أكره المعارك السهلة.

ذلك النوع من الاشتباكات التي تظن فيها أن النصر وشيك، ثم تكتشف لاحقًا أن ما كنت تراه كان مجرّد طُعم.

لهذا السبب، كنت أمشي خلف روشا بصمت، بينما ساحة الحرب تتنفس زئيرها أمامنا.

الحرارة تتصاعد من درعي، بخارٌ خفيف يحيط بي كأنني مخلوق يتنقّل بين حالتين: الإنسان، والوحش.

كنت أشعر بأنفاس البيجو في داخلي… ليست غاضبة، بل مستثارة.

أرض المعركة ممتدة، كأنها وُلدت خصيصًا كي نُفسدها.

أونكي في السماء، كأن وزنه لا يخضع لقانون.

الكازيكاجي الثالث يشق الأرض كأنه يفك شفرة الرمال بيديه.

وتشو… تلك العجوز، كانت تنفث السموم كما ينفث شاعرٌ قصيدة قبيحة في جنازة.

لكنني لم أكن أنظر إلى أي منهم.

كنت أنتظر شيئًا آخر.

ثم… رأيناه.

شعاعٌ من الأصفر… خاطف.

ميناتو ناميكازي.

قالوا عنه “سريع”، لكني رأيت شيئًا آخر.

سرعته لا تُرَى، بل تُشعر.

ظهر من العدم… نسخته وقفت بيننا، تمشي بخطى هادئة، ثم ابتسمت.

ابتسامة خفيفة… لا سخرية فيها، بل دعوة.

روشا زمجر فورًا، اندفع.

وأنا… كنت خلفه بثوانٍ، لست لحماقة منه، بل لأن هناك شيئًا في داخلي بدأ يحذرني:

“انتبه… هذا ليس كما يبدو.”

ركضنا.

كنا نكسر الأرض تحت أقدامنا.

وكل خطوة من روشا كانت تقرع كأنها ناقوس موت.

ثم فجأة… النسخة توقفت، التفتت، ابتسمت مرة أخرى…

واختفت.

وقبل أن نستوعب ما حدث…

السماء تقلّبت.

انتقلنا.

**

لم تكن تقنية نقل عادية.

كنت أُجبر على الدخول في بُعد آخر وأنا مفتوح العينين.

الهواء تغيّر.

الرطوبة أعلى.

الرؤية محدودة.

ومباشرة… جاء الصوت.

“أهلًا بكم في مطعم حظيرة الحيوانات.

اليوم سيتم طبخ قرد وحصان، ويُقدمان مع الخضروات.”

تجمّدت لثانية.

نظرت نحو مصدر الصوت.

شاب… شعره فضي مشوش ، لا يتناسق مع ملامحه الجادة.

عيناه هادئتان بشكل يثير القلق.

وابتسامته؟

كأنها تقول “أنا رأيت نهايتك مسبقًا.”

انحنى، بانضباط مبالغ فيه، كأنه نادل محترف.

“أنا سامورو، مقدم هذا العرض الدموي.”

وفجأة… من خلفه، خرجت فتاة.

وجهها ساكن… لا دم فيه.

وقبل أن نتفاعل، أطلقت جتسو ناري مباشرة باتجاهنا.

تشاكرا البيجو في داخلي تحركت دون أمر.

ارتفعت كدرعٍ ناريٍّ يعزل اللهب عن جسدي، ويقضم النينجتسو كما يقضم الجمر الورق اليابس.

قال سامورو:

“أوووه… تملك درعًا من الغش، رائع! ياليت عندي تشاكرا مثل هذه.”

ردّت الفتاة، غاضبة:

“ليس وقت النكات، سامورو!”

فأجابها بانضباط ساخر:

“مفهوم، مدام!”

ثم أدّى تحية عسكرية مبالغ فيها، وقفز للخلف بخفة.

وقف أمامي كأن لا شيء حدث.

وقال:

“الآن… سنشتت انتباهكم قليلًا، ريثما يصل الضيف الثالث.”

أنا لم أرد.

لكني كنت أُحلله.

حركاته… طريقة وقوفه… الجُرأة التي تُشبه التهور، لكنها ليست تهورًا.

وفي صدري…

الوحش في داخلي تمتم:

“هذا ليس مقاتلًا… هذا مهرج.”

