لم تكن الرياح هذه الليلة عادية.

كانت تحمل رائحة شيء أعمق من المطر… وأثقل من الأخبار.

كان الليل، فوق معسكر كونوها، يشبه غمامة تختبئ تحتها حقيقة تنتظر من يكشفها.

في خيمة القيادة، كان ساكامو جالسًا وحده، يتأمل خريطة قديمة طُبعت عليها حدود القرى الخمس الكبرى، والطرق الخفية بينها، وتضاريس أرض النار الشائكة.

كل خط، كل نقطة، أصبح يعرفها كما يعرف كفّه.

لكن الليلة… شيء لم يكن في مكانه.

دخل أحد الحراس، همس له، ثم انسحب.

وبعده مباشرة، انزلق رجل في الخيمة بصمت يشبه ظلًا طويلًا.

وجهه مغطى بنصف قناع جلدي، وثوبه متّسخ بطين لا يجفّ.

أخرج لفافة صغيرة، تركها أمام ساكامو، ثم خرج دون كلمة.

فتح ساكامو الختم، وعيناه تتحركان بخفة بين السطور المكتوبة بخط سري:

“المطر أطلقت هجومًا فجريًا على حدود الرمال.

الرمال ردّت بقوة بعد ساعة.

الاشتباك مباشر، والكازيكاجي الثالث شوهد في ساحة القتال.

الضباب غير طبيعي، يبدو ممزوجًا بتشاكرا مجهولة.

لا طرف منتصر… والدماء تغرق الوادي.”

لم يتغيّر تعبير وجه ساكامو، لكنه ظل يقرأ الرسالة مرتين… ثلاثًا.

ثم طوى الورقة، ونهض.

قبل أن يكتمل ضوء الفجر، كان قادة المعسكر يتجمّعون داخل الخيمة الكبرى.

تسونادي، شينزاكي نارا، قائد الأنبو، وبعض الجونين الميدانيين.

وقف ساكامو أمامهم، وأخبرهم بنبرة خافتة:

“الحرب بدأت بين قرية المطر والرمال. مصدر موثوق.

الضباب ليس طبيعيًا. والكازيكاجي الثالث يقود بنفسه.”

ساد الصمت.

أحد القادة تشدّد وجهه، وتقدّم خطوة قائلاً:

“هل هناك أي تحرك من آيوا؟”

أجاب شينزاكي:

“لا إشارات واضحة… لكن أونكي معروف بصمته القاتل.

إن رأى ثغرة، سيتحرك. ربما لا بعد يوم، بل بعد لحظة.”

قالت تسونادي:

“وإذا سقط أحد الطرفين؟”

أجاب ساكامو:

“سيتحوّل الآخر إلى خطر مباشر على كونوها.”

بدأت الآراء تتداخل.

أحدهم اقترح إرسال فرق مراقبة إلى الحدود الجنوبية.

آخر قال يجب تحذير الرمال سرًا بأن كونوها تراقب.

ثالث اقترح الجلوس في المنتصف… وتركهم يحرقون بعضهم.

لكن ساكامو رفع يده… وساد الصمت.

“لن نرسل أحدًا. ولن نحذّر أحدًا.

سنراقب… بعيون مفتوحة، دون أن نظهر.”

ثم التفت إلى شينزاكي:

“ضاعفوا تقارير الجواسيس في آيوا.

أي تحرك غير مألوف… أريد معرفته قبل أن يتنفس.”

بعد انتهاء الاجتماع، وعودة القادة لخيامهم، بقي المعسكر في هدوء مشحون.

أما خيمة ساكامو، فقد بقي فيها ضوء ضعيف حتى منتصف الليل.

وداخل الخيمة… دخل سامورو.

لم يقل شيئًا. فقط وقف عند المدخل، ثم دخل وجلس.

لم يلتفت ساكامو، فقط قال:

“وصلتك الأخبار إذًا.”

رد سامورو بنبرة هادئة:

“وصلت قبل أن تكتبها الرياح.”

صمت للحظة، ثم أضاف ساكامو:

“كل ما يحصل الآن… هو خطتك، أليس كذلك؟”

لم يردّ سامورو مباشرة.

تأمل ألسنة الشمعة وهي تترنح، ثم قال:

“لم أحرّك الحرب. فقط لم أمنعها.”

“وإلى ماذا تريد أن تصل؟”

قالها ساكامو وهو ينظر في عينيه للمرة الأولى.

أجاب سامورو:

“إلى السلام.”

ضحك ساكامو ضحكة خفيفة، خالية من السخرية لكنها ثقيلة:

“السلام؟ بهذا الشكل؟”

قال سامورو:

“ني سان… هل تظن أن السلام قابل للتحقيق؟”

صمت ساكامو طويلاً، ثم قال:

“السلام؟… السلام ليس نهاية.

السلام لحظة مؤقتة، مثل هذه الشمعة…

تضيء، لكنها لا توقف الظلام.”

رد سامورو بهدوء:

“لكنها تدفعه قليلًا.”

“وقليلًا هذا، يكلفك كثيرًا.”

“أنا مستعد.”

“وأنا لست واثقًا أنك تعرف الثمن.”

تنهّد ساكامو، ثم نظر نحو الشمعة وقال:

“لا تغص عميقًا، سامورو.

بعض الألاعيب… تبدأ كلعبة، وتنتهي كهوية.”

وقف سامورو، واستدار.

لكنه توقف عند باب الخيمة وقال:

“لا أخوضها لألعب، ني سان…

بل لأوقف من اعتاد اللعب.”

وغادر.

بقي ساكامو وحده.

الشمعة أمامه تذوب بهدوء.

الليل يبتلع الضوء ببطء.

قال بصوت لا يسمعه أحد:

“هذا الطريق… لا أحد يعود منه كما خرج.”

2025/05/10 · 36 مشاهدة · 541 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025