مر الوقت كما تمر الرمال من بين الأصابع، بطيئاً وثقيلاً. لم أعد أعلم كم مضى منذ بدأ القتال بيني وبين راسا. الشمس التي كانت في كبد السماء، صارت الآن تنحدر ببطء نحو الأفق، تلوّن الرمال بظلال برتقالية قاتمة. الغبار الذي كان يرفرف خفيفاً في بداية النهار، صار الآن يغطي كل شيء. الهواء مشبع برائحة الحديد والدخان والعرق… والدم.

واجهت راسا، الرمال الذهبية تدور حوله كما لو أنها تحمي إلهاً قديماً. كان صامتاً كالعادة، لا يصرخ، لا يغضب، لا يبتسم. أعيننا فقط كانت تتكلم، وكانت تخبرني بأن أحدنا لن يخرج سالماً من هذه الساعات.

رفعت يدي، تشاكرا الرياح تدفقت في راحة كفي. أحسست بمقاومة الهواء، لكنها كانت مألوفة. سمحت للطاقة أن تتحرر.

كازي نو كيري. شفرة الرياح.

الموجة القاطعة انطلقت مباشرة نحو راسا. الهواء نفسه انقسم، صوت القطع صرخ في الفضاء. لكنها لم تصل. الرمال الذهبية تجمعت في جدار كثيف وامتصت الهجوم بلا أي تردد.

لم يتحرك. لم يتغير شيء في تعبير وجهه. كنت أتوقع ذلك.

بدون أي إشارة، حرك راسا إصبعه. الرمال تشكلت بسرعة، ثلاث كتل صلبة بحجم الرؤوس. شعرت بضغطها على الهواء حتى قبل أن تنطلق.

اندفعت الكرات الرملية نحوي. تفاديت الأولى بانزلاق سريع. الثانية مزقت طرف عباءتي وتركت خدشاً سطحياً على خاصرتي. الثالثة ارتطمت بدرعي، دفعتني للخلف. صدري اهتز بقوة وشعرت بعظامي ترتجف.

تمالكت نفسي. لا وقت للارتباك.

فتحت راحتي، أطلقت تشاكرا النار المتراكمة في جسدي. الحرارة تدفقت بسرعة.

كاتون: ريوكا نو جتسو. لهيب التنين.

اللهب اشتعل، رأس تنين ناري تكون، عيناه تقدحان بالغضب وزئيره يملأ الهواء. اندفع اللهب نحو راسا بقوة جارفة. الرمال الذهبية ارتفعت مجدداً، شكلت درعاً سميكاً التهم اللهب. الحرارة لم تؤثر فيه. الرماد تلاشى في الريح.

لم يتحرك خطوة.

أدركت أنني لو استمريت بهذه الطريقة، سأستنزف حتى أسقط. هو، حتى لو تعب، لديه الرمال. لديه الدفاع. أما أنا… لا شيء سوى جسدي وسيفي.

أغمضت عيني للحظة، استجمعت ما تبقى من طاقتي. عقلي كان ما يزال حاداً رغم الألم في كتفي، خاصرتي، وصدري. فتحت عيني. كان علي أن أقلب المعادلة. لا يمكنني هزيمته بالقوة الصريحة.

ركّزت تشاكرا دقيقة، أطلقت موجات جينجتسو خاصة ابتكرتها مستلهماً تقنية قديمة اخترعها الهوكاجي الثاني.

جينجتسو: كوكاكو نو يامي. عالم الظلال السوداء.

رأيت التأثير فوراً. العالم حول راسا بدأ يتغير. الضوء تلاشى. الصوت انعدم. حتى الهواء صار خانقاً ثقيلاً. لم يعد يرى شيئاً. لم يعد يسمع شيئاً. لم يعد يشعر بمكاني. كنت شبحاً في عالمه.

تحركت بهدوء. خطواتي كانت بلا أثر. كل شيء بدا تحت سيطرتي.

لكنني قللت من تقديره.

الرمال الذهبية بدأت تتحرك. لم يكن يعتمد على البصر. كل ذرة رمل كانت إصبعاً تتحسس الارتجاجات في الأرض والهواء. شبكة استشعار تفوق الحواس العادية.

فجأة، بعثرت الرمال في كل الاتجاهات. شعرت بها تهز الأرض تحت قدمي.

أول موجة ضربت كتفي الأيسر. شعرت بالعظم يتمزق. الدم تدفق ساخناً.

قبل أن أفيق، موجة أخرى شقت جانب وجهي. الألم صرخ في رأسي.

الظلام تلاشى. الجينجتسو تحطم. الرؤية عادت.

راسا لم يتحرك من مكانه، لكنه عرف مكاني تماماً.

ارتجف قلبي. ليست كل المعارك تكسب بالقوة، لكن هذا الرجل… جعلني أرى لماذا يعتبره الجميع عبقري الرمال.

وقفت بصعوبة. لا يوجد متسع للتفكير الطويل. كل دقيقة تمر تعني نهاية محتومة.

رفعت عيني، راقبت تنفسه. كان دقيقاً، هادئاً، لكنه بدأ يراقب شيئاً آخر غيري. عيناه تتحركان أحياناً نحو جنوده.

