عدتُ.
لم يرحّب بي أحد.
ولم أُرد الترحيب.
خطوتُ داخل أروقة قصر هاتاكي كما لو كنت أعود إلى مكانٍ يشبهني أكثر مما يشبه الذاكرة.
كل شيء… كان كما تركته.
لكنني، أنا، لم أعد كما كنت.
مررت بالممر الطويل، وضوء الشموع ينعكس على الأرضية الخشبية.
ميو ظهرت من الطرف الآخر، يداها تمسحان شيئًا فوق الطاولة.
حين رأتني، حدّقت.
“أنت هنا…” قالتها بنبرة ناعمة، ثم أضافت:
“ماذا بك؟ تبدو شاحبًا.”
ابتسمتُ بهدوء.
“بخير… فقط أفكّر.”
لم تجادل. كانت أذكى من ذلك.
وفجأة… صوت خطوات سريعة.
“ني سان!”
كان كاكاشي ، بعينيه الفضيتين وفرحه الطفولي.
“أختي الكبرى يارا أتت تبحث عنك.”
“شكرًا لإخباري، كاكاشي.”
ثم التفتّ إلى ميو.
“أختي الكبرى ميو، أخبري نيسان ساكامو أنني سأذهب في مهمّة… قد تأخذ الكثير من الوقت.”
لكن قبل أن ترد، فُتح الباب خلفي.
“أخبِرني بنفسك.”
صوت ساكامو ، حادّ، غير قابل للتجاهل.
ثم أضاف، وهو يدخل:
“ميو، خذي كاكاشي… واتركينا.”
خرج الاثنان، وأُغلِق الباب بهدوء.
جلسنا.
أنا وهو.
الطاولة الخشبية الطويلة بيننا، والبخار يصعد من إبريق الشاي.
صبّ لي أولاً، ثم لنفسه.
شرب رشفة، ثم قال:
“الآن… أخبرني، ما هي هذه المهمة؟”
رفعت عيني إليه، بثبات:
“نيسان…”
كانت نبرتي تطلب السرّية دون أن أقولها.
لكنه تجاهلها.
“لقد تركتك لثلاث سنين تفعل ما تشاء.
لم أُحقق معك، ولم أتدخّل.
لكن الآن، تذهب في مهمّة سرّية لسنة؟
حتى الهوكاجي لا يعلم؟
لن أسمح بذلك دون أن أعرف.”
نظرت إلى كوب الشاي.
حرارته تخترق كفّي، لكنها لا تصل لصدري.
رفعت رأسي، قلت بهدوء:
“أريد أن أستعد… قبل الحرب.”
“أي حرب؟”
نظرت إليه… وأجبت:
“مع الآلهة.”
تجمّد ساكامو.
ثم ضحك، ضحكة قصيرة، غاضبة.
“هل أضحك معك، يا سامورو؟”
“لست أمزح، نيسان.
ليسوا آلهة… لكن قوتهم تجعلك تتمنى لو كانوا كذلك.
أنت… لن تصمد دقيقة أمامهم.”
ضاقت عيناه.
“وكيف تعلم عنهم؟
هل من أعماك… منهم؟”
هززت رأسي.
“لا.
من أعماني لم يكن في كامل قوّته.
قاتلني… بثلاثين بالمئة فقط من طاقته.
وكانت كافية لهزيمتي أنا… وأنت، لو كنّا معًا.”
صوته نزل خافتًا:
“من… هؤلاء؟
كيف علمت؟”
نظرت في عينيه مباشرة… ثم كذبت.
“علمت بهم من نبوءة الحكيم.”
كان يعرف أنني أكذب.
لكنه اختار أن يُصدّق.
“ما هم إذًا؟”
صمتُّ.
ثم قلت:
“هم… عشيرة حكيم المسارات الستة.”
ساكامو شهق.
“أليس حكيم المسارات الستة… خرافة؟”
نظرت إليه، بابتسامة هادئة لا تحوي سخرية:
“بل… حقيقة.”
⸻
خرجت من مكتب الهوكاجي دون أن ألتفت.
أعلم أنه لم يكن راضيًا…
ولكنه وافق.
سنة كاملة…
سأختفي فيها عن كل شيء.
وقفت أمام سور كونوها، حيث زرعت ختم الانتقال قرب بيت ميناتو منذ شهور، دون أن أخبره.
مددت أصابعي، وأطلقت الشاكرا.
ومضة.
ثم… كنت واقفًا أمام باب منزله.
طرقت الباب بلطف.
لحظات، ثم فُتح.
ميناتو.
بشعره الأشقر المبعثر، ونظرته التي لا تزال تحمل شيئًا من براءة من لا يعرف ما ينتظره.
ابتسم لي.
“هل أدخل؟” سألت.
“بالطبع.”
دخلت.
كان كل شيء في البيت مرتبًا كما يليق بشخصه… حتى الفوضى التي تعيش في زوايا المكان كانت نظيفة.
جلست على الكرسي الخشبي عند طاولة الطعام.
“سامورو… الشاي أم الماء؟”
“شاي.”
جلب الإبريق، وصبّ لي كوبًا.
“حسنًا… ما أمر هذه المفاجأة؟
هل أتيت لتخبرني من هم، أخيرًا؟”
ابتسمت، رشفة من الشاي، ثم قلت:
“تقنيًا… هو نصف السبب.”
ضحك، ثم نظر إليّ بفضول.
“تذكُر… قبل ثلاث سنوات، حين أخبرتك أنك ستكون مدرب كاكاشي؟”
أومأ، وعيناه تضيقان.
“أريدك أن تعلّمه الهيراشين… في غيابي.”
