الليل كان ثقيلاً فوق المعسكر. النجوم بالكاد ظهرت، وغبار المعركة ما زال عالقاً في الهواء كأنه يأبى الرحيل. عدت وأنا أشعر بكل خطوة وكأنها معركة جديدة. كتفي ينزف، فخذي يؤلمني، ونفَسي متقطع. الجنود فتحوا لي الطريق بصمت. البعض حنى رأسه. آخرون اكتفوا بالنظر. عرفت ذلك النوع من النظرات. احترام، فضول، وأحياناً… خوف. لم أكن الرجل نفسه الذي دخل المعركة في الصباح. كنت شيئاً آخر. شيئاً خرج من الجحيم ونجا.
الطبيبة المسؤولة تقدمت نحوي، لكنها توقفت فجأة عندما سمعت الخطوات الثقيلة خلفها.
تسونادي.
شعرها الأشقر كان مربوطاً إلى الخلف بعقدة سريعة، ثوبها الطبي ملطخ بالدم والتراب. عينها الحادة التقت بعيني.
«سامورو، معي فوراً.» صوتها لم يكن أمراً. كان شيئاً آخر. القلق؟
تبعْتها إلى خيمة الطب الرئيسية. رأيت الجرحى مصطفين. البعض يتألم، البعض فقد الوعي. الأصوات كانت خليطاً من الأنين والأوامر والهمسات. خيمتها كانت معزولة. مقصورة على الحالات الخاصة. وأنا… أصبحت حالة خاصة.
جلست على الحصير بينما بدأت تفك درعي.
«أنت محظوظ أنك ما زلت تمشي،» تمتمت وهي تقطع بقايا القماش المحترق عن خاصرتي. «الرمال الذهبية ليست شيئاً يمكن للناس النجاة منه بسهولة.»
نظرت إليها بصمت. لم أقل شيئاً.
«السموم،» قالت، «جزء من الرمال اخترق عضلاتك. كانت مشبعة بمادة من تطوير العجوز تشو. لولا تشاكراك التي تبطئ انتشارها، لكنت الآن في عداد القتلى.»
أحسست بإبرة تغرز جلدي. دواء مضاد للسم، على الأرجح.
«أنت تعرف أنك لو قاتلت لثانية أطول، لكان هذا جسدك فقد القدرة على الحركة.»
ابتسمتُ بضعف. «لو لم أفعل، لكان نصف جنودنا فقدوا حياتهم.»
نظراتها لانت للحظة. وضعت يدها على كتفي المصاب، وأطلقت تشاكرا علاجية دافئة.
«هذا هو ما يقلقني،» قالت بصوت منخفض. «كل مرة تخاطر، تفكر كقائد، لا كمقاتل. هذه المرة، بدأت تفكر… كتضحية.»
أردت أن أقول شيئاً، لكنها قاطعتني.
«أنا رأيت رجالاً كثيرين مثلك. يحملون العبء عن الجميع، حتى يتكسروا تحت وزنه. إذا كنت تريد أن تكون قائد حرب، فلا تسمح للعبء أن يقتلك قبل أن تصل للحل.»
خفضت رأسي قليلاً. الكلمات لم تكن سهلاً سماعها. لكنها كانت الحقيقة.
عالجت كتفي، ثم فخذي، ثم خاصرتي. الألم جعلني أعض على شفتي أكثر من مرة، لكنني بقيت صامتاً. عندما انتهت، وقفت ببطء.
«شكراً، تسونادي-ساما.»
«لا تشكرني بعد،» قالت. «سموم تشو ما زالت لغزاً، وأنا الوحيدة هنا التي تعرف كيف توقفها بالكامل. لهذا، إذا مت، موتي يعني نهاية الجميع. لا تجعلني أضمد جراحك مجدداً قريباً، سامورو.»
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة، ثم خرجت.
⸻
في الخارج، وجدت ساكامو بانتظاري. درعه مخدوش، لكن عينيه كما هما. حادتان، صامتتان، تقرأان ما لا يُقال.
«لقد غطيت الانسحاب بأفضل شكل.» صوته كان هادئاً.
«لم يكن هناك خيار آخر،» أجبت.
سكتنا للحظة.
«لو لم تستنزف راسا وتقتل قياداته الصغرى، لكان انسحابنا تحوّل إلى إبادة. ما فعلته غير مجرى المعركة. ليس نصراً… لكنه أنقذ حياة كثيرين.»
«الثمن كان كبيراً،» تمتمت.
«الحرب كلها ثمن كبير.»
وضع يده على كتفي المصاب بلطف، ثم أشار إلى خيمة القيادة. «اجتماع. الآن.»
⸻
في خيمة القائد، كان فوجاكو جالساً إلى جانب عمي إيزونا. الخريطة أمامهم، عليها علامات بألوان مختلفة.
بدأ إيزونا التقرير:
«خسائرنا: ١٢٠ قتيلاً، ٢٠٠ جريح، ٤٠ منهم في حالة حرجة.»
رفع فوجاكو رأسه. «الرمال خسروا أكثر. ٢٥٠ قتيلاً، وأكثر من ٣٠٠ جريح، نصفهم غير صالحين للعودة.»
ساكامو أومأ. «لكنهم متفوقون بالعدد، وبإمدادات جديدة وصلت منذ يومين.»
نظرت إلى الخريطة. خطوط القتال كانت قريبة بشكل خطير من المعسكر.
«الأوضاع الطبية؟» سألت.
إيزونا قال: «تسونادي تقود القسم الطبي بامتياز. أنت تعرف، لو لم تكن هنا، سموم تشو كانت ستقتل معظم الجرحى.»
«المصل؟» سألت.
«في طور التطوير. فعّال على ٧٠٪ من الحالات.»
صمت الجميع لحظة.
«الوضع قابل للانهيار إن استمر النزيف البشري،» قال إيزونا ببطء.
⸻
مرت الأيام كأنها دقائق. أسبوعان. أربع معارك متفرقة. كل معركة كانت استنزافاً جديداً. لا نصر حاسم. لا تقدم.
في الليلة الرابعة عشرة، دخلت خيمة القائد حيث كان ساكامو يجلس يراجع التقارير. ضوء المصباح جعل الظلال تتراقص على الجدران.
وقفت أمامه.
«أخي،» بدأت.
رفع رأسه. نظراته متعبة لكنه يقظ.
«لقد ابتكرت تقنية بسيطة، لكنها ستُنهي هذه الحرب… وتجعلها حرباً باردة.»
ساكامو لم يتكلم.
«ستكلفنا موارد. كونوها ستدفع الثمن لوجستياً، لكن الأرواح… الأرواح ستنجو.»
تقدم نحوي ببطء. عينيه تحدقان فيّ بجدية.
«أعرف سببك الحقيقي، سامورو.»
لم أجب.
«أنت تريد إنهاء هذه الجبهة بسرعة… لأن عقلك وروحك في مكان آخر. في المطر. مع يارا وميناتو.»
لم أنكر.
«نعم.»
جلس ساكامو، أسند رأسه للحائط الخشبي. تنهد طويلاً.
«إذا كنا سننهي هذا النزيف، فلتكن تقنيتك جسراً، لا سيفاً.»
«ستكون كذلك،» وعدته.
«إذاً…» رفع رأسه ونظر إلى الخريطة. «لنبدأ التحضير.»
في تلك الليلة، لم تكن الحرب في الخارج فقط. كانت أيضاً في عقولنا.
وفي قلب الليل، عرفت أنني سأخوض المعركة القادمة… بعقل، لا بعضلات.