لكنني لم أخف.

فأنا هان…

درع آيوا.

وإن كان يظن أن السخرية ستكسرني…

فليجرب ضرب الفولاذ.

رائع، نتابع الآن:

الهواء ثقيل… كأن الممر لا يتنفس إلا معنا.

كل خطوة أخطوها تصدر صدىً غريبًا، ليس كصوت طَرق، بل كأن الأرض تتوجّع.

روشا بجانبي ما زال يتقدم… كعادته، لا يصبر، ولا يسمع.

أما أنا، فكلما اقتربت من ذلك الفضي الواقف أمامنا، شعرت بأن هذا المكان… ليس مكاننا.

نظرت حولي.

الجدران صخرية عالية، ضيّقة بشكل غير طبيعي، كأنها وُضعت خصيصًا لمنع التحول الكامل.

تبًّا…

هم لا يريدون قتالنا فقط.

إنهم لا يريدوننا أن نُصبح نحن.

قال روشا بصوت غاضب:

“دعني أُكسر هذا الفم الساخر.”

ردّ سامورو، مبتسمًا:

“انتظر قليلاً… الطباخ لا يُقدّم الطبق الرئيسي قبل تحمية الزيت.”

ثم أشار خلفه برأسه.

“وها هو الزيت… وصل.”

من نقطة عالية في الجهة الغربية…

ظهر شاب أشقر، شعره يتحرك مع النسيم، وخطاه ثابتة.

ميناتو.

لم يكن مسرعًا… بل واثقًا، كأنه جاء للحفل متأخرًا لأنه يعرف أن الجميع بانتظاره.

سامورو قال، بابتسامة خفيفة:

“كالعادة… أنت متأخر، أيها الوغد.”

رد ميناتو، بلهجة لا تخلو من الخفة:

“عذرًا… كانت المسافه طويله.”

ابتسم سامورو ابتسامة صغيرة وهو يدير وجهه

يارا قاطعت:

“هل انتهيتم من الكوميديا؟ لدينا وحوش لنشتت انتباهها.”

فقال سامورو، بنبرة مصطنعة الجدية:

“مفهوم… سنبدأ بالعزف.”

ثم…

تفجرت الأرض بخطوات متفرقة.

الثلاثة تفرقوا فجأة.

ميناتو إلى يسار الممر،

يارا إلى التلة الخلفية،

وسامورو اندفع نحونا كأن الريح تحمل سيفًا في يده.

روشا لم يحتمل.

زمجر، وبدأ يشكّل تشاكرا البيجو في ذراعه.

أما أنا… فأطلقت أول موجة بخار من فمي، تغطي نصف المساحة أمامنا، كتمويه واستعداد للهجوم.

لكني أبقيت عيني على سامورو.

لم يتحرك كالمعتاد.

بل خفف خطواته، وجعل كل تحرك يُربكنا.

يبدو مرتاحًا في الحافة، وكأنه لا يقاتل… بل يراقب من يتحرك أولًا ليُجهز عليه.

وأخيرًا…

نادى:

“ميناتو! ماء!”

انطلقت شلالات من الماء من يد ميناتو نحو مركز الممر.

“يارا! نار!”

صرخة حادة، وتفجرت النيران، راكبة فوق الماء كعروس على فرسٍ مشتعل.

البخار بدأ يتصاعد بسرعة.

حرارة مفاجئة… وضغط يتجمّع في الهواء.

الوحش في داخلي تمتم، بصوتٍ قلِق.

صرخ سامورو:

“تبديل!”

واختفى فجأة.

ظهر فوق صخرة عالية، يرفع يده اليمنى إلى السماء، وتشاكرا البرق بدأت تتجمع حول أصابعه.

الغيم… بدأ يُظلم فجأة، وكأن النهار انكسر.

رأيت ذلك.

لم يكن هذا عشوائيًا.

بل مقصودًا.

أردت أن أصرخ لروشا: “ارجع!”

لكنه كان منهمكًا في شحن البيجو في صدره.

وسامورو… قالها ببرود:

“لقد خسرت.”

ثم اختفى البرق… في السماء.

البخار غطّى الممر.

لم نعد نرى شيئًا بوضوح، لا أنا… ولا حتى روشا، الذي توقف أخيرًا، وحدقتاه تبحثان عن هدف وسط الغيم الأبيض الساخن.

