كانت أوراق الشاي تتمايل بخفة فوق الماء الساخن،

وبخار الكوب يصعد كأنّه يكتب حكاية قصيرة في الهواء.

جلستُ على عتبة البيت، والسكون يملأ الحديقة…

حتى جاء صوته.

“ني سان!”

صوت صغير، لكنه واثق.

التفتُّ…

كان كاكاشي ، بشعره الفضي الأشعث، وعيناه المتّقدتان فضولًا، يركض بخطوات قصيرة، يحمل في يده عصا خشبية بطول نصف ذراعه.

كاكاشي:

“ني سان! عندي سؤال!”

ثم جلس أمامي، كما يفعل الجديون في اجتماعات النينجا، وقال:

“لماذا بعض مقاتلي السيف لا يهاجمون أولًا؟ أليس الأفضل أن تبدأ الضربة قبل الخصم؟”

رفعت حاجبي… ابتسمت.

“لأن السيف، يا كاكاشي، ليس سرعة فقط… بل وعد.”

كاكاشي (مائل الرأس):

“وعد؟”

“نعم… السيف يقول للخصم: إن اقتربت، سأرد.

وكلما طالت لحظة الانتظار… زاد الخوف من الرد.”

حدّق في وجهي لحظة، ثم قال:

**“هل يمكن أن تريني؟”

ضحكت.

وضعت كوب الشاي جانبًا، وقمتُ واقفًا.

“تعال، أيها المبارز.”

أخرجت عصا خشبية من طرف الحائط، ووقفت أمامه.

“افترض أنني خصمك… وابدأ متى شئت.”

تقدّم كاكاشي بخطوته الصغيرة الأولى.

كانت يداه ممسكتين بالعصا كأنها سيف حقيقي.

ثم انقضّ فجأة.

صدّت عصاي ضربته برفق.

“سريع… لكنك تُهاجم بقوة قبل أن تعرف المسافة.”

حاول ثانية.

ضربة أعلى.

صدّيتها بلحظة.

“وهنا… لم تكن عيناك على الهدف.”

في الثالثة، توقفت عن صدّه.

وقبل أن يضرب، همست:

“الآن، لو كنت خصمًا حقيقيًا… لكنت انتهيت.”

توقف كاكاشي، مدهوشًا.

كاكاشي (بصوت صغير):

“لم أتحرك بعد… كيف عرفت؟”

“لأن قدميك قالتا ما لم تقله سيفك.”

صمت.

ثم قال بحماس مفاجئ:

“أريد أن أتدرب معك كل يوم!”

ربتُّ على رأسه:

“كل يوم… حتى تُصبح السيف نفسه.”

ابتسم… ثم اندفع ليضرب مجددًا.

ضحكت، وأنا أرفع عصاي.

“إذن، لنبدأ من جديد، يا مبارز كونوها الصغير.”

بعد أن سقط كاكاشي على ظهره للمرة الخامسه عشر،

ظلّ مستلقيًا في الحشائش، يلهث من التعب، وعيناه تلمعان بشيءٍ بين التحدي والإعجاب.

نظرت إليه وأنا أقف فوقه، ثم مددت يدي لأرفعه.

كاكاشي (وهو يلتقط أنفاسه):

“ني سان…”

سامورو (رافعًا حاجبًا):

“نعم، صغيري؟”

كاكاشي:

“متى ستُعلّمني النينجتسو؟”

صمتّ لحظة، ثم جلست بجانبه، نظري على الأفق البعيد.

“النينجتسو… سيكون آخر شيءٍ أُعلّمه لك.”

تقلّب كاكاشي نحوي بفضول.

“لماذا؟”

سامورو (بهدوء):

“أولًا… ستتقن مهارات السيف،

لأن السيف يُعلّمك الانضباط، الدقّة، والاحترام.”

**“ثانيًا… ستتعلم كيف تتحكّم في عقلك،

وتُطوّر تكتيكاتك، لأن القوة بلا عقل… هلاك.”

“وثالثًا… حين يصبح جسدك ثابتًا، وعقلك صافيًا،

حينها فقط… أُعلّمك كيف تصنع النار من لا شيء.”

كاكاشي سكت لحظة، ثم قال بنبرة خفيفة:

**“يعني… الآن لا شيء؟”

ضحكت، وقلت:

“الآن لديك كل شيء… لكن الوقت لا يزال مبكرًا.”

ثم أضفت وأنا أربّت على رأسه:

“أنت لا تحتاج نينجتسو… بل تحتاج أن تعرف متى تُخرج السيف… ومتى تُبقيه في غمده.”

أومأ برأسه ببطء.

ثم همس:

“حسنًا… سأنتظر، لكن حين أتعلم، أريد أن أكون مثلك.”

نظرت إليه مطولًا.

“لا، كاكاشي… أريدك أن تكون أفضل.”

كان نسيم المساء بارداً، لكن ليس قاسياً.

جلستُ على المصطبة الحجرية أمام حديقة التدريب، بينما كان كاكاشي نائمًا في ظل شجرة قريبة، عصاه الصغيرة بجانبه.

أغمضت عيني للحظة، وبدأت أستمع إلى الريح وهي تحرّك أوراق الشاي على الطاولة…

حتى سمعت خطوات مألوفة.

ميناتو.

صوته كان خفيفًا، لكنه يحوي شيئًا من الدعابة القديمة:

“مرّت ثلاث سنوات يا سامورو…

ولا تزال آخر مهمة لك هي الأخيرة.”

فتحت عيني، نظرت إليه، كانت ابتسامته مألوفة… لكن وقفتُ دون أن أبادله سوى جملة واحدة:

“الآن… ليس وقت المهمات.

بل وقت زرع الجذور.”

تقدّم وجلس مقابلي، يديه خلف رأسه، ثم قال:

“وهل زرعت ما يكفي؟”

نظرت إلى كاكاشي النائم، ثم إلى حافة الشمس التي تذوب خلف السور.

“لست واثقًا بعد… لكن إن لم أفعل أنا، من سيفعل؟

الجيل القادم… هو المعركة الحقيقية.”

سكت قليلًا.

ثم نظرت إليه، وسألت بنبرة خفيفة:

“هل أتقنت طور الناسك؟”

ابتسم.

وقف بهدوء، وأغلق عينيه…

ثم ظلّ واقفًا بلا حراك لثلاث دقائق.

الهواء من حوله تغيّر،

ثم ظهر اللون البرتقالي على جفنيه، واضحًا، متوهجًا كأن الشمس نفسها مرّت عليه.

فتح عينيه ببطء.

“نعم.”

ثم قال، بصوته الهادئ الجاد:

“سينسي أمرني أن آخذك إلى جبل موبوكو.

هناك… نبوءة تنتظرك.”

لم أجب مباشرة.

وقفت، التفتُ نحو كاكاشي، ثم إلى السيف الموضوع على الجدار الخشبي بجانبي.

التقطتُه بهدوء، وقلت:

“حسنًا… لنذهب.”

2025/05/13 · 46 مشاهدة · 639 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025