9 - القول في غير حكمة لغو

لا تنسوا الصلاة على الرسول، ادعوا لاخوتنا في فلسطين.

الفصل التاسع : القول في غير حكمة لغو.

على قمة الجبل، في وسط ساحة كبيرة محاطة بالبنايات القديمة والأشجار المتناثرة، يقف رجل يمسك ريشة تشبه المخروط ويتحدث من خلالها، تعمل الريشة كمكبر صوت يصدوا صداه عبر الساحة الضخمة كاملة.

أعلى المنصة الحجرية، مرتفعًا فوق الجماهير المحتشدة يرتدي عباءة طويلة، وتتألق عيناه، يرفع عصى مزينة برموز قديمة عاليًا لجذب انتباه الجميع.

تتجميع الجماهير، مشكّلة حلقة ضخمة من البشر. الوجوه مليئة بالحماس والتوتر، تنتظر بشغف الإعلان الهام، تتناثر الأعلام واللافتات في كل مكان، مكتوبة عليها شعارات الطوائف المختلفة، تسمع همسات الحشد تتداخل مع صوت الطبول التي تدوي في الخلفية، تزيد من الترقب والإثارة في الجو.

يرفع الرجل يده بحركة بطيئة، لتهدأ الحشود تدريجيا حتى يسود الصمت، ثم بصوت جهوري ومرتفع يقول :

"اليوم نعلن إنطلاق الحدث الأعظم! حيث ستلتقي الطوائف في معركة الشرف والبطولة! لتعلموا جميعًا أن النصر ليس لمن يحمل السلاح الأقوى، بل لمن يمتلك الشجاعة في قلبه والعزيمة في روحه!"

تتعالى أصوات الجماهير فجأة، يصرخون بحماس وتصفيق عارم، الحماس يغمر المكان، وتتصاعد الأصوات أكثر فأكثر، بينما يستعد الجميع للقتال المحتدم الذي سيبدأ قريبًا، تزدهر الأجواء بالحيوية والطاقة، وكأن الساحة أصبحت مسرحًا لأعظم مشهد سيشهده التاريخ.

أعلى منصة مرتفعة بجانب الساحة، يجلس شيوخ الطوائف على مقاعد فاخرة مصنوعة من الخشب المزخرف والمزين بالأقمشة الغنية، يرتدي كل شيخ عباءة تعكس لون طائفته، محاطة برموزها وشعاراتها الخاصة. يتوزعون في ترتيب منتظم، يعكس مكانتهم واحترامهم.

وجه كل شيخ يعبّر عن الحكمة والتجربة الطويلة، عيونهم تراقب الساحة بعناية. يتجاذبون أطراف الحديث بهدوء، محاطين بهالة من الهيبة والوقار. بينهم شيخ ذو لحية بيضاء طويلة ينظر الى تلاميذه ويفرك لحيته :

"لقد تدرب التلاميذ بجد، اليوم سيظهرون للعالم ما تعلموه، أرى فيهم قوة وعنفوان الشباب"

يرد عليه شيخ آخر، ذو شعر أسود كثيف وعينين حادتين بابتسامة ساخرة :

"العجوز هان، بالرغم من عبقرية تلاميذك، إلا أن تلاميذنا بذلوا جهدهم أيضا، هل تود المراهنة على الفائز معي اليوم"

"العجوز القديم، انت كما المعتاد، أتجرؤ على المراهنة؟ أنا واثق من قدرة تلاميذي على تحقيق النصر!" يقولها بثبات وثقة

"العجوز هان، انسى الفوز هذه المرة، دعني اخبرك هذا، أحد تلاميذي قد ارتقى للبكور!"

يقاطع حديثهم شيخ آخر "أيها العجوزان المتعجرفان ألا تملأ بقية الطوائف أعينكم، لنكن صادقين تلاميذي من سيفوزون اليوم"

"هاهاهاهاها" ينظر الشيخ هان للعجوز القديم بجانبه ثم يسخر "هل وصل هذا العجوز لمرحلة العجز بالفعل؟"

"أيها!!" تبرز عروق غاضبة على جبهته "حسنًا سنرى لو ستتمكن من الإحتفاظ بسخريتك حتى النهاية"

يقاطع عجوز رابع المحادثة، ذو شعر أبيض وملامح هادئة كالمياه.