لكنني لم أُصَب بالذعر.

أنا جينشوريكي…

والتشاكرا في داخلي لا تعتمد على النظر، بل على الإحساس.

خطوتُ للأمام ببطء، يدي اليمنى ترتجف قليلًا من الضغط الحراري، واليسرى مُغلقة بإحكام فوق صفيحة درعي.

قلت داخلي:

“إنهم يريدوننا أن نغضب… يريدوننا أن نصرخ، أن نضرب الأرض، أن نفقد تركيزنا.”

ابتسمت.

“لن أُعطيهم ذلك.”

وفجأة… اندفع شيء من البخار.

لم أره، بل سمعته أولاً.

خطوة سريعة… خفيفة… لكنها واثقة.

قلبت جسدي، ورفعت قدمي اليمنى لأركل القادم.

لكن لم يكن أحد هناك.

ضربة خادعة.

من الجهة الأخرى…

جاء سامورو.

شعرت به متأخرًا بنصف ثانية.

سيفه اقترب من خاصرتي… لكن طبقة تشاكرا الوحش اشتعلت فورًا، وصدت الضربة.

لكنني شعرت بها.

لم تكن ضربة عادية…

كانت صامتة.

لا صرير، لا فرقعة.

سيف مغمور بتقنية تخفي الصوت والضغط.

قلت، وأنا أبتعد عنه بخطوة:

“أسلوبك ليس نينجا… بل قاتل مدني.”

رد سامورو، بابتسامة مائلة:

“وأنتَ… لا تعرف كيف تموت بهدوء.”

اندفع من جديد.

لكنه لم يُهاجمني مباشرة، بل التفت وضرب روشا من الجنب.

سيفه لم يُحدث جرحًا، لكنه ضغط على ذراع روشا، الذي فقد توازنه للحظة.

أطلقت موجة بخار ضخمة بيننا.

غطت كل شيء، وسحبت الضغط بعيدًا عن روشا.

ثم قلت له:

“تماسك! هذا ليس قتالًا عاديًا.”

أجابت يارا من بعيد، كانت واقفة على المرتفع، تشكّل نينجتسو ناريًّا آخر:

“وليس خصمًا عاديًا.”

أطلقت كرة نارية لولبية، اندفعت نحو روشا، لكني اعترضتها بدرعي، وشطبتها بجدار بخار صغير.

لا وقت لمجاملاتكم.

لكنّ شيئًا كان يحدث في الخلفية…

شيئًا أكبر من كل هذه التبادلات.

ميناتو.

رأيت أطيافًا تتحرك خلف البخار.

ختم على الأرض… ختم آخر على الصخور… نسخة جديدة من ميناتو تُشوش رؤيتي، ثم تختفي فجأة.

أدركت متأخرًا أنه كان يُعدّ الأرض، لا القتال.

وأن المعركة الحقيقية… لم تبدأ بعد.

نظرت إلى السماء.

السواد… صار حقيقيًا.

رفعت عيني إلى الأعلى.

السماء…

لم تكن كما كانت قبل دقائق.

الغيم الأسود لم يعد سحابًا متجمّعًا، بل سقفًا من غضب صامت.

لم يكن يتدحرج… بل ينتظر.

وانتصف الممرُ بنا، بالبخار، بالنار التي لم تشتعل بعد، وبسيفٍ ما زال مخبأ في صدر سامورو.

رأيته.

يقف على حافة صخرة مرتفعة، فوق نقطة مركزية من الممر.

جسده ثابت، ويده مرفوعة، راحته مفتوحة للسماء.

شعره الفضي يتمايل مع النسيم…

وفي عينيه انعكاس برقٍ لم يضرب بعد.

صوته خرج هادئًا، لكنه سمعه الجميع:

“كارين.”

اسمٌ واحد.

لكنني… لم أسمعه من قبل.

في داخلي، تحرّك شيء.

ليس الوحش.

بل إحساسٌ قديم… اسمه الحذر.

لماذا هذا الاسم يُنطق بهذه الطريقة؟

كأن الكلمات نفسها تُهيّئ مكانًا لشيءٍ سيسقط من السماء.

روشا صرخ:

“أسقطه قبل أن ينفّذ شيئًا!”

بدأ بشحن تشاكرا ضخمة في راحة يده.