ها. وجدتها. نقطة ضعفه.

لم يكن يخشى على نفسه. كان يخشى فقدان رجاله.

كلما سنحت لي فرصة، كان علي ضرب هذه النقطة.

تحركت بالوميض. اندفعت نحو أقرب تشونين من الرمال يقف خلف راسا. كان شاباً يحمل سيفاً بسيطاً. لم يرني قادماً. طعنت قلبه بصمت.

الثاني حاول أن يحذر الباقين. استخدمت سيف الوهم. الوهم أربك رؤيته، رأى نفسي في الاتجاه الخاطئ. طعنت حنجرته.

الثالث رفع شوريكن. تفاديت الرمية، قفزت وركلته في الركبة، ثم مزقت خاصرته بسيفي.

الرابع استعمل نينجتسو ماءي، حاول إبطائي بموجة صغيرة. قطعت الموجة بهجوم ريح، ثم طعنته قبل أن يستجمع أي دفاع.

الخامس رأيته يحاول التراجع. قفزت بالوميض، وغرزت نصل سيفي في ظهره.

خمسة أرواح. خمسة ثغرات في صفوف الرمال. خمسة صدمات لعقل راسا.

كل قتيل كان رسالة واضحة. أنت تفقد السيطرة.

رأيت الشرر في عينيه. كان الغضب يكسر هدوءه. الرمال بدأت تتحرك بعنف، فقدت دقتها. الضغط النفسي يعمل.

انتظرت الفرصة التالية. تحركت ببطء، خدعت عينيه بوهم بسيط. جعلته يظن أنني أتحرك ببطء أكثر مما أنا عليه. استدرته بخدعة.

انطلقت بالوميض خلفه.

جمعت التشاكرا. فعّلت الجينجتسو مجدداً، هذه المرة بسيط. لا يحتاج لأكثر من ثانية.

جمّدت حركته للحظة. هذا كل ما أحتاجه.

شيدوري.

تشاكرا البرق تجمع في يدي، الصوت الصاخب اخترق سكون المعركة. الضوء الأزرق اشتعل كأنه نجمة صغيرة.

ركضت. البرق يعوي. الهدف واضح… قلبه.

اقتربت. ثانية واحدة.

لكن الرمال الذهبية لم تكن نائمة.

حتى وهو تحت تأثير الجينجتسو، جزء من إرادته حرك الرمال. غيرت الرمال مسار الشيدوري قليلاً.

البرق اخترق كتفه الأيسر بدلاً من القلب. الدم انفجر. صرخة قصيرة هزت الهواء.

لكنه لم يسقط.

ارتدت يدي بقوة. الألم في كتفي تضاعف.

رجال الرمال لم ينتظروا.

خمسة جونين قفزوا لحماية تلميذ الكازيكاجي.

الأول أطلق عاصفة رملية. الرياح الحادة خدشت وجهي. شعرت بالدم ينساب من وجنتي.

الثاني استخدم رماح الأرض. واحدة باغتتني، اخترقت فخذي الأيمن. الألم جعل قدمي ترتجف.

الثالث والرابع أطلقا موجات طينية ونارية. تفاديتها بصعوبة، لكن واحدة منها أصابت خاصرتي. شعرت بالحرارة تمزق جلدي.

الخامس حاول إغلاق قفص رملي حولي. استخدمت الرياح لكسر القفص قبل أن يغلق تماماً.

رغم الألم، رغم الإرهاق، قاتلت.

طعنت الجونين الأول بسيف الوهم. أربكته الرؤية، ضربته قبل أن يدرك الخدعة.

الثاني أصبته في كتفه. انسحب للخلف.

الباقون تراجعوا للحظة.

لكن جسدي كان ينهار.

أنفاسي ثقيلة. الدم ينزف من كتفي، فخذي، وجهي، خاصرتي. درعي تمزق. نظري بدأ يهتز.

رفعت رأسي بصعوبة.

نظرت نحو ساحة المعركة الكبرى.

كفة الرمال بدأت ترجح.

شينوبي كونوها يتراجعون. رأيت ساكامو يقاتل بجسارة، لكن عينيه كانتا تنقلان رسالة واحدة.

انسحاب تدريجي. الكفة انقلبت.

سمعت صوته فوق صخب المعركة.

كل الوحدات تبدأ التراجع. سامورو، غطِ الانسحاب.

أومأت. حتى في التعب… حتى مع الألم… لم أتردد.

تحركت كالظل.

الوميض.

هاجمت كل مطارد، كل من حاول عرقلة انسحاب رجالنا. قتلت، وجرحت، ومنعت التقدم.

غطيت انسحاب الجميع.

حتى آخر شينوبي انسحبوا.

أنا بقيت وحدي.

الليل بدأ يسدل ستاره. لون السماء تحول إلى سواد كثيف.

رأيت راسا من بعيد. الرمال الذهبية تحيط به. كتفه ينزف، لكن عينيه لم تخفتا.

أنا أيضاً لم أخفض نظري.

استدرت ببطء، وسلكت طريق الظلال.

العودة إلى المعسكر.

بداية الليل… لم تكن النهاية. كانت بداية جديدة… لمعركة أخرى.

2025/05/08 · 39 مشاهدة · 999 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025