منظور: ميناتو ناميكازي
الهواء كان أثقل مما توقعت.
كأن الرياح في هذه الجبهة لا تنقل الغبار فقط، بل تسحب معه شيئًا من الذاكرة… ومن الروح.
خطوتُ داخل المعسكر، ويارا تسير بصمت بجانبي.
لم يكن معسكرًا فعليًا… بل حطام.
خيامٌ ممزقة، عَلم كونوها مائل على عمود نصف محترق، وأرض محفورة بتقنيات انفجار، بعضُها لا أعرفها.
الجثث… لم تكن فقط لجنود كونوها.
أعلام الساند متناثرة، ووشاحات آيوا محروقة على جدران ترابية انهارت فوق أصحابها.
رأيت أحد جنود الطب من كونوها يبكي… لا من الألم، بل من التعب.
يبكي بصمت، ويداه مغطاتان بالدم.
قلت ليارا، دون أن أرفع صوتي:
“أين سامورو؟”
أجابت وهي تتفقد المسارات:
“إذا لم يكن بين الجرحى، فهو حيث لا يُفترض أن يكون.”
مررنا بخيمة طبية، ثم أخرى… إلى أن وصلنا إلى خيام المستشفى الرئيسية.
كانت طويلة، لكنها مرتجلة.
الدم في كل مكان، والجروح تتنوع: حروق، كسور، تشوهات.
عيون تفتح بلا تعبير، وأفواه تئن دون أن تجد صوتًا.
أحد المصابين التفت إليّ وسأل:
“هل جئتم لتأخذوا الجثث؟”
لم أعرف بماذا أجيبه.
في نهاية أحد الممرات، سمعنا صوتًا مرتفعًا.
ثم ضحكة.
ثم صوتٌ حاد:
“قلت لك… لن تتحرك من السرير يا سامورو!”
تقدّمت فورًا، ففتحت يارا الستار، ودخلنا.
كان سامورو جالسًا على حافة سريره، الضمادات تلف كتفه، وثوبه ملوّث بدم قديم.
وجهه شاحب، لكن… يضحك.
أمام سريره، كانت تسونادي واقفة، ذراعاها متصلبتان، ووجهها لا يعرف سوى الغضب.
“تقولين لن أتحرك؟”
قالها سامورو ساخرًا، “وهل سأحضر الاجتماع زحفًا إذًا؟”
صرخت فيه:
“تظن أن هذه مزحة؟ هذه ليست معركة أفكار، سامورو! هذه حرب حقيقية… وقد تكون ميتًا بالفعل ولا تعلم!”
أجابها، وهو يضع قدمه على الأرض:
“لكنني أتنفّس… وهذا يعني أنني ما زلت أسبقهم بخطوة.”
“بل يعني أنك مجنون، وتحتاج قيدًا لا ضمادة!”
وقفت في مكاننا، لم أتحرك.
يارا إلى جانبي، ساكنة كعادتها، لكنني رأيت حاجبها يتحرك ببطء، وكأنها تمسك نفسها عن التدخل.
نظرتُ إلى سامورو، وقلت:
“مضى وقت طويل.”
توقف الجدال.
سامورو التفت إليّ، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة:
“لم أتوقع أن تصلوا فعلًا… ظننت أنني سأقابل جيرايا فقط، وألعن حظي.”
أجبت وأنا أقترب منه:
“جئت لأرى ما تبقى من الجنون… وأنت أثبت أنك لا تزال في قمة حالتك.”
“هذا لأن تسونادي ترفض إعطائي المهدئ.”
قالت تسونادي، وهي ترفع يدها:
“لأنك لا تحتاجه! تحتاج صدمة كهربائية مباشرة في دماغك!”
ضحكنا… للحظة.
خرجنا من الخيمة بعدها، أنا ويارا وسامورو، رغم صراخ تسونادي خلفنا:
“إذا سقط في الطريق، سأتركه في الحفرة!”
مررنا بخيمة توثيق الضحايا.
جلست على الركن، أقرأ الأسماء.
بعضها أعرفه… وبعضها تدرّب معي… وبعضها شاركني الطعام قبل شهر فقط.
قلت بصوت خافت:
“هل فعلنا ما يكفي؟”
قال سامورو:
“لا أحد يفعل ما يكفي.
لكن بعضنا… يقرر أن يدفع الثمن وحده.”
في الليل، اجتمع القادة في خيمة القيادة.
ساكامو في المقدمة، بجانبه إيزونا، والد شيكاكو، وفوجاكو.
لم يكن سامورو حاضرًا، ولا تسونادي.
دار الحديث عن مستقبل الجبهة، وعن الخسائر، وعن التقارير التي تؤكد أن آيوا دخلت رسميًا في التحالف.
إيزونا قال:
“إذا لم نهاجم، فسوف تبتلعنا المعركة تدريجيًا.”
ورد والد شيكاكو:
“لكن الهجوم الآن بدون خطة دقيقة سيُفني ما تبقى من وحداتنا.”
كان ساكامو صامتًا أكثر من المعتاد.
وفي النهاية قال:
“امنحوني الليل.
غدًا… نُقرر.”
لكن في خيمة صغيرة، في المستشفى…
كنا نحن مجتمعين.
أنا، يارا، شيكاكو، وفوجاكو.
وفي وسطنا… سامورو، جالس على سريره، وجهه أكثر هدوءًا من أي وقت مضى.
قال:
“لن ننتظر غدًا.
لدينا خطة.
لكن لا أحد خارج هذه الخيمة يعرفها… ليس الآن.”
نظرت إليه، وسألته:
“هل أنت متأكد؟”
قال، بعينين لا تعرفان التراجع:
“أنا لا أحتاج أن أكون متأكدًا من النجاح…
أحتاج أن أكون متأكدًا من أن الفشل… لن يكون خيارًا.”