كان الليل هادئًا… أكثر مما يجب.
وفي خيمة القيادة، ذلك الهدوء لم يكن راحة، بل نذر عاصفة تُقرَأ في خرائط مبعثرة، وأعلام عدو بدأت تتداخل في أماكن لا يفترض بها أن تكون.
وقفتُ إلى جانب الطاولة الطويلة، الخريطة أمامي، و”ني سان” – ساكامو – يجلس قبالتها، يداه متشابكتان، ونظراته تتنقّل بين الجبهات كما لو كان يُراجع ماضيًا وليس خطة معركة.
قلت له بصوت خافت، لكن ثابت:
“حسب توقّعاتي، ني سان… الساند سيتحالف مع آيوا.”
لم يردّ.
أحسست أنني لم أُفاجئه.
لكنه ظل ساكنًا، كمن ينتظر منّي أكثر من مجرد جملة.
تابعت، ويدي تتحرّك على الخريطة:
“الرمال تنهكهم المعارك المستمرة مع تشو، والصخور تملك الموارد والخبرة.
الطرفان بينهما ما يكفي من الحذر… وما يكفي من المصلحة.
وإذا اجتمع الخوف والمصلحة… فإن التحالف ليس احتمالاً، بل حتمية.”
أخيرًا تكلم ساكامو، صوته هادئ، لكنه بارد:
“وما الذي سيجعلنا الهدف الأول لهذا التحالف؟”
نظرت إليه مباشرة.
“نحن من نملك ما لا تملكه القرى الأخرى: العمق… والأرض.
أرض النار هي الجائزة.
وكل من لا يستطيع التقدّم منها… سيجرب حرق أطرافها.”
أغلق ساكامو عينيه للحظة.
ثم قال:
“سامورو… أنت ترى الأمور دائمًا بعين بعيدة.
لكن أحيانًا، العين البعيدة تخطئ في تقدير الخطوة القريبة.”
أجبت، بنبرة أقل صلابة:
“ربما… لكن الخطوة القريبة هي حصيلة ما قبلها، وليست استثناءً.”
سكت للحظة، ثم اقتربت أكثر من الطاولة.
“ولهذا… أطلب منك أن تُخاطب الهوكاجي مباشرة.
اطلب الدعم – لا بالمجمل، بل بالاسم.”
رفع حاجبه:
“بالاسم؟”
أومأت.
“يارا، ميناتو، شيكاكو…
هم لا يزالون شبابًا، نعم.
لكنهم يرون العالم بطريقة تختلف عن من سبقهم.
وهذا ما نحتاجه… نظرة جديدة، وتحرك ذكي، لا شجاعة فارغة.”
هزّ ساكامو رأسه ببطء، كأنه يزن الاحتمالات.
“وماذا عنك؟”
قلت:
“أنا هنا.
هذه الجبهة ستكون أول من يشتعل، وأنا… أريد أن أكون في المنتصف حين يحدث ذلك.”
نظر إليّ طويلاً، ثم قال:
“أحيانًا، أخشى أن رغبتك في السيطرة على اللوحة… ستجعلها تُحترق ببطء وأنت ترسم.”
ابتسمتُ، لكن عيني لم تضحكا.
“ربما… لكني لن أترك أحدًا آخر يرسم بدلاً عني.”
⸻
كان المساء صامتًا، والضوء البرتقالي يتسلل من زجاج المكتب العلوي.
جلستُ وحدي، كعادتي في نهاية كل يوم، أراجع التقارير، لا بصريًا فقط… بل روحيًا.
دخل أحد أفراد الأنبو بهدوء.
ركع، وقدّم لفافة مختومة بشعار جبهة الرياح.
لم أحتج لقراءتها حتى عرفت أنها من ساكامو…
لكن المفاجأة كانت في الأسطر الأخيرة، بخطٍ لم يكن خطه.
“اطلب دعمًا نوعيًا، لا عددًا.
إن أردت انتصارًا لا يستهلكك، فأرسل الذين لا تحتاج إلى شرح الموقف لهم.
أرسل من سيتحرك قبل أن يُطلب منه ذلك.”
تحتها أسماء:
ميناتو ناميكازي
أوتشيها يارا
شيكاكو نارا
وقادة من التشونين الجدد
وضعت الرسالة على الطاولة، وأغمضت عيني.
