الفصل الأول: مأساة في السماءكانت السماء صافية فوق المحيط الهادئ، والطائرة المتجهة من لوس أنجلوس إلى سيول تشق طريقها بهدوء عبر الغيوم المتناثرة. جلس جون كيم في المقعد رقم 27A بجانب النافذة، محدقاً في الأفق اللانهائي حيث

تلتقي زرقة البحر بزرقة السماء. كان يرتدي سماعات الأذن، يستمع إلى أغنية كورية هادئة، محاولاً تهدئة التوتر الذي يشعر به قبل وصوله إلى بلد والدته."هل هذه أول

زيارة لك إلى كوريا؟" سألته المرأة المسنة الجالسة بجانبه باللغة الكورية، مبتسمة بلطف.أزال جون سماعاته وابتسم بخجل. "نعم، أول زيارة. والدتي كورية، لكنني ولدت

ونشأت في أمريكا.""آه، أنت من الجيل الثاني إذن. كوريتك جيدة جداً!" قالت المرأة بإعجاب."شكراً لك. والدتي أصرت على أن أتعلم اللغة منذ الصغر." أجاب جون بتواضع، رغم أنه كان فخوراً بإتقانه للغة.كانت هذه الرحلة تمثل بداية فصل جديد في حياته.

بعد وفاة والدته قبل ستة أشهر بسبب مرض السرطان، قرر جون تنفيذ رغبتها الأخيرة: زيارة مسقط رأسها في سيول ونثر رمادها هناك. كان يحمل في حقيبته

صندوقاً صغيراً يحتوي على رماد والدته، إلى جانب خطاب قبول في جامعة سيول الوطنية لإكمال دراسته في علوم الحاسوب كطالب تبادل لمدة عام.أغمض جون

عينيه، محاولاً النوم قليلاً. كانت الرحلة طويلة، وما زال أمامه ساعات عديدة قبل الوصول. لكن النوم لم يأتِ بسهولة. كانت أفكاره تدور حول حياته الجديدة في بلد لم يزره من قبل، رغم ارتباطه العاطفي به من خلال قصص والدته وطعامها

وموسيقاها.فجأة، اهتزت الطائرة بعنف. فتح جون عينيه مذعوراً، ليجد أن المقصورة قد غرقت في الظلام باستثناء بعض الأضواء الاحتياطية الحمراء. بدأت أصوات الصراخ

تملأ المكان، وأضاءت إشارات ربط أحزمة الأمان."السادة الركاب، نرجو منكم البقاء في مقاعدكم وربط أحزمة الأمان. نحن نمر بمنطقة اضطرابات جوية." جاء صوت قائد

الطائرة عبر مكبرات الصوت، محاولاً الحفاظ على هدوئه رغم التوتر الواضح في نبرته.اهتزت الطائرة مرة أخرى، هذه المرة بشكل أعنف. شعر جون بمعدته تنقلب، وأمسك بذراعي المقعد بقوة. المرأة المسنة بجانبه كانت تتمتم بصلوات بصوت

خافت، عيناها مغمضتان بإحكام."هل هذا طبيعي؟" سأل جون مضيفة الطيران التي كانت تحاول تثبيت نفسها في الممر."لا تقلق، مجرد اضطرابات جوية." أجابت بابتسامة متوترة، لكن عينيها كانتا تخبران قصة مختلفة تماماً.في اللحظة التالية، سمع صوت انفجار مكتوم من الخارج، تبعه انخفاض مفاجئ في الطائرة. بدأت أقنعة الأكسجين

بالسقوط من السقف، وارتفعت أصوات الصراخ والبكاء."السادة الركاب، نواجه مشكلة فنية في أحد المحركات. نحن نحاول السيطرة على الوضع. يرجى ارتداء أقنعة الأكسجين والبقاء هادئين." جاء صوت القائد مرة أخرى، هذه المرة بنبرة أكثر

إلحاحاً.وضع جون قناع الأكسجين على وجهه، وساعد المرأة المسنة بجانبه على ارتداء قناعها. كان قلبه يخفق بشدة، وشعر بالعرق البارد يتصبب على جبينه. حاول التنفس

بعمق للحفاظ على هدوئه، لكن الخوف كان يسيطر عليه.من خلال النافذة، رأى جون شيئاً لم يتوقعه أبداً. كان المحرك الأيمن للطائرة مشتعلاً، وألسنة اللهب الزرقاء