"الشيوخ، الحدث على وشك البدأ، لنتوقف عن هذه التصرفات، نحن قدوة الشباب، كيف سيرى الصغار كبارهم وهم يتقاتلون كالأطفال"

"حسنًا، هذا العجوز يتراجع" يرفع كف يديه ويتوقف.

"شكرًا لإعطاء بعض الوجه لهذا العجوز، الشيخ هان" ثم وجه نظراته لبقية الشيوخ.

"حسنا، حسنا، انا اتراجع ايضا"

"حسنا" قال الأخير وعروق الغضب لم تختفي.

"شكرا للشيوخ على كرمهم"

"لا داعي للتواضع شيخ الندى، انت أكبرنا من الطبيعي أن ندفع الإحترام لك"

يقاطع صوت دق الجرس العملاق محادثة العجائز.

في اللحظة المنتظرة، يصعد الرجل على المنصة الحجرية الضخمة، ممسكًا بعصاه المزينة برموز قديمة. يرفعها عالياً مرة أخرى لتصمت الجماهير المحتشدة، وتلتفت الأنظار إليه بترقب وشغف.

بصوت جهوري ومؤثر، يبدأ الرجل بالإعلان:

"أيها المحاربون الشجعان، وأعضاء الطوائف الكرام! لقد حانت اللحظة التي ننتظرها جميعًا. اليوم، نعلن بدء المسابقة العظمى، حيث سيتنافس الأقوياء والأشجع في معركة الشرف والقوة!"

تتعالى أصوات الجماهير بالحماس، يملأها الشغف والاستعداد. يرفع الرجل يده مجددًا ليهدأ الحشد قليلاً، ثم يكمل:

"لقد جئتم جميعًا لتثبتوا جدارتكم، ولتظهروا للعالم ما يمكنكم تحقيقه. والآن، دعوني أعلن عن الجوائز التي تنتظركم. للفائز بالمركز الأول، نمنح جائزة غامضة، لم يُرَ مثيلها من قبل، قوة وسرٌ لا يُكشف إلا لمن يستحقه. هذه الجائزة ستحقق أمنياتكم!"

تتزايد الهمسات بين الجماهير، وقد اشتعلت الحماسة والتساؤلات في أعينهم. يكمل الرجل بحماس:

"أما للمركز الثاني، نقدم دماء العنقاء، التي تمتلك قوى الشفاء والتجدد، لتجعل من يحملها أقوى وأقدر على مواجهة الصعاب."

تزداد الهتافات صخبًا، والجماهير تملأها الترقب والفرح. يتابع الرجل بابتسامة واسعة:

"وأخيرًا، للمركز الثالث، نقدم مئة حجر من الجواهر الزرقاء اللامعة، التي تضفي جمالًا وقوة على كل من يمتلكها."

ترتفع الأصوات بالهتافات والتصفيق، تعبيرًا عن الحماس والتحدي. يختم الرجل قائلاً:

"لتبدأ المسابقة الآن! أظهروا شجاعتكم وقوتكم، ولتكن هذه الساحة شاهدة على أعظم معركة عرفتها الطوائف!"

يهتز المكان بصيحات الجماهير المندفعة نحو الساحة، وكل منهم يحلم بالفوز بالجائزة الغامضة التي تشعل خيالهم وتدفعهم للقتال بكل ما لديهم من قوة.

..

في مكان آخر بالحانة، يعود الرجل الغامض ذو الرداء الأسود، يدفع باب الحانة باحثًا عن الرجال العضليين.

هذه المرة لم تخفي العباءة ملامحه، بظهور ملامحه انتشر الخوف بالأرجاء، وأصبح المكان مليئًا بالصراخ والخوف.

"انه ثلج!! ثلج هنا! اهربوا!!" قال أحدهم بعد عدة أنفاس من الصمت المخيف.

استعاد الكثيرين حواسهم وبدأوا في الهروب.

لم يسمح لهم الشخص الغامض بالمغادرة، بتلويحة من يده مات الكثيرون، بدأ في التنقل يمنى ويسرى وهو يسفك الدماء.

بعد أن فرغ من جميع الأشخاص بالحانة، جلس بالقرب من مقعد النادل "أعطني بعض الماء، أصابتني الحركة المفرطة بالعطش" كان الأمر بمثابة سخرية.

النادل بخوف وضع بعض الماء أمام الرجل الغامض، تنهد بصمت ثم بدأ يتساءل بصوت مرتفع "أين ذهب وتركني بعد كل تلك الوعود التي قدمها! منذ حادثة المدينة الداخلية ولا يوجد أي خبر، حتى بالقرب من الحدود الشرقية، هل مات حقًا؟ لن اسمح له! عليه أن يعطيني ذلك الشيء اولا قبل أن يموت"

..