“ساكامو اتمنى ان تتنصر ”
ثم التفتّ لمساعدي:
“جهّزوا جيرايا لقيادة وحدة الدعم.
وأرسلوا من ذُكرت أسماؤهم… فورًا.”
——
مرّ أسبوعان… لكنني لا أذكر صباحًا واحدًا كنت فيه مطمئنًا.
كنا في جبهة المطر، أُرسلنا في مهمات استطلاع، مرافقة طبية، وحتى بناء تحصينات مؤقتة.
المطر لا يتوقف. الضباب لا يرحم. الأرض تنزلق تحت قدميك وأنت تحاول أن تتذكّر إن كنت قد نمت البارحة أم لا.
كنت أقضي وقتي في خيمة العمليات، أراجع الخرائط أكثر مما أراجع نفسي.
يارا كانت هناك… دائمًا. لا تطلب شيئًا، لا تشتكي.
ولكنني بدأت أحفظ نَفَسها… كلما تسارع، كلما توقف.
لم نكن نرتاح… فقط كنّا نحاول ألا نسقط.
⸻
في اليوم الخامس عشر، دخل أحد أفراد الأنبو إلى الخيمة.
لم يتكلم كثيرًا، فقط قدّم لفافة مختومة.
عرفت من طريقة دخوله، من وقفته، أن ما فيها ليس تقريرًا.
فتحتها، وقرأت:
“استدعاء مباشر – بأمر الهوكاجي.
إلى الجبهة الغربية (جبهة الرياح).
تحت قيادة جيرايا.”
نظرت إلى يارا، كانت تجلس في الزاوية، تنظّف سيفها كما تفعل كل صباح.
تقدّمت نحوها، وقدّمت لها الورقة.
قرأت بصمت.
قالت دون أن ترفع عينيها:
“هل توقّعت ذلك؟”
أجبت:
“بل كنت أخشاه.”
لم تعقّب، فقط بدأت بجمع أغراضها.
كأنها كانت تنتظر هذا الأمر منذ أيام.
وأنا… كنت أفكر في سامورو.
هل هو من رشّحنا؟ هل أرادنا في الجبهة التي ستشتعل؟
أم أنه… يحاول سحب قطع الشطرنج كما يفعل دائمًا، بحسابٍ لا يفهمه إلا هو؟
⸻
في الرحلة نحو جبهة الرياح، كانت الرمال تختفي كلما اقتربنا.
كأن الأرض نفسها لا تريد أن تكشف ما تخفيه.
لم نتحدث كثيرًا.
حتى جيرايا – رغم طباعه المعروفة – ظلّ ساكنًا.
كأن صوته لا يصلح لطقس الرياح.
كنت أنظر إلى الأفق، وأفكر…
“كيف يبدو وجه الحرب عندما تصل متأخرًا؟”
وصلنا عند المساء.
كان الدخان لا يزال يتصاعد من الخيام المحترقة.
الهواء مشبع برائحة دم لا تزال طازجة.
وأمامنا… عشرات الأجساد تُسحب من تحت الأنقاض.
⸻
تقدّمت خطوة، شعرت أن الأرض نفسها تتنهد من تحتي.
وقفت قرب جندي يربط الجثث على نقالات مؤقتة.
“من الذي قاد الدفاع؟” سألت.
قال بصوت مبحوح:
“فوجاكو… وبعض التشونين… ساكامو كان في مركز القيادة.”
نظرت إلى يارا.
وجهها لم يتغيّر، لكنه… بدا أهدأ من المعتاد.
قلت:
“هل ترين ما أراه؟”
قالت:
“أرى أننا تأخرنا.”
⸻
مشيت نحو خيمة القيادة.
جيرايا كان ينتظرنا هناك، وبدا عليه الإرهاق.
“مرحبًا بكم في الرياح،” قالها بابتسامة لم تصل إلى عينيه.
“هل المعركة انتهت؟” سألت.
“لا، يا فتى…” رد، وهو ينظر إلى الخريطة.
“ما حدث… كان مجرد اختبار.
وكونوها فشلت فيه.”
⸻
أردت أن أطلب معلومات أكثر. أردت أن أُراجع التقارير، أن أعرف ماذا حدث بالضبط.
لكني كنت أفكر في شيء واحد فقط…
أين سامورو؟
وأين ساكامو؟