ضحك، ظنها نكتة.
“تمزح… عمره أربع سنوات!”
“لا تقلق، هو عبقري.
سيحتاج سنة واحدة لتعلم الإصدار الأول من التقنية.
وسيتخرّج من الأكاديمية خلال سنة، أي قبلك بسنة.”
رفع حاجبيه.
“بعد تخرّجه… سأدرّبه.”
تنهد ميناتو.
“ماذا تريد أن تصنع به؟
لا يزال طفلًا.”
“لن أدرّبه حتى الموت.
سأدرّبه كما تدربنا… أنا وأنت.
أنت تعلّمت الهيراشين في التاسعة، عبقري لا غبار عليه.
وأنا… في الرابعة عشرة، لست عبقريًا لكني جيد.
ماذا عن ولد سيتعلمها في الرابعة؟”
نظر إليّ بصمت.
“أريده ألا يندم… حين يأتي المستقبل.”
صمت طويل.
ثم سأل:
“ما هو هذا المستقبل؟”
رفعت عيني إليه.
“هل تؤمن بحكاية حكيم المسارات الستة؟”
“لا.”
“بل هو حقيقي…
وهو أعلى مرحلة قد يصلها الشينوبي،
وكل من تحته… سيُختبر.”
ارتفعت حرارة الغرفة فجأة، أو ربما قلبي.
“أدخل في صلب الموضوع، سامورو.”
قالها بنبرة جدية.
نظرت إليه، ببطء.
“إنه هجين.
نصف بشري… ونصف من عشيرة أخرى.
تلك العشيرة… تُدعى الأوتسوتسوكي.”
عيناه اتسعتا، تنفّسه تغيّر.
“وسيأتون إلينا.
هذه ليست مزحة…
هذا سرّ من رتبة SSS، بيني وبينك فقط.
حتى يارا… حتى كوشينا… لا تخبرهم.”
مددت يدي إلى الرداء، وسحبت لفافة صغيرة.
“وهذه… فكرة لجتسو كنت أعمل عليه.
تطوير للراسينغان… أسميته: الراسنشوريكن.”
وضعتها أمامه.
“الفكرة هنا.
الباقي… عليك.”
وقف، لم يعلّق.
أومأ فقط.
ثم… فعلت الختم.
واختفيت.
⸻
كنت على وشك المغادرة.
الهواء عند بوابة كونوها كان مختلفًا عند الفجر،
يحمل رطوبة أوراق الليل، ونكهة حذر الأيام المقبلة.
أطلقت بصري إلى الطريق الممتد أمامي…
وفي داخلي كانت تنهض الرغبة القديمة: أن أختفي بصمت، كما أفعل دائمًا.
لكنني لم أكن وحدي.
كانت تقف هناك.
يارا.
واقفة… عند منتصف البوابة، ذراعاها مطويتان على صدرها، وشعرها الأسود يتمايل مع نسيم الصباح.
نظرت إليّ مباشرة، كأنها تنتظرني منذ الليل.
“ذهبتُ إلى القصر…”
قالتها بنبرة باردة، لكن عيناها تفضحان أكثر.
“لكن، تَخَيَّلْ ماذا أخبرتني ميو؟
أنك ستغادر… لسنة.
ومن دون أن تودّعني.”
ابتسمت.
كانت ابتسامة حقيقية… لكنها موجعة.
“لأن وداعك… هو الأصعب.”
فجأة، وبدون تحذير،
ضربتني على صدري بقبضتها.
لم تكن ضربة عادية…
كانت مزيجًا من الغضب… والخذلان… والوفاء.
تراجعت نصف خطوة، وقلت:
“هل كان ضربي… أمرًا يجب فعله؟”
“بالطبع.”
قالتها وهي ترفع حاجبها.
“وإلا كيف يمكن تعديل هذا العقل المعطوب؟”
ضحكتُ… خفيفة، قصيرة.
“ما زلتِ عنيفة يا يارا.”
“وما زلتَ متهربًا يا سامورو.”
تقدّمت خطوة نحوي، وقالت:
“المهم الآن… إلى أين سنذهب؟”
أجبتها بلا وعي:
“هاه؟… ماذا تقولين؟”
“لقد سمعتني.”
قالتها ببطء.
“إلى أين… سنذهب الآن؟”
أخفضتُ رأسي قليلًا.
“لن تذهبي معي، يارا.”
“بلى… سأذهب.”
“يجب أن تستأذني من الهوكاجي… وإلا ستُسجّلين نينجا مارقة.”
رفعت ذقنها وقالت بثقة:
“تحدثتُ مع العجوز، ووافق.”
صمتُّ، محاولة لإرباكها.
“ماذا عن عمك… إيزونا؟”
“أخبرته… وودّعته.”
“كوشينا؟”
“ودّعتها.”
“وميناتو؟”
ابتسمت وقالت:
“أنت ودّعته نيابةً عني… وأنا ودّعت كوشينا نيابةً عنك.”
ضحكتُ… هذه المرّة كانت صادقة.
“تعادل إذًا.”
نظرت إليّ نظرة حادة، ثم قالت:
“لكن تذكّر…
لن تكون نزهة.”
“أعلم.”
قلتُها بجدية.
ثم سارت بجانبي، دون أن تطلب الإذن.
“والآن…”
قالت وهي تنظر إلى الأفق.
“ما وجهتنا؟”
نظرت أمامي.
صمتُ لحظة…
ثم ابتسمت.
“لا أعلم.”
عبست.
“أتمنى… ألا أندم.”
أجبتها بهدوء:
“وأتمنى… أن نعود.”
⸻