تتراقص في الهواء. لكن ما أثار دهشته أكثر كان الضوء الغريب الذي بدأ يظهر في السماء. كان ضوءاً أرجوانياً غامضاً، يتشكل في دوامة كبيرة أمام الطائرة مباشرة."ما

هذا؟" تمتم جون لنفسه، غير مصدق لما تراه عيناه.بدأت الطائرة تهتز بعنف أكبر، وشعر جون كأن قوة هائلة تسحب الطائرة نحو تلك الدوامة الضوئية. أغمض عينيه بقوة، متشبثاً بمقعده، وهو يشعر بالطائرة تدور وتنحدر بسرعة مخيفة.كان آخر ما

سمعه هو صراخ الركاب من حوله، وصوت تمزق معدن الطائرة، قبل أن يغرق كل شيء في ظلام دامس."هل هو على قيد الحياة؟""نبضه ضعيف، لكنه موجود.""كيف نجا من السقوط؟ هذا مستحيل!"أصوات غريبة تتحدث بالكورية وصلت إلى وعي جون

المشوش. حاول فتح عينيه، لكن جفنيه كانا ثقيلين كالرصاص. شعر بألم حاد في كل جزء من جسده، كأنه تعرض للضرب المبرح."انظروا، إنه يستيقظ!"ببطء، تمكن جون من فتح عينيه. كانت الرؤية ضبابية في البداية، ثم بدأت تتضح تدريجياً. وجد نفسه

مستلقياً على الأرض، محاطاً بمجموعة من الأشخاص يرتدون زياً موحداً أزرق اللون. كانوا ينظرون إليه بمزيج من الفضول والدهشة."أين... أين أنا؟" سأل جون بصوت متقطع، متحدثاً بالكورية تلقائياً."أنت في منطقة آمنة الآن." أجابه رجل يبدو في

الأربعينات من عمره، يرتدي نظارات أنيقة ومعطفاً أبيض. "أنا البروفيسور كانغ، من أكاديمية سيول. هل تتذكر ما حدث؟"حاول جون التفكير، لكن ذاكرته كانت مشوشة. "كنت... كنت في طائرة. كانت هناك مشكلة... نار... ثم ضوء أرجواني غريب..."تبادل

البروفيسور كانغ نظرات ذات مغزى مع الآخرين، قبل أن يعود إلى جون. "حسناً، أنت محظوظ جداً. لقد نجوت من حادث خطير. هل يمكنك إخبارنا باسمك؟""جون... جون كيم.""جون كيم." كرر البروفيسور، وكأنه يختبر الاسم على لسانه. "هل أنت من

كوريا؟""والدتي كورية، لكنني ولدت ونشأت في أمريكا. كنت في طريقي إلى سيول لزيارة..." توقف جون فجأة، متذكراً شيئاً مهماً. "حقيبتي! أين حقيبتي؟ فيها..."حاول النهوض بسرعة، لكن ألماً حاداً اجتاح جسده، مما أجبره على العودة إلى وضعية

الاستلقاء."هدئ من روعك." قال البروفيسور كانغ بلطف. "لم نعثر على أي حقائب في موقع الحادث. لكننا سنبحث عنها. الآن، دعنا نتأكد من حالتك الصحية أولاً."أشار البروفيسور إلى امرأة شابة ترتدي زياً أبيض، والتي تقدمت نحو جون حاملة جهازاً غريب الشكل. كان الجهاز يشبه الماسح الضوئي، لكنه كان يصدر ضوءاً أزرق

خافتاً."هذا لن يؤلم." طمأنته المرأة، وهي تمرر الجهاز فوق جسده. "إنه فحص روتيني للتأكد من عدم وجود إصابات داخلية."راقب جون الجهاز بفضول، ملاحظاً أن الضوء الأزرق تحول فجأة إلى أحمر عندما مر فوق صدره."هذا غريب." تمتمت المرأة،

وهي تنظر إلى شاشة صغيرة على الجهاز. "البروفيسور، أعتقد أنك يجب أن ترى هذا."اقترب البروفيسور كانغ ونظر إلى الشاشة، وارتسمت على وجهه تعبيرات

المفاجأة والاهتمام. "مستحيل... هل يمكنك إجراء فحص أعمق؟"أومأت المرأة برأسها، وضغطت على بعض الأزرار في الجهاز. بدأ الضوء الأزرق يتحول إلى ألوان متعددة، وشعر جون بوخز غريب في صدره."ما الذي يحدث؟" سأل جون بقلق."لا تقلق،

