الخيمة كانت هادئة… هدوءًا يُخيف أكثر من صوت السيوف.
كانت هناك رائحة خفيفة للدواء في الجو، ممزوجة ببقايا دخانٍ تسرّب من معسكر الطهو البعيد.
الليل خارج الخيمة مظلم، لكن بداخله… أربعة شموع وسبعة وجوه.
كل واحد منا كان يحمل على وجهه شيئًا مختلفًا:
يارا، نظرة جليدية اعتدتها لكنها بدت مشحونة أكثر من المعتاد.
شيكاكو، عبوسه الهادئ يدل على أن رأسه يعمل قبل أن يجلس حتى.
تشوزا، يهمّ بكلمة لكنه يُمسكها في اللحظة الأخيرة.
إينوإيتشي، عيناه تراقبان الخريطة أكثر مما تنظر إلينا.
فوجاكو، جالس كأن النيران من حوله لا تمسه، فقط ينتظر… بتوتر نادر.
أما سامورو…
فكان جالسًا على سرير منخفض، ظهره مستند، لكن جسده يقظ تمامًا.
قال دون أن يرفع عينيه:
“ما سأقوله الآن، لا يعرفه حتى ساكامو بعد.”
صمت.
ثم رفع نظراته نحونا، واحدة تلو الأخرى، حتى استقرت عليّ.
“ميناتو، ستكون معي.”
لم أتحرك.
كنت أعلم، في داخلي، أني سأتلقى هذه الجملة…
لكن بين معرفتها وسماعها، خيطٌ من الصمت تشعر فيه بكل ثقل العالم.
تابع:
“أنت ستكون سلاحنا السري ضد الجينشوريكي.
روشا وهان… لا أحد غيرك قادر على ملاحقتهم بسرعة كافية.
ولا أحد غيري يمكنه تحييدهم إن حصلنا على البيئة المناسبة.”
قلت بصوت منخفض:
“هما اثنان…”
أجاب دون تردد:
“لهذا لن تكون وحدك.”
أدار رأسه إلى يارا.
“يارا… ستكونين الدعم.
لن تكوني خلفنا فقط، بل حولنا.
سوف تخلطين الاتجاهات، تزرعين الوهم، وتمنعينهم من أن يروا ما نفعله حتى يفوت الأوان.”
يارا أومأت، بلا تردد، ثم رفعت يدها قليلاً على سيفها، كأنها وقّعت اتفاقها بهدوء السيف لا بالكلمات.
ثم مد سامورو يده إلى الخريطة، وأشار إلى نقطة في منتصفها تقريبًا، بقرب وادٍ صغير كانت تشغله كتيبة استطلاع سابقًا.
“هنا… سيكون فخ الختم.
ختم انتقال مبتكر… يحتاج إعدادًا طويلًا، ويعمل مرة واحدة فقط.
حين يصلون، سأفعّله… وأنقلهم إلى مكان مجهز مسبقًا.”
قلت:
“مكان خارج الجبهة؟”
أومأ:
“مكان بعيد بما يكفي عن أي دعم… لكن قريب بما يكفي لأن نعود إذا نجونا.”
ثم نظر إلى الجانب الآخر من الخريطة.
“فوجاكو، شيكاكو، إينوإيتشي، تشوزا… أنتم ستتجهون إلى راسا.
هدفكم ليس قتاله… بل تعطيله.
حجبه عن المعركة، منعه من دعم الكازيكاجي الثالث، أو من الاقتحام إلى نقطة القيادة.”
فوجاكو سأل:
“تعطيله كم من الوقت؟”
أجاب سامورو:
“كل ثانية تُبطئه فيها… هي ثانية تمنحنا فرصة لتمزيق خطتهم الكبرى.”
تحدث شيكاكو أخيرًا:
“التحالف منظم أكثر مما نعتقد.
إذا نجحنا في تمزيق قيادتهم الوسطى… سنُحدث فجوة لا يملؤونها بسهولة.”
قال سامورو:
“بالضبط.
الهدف ليس النصر الفوري… بل الخلل.
إدخال الفوضى… ثم إطالتها حتى تصبح عبئًا على العدو.”
⸻
ساد الصمت.
كأن كل شخص كان يعيد تنظيم فكرته عن الحرب.
أنا… كنت أنظر إلى الخريطة، وأفكر:
“هذا ليس فقط تكتيكًا.
إنه فكّ شيفرة لشيء أكبر…”
قال سامورو بهدوء أخيرًا:
“غدًا… لا تبدأ الحرب.
لكن خطتنا تبدأ.
لا أحد يعرف… لا أحد يشك.
وحين تنفجر أول جبهة… سيكون ردّ كونوها غير متوقع.”
ثم نظر إلينا جميعًا، وقال:
“أريد منكم جميعًا… أن تفكروا كرُسل حرب، لا كجنود.
أن تحملوا النيران، وتعرفوا متى تُشعلونها.”
⸻
انتهى الاجتماع، وخرجنا واحدًا تلو الآخر.
كنت أنا ويارا آخر من غادر.
عندما مشيت بجانبها، تمتمت:
“هل تظنين أننا سننجو؟”
قالت، دون أن تلتفت:
“إذا لم ننجُ… فلن ينجو احد.”
⸻
الليل لم يكن هادئًا، بل كان متوقفًا… كأن الزمن ذاته اختنق بانتظار قرار.
رافقت سامورو، مشيت بجانبه دون أن أقول شيئًا.
كان يعرج قليلًا، لكن خطواته بقيت موزونة.
كأن العكاز الخفيف في يده اليمنى مجرد زينة للوقت، لا ضرورة للجسد.
وصلنا إلى خيمة القيادة، ففتح الحارس الستار بصمت.
الداخل كان مظلمًا، إلا من مصباح زيتي يتدلّى فوق خريطة ضخمة.
وعندها، واقفًا كما لو كان جزءًا من الخريطة ذاتها، كان ساكامو.
عيناه لم ترتفعا فورًا، لكنه قال:
“كنت أعلم أنك ستأتي.
تأخرت فقط أكثر مما توقعت.”
سامورو لم يبتسم.
اقترب، وأسقط لفافة على الطاولة، ثم جلس.
“كان عليّ أن أتحقق من شيء…”
“الجنشوريكي؟” سأل ساكامو.
هزّ رأسه:
“روشا… وهان.
تأكدت بنفسي. كلاهما شبه مثالي.
الأول مدمر… والثاني كاسح.
معًا؟ جبهة كاملة تنهار في ثلاث دقائق.”
اقتربت أنا أيضًا، لكنني بقيت صامتًا.
كنت أراقب اثنين من أقوى الرجال في كونوها، يتحدثان كما لو أن الجحيم قد استيقظ للتو.
سامورو تابع:
“الخطة كالتالي.
لن نواجههم على الجبهة المفتوحة.
بل نجعلهم يركضون… نحونا.”
فتح لفافة ثانية.
ختم دائري معقّد، ممتد كشبكة عنكبوتية.
“هذا هو الختم.
نقل آنٍ، لمرة واحدة.
لكنه لا ينقل الأشخاص فحسب… بل المساحة أيضاً.”
رفع ساكامو حاجبه.
“تريد جذب اثنين من أخطر وحوش الحرب… إلى ساحة أنت من اختارها؟”
“نعم.”
قالها سامورو دون تردد.
“ومعك؟” سأل ساكامو، ينظر إليّ.
“أنا،” قلت بهدوء.
“وسأقودهما في المتاهة.
أنا أسرع، وسأكون الطُعم.”
“ويارا؟” سأل ساكامو.
رد سامورو:
“ستكون العين الثالثة.
تدخل، تربك، تسحب، وتخلط.
تقنيات التمويه لديها أقرب لما يُسمى بالظلال الذكية.”
⸻
سكت ساكامو.
أدار نظره إلى الخريطة.
“والكازيكاجي؟ أونكي؟ تشو؟”
قال سامورو:
“سيظنون أننا مشغولون بالجينشوريكي…
لكنهم لن يدركوا أن فوجاكو، شيكاكو، إينوإيتشي، وتشوزا… سيتعاملون مع راسا في نفس الوقت.”
“تعامل…؟” كرر ساكامو الكلمة، بنبرة شك.
“تعطيل.”
أجابه سامورو.
“كل ثانية يبطئون فيها راسا… هي ثانية نربحها ضد انهيار الخطة.”
⸻
اقترب ساكامو من الخريطة.
بدأ يرسم بخط خافت بإصبعه:
“وهنا… من يوقف الكازيكاجي نفسه؟
أونكي؟
تشو؟”
رفع سامورو نظره إليه، وقال:
“أنت.”
ساكامو لم يجب.
سامورو أكمل:
“أنت،ايزونا ، تسونادي،وجيرايا ووحدة الجونين.
أنتم ستبقون الجبهة مشتعلة.
تُبقيهم مشغولين، متوترين… لا وقت لديهم لفهم ما يحدث في الخلف.”
أغمض ساكامو عينيه للحظة.
ثم قال بصوتٍ أقرب إلى الموجع:
“هل تدري كم من الأرواح ستُحرق حتى نُحقق هذا التوازن؟”
أجابه سامورو، بنبرة باردة لكنها صادقة:
“أعرف.
لكنني أُفضّل أن حل لدنيا …
او هو الحل الوحيد الذي لدينا.”
⸻
سكت الاثنان.
كنت أقف هناك، شاهدًا، لا على خطة عسكرية… بل على حرب قرارات.
ساكامو ليس قائداً فقط… هو أخ، وأب، وحامل عبء كونوها.
وسامورو… لم يكن فقط المخطط.
كان القنبلة الموقوتة…
واليد التي تنزع الفتيل.
⸻
قال ساكامو في النهاية:
“نفذها.
لكن إن سقطت… فلن أسامح نفسي.”
أجاب سامورو بهدوء:
“إن سقطت… فسيعرفون أن كونوها… قاتلت بأذكى ما لديها.”
⸻
كانت خيمة القيادة أكبر من أي وقتٍ مضى، ليس بالحجم، بل بالثقل.
كل من دخلها هذا المساء، لم يكن يحمل سيفًا فقط… بل يحمل قرارات على حافة السقوط.
وجوهٌ تكدّست حول الطاولة البيضاوية الطويلة، وعينا ساكامو في المنتصف، ثابتتان.
جلس إلى يمينه إيزونا أوتشيها، وخلفه شينزاكي نارا، والد شيكاكو.
تسونادي كانت تراجع لفائف المصابين، وجيرايا يجلس صامتًا بشكل غير معتاد، بينما فوجاكو وشيكاكو وإينوإيتشي وتشوزا يتبادلون النظرات من خلف الستار.
ساكامو لم يُكثر المقدمات.
رفع يده، وأشار إلى الخريطة التي رسمت عليها ثلاثة خطوط حمراء وثلاث دوائر سوداء.
ثم قال:
“الخطة التالية… لن تُرضي أحدًا. لكنها الخيار الوحيد لدينا الآن.”
سكت للحظة، ثم تابع:
“تحالف آيوا والساند بدأ تحركًا ميدانيًا.
الكازيكاجي الثالث في المركز.
أونكي على يساره.
تشو تدير السموم من الخلف.
راسا… سيتحرك كقوة ضاربة جانبية.
والأسوأ… الجينشوريكي، روشا وهان، في الخلف ينتظران فتح الجبهة.”
تغيرت وجوه البعض.
تسونادي رفعت رأسها عن اللفائف، وجيرايا جلس باستقامة أخيرًا.
قال ساكامو بصوت عالٍ:
“هدفنا ليس النصر.
هدفنا… أن نُربك العدو حتى لا يعرف أين مركز الخطر.”
ثم بدأ توزيع الأدوار:
“ميناتو، يارا، وسامورو… سيكونون خط المواجهة مع الجينشوريكي.
ميناتو، أنت الطُعم.
يارا، دعم خفي.
وسامورو… يحمل ختم النقل الخاص.”
هنا رفعت تسونادي حاجبها:
“ختم النقل؟”
أجاب ساكامو:
“ختم لنقل كامل ساحة المعركة إلى موقع بعيد… مهيأ للكمين.
الهدف: فصل الجينشوريكي عن الحرب.”
ثم أكمل وهو يشير إلى نقطة جانبية:
“فوجاكو، شيكاكو، تشوزا، إينوإيتشي…
مهمتكم هي تعطيل راسا.
كل دقيقة تحجبونه فيها… تُربك توازن الكازيكاجي.”
أومأ فوجاكو وقال:
“لن يصل إلى الجبهة.”
تابع ساكامو دون توقف:
“أما الكازيكاجي، أونكي، وتشو…
فسيبقون هنا، معنا.
وسيُواجههم أنا، وجيرايا، وتسونادي، مع وحدات الجونين الأساسية.”
تسونادي قالت بنبرة اعتراض:
“أنت تضع الجميع بخطر ؟”
قال ساكامو:
“نعم… لأني أحتاج أن تظن القرى أننا نُقاتل بكامل طاقتنا هنا،
بينما الحقيقة… أن ضربة كونوها ستُوجّه من حيث لا يتوقعون.”
⸻
سكت قليلًا، ثم نظر للجميع:
“هذه ليست خطة للانتصار الفوري.
بل لخنق العدو ببطء… حتى يتعب قبل أن يعرف من أين تأتي الضربة.”
قال جيرايا بابتسامة نصف مشاكسة:
“أخيرًا خطة لا تعتمد على نسف كل شيء من البداية.”
تسونادي قالت بهدوء:
“ولكنها تعتمد على عدم الموت قبل النهاية.”
إيزونا، لأول مرة منذ البداية، قال بصوت خافت:
“الخطة ناجحة… فقط إن نفّذها الجميع بدقة.”
أغلق ساكامو الخريطة، وقال:
“كل واحد فيكم يعرف ما يجب أن يفعله.
من الآن… لا وجود لخطط منفردة، ولا مبادرات فردية.
إما ننجو معًا… أو نُدفن كأننا لم نكن.”
⸻