8 - ذكرى نسر بها وذكرى تؤلمُ

لا تنسوا الصلاة على الرسول، والدعاء لاخوتنا بفلسطين.

الفصل الثامن : ذكرى نُسر بها، وذكرى تؤلم.

الهواء في الغرفة ثقيل وصامت، قرر ثلج أن يبدأ بمسرحية النجاة.

"سيدي! ما الذي تتحدث عنه؟ انا تلميذك، ألا يمكنك التعرف علي؟" قلتها بإرتباك وتوتر مما أظهر أن ردة الفعل حقيقية.

ما بين طرفة عين وانتباهتها، تواجد رجل ضخم البنية بلحية بيضاء وشعر أبيض طويل منسدل بفخر أمام ثلج، لم يمتلك ثلج أي فكرة، بدا الأمر كالإنتقال الآني.

"همم.." بدأ العجوز الضخم بتفحص جسد ثلج عبر الدوران حوله "أنت مشابه حقًا" يستمر بالتفحص وهو يعطي بعض التعليقات.

"متشابه بكل شيء، غريب.." فرك لحيته البيضاء "أنت مشابه لتلميذي لكن هناك شيء غريب بشأنك، بالرغم من أنك بالهاد إلا أنك لست تلميذي".

ومضت لحظة إلهام، ورفع يد ثلج وكشف عنها على عجل، تواجدت نقطة خضراء بداخلها نقطة زرقاء على راحة يده، ارتبكت بسبب أنني بنفسي لم ألحظ هذه العلامة.

"هكذا اذا.. هاهاهاهاها! لن يتوقع اؤلائك العجائز تواجدك عندي" صوت ضحكته صدى بالغرفة

لم أفهم أي شيء "سيدي؟"

"لا داعي للتمثيل أيها الفتى أنا اعرفك، هل تظن هذا العجوز قديمًا لتخدعه" ، "دعني أقدم لك نصيحة يا فتى، بداخل البذرة توجد شجرة"

كانت نصيحة غريبة وليست في موضعها، اختفى العجوز من أمامي وكأنه تبخر ثم ظهر على مقعده الضخم.

الآن بعدما رأيت تعابيره أصبح من السهل رؤيته بالكامل على المقعد رغم الظلام، بالرغم من ذلك كان الهدوء الحالي لهذا الوضع غريبًا، هل يريدني أن استنتج شيئًا من نصيحته؟

بذرة بداخلها شجرة، بذرة.. كيف يمكن للبذرة أن يكون بداخلها شجرة؟ هذا.. المقصد هو الطبيعة، هاها.. تسللت ضحكة خافتة من فمي لإدراكي.

"هاهاها، فتى جيد، يبدو أنك توصلت للفهم" ضحك العجوز بفخر.

أصبحت أكثر حيوية، أكثر إنسانية، بفترة قصيرة مثل هذه أصبحت شخصًا مختلفًا بحيث لا يمكنني التعرف على نفسي بعد الآن، من أنا؟ قاطع صوت العجوز الهادئ تفكيري.

"يا فتى، يبدو أنهم لم يخبروك، حسنا لا يهم ستكتشف الحقيقة يوما ما بنفسك" , نظر العجوز نظرات شريرة بدا أنه يفكر بشيء شرير "هاهاها، حسنًا حسنًا، بما أنك تظاهرت أنك تلميذي ستكمل مهمة تلميذي، غادر الآن".

لم يعطني أي فرصة للتساؤل حول ماهية مهمة تلميذه، هذا العجوز غامض للغاية، كما أنه يبدو مُهيبًا.

سرت في الممر الطويل وأنا أفكر بالإستنتاج، البذرة هي التي نزرعها، فتخرج شجرة من بين أحضانها، ولكن كيف يمكن للبذرة أن تصدق أن هناك شجرة ضخمة مخبأة بداخلها، هل أراد تحفيزي؟ بدا الأمر وكأنه يخبرني أن ابذل جهدي بسبب أن إمكانيتي جيدة.

يا له من غريب، كان يمكنه أن يقولها مباشرة، هل هناك شيء آخر حول النصيحة لم أفهمه؟

في الغرفة المظلمة فكر العجوز بعجرفة وهو يتخيل شخص قوي من القلعة أمامه، وهو يضحك بصوت مرتفع 'لا يخيفني ضعفي بقدر ما تخيفني قوتي، أخشى أن لا أنحني حين يلزمني الإنحناء' تفكيره الفريد أخرج لمحة من عجرفته الخفية.

انتهى الممر بسرعة، لم أشعر بالوقت الذي مضى هذه المرة، كان الأمر وكأن الجبل الذي أثقل كاهلي لم يكن إلا مجرد كومة من الرمل، دفعت الباب ولم يكن هناك أي صوت هذه المرة، وكأن كل شيء شعرت به لحظة دخولي هو تعظيمي للخوف بداخلي.

بهذه اللحظة أدركت شعورًا جديدًا، لم يكن شيئًا مألوفًا، ولكنني يمكنني تسميته بسهولة -تعظيم الأمور- يمكن للمشاعر أن تكون معقدة، ولكن لحظة فهمها يمكنك السيطرة عليها، يمكنك إيقاف زخم التفكير المتواصل بإدراكك أن الواقع الذي تعيشه هو خيال بنيته من تصوراتك والآن يجب مواجهة الحقيقة.

لم يدرك ثلج عمق العبارات التي فكر بها، ولكنه الآن بهذه اللحظة توقف عن الحبو بالحياة وبدأ يمشي، ولكن خطاه تملؤها الزلات.