نحن فقط..." بدأ البروفيسور كانغ، لكنه توقف عندما بدأ الجهاز فجأة بإصدار صوت إنذار عالٍ.في تلك اللحظة، شعر جون بحرارة شديدة تنبعث من صدره، كأن قلبه

يحترق. صرخ من الألم، وفجأة، انفجر ضوء أسود من جسده، دافعاً الجميع بعيداً عنه.سقط الجميع على الأرض، بينما ارتفع جون في الهواء عدة أقدام، محاطاً بهالة سوداء نابضة. عيناه كانتا مفتوحتين لكنهما تحولتا إلى اللون الأسود الخالص، وكأن

عينيه أصبحتا بوابتين إلى الفضاء السحيق."ما هذا؟!" صرخ أحد الحاضرين بذعر."إنه... إنه الصدى الأسود." تمتم البروفيسور كانغ بذهول. "لم أر هذا منذ..."قبل أن يكمل جملته، سقط جون فجأة على الأرض، والهالة السوداء تتلاشى تدريجياً. كان فاقداً

للوعي مرة أخرى، لكن تنفسه كان منتظماً الآن.ساد صمت مطبق للحظات، قبل أن يتحرك البروفيسور كانغ نحو جون. "اتصلوا بالأكاديمية فوراً. أخبروهم أننا وجدنا حالة استثنائية. وأعدوا غرفة عزل خاصة. هذا الشاب... ليس عادياً على الإطلاق."نظر

البروفيسور إلى وجه جون الشاب الهادئ، وتمتم لنفسه: "من أين أتيت يا جون كيم؟ وما الذي جلبته معك إلى عالمنا؟"استيقظ جون ببطء، شاعراً بالدوار والارتباك. كان

مستلقياً على سرير مريح في غرفة بيضاء واسعة، تشبه غرفة المستشفى لكنها أكثر تطوراً. كانت النوافذ الكبيرة تطل على منظر خلاب لمدينة تبدو مثل سيول، لكن بمبانٍ أكثر حداثة وتصاميم غريبة لم يرها من قبل."أخيراً استيقظت." جاء صوت أنثوي

هادئ من جانب السرير.التفت جون ليرى فتاة جميلة في العشرينات من عمرها، ترتدي زياً مدرسياً أنيقاً باللون الأزرق الداكن. كانت تجلس على كرسي بجانب سريره،

تحمل كتاباً في يدها. شعرها الأسود الطويل كان مربوطاً بإحكام، ونظارتها الأنيقة تعكس ضوء الشمس القادم من النافذة."من أنت؟ وأين أنا؟" سأل جون، محاولاً الجلوس."أنا مين-آه سونغ، طالبة في أكاديمية سيول للقوى الخارقة. والبروفيسور كانغ طلب مني مراقبتك أثناء غيابه." أجابت الفتاة بهدوء، مغلقة كتابها. "أنت في

الجناح الطبي للأكاديمية. لقد كنت نائماً لمدة ثلاثة أيام.""ثلاثة أيام؟!" صرخ جون بذهول. "لكن... ماذا حدث؟ وما هي أكاديمية سيول للقوى الخارقة؟"ابتسمت مين-آه ابتسامة غامضة. "هذا سؤال معقد. لكن باختصار، أنت الآن في عالم مختلف قليلاً

عما تعرفه. عالم حيث يمتلك بعض الناس قدرات خاصة نسميها 'القوى الخارقة'."نظر إليها جون بعدم تصديق. "قوى خارقة؟ هل تمزحين معي؟""بالطبع لا." أجابت بجدية. "دعني أريك."مدت يدها نحو كوب ماء موضوع على الطاولة المجاورة. وبحركة

بسيطة من أصابعها، بدأ الماء يغلي، ثم تحول إلى بخار، قبل أن يتكثف مرة أخرى ويعود إلى الكوب في شكل ماء متجمد.فغر جون فاه من الدهشة. "كيف... كيف فعلت ذلك؟""هذه قدرتي - التحكم بالنار والحرارة." أجابت مين-آه بهدوء، كأنها

تتحدث عن شيء عادي تماماً. "وأنت، يا جون كيم، يبدو أنك تمتلك قدرة نادرة جداً تسمى 'الصدى الأسود'.""الصدى الأسود؟" كرر جون بارتباك. "ما هذا؟""قدرة فريدة