نهض ثلج بخطوات ثقيلة، أراد أن يرفض الزوار، ولكنه لم يرد أن يكون في موضع شك.

"الأخ الأكبر! هل ستدع اختك الصغيرة اللطيفة تنتظر طويلًا خلف الباب، هل سيتحمل الأخ الأكبر المسؤولية لو حدث شيء لاختك الصغيرة الضعيفة" انتقل صوتها الأنثوي لأذان ثلج

الآن أصبح الأمر مزعجًا أكثر، لم يفهم ثلج يومًا تفكير الجنس الناعم، لم يعلم كيف سيكون الأمر بعد التحدث، تقدم للباب وسمح لهم بالدخول.

"الأخ الأكبر متأخر كالعادة!" قالت الفتاة الصغيرة

ظهر شخصين بتعابير هادئة وعميقة خلف الفتاة، أحدهم يمتلك شعر أسود طويل مربوط، بينما تعابيره الهادئة لم تعطي أي دلالة عن مشاعره.

الشخص الآخر امتلك تعابير نبيلة ومريحة، ذو شعر ذهبي لامع.

لم يبدوا كليهما كأشرار، يمكن لأي شخص أن يراهم كشخصيات نبيلة من الوهلة الأولى.

-ملاحظة : لن أصف شكل الفتاة أو اي شيء يخصها بما أن فيه من الأثم ما لا يسبر غوره، ولا أريد تحمل اثم اي قارئ، لذا الفتيات فقط بالأسم متواجدات أما اشكالهم فهذه حريتكم لكيفية تخيلهم-

دخل الثلاثة للغرفة، وجد كل فيهم موضع للجلوس كأنهم بمنزلهم، لم يكن ذلك الشخص المتحمس معهم -ليون-.

"من الصعب لقاء الأخ الأكبر هذه الأيام، حتى أنه تجاهل دعوة اخوته الصغار" قالت الفتاة.

بحثت بعيني خارج الباب عن ذلك الشخص أو اثره، لم يكن متواجدا معهم.

"هل تبحث عن الأخ ليون؟ استدعاه المعلم قبل مجيئنا لا أظن أنه سيحضر قريبا، أيضا ألا نكفيك نحن! الأخ الأكبر، انظر لنا نحن!" قالت الفتاة بقوة.

نهض ذو الشعر الأسود وحضّر بعض الشاي لوحده، مرت الثواني، تجولت الفتاة بالغرفة وهي تتفحص بفضول، بينما جلس ذو الشعر الذهبي ولم يقل أي شيء.

كان الجو خانقًا لبعض الوقت قبل أن يبدأ ذو الشعر الأسود بتقديم الشاي لهم.

بلحظة غير متوقعة تحدث ذو الشعر الذهبي.

"الأخ زاهر، شكرًا لحسن ضيافتك" ثم نظر لثلج.

هل توقع مني أن استضيفه؟ لست جيدًا بهذا.

"ماذا جلبكم هنا؟" قلت بصوت هادئ.

"الأخ الأكبر لماذا انت متعجل للغاية، دعنا نستمتع بالشاي، الأخ زاهر يصنع شايًا جيدًا" قالت الفتاة

"لا أملك الوقت للهراء، ماذا جلبكم؟" نظر الجميع ناحيتي بعد التصرف بحزم.

"تنهد.. الأخ الأكبر لئيم كالعادة، لا يهم، أتينا لأجل المهمة، أخبرنا الأخ ليون أن المعلم أخبرك متى سننطلق، أتينا نسألك حتى يتسنى لنا الوقت للإستعداد" تنهدت الفتاة.

جلس زاهر وبدأ يحتسي الشاي بصمت، كان الهدوء المبالغ لهذين يصنع جوًا من التوتر الخانق، لم أفهم سبب هذه المشاعر ولكن الهدوء المبالغ فيه خانق، بهذا بعض الكلمات خرجت من صدري لا اراديًا

"الصمت في غير فكرة سهو، والقول في غير حكمة لغو"

نظر زاهر والآخر ناحيتي، ثم قال زاهر بتعابير حزينة "الأخ الأكبر هل نسيت، أنت من منعتنا من الكلام في حضورك".

2024/07/03 · 118 مشاهدة · 1260 كلمة
AfterNight
نادي الروايات - 2024