لكن يارا أطلقت نينجتسو ناري ضخم قطعت به خطه الهجومي، وأجبرته على التراجع.

ميناتو ظهر بجانبي فجأة، لا أعلم من أين.

لكن ما فعله لم يكن هجومًا، بل تثبيت.

حركته الأخيرة كانت زرع ختمٍ جديد…

على صخرة قريبة من قدمي.

أدركت متأخرًا.

كل شيء حولي… لم يكن عشوائيًا.

هذا المكان، هذا الممر، هذا الضيق، هذا الارتفاع، البخار، حتى نحن.

كنا وسط دائرة.

وسامورو…

كان في مركزها.

أطلق صوته من جديد:

“حان وقت الطبخ.”

ثم همس بكلمات لم أسمعها، وغمز للسماء.

وهي… ردّت.

برقٌ… لا يشبه البرق.

لم يكن مجرد ضوء.

كان جسدًا من لهب أبيض نقي، ينهار من السماء إلى الأرض كما تنهار سيوف عشرة آلاف محارب.

ضرب منتصف الممر، فوق البخار مباشرة.

لم يكن برقًا… كان عقابًا.

شعرت بالعظمة.

بالعجز.

بالغضب.

البيجو بداخلي حاول أن يتكلم… أن يُطلق طبقة حماية جديدة.

لكني كنت أعلم…

أنه متأخر.

سامعت سامورو يهمس أخيرًا:

“هاردلك.”

ثم ضوء أبيض… صراخ… حرّ شديد…

وصمت.

وفي تلك اللحظة…

علمت أنني… أخطأت الحساب.

السماء لم تعد تمطر برقًا… لكنها تركت أثرها.

الأرض انشقت من تحتنا، وحرارة الممر ارتفعت حتى بات الهواء نفسه يلسع الرئة.

كل شيء سكن فجأة… عدا الألم.

كنت أسمع صوت تنفّسي، ثقيلًا، مجوّفًا… واهنًا.

روشا بجانبي، ذراعه محترقة، نصف وجهه مغطّى برماد متفحّم.

يتنفس… نعم. لكنه لا يعي مكانه.

أما أنا… فكنت ما أزال على ركبتي، رأسي مائل نحو الأرض، والدخان يتصاعد من فتحات درعي كجناح مهترئ.

خطى ثلاثة أشخاص تقترب.

عرفت من هم قبل أن أراهم.

سامورو…

ميناتو…

يارا.

وقفوا أمامنا بصمت.

ثم قال سامورو، بصوته الثابت:

“أحياء… جيد.

ورقة رابحة لا تُستعمل وهي محروقة.”

نظرت إليه، بصعوبة، بصمت، ثم تمتمت:

“اقتلنا… إن كنت قادرًا.”

اقترب خطوة، ثم انخفض قليلًا أمامي:

“القتل سهل.

لكنه لا يُحدث فوضى سياسية.”

أشار لميناتو.

هذا الأخير أخرج لفافتين مختومتين بعلامات حمراء، ثم نظر إليّ وقال:

“سيتم ختم التشاكرا فقط.

لن تُقتل… ولن تُعذّب.

لكنك… لن تُقاتل.”

لم أجب.

فقط أغمضت عيني، وتركت جسدي يسقط قليلاً إلى الأمام.

شعرت بالختم يُضغط على جلدي، ثم بدأت التشاكرا في داخلي تنكمش، تنسحب، كأنها تُسحب من طريق مسدود إلى بئر لا قاع له.

البيجو صرخ في داخلي.

لكني… صمتّ.

ثم قام ميناتو بوضع الختم الآخر على روشا، الذي لم يتحرك.

تسوناميات الغضب والسخرية في داخلي… هدأت فجأة.

شعرت بشيء لم أشعر به منذ سنوات.

الخذلان.

سامورو مشى ببطء، ووقف في منتصف المسافة بيننا.

قال:

“روشا وهان… جينشوريكي النخبة من آيوا.”

ثم نظر إلى ميناتو:

“من اليوم… أصبحوا أسرى كونوها.”

أكمل، وهو ينظر نحو الغيم المتفرق:

“وسنرى… إن كانت آيوا تفضّل وحوشها… أم سلامها.”

2025/05/10 · 44 مشاهدة · 1651 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025