تسمح لك بامتصاص وعكس أي هجوم سحري يتعرض له جسدك." شرحت مين-آه، وعيناها تلمعان بفضول علمي. "لم نرَ هذه القدرة منذ عقود. إنها... استثنائية."قبل أن يتمكن جون من طرح المزيد من الأسئلة، فُتح باب الغرفة، ودخل البروفيسور كانغ

مع امرأة أنيقة ترتدي معطفاً أبيض."آه، السيد كيم، أنت مستيقظ. هذا رائع." قال البروفيسور كانغ مبتسماً. "هذه الدكتورة لي، رئيسة قسم الأبحاث في الأكاديمية.""مرحباً، سيد كيم." حيته الدكتورة لي بابتسامة محترفة. "لديك الكثير من

الأسئلة، أليس كذلك؟"أومأ جون برأسه، غير قادر على إخفاء ارتباكه. "أنا... أنا لا أفهم ما يحدث. آخر ما أتذكره هو أنني كنت في طائرة متجهة إلى سيول، ثم كان هناك حادث...""نعم، حادث." قاطعه البروفيسور كانغ بلطف. "لكن ليس حادثاً عادياً. ما مررت

به، يا سيد كيم، هو ما نسميه 'عبوراً'. لقد عبرت من عالمك إلى عالمنا.""عالمكم؟" سأل جون بصوت متقطع."نعم. هذه ليست سيول التي كنت تقصدها." أوضحت الدكتورة لي. "هذه نسخة موازية من كوريا الجنوبية، في عالم حيث ظهرت القوى

الخارقة قبل 50 عاماً مع ظهور الأبراج الغامضة."شعر جون بالدوار مرة أخرى. كان كل هذا يبدو مستحيلاً، كأنه حلم غريب أو فيلم خيال علمي سيء. لكن ما رآه للتو من مين-آه كان حقيقياً. والألم الذي شعر به كان حقيقياً أيضاً."هل... هل يمكنني

العودة؟" سأل بصوت خافت.تبادل البروفيسور كانغ والدكتورة لي نظرات قلقة، قبل أن يجيب البروفيسور: "نحن لا نعرف. العبور نادر جداً، ولم نتمكن من فهم آليته بالكامل. لكننا سنبذل قصارى جهدنا لمساعدتك.""في غضون ذلك،" أضافت الدكتورة لي، "نود أن نعرض عليك مكاناً في أكاديميتنا. قدرتك الفريدة تجعلك مرشحاً ممتازاً،

وستكون آمناً هنا بينما نبحث عن طريقة لإعادتك إلى عالمك."نظر جون حوله بارتباك، محاولاً استيعاب كل هذه المعلومات الجديدة. عالم موازٍ؟ قوى خارقة؟ أبراج غامضة؟ كان كل هذا يبدو مستحيلاً. لكن الحقيقة كانت أمامه، لا يمكن إنكارها."أعتقد...

أعتقد أنه ليس لدي خيار آخر الآن." قال أخيراً، مستسلماً للواقع الجديد.ابتسم البروفيسور كانغ. "ممتاز. ستبدأ غداً كطالب جديد. مين-آه، هل يمكنك أن تكوني مرشدته في الأيام الأولى؟""بالتأكيد، بروفيسور." أجابت مين-آه، وعيناها لا تفارقان

وجه جون.لم يلاحظ جون النظرة الغريبة في عيني مين-آه - مزيج من الفضول العلمي والاهتمام الشخصي العميق. لم يكن يعلم أنها بدأت بالفعل في تسجيل ملاحظات عنه في عقلها، وأن هذا كان بداية هوس سيتطور ليصبح أكثر خطورة مما يمكن أن يتخيله.بينما كان البروفيسور كانغ والدكتورة لي يشرحان له تفاصيل

الأكاديمية ونظام القوى الخارقة، كانت مين-آه تراقب كل حركة وتعبير على وجهه، تحفظهما في ذاكرتها بدقة مخيفة. كانت هذه بداية رحلة جون في عالم جديد

غريب، وبداية هوس أربع فتيات به سيتجاوز كل الحدود المعقولة.في تلك اللحظة، لم يكن جون يعلم أن مصيره قد تغير إلى الأبد، وأن الخطر الحقيقي لم يكن في القوى الخارقة أو الأبراج الغامضة، بل في قلوب أولئك اللواتي سيقعن في هوس مرضي به.

2025/04/23 · 165 مشاهدة · 1702 كلمة
Uzuki
نادي الروايات - 2025