كان الوقت يقترب من الغروب، حين خرجت أنا وميناتو من المعسكر.

السماء خلفنا تميل إلى الاحمرار، كأنها تعرف ما نحن مقبلون عليه، وتخجل من الضوء.

مشينا بصمت.

لا حاجة للكلمات.

لا أحد يتكلم عندما تكون مهمتك أن تختار أرض موتك.

أرضٌ واحدة، لن نختارها لدفننا… بل لاختناق الوحشين الذين يطاردوننا.

أوقفني ميناتو بعد ثلاثين دقيقة من المسير.

كان أمامنا واديٌ ضيق، تحيط به هضبتان صخريتان، مرتفعتان كأنياب حجر.

“هذا يصلح.”

قالها، وهو ينظر للأعلى، ثم للأسفل.

أجبت:

“البيجو بحاجة إلى مساحة للتحول الكامل.

إذا حوصروا في هذا الممر… لن يتحولوا.

لكنهم سيُجنّون.”

اقتربنا أكثر، وبدأنا نتفقد التضاريس.

كل زاوية، كل صخرة، كل مدخل محتمل.

ثم أخرجت لفافة من حقيبتي، وبدأت أخطط توزيع الفخاخ.

“هنا سيكون ختم النقل الرئيسي.”

وضعت إبهامي على مركز الوادي.

“وهنا، وهنا، ختمان احتياطيان.

فخ نقل ثلاثي… إذا فشل واحد، نحرق البقية وننقذ الخطة.”

ميناتو كان صامتًا، لكنه يُراقب بدقة.

سألته:

“كم ختم هراشين تستطيع أن تزرع قبل الغروب؟”

قال:

“ستة رئيسيين… وثلاثة خداعيين.

لكنني أحتاج نقاط تثبيت.

صخور ثابتة، أو جذوع، أو أجساد.”

“أجساد؟”

قلت، وأنا أبتسم بسخرية خفيفة.

رد بابتسامة جافة:

“أحيانًا العدو نفسه هو أفضل نقطة نقل.”

بعد ساعة كاملة من التجهيز، جلست على صخرة مائلة.

كنت أراقب ميناتو وهو يتحرك كأن الرياح تدفعه.

كل ختمٍ كان يُنقش بحذر.

كل رمزية فيه تحوي احتمال موت… أو نجاة.

قلت له وأنا أراقب:

“ميناتو، أنت ستكون وصلة حياتنا.

الهراشين ليس فقط تنقّلاً… بل تنفّس.

إذا انقطع… نموت.”

نظر إليّ بثبات، لم يجب، فقط أومأ.

بعد لحظة صمت طويلة، قلت:

“أريد منك أن تزرع الأختام الاحتياطية في ثلاث مواقع خلف الممر.

كل ثانية ستمنحنا فيها إمكانية التراجع… تساوي فرصة للعودة أحياء.”

أجاب:

“سأفعل، لكن إذا استخدمناها… فذلك يعني أن الخطة الأصلية فشلت.”

أجبته بهدوء:

“ونحن لا نخطط للفشل.

لكننا نحترمه.”

كنا نجلس تحت ظل الصخور المرتفعة، على جانب الممر الذي اخترناه موقعًا للفخ.

الهضبتان تزدادان ظلامًا مع اقتراب المساء، وكأنهما تستعدان لأداء دورهما في المسرحية التي رسمناها نحن.

كنتُ أراقب ميناتو وهو يزرع ختمًا على صخرة مسطحة قرب أحد الجدران، يضغط بإصبعه على النقش حتى تتوهج الحروف بلون أزرق باهت ثم تختفي.

“الرؤية؟” سألته.

ردّ دون أن يرفع عينيه:

“لا شيء مرئي من الجو. حتى لو طار أحدهم فوق هذا المكان، لن يرى أثرًا.”

أومأت.

ثم قلت:

“الآن نعود للسؤال الأهم… كيف نجذب الوحشين إلى هنا، دون أن نخسر عنصر المباغتة؟”

فكرنا لوقت طويل.

يارا كانت جالسة على صخرة، لا تتكلم، تنظر إلى الخريطة وكأنها تحاول أن تمزج بين خطوط الجغرافيا والأعصاب.

قلت:

“لا نريد أن نُهاجمهم… بل نُغريهم بالمطاردة.

الفرق بين الهجوم والمطاردة هو أنهم يشعرون أنهم يسيطرون.”

ميناتو قال:

“إذن… نحتاج لتحرك قريب منهم، لكن ليس كافيًا ليستفزّهم للجنون.”

نظرت إليه.

“تقصد عملية اقتراب محسوبة؟”

“نعم.

نُظهر أنفسنا في نطاق رؤيتهم – لكن بسرعة محسوبة، كأننا نختبر دفاعاتهم.”

أكملت الفكرة:

“ثم ننسحب باتجاه الفخ… وكأننا نحمل شيئًا مهمًا لا نريدهم أن يحصلوا عليه.”

“بالضبط.” قال ميناتو.

هنا تدخلت يارا أخيرًا، وقالت:

“ماذا لو استخدمتم نسخًا خادعة بدلًا من أنفسكم؟

نسخك، ميناتو… سريعة، وذات تشاكرا واضحة.

ستبدو حقيقية كفاية لتُثير اهتمامهم.”

نظرت إليها.

ابتسمت.

“لهذا أبقيتك خارج النيران، يارا…

أنتِ ستكونين عينان في هذي العمليه .”

