى.. لن تصدقوا ما تفعل!».

أسرع (ددلي) بقدر ما يستطيع ناحية الثعبان وهو يصرخ: «أفسحوا الطريق».

وضرب (هاري) بين كتفيه.. فسقط على الأرض الخرسانية.. ثم لم ير أحد ما حدث بعد ذلك بالضبط.. كان (ددلي) و(بيير) يميلان بالقرب من الزجاج، ثم اندفعا فجأة إلى الخلف في رعب وهلع.

جلس (هاري) ينظر في ذهول.. لقد اختفى في لحظة زجاج صندوق الأفعى البرازيلية الضخمة، وكانت تزحف خارجة من الصندوق.. واندفع الناس يفرون من بيت الزواحف متجهين ناحية أبواب الخروج!

ويُقسِم (هاري) أنه سمع الأفعى تهمس له في أثناء مرورها بجواره قائلة: «هأنا ذاهبة إلى البرازيل.. شكرًا يا صديقي!».

وتجمد حارس بيت الزواحف من الدهشة وهو يتساءل: «أين اختفى الزجاج؟! أين اختفى الزجاج؟!».

وأعدَّ مدير الحديقة بنفسه كوبًا من الشاي الثقيل المحلى للخالة (بتونيا) وهو يعتذر مرارًا وتكرارًا. ظل (ددلي) و(بيير) يثرثران فادعى (ددلي) أنها تقريبًا عضت ساقه.. وأقسم (بيير) أنها كادت تعتصره حتى الموت ولكن (هاري) كان متأكدًا أن الأفعى لم تفعل شيئًا سوى الزحف بالقرب من كعوبهم لتخيفهم وهي تتسلل إلى الخارج، ولكنهم عندما استقلوا سيارة الخال (فيرنون) للعودة.. حدث الأسوأ بالنسبة لـ(هاري) على الأقل، وذلك عندما هدأ (بيير) بما يكفي ليقول: «لقد كان (هاري) يتحدث إليها.. أليس كذلك يا (هاري)؟».

انتظر الخال (فيرنون) حتى عاد (بيير) سالمًا إلى بيته قبل أن يواجه (هاري) وهو في حالة من الغضب الشديد لدرجة أنه لم يستطع الكلام.. وأخيرًا نجح في أن يصرخ: «(هاري).. إلى الخزانة.. لا طعام لك!».

ثم سقط على مقعده.. وأسرعت الخالة (بتونيا) تناوله كوبًا من الماء.. وظل (هاري) مستيقظًا في الخزانة المظلمة حتى وقت متأخر.. وهو يتمنى لو أن معه ساعة؛ فعدم معرفته الوقت جعله غير متأكد إن كان آل (درسلي) قد ناموا بعد أم لا؛ ولذلك لم يتمكن من المخاطرة بالتسلل إلى المطبخ وتناول بعض الطعام!

وهكذا عاش (هاري) مع آل (درسلي) عشر سنوات تقريبًا.. عشر سنوات من البؤس منذ كان رضيعًا، ومات أبوه وأمه في حادث سيارة وهو لا يتذكر أي شيء عن وجوده في السيارة عندما وقع ذلك الحادث.. وكان أحيانًا عندما يستغرق في التفكير في ظلام الخزانة، يتذكر شعاعًا أخضر من الضوء، ثم ألمًا في مقدمة رأسه.. ربما كان هذا نتيجة الحادث.. ولكنه لم يستطع أن يتخيل من أين أتى الضوء الأخضر. لم يكن يتذكر أي شيء عن والديه، ولم تحدثه خالته أو زوجها عنهما قطُّ.. وكان ممنوعًا بالطبع من أن يسأل أية أسئلة.. ولا توجد حتى صورة لعائلته في المنزل.

عندما كان (هاري) أصغر سنًّا.. كان يحلم أن يأتى أحد أقربائه المجهولين ويأخذه بعيدًا عن هنا.. لكن ذلك لم يحدث قطُّ.. فلم يكن له أي أقارب سوى آل (درسلي). ولكنه كان يشعر أحيانًا أن بعض الغرباء الذين يلتقي بهم في الشارع يعرفونه.. وكانوا دائمًا شخصيات غريبة، مثل ذلك الرجل القصير ذي القبعة القرمزية العالية الذي أحنى له رأسه عندما كان في أحد المتاجر مع (ددلي) والخالة (بتونيا) التي سألته غاضبة عن الرجل، ثم جذبتهما إلى الخارج دون أن تشتري شيئًا.

وهناك أيضًا هذه السيدة العجوز ذات الملابس الخضراء التي ابتسمت وأشارت له بالتحية في الحافلة.

ثم ذلك الرجل الأصلع الذي يلبس معطفًا طويلًا بنفسجي اللون.. والذي صافحه بحرارة في الشارع.. ثم مضى دون أن ينطق بكلمة.. والغريب في كل هؤلاء الناس أنهم كانوا يختفون في اللحظة التي يحاول فيها أن يدقق النظر إليهم!

في المدرسة.. لم يكن له أي صديق.. كان الجميع يعرف أن (ددلي) وعصابته يكرهون (هاري) بملابسه الفضفاضة ونظارته المحطمة.. ولم يجرؤ واحد منهم على تحدي (ددلي) وعصابته!!

2019/11/28 · 459 مشاهدة · 2792 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024