الفصل 101: أسطورة حية (3)

شووواااك!

غرس كازار سيفه بقوة في الغشاء الواسع الممتد بين عظام جناح فولكانودون، ثم اندفع ساقطًا بكل ثقله. ربما بفضل اللهيب الأرجواني الذي غلّف النصل، انشق الغشاء المتين للتنين كما لو كان حريرًا.

"كييياااااك!"

مع تمزق جناحه، فقد فولكانودون قدرته على الحفاظ على الرفع كما في السابق وبدأ يتخبط في الهواء. ومع ذلك، ظل يضرب جناحه بجنون ليبعد كازار عنه.

"أوغغ!"

ارتطم كازار بذيله فطار بعيدًا مثل ذبابة معدنية ضُربت بسوط.

وبعد أن تخلص من كازار، ترنح فولكانودون في الهواء باضطراب قبل أن يهبط إلى الأرض.

وما إن لامست أقدامه جميعها سطح الأرض، حتى ظهر كازار من جديد، واقفًا في وجهه ليقطع الطريق.

اتخذ كازار وضعية القتال، فازدادت ألسنة اللهب المشتعلة حول سيفه قوة وضراوة. وبهيبة قاتلة، تبادل الاثنان نظرات يملؤها العزم على الفتك بالآخر.

"غغغغغغغ..."

زمجر فولكانودون وهو يحرك فمه بوحشية، متفكرًا في كيفية التخلص من هذا المخلوق العنيد. وكلما أمعن التفكير، بدا له الموقف أكثر سوءًا.

فمنذ أن استحوذ هذا الكائن التافه على العصا التي تمتص اللهب، أصبح فولكانودون مضطرًا لمشاهدة تقنيته القاضية وقد تحولت إلى مجرد سلاح عديم الجدوى.

بلهفة وبلا وعي فقد التنين إصبعًا من أصابعه، وتعرَّض جناحه وذيله لإصابات جعلت توازنه في الهواء هشًّا. لكن الأخطر من ذلك كله كان استنزاف سحره تمامًا.

في هذه الحال، كيف له أن يقتل هذا المخلوق المزعج ويستعيد كنزه الذي يعتز به؟

بينما ظل يفكِّر مرارًا ويتساءل، ظهر وراء ذلك الكائن ذاك الذي يحمل العصا. ذلك الكائن البغيض الذي يستدعي مواد باردة ويطلق أشياء غريبة — لا تموت لو قتلُتَها بسهولة.

"كازار."

وقف إرنولف بجانب كازار وقال بهدوء:

"ما انطباعك بعد أن استخدمت قطعة أثرية من الطراز الأسطوري للمرة الأولى؟"

"ما الذي تريد أن أقوله الآن وفي هذا الموقف؟"

أمسك كازار بسيف الرماد بكلتا يديه ونظر إلى فولكانودون، ثم أجاب.

لا شيء في الدنيا مجاني. كما أن قلب ملك الوحوش يستنفد طاقة المستخدم بشدة، كذلك كان سيف الرماد يمتص حيويته بعنف.

"أليست تجربة تموت من أجلها؟"

"...اصمت."

كان كازار يصرخ داخليًا ليخفي أنه فقد الكثير من قوته حتى كاد عالمه يَبْيض من الإغماء، فغضبه مما مسّ إرنولف عندما نبهه لذلك كان واضحًا.

"أنت تعلم جيدًا أنّه لا طاقة متبقية لدينا ولا لديه أيضًا، أليس كذلك؟"

"إذا كنت ستقترح الهرب فانسَ الأمر. لا أنوي ذلك."

رغم أنه بالكاد كان يصمد واقفًا، لم يتفوه كازار بكلمة ضعف واحدة. وذلك أعجب إرنولف، لكن الوقت لم يكن مناسبًا للغرور أو التباهي.

فالقتال له حدود، وعندما يحين وقت التراجع لا بد من الانسحاب للحفاظ على الحياة. غير أن كازار، لأنه يقاتل تنينًا، لم يقبل بفكرة أن مجرد الصمود يُعَدّ إنجازًا. لذلك كان لا بد من أن يجد إرنولف كلمات أخرى لإقناعه.

قال إرنولف بهدوء:

"إذا أبقيناه حيًا، فقد يكون له فائدة أخرى."

"فائدة؟ أتظن أنك تستطيع السيطرة عليه؟"

"آه... ليس إلى حد السيطرة... على أي حال، نحن الآن عاجزون عن قتله."

قطب كازار حاجبيه وقال بحدة:

"وإذا هربنا الآن، فماذا عن الآخرين العالقين في الممر؟ هل نتركهم؟"

"لا يمكن ذلك... على أي حال، قتله صعب، والتخلص منه أيضًا ليس أمرًا هيّنًا."

كان فولكانودون يمتلك حواسًا حادة بشكل مرعب، لدرجة أن الطابق السفلي كله كان داخل نطاق سيطرته. الفرار منه كان أقرب إلى المستحيل.

لكن إذا كان القتل مستحيلًا، والهرب مستحيلًا... فما الذي يتبقى؟ قبل أن يسأل، وجد كازار الإجابة بنفسه.

"تقصد... أن نطرده."

"بالضبط."

أن نخيف التنين ونرغمه على الانسحاب. لو قالها أي شخص آخر لظن كازار أنها فكرة مجنونة وسخر منه، لكنه اعتاد أن يسمع مثل هذه الاقتراحات الغريبة من إرنولف، ولم يحدث يومًا أن لم تتحقق.

'إذن هذه المرة أيضًا... سأثق به.'

كشـر كازار عن أنيابه وأطلق كل الهالة القاتلة الكامنة في جسده دفعة واحدة. انفجرت من جسده كالعاصفة، فارتجف فولكانودون وتراجع عنقه وهو يزمجر غاضبًا، مظهرًا هيئة مفترس على وشك الانقضاض وابتلاع فريسته.

إرنولف بدوره لم يتأخر، فأحكم قبضته على قلب المانا وضغط طاقته حتى آخر قطرة.

قال بصوت منخفض وحازم:

"نعم... من الآن فصاعدًا هذه معركة هيبة وإرادة. من يتراجع أولًا، يخسر."

بززز،بزززت—

أطلق الشرر الأزرق من كفه الممدودة، وصوت الكهرباء الحاد تمزّق عبر السكون. كان يعلم أن كازار يمقت سحر الصواعق، لكن في مثل هذا الموقف لم يكن هناك سحر آخر يستهلك قدرًا ضئيلاً من المانا ويبدو بنفس القدر من التهديد.

في الظلام العميق حيث كانت الحمم الحمراء تجري مثل الأنهار، ساد صمت ثقيل يخنق الأنفاس.

كازار رفع سيف الرماد، تتلجى عليه النيران البنفسجية، وتقدم بخطوة ثقيلة نحو فولكانودون.

دووس!

مجرد أن وطأت