لم يكن الضوء أول ما شعرت به حين استيقظت، بل الرائحة.

التيّار الخفيف لرائحة الأعشاب الطبية، ممزوجة برطوبة القطن،

ورائحة خفيفة للجلد… جلد بشري قريب جدًا مني.

فتحت عينيّ.

الضوء خافت، لكنه واضح.

الستائر مسدلة جزئيًا، والغرفة ساكنة.

استغرق الأمر لحظة لأدرك:

أنا في كونوها.

على سرير أبيض.

حي.

والأهم… أرى.

حركت أصابعي أولًا، ثم كتفيّ، ثم… تنفّست.

فُتح الباب بهدوء.

دخل ميناتو، كما يفعل دومًا، دون أن يسأل.

بيده كوب شاي، وفي عينيه راحة واضحة كأنّ الليل الذي مضى كان حملاً ثقيلاً أُزيح عن صدره للتو.

“صباح الخير، أعمى سابقًا.”

قالها وهو يقترب، نبرة صوته أخف من العادة، لكن ابتسامته كانت صادقة.

“صباح خفيف… طالما أن وجهك ليس أوّل ما رأيته.”

أجبته، صوتي لا يزال مبحوحًا، لكن ابتسامتي كانت أسرع.

جلس على الكرسي بجانبي، وضع كوبه على الطاولة، وأسند ظهره.

“كيف تشعر؟”

“خفيف… وكأن النور يتسلّل إلى جسدي لأول مرة من جديد.”

أومأ، ثم قال بنبرة من يحاول أن لا يُظهر القلق:

“كنت أنتظر أن تستيقظ… منذ ساعات.”

ثم أضاف بابتسامة مشاكسة:

“لكن يبدو أنك كنت مرتاحًا جدًا… أو ربما، استمتعت بالليلة الماضية.”

حدقت فيه، صامتًا.

رفعت حاجبًا.

“ماذا تقصد؟”

“لا شيء… فقط أنها كانت أول مرة أرى يارا تنام على أحدهم، لا بجانبه، بل عليه.”

أخفضت عينيّ.

لم أقل شيئًا.

“كنت نائمًا، أو بالأحرى، تائهًا… وهي جلست عند رأسك،

ثم بدأت تهمس بكلمات غريبة،

وبعد دقائق… احتضنتك من الخلف كأنها تخشى أن تنزلق روحك منها.”

نظرت إليه، محاولًا أن أبقى محايد الملامح.

“هل انتهيت؟”

“لا.”

ارتشف من الشاي، ثم تابع:

“في منتصف الليل، كانت تتمتم باسمك…

وأنا، بكل نُبل قلبي، قررت ألا أوقظك، رغم أنني كنت سأحظى بمشهد كوميدي.”

أغمضت عيني.

“ميناتو…”

“نعم؟”

“لو لم تكن أضعف مني، لضربتك.”

ضحك بخفة، ثم قال:

“لو لم تكن حيًّا، لما استطعت أن ترد.”

سكت.

ثم قلت:

“كيف… كانت تعابيرها؟”

لم يجب مباشرة.

ثم همس:

“كانت تبكي وهي تضحك.

مثل من وجد شيئًا غاليًا… وظن أنه فقده إلى الأبد.”

نظرت إلى السقف.

“وأنت؟”

“أنا؟”

ابتسم، نظر إليّ طويلًا، ثم قال:

“أنا فقط سعيد أنني ما زلت أراك…

حتى لو كنت تزعجني أكثر الآن.”

ضحكت، أخيرًا.

ضحكة قصيرة… لكنها حقيقية.

هو وحده يعرف كيف يُخرجني من الغبار.

ك.

كان الضوء يتسلّل بخفّة من نافذة صغيرة، وهدوءٌ غريب يخيّم على الغرفة.

رأسي أخفُّ من الأمس، لكن قلبي… لا يزال يضجّ بالصمت.

كان ميناتو جالسًا إلى جواري، يحمل كوبًا بخاريًّا بين يديه، وعيناه تراقباني كما لو أنه يخشى أن أختفي.

قال بابتسامة هادئة:

“لكنك ما زلت أنت، حتى لو —”

فُتح الباب فجأة.

ميو:

“وها أنتما تبدأان بالفلسفة كما توقعت!”

تقدّمت بخطى ثابتة، ووقفت عند رأسي تتفحّصني بنظرة تفتقر لأي عاطفة.

ثم قالت بنبرة صارمة:

“قل لي، هل ما زلت تعرف كيف تتكلم؟ أم أُجرّب ضربك لأتأكد؟”

نظرت إليها بتنهيدة طويلة.

“صباح الخير لك أيضًا، ميو… لا شيء يتغيّر، أليس كذلك؟”

ميو (ببرود):

“بل كل شيء يتغيّر… إلا عنادك، فهو أسوأ من التشاكرا الملوّثة.”

ميناتو (رافعًا حاجبيه):

“قلتُ لكِ: لا تقتربي من الكوب، لكنكِ تفضلين توبيخ المرضى على شرب الشاي.”

ميو (وهي تلتفت نحوه):

“وأنت، دعني أُصلح ما أفسدته بثرثرتك.”

ثم دخل ساكامو ، بهدوئه المعتاد، وسكونه الذي يشبه حافة نصل.

اقترب، جلس بهدوء، وسألني دون مقدمات:

ساكامو:

“كيف حالك؟”

نظرت إليه، أجبت دون تردّد:

“بخير… نيسان.”

لم يعلّق، واكتفى بإيماءة بطيئة، وابتسامة صغيرة نادرة.

دخلت بعده تسونادي ، ووقفت إلى جوار سريري، تضع يديها على خصرها وتنظر إليّ بنظرة أخوية خالصة.

قلتُ، وأنا أرفع رأسي قليلًا:

“كنت أثق بكِ، أنيكيه.”

ابتسمت برفق، وقالت بثقة:

“بالطبع، أيها المغفّل… حتى لو متّ، كنت سأُعيدك من الجحيم بنفسي.”

لم أجبها.

فقط شعرت بشيء دافئ ينكمش داخلي.

ثم دخل فوجاكو ، يتبعه إيزونا ، الأول بعين متفحّصة، والثاني بوقار رجل يحمل ظلًّا طويلًا.

فوجاكو (وهو يتجه نحوي):

“أعتقد أنه يجب علينا تغيير اسمك إلى أوتشيها سامورو… بعد هذه العين.”

ضحكت بخفة.

“لا تقلق، لقد تم الاتفاق على الاحتفاظ بالعين… بفضل عمي إيزونا.”

إيزونا (بصوت هادئ):

“الدم لا يُقاس بالنسب وحده… بل بالموقف. وقد أثبتّ موقفك.”

نظرت إليهما، وقلت بصدق:

“شكرًا… لكما.”

دخلت بعدها كوشينا ، كالعادة، بصوتٍ يسبقها وخطوةٍ واثقة.

كوشينا (وهي تقف عند طرف السرير):

“أتعلَم؟ لو متّ… كنت سأخترق عالم الأموات لأعيدك، فقط لأضربك حتى تموت مجددًا.”

نظرت إليها مبتسمًا:

“وما الفائدة من إرجاعي إذًا؟”

كوشينا (ترد بسرعة):

“لأضربك حتى الموت.”

ضجّ الجميع بالضحك.

حتى تسونادي ضحكت خفية، وأغمض ميناتو عينيه كمن يسجّل هذه اللحظة في ذاكرته.

اقترب ناواكي بهدوء، وجلس إلى جوار السرير.

ناواكي (بصوت ناعم):

“لا أعرف كيف تفعلها…

لكن كل مرة تعود فيها، تُذكّرنا أن الحياة لا تنتهي بسهولة.”

سامورو:

“وأنت دائمًا في مكانك… ثابتًا كأنك الجدار الأخير في وجه الريح.”

ربت على يدي بلطف، ثم تركني.

ثم جاء شيكاكو ، بشعره غير المرتّب، ونظراته المتعبة من التفكير الطويل.

شيكاكو (وهو يتنهد):

“شارينغان، مانجيكيو، غيبوبة…

أتوسل إليك، سامورو، لا تُخطّط لمسرحية جديدة قريبًا.”

سامورو (بابتسامة ساخرة):

“سأحاول، لكنك تعرف أنني لا أتحكم بالكتّاب.”

ابتسم، وجلس بصمت كعادته.

مرّت لحظة هدوء.

كانت الغرفة تمتلئ بهم… بأصواتهم، بنظراتهم، بشيء لم أسمّه منذ زمن.

دفء.

ولأول مرة منذ أيام… شعرت أنني ما زلت موجودًا بينهم، لا بسبب عيني… بل رغمها.

حين غادر الجميع، تركوا خلفهم شيئًا من دفئهم…

وهدوءًا، لم يكن هدوء راحة، بل فراغ ما بعد الطمأنينة.

كأن الصمت نفسه كان ينتظر.

بقي ساكامو جالسًا في مكانه، و تسونادي واقفة عند النافذة، نظراتها لا تتجه إلى الخارج، بل إلى الداخل… إلى داخلي.

لم يتحدث أحد.

لكنني كنت أعرف أن الحديث سيأتي.

ثقل نظراتهم لا يُخطئ.

وأخيرًا، تكلمت تسونادي :

“من فعل هذا بك، سامورو؟”

رفعت نظري إليها، ثم إلى ساكامو، فقلت ببساطة:

“لا أحد.”

لم تنطق، لكنها أغلقت الستارة بهدوء.

ساكامو (بنبرة هادئة لكنها صارمة):

“لا أحد؟ إذًا… من انتزع عينيك؟ الأشجار؟”

لم أرد.

اقتربت تسونادي ، جلست على حافة السرير، وقالت:

“سامورو… أنت حي.

لكنك عدت ومعك شيء… شيء لم تَقُله.”

نظرت إليها.

ثم إلى ساكامو، الذي لم يحرك ملامحه، لكنه اقترب خطوة وقال:

“لا تخف منا.”

ابتسمت… بسخرية خفيفة.

ثم قلت، بصوت هادئ:

“شبح.”

صمت.

نظرت تسونادي إلى ساكامو، ثم إليّ:

“شبح؟”

ساكامو (يعقد ذراعيه):

“هل هذا وقت المزاح؟”

ثم أضاف:

“كنت أتوقع أن تتجاهل السؤال… لكن أن تسخر بهذا الشكل؟”

نظرت إلى الأرض، ابتسمت لنفسي ابتسامة صغيرة.

“لا أسخر.”

ثم رفعت رأسي إليهما.

“ذلك ما كان أمامي… شبح.”

لم يصدّقا.

ولا أنتظر أن يُصدّق أحد.

لأن الحقيقة، حين تخرج بوجه المستحيل…

لا تُصدَّق.

2025/05/13 · 41 مشاهدة · 1005 كلمة
m6
نادي الروايات - 2025