"أخي الأكبر! هل انتهيت من التحدث مع المعلم" الصوت المفاجئ اوقظتي من أفكاري.

"احم. أجل" أجبت بهدوء وثقة

"الأخ الأكبر هل اخبرك المعلم متى ننطلق؟"

آه!؟ شعرت قليلًا بالإمتعاظ، ربما العجوز يعبث معي، بما أنه لم يخبرني، أرادني أن اختار بنفسي، حسنًا بما أنه مدرك أنني لست تلميذه الحقيقي لن يتذمر لاحقا بسبب تأخري عن الذهاب بالمهمة التي لا أعرف ماهيتها.

"أجل سأوافيك بالتفاصيل لاحقًا"

"كما هو متوقع من الأخ الأكبر، لديك مخططاتك الخاصة، حسنًا هل يريد الأخ الأكبر الذهاب للقاء بقية الأخوة الآن؟ انهم ينتظرون حضورك بالقاعة" أعرب عن نيته بإصطحابي

هل عليّ الذهاب؟ يبدو أن منزلتي الحالية بهذه الشخصية التي أتقمصها مرتفعة.

"أنا مشغول، لست متفرغًا لشيء كهذا، أخبرهم أنني سأحضر لاحقًا" عبرت عن غطرسة خفية بكلامي

"حسنا الأخ الأكبر، كما تشاء، سأخبر بقية الأخوة أنك لست متفرغًا، الآن سأذهب الأخ الأكبر، احظى بيوم جيد" غادر بعد كلامه حتى اختفى بين المباني.

الآن انا بمشكلة. لا أعرف ماذا أفعل، لا يمكنني التجول بعشوائية، نجوت من عجوز غريب بالحظ وحده، الآن قد لا استطيع النجاة.

بمصادفة مر الأطفال "أنتم" أوقفتهم.

"الأخ الأكبر!!" نظر الأطفال بسعادة.

"هل يمكنكم إرشادي لمنزلي؟"

"الأخ الأكبر حصل على منزل؟؟" , "رائع!! نريد أن نرى.." قال الأطفال وأضواء لامعة تبرق بأعينهم.

"لا، أرشدوني لمكان أستطيع الراحة فيه"

خابت تعابيرهم "الأخ الأكبر يقصد سكنه؟"

"أجل هذا، سكني!"

"الأخ الأكبر أحمق، الأخ ليون أعطانا هدايا، الأخ الأكبر بخيل، همف.. الأخ الأكبر فقط يطلب الأخ الأكبر لا يهتم بأخوته الصغار" تذمروا بحزن.

م. ما هذا؟ ألم يأكلوا قلب إنسان للتو.. تصرفاتهم الطفولية غير متوقعة.

"حسنا، بوووو.. يمكن للأخ الأكبر أن يتبعنا" أصدروا صوت من خيبة الأمل.

ساروا بخطى صغيرة أمامي، يمكن للأطفال أن يكونوا أطفالًا حقًا.. في لمحة من الذكريات استذكرت شيئًا من ذكرياتي على الأرض، كانت كلمات تصف بدقة الوضع الحالي.

"قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد"

بعد أن عبرت اللحظات الهادئة نحو الأفق، وصلنا.

تقع الغرفة في مكان مرتفع، طابق علوي في منزل غريب "شكرًا لكم"

"اييه؟ الأخ الأكبر يشكرنا!! الأخ الأكبر غريب اليوم، غريب!!"

"الأخ الأكبر غريب"

بدأوا يهتفوا بهذا وغادروا..

"انتم!"

"هيهيهي.. الأخ الأكبر غريب" هربوا مع ضحكات غريبة.

دفعت الباب، تقدمت للأمام، يمكن سماع صوت خشب الأرضية تحت قدماي، رائحة خشب الصنوبر القديمة، الزيوت العطرية تملأ الهواء، تسلل إحساس من السكينة.

قيّمت الغرفة بعيني، حصيرة قديمة على الأرض، مغطاة بنقوش غريبة، الجدران مكسوة بخشب داكن ومزين بخطوط زرقاء كالأمواج، الضوء الطبيعي ينساب عبر نافذة كبيرة تطل على منظر ساحر للأشجار الكثيفة التي تحيط بالمكان.

يمكن للمرء سماع صوت الأوراق وهي تهمس في الرياح الخفيفة، تخلق هذه النافذة توازنًا بين الداخل والخارج، وكأن الطبيعة تمد يدها للغرفة.

تعبر نسمات السلام رغم غرابة الغرفة، الأجواء القديمة تضفي سحرًا فريدًا، كل خطوة للداخل تبدو كخطوة للماضي، يمكن لكل شيء أن يخلق جماله الخاص الفريد من نوعه.

جلست متقاطع الأرجل على الحصيرة، انتابني الفضول لتفتيش الغرفة، ولكنني اخترت الراحة، الآن واخيرًا بعد كل هذه الأحداث المتتابعة، وكذا الحياة قديمها وحديثها، ذكرى نُسر بها وذكرى تؤلم.

في لحظات راحتي القليلة أنبهتني طرقات الباب.

"الأخ الأكبر"

"الأخ الأكبر"

"الأخ الأكبر"

ثلاثة أصوات مختلفة عبرت جدران الباب.

بهذه اللحظة فكرت بعبارة واحدة تشكّلت من صعاب الحياة التي عشتها للآن "خذ الحياة كما جاءتك مبتسمًا، في كفها الغار أو في كفها العدم"

2024/07/01 · 130 مشاهدة · 1067 كلمة
AfterNight
نادي الروايات - 2024