قررنا الخطة النهائية:

ميناتو سيستخدم نسخة تحمل ختم تتبع خاص، يظهر تشاكرا وهمية.

النسخة تظهر أمام روشا وهان، تستفزهم، ثم تفرّ باتجاه الممر

عند وصولهم إلى مسافة قريبة، يُفعل الفخ الأول: حاجز حاجب للرؤية خلفهم.

عند الدخول الكامل، يُغلق الفخ، وتبدأ مرحلة القتال.

ختمت الخطة بقولي:

“يارا ستكون في الجهة الأخرى من التل، بعيدة عن النطاق القتالي.

ستكون نقطة المراقبة والاحتياط.

إذا انهار أحدنا… ستكونين خط الطوارئ.”

قالت يارا بهدوء:

“مفهوم.”

ثم أضافت، بنظرة حادة:

“لكن لا تجعلوني أحتاج أن أتدخل.”

ضحك ميناتو وقال:

“نعدك أننا سنكون مزعجين بما يكفي لنُبقيهم مشغولين.”

تقدمت نحو الطرف الآخر من الممر، حيث زرعت أنا آخر ختم نقل.

جلست على ركبتي، وبدأت نقش الرموز، واحدة تلو الأخرى.

كل رمز… يحمل احتمالًا.

كل تقاطع بين الخطوط… إمّا بوابة هروب أو شق موت.

سمعت صوت خطوات ميناتو يقترب.

جلس إلى جانبي، وقال:

“هذه المرة مختلفة.”

أجبته دون أن أتوقف:

“هذه المرة حاسمة.”

قال بعد لحظة:

“هل تثق أن هذه الخطة ستنجح؟”

رفعت رأسي، ونظرت إلى الحفرة التي حفرناها وسط الأرض، حيث وُضعت لفافة الطرد الأخيرة.

ثم قلت:

“أنا لا أحتاج أن أنجح.

أحتاج فقط… أن لا أفشل.”

—-

السماء كانت ثقيلة.

سحابة ممتدة فوق رؤوسنا بدأت تتكاثف منذ الغروب، كأنها تستعد لحضور مشهدٍ لا يشبه أي شيء رأته من قبل.

وقفت على حافة الممر، أنظر إلى الأفق، أراقب أطراف الغيم وهو يعلو ويهبط.

ميناتو وقف بجانبي، ساكنًا، كأن جسده يستمع لصوت ما تحت الأرض.

أما يارا، فكانت خلفنا بقليل، تميل رأسها كعادتها حين تنتظر شيئًا حتميًا.

قلت بصوت خافت:

“هذا الجو… هو ما كنا ننتظره.”

نظر إليّ ميناتو باستفهام، دون أن يتكلم.

فتحت لفافة صغيرة، لون ختمها داكن مائل إلى الرمادي، كأنها امتصت الغبار والبرق معًا.

قلت:

“هذه التقنية… لم أستخدمها من قبل.

سميتها: كارين .”

سكتّ قليلًا، ثم أكملت:

“هي ليست صاعقة واحدة… ولا مجرد برق ينزل من السماء.

هي سيف.

يُصاغ من الغيم، ويُمسك من الأرض.”

وضعت الخريطة أمامنا، ثم أشرت إلى نقطة بداية الهجوم.

“سأطلب منك، ميناتو، أن تخلق غشاء مائي يغمر الأرض بين التلال.

بهدوء، لا كفيضان.”

ثم التفتّ إلى يارا:

“وستطلقين أنتِ نارًا مركّزة فوقه، بشكل متدرج، لتُحول الماء إلى بخار كثيف.”

تابعت:

“البخار سيتصاعد ويصنع صلة مع الغيم المشبع فوقنا.

تشاكرا النار والماء الممتزجة بالبخار، ستعمل كموصل طبيعي.”

وضعت إصبعي على قلب الخريطة، وقلت:

“من هنا… سأستدعي البرق.”

ميناتو تمتم:

“أنت ستتحكم بالبرق الطبيعي؟”

هززت رأسي:

“لن أتحكم به… سأقوده.

الختم الذي سأفعّله سيربط الغيم بالبخار،

والبرق سينزل عبر المسار الذي صنعناه نحن.

سيضرب كل ما في الداخل، لا كضربة واحدة، بل كطعنات متسلسلة.”

يارا سألت بصوت منخفض:

“وإذا كان أحدنا في الداخل…؟”

نظرت إليها بعينين ثابتتين:

“لن يكون.”

ثم تابعت:

“حين أبدأ التركيز، سيُصبح الجو مشحونًا بالكامل.

ستشعرون به.

عندها، ميناتو… ستأخذ يارا وتنتقل خارج النطاق.

نقطة الطوارئ جاهزة، هناك، خلف الجبل الغربي.”

ميناتو سأل أخيرًا:

“وهل تكفي لضرب جينشوريكي؟”

أجبته ببطء:

“لا أعرف.

لكنني أعلم أنها صُممت لقتل من يظن نفسه أقوى من السماء.”

يارا نظرت إليّ وقالت:

“وهل ستبقى أنت؟”

ابتسمت. ثم قلت:

“كارين… لا تُطلَق من بعيد.

يجب أن يُمسك نصل الغيم من الأرض.”

ثم مشيت، وخطوت داخل الممر، كأني أدخل جسد الوحش الذي خلقته بيدي.

وسمعت صوت الرياح خلفي…

تُصافح الغيم، وتنتظر أول برق.

2025/05/10 · 54 مشاهدة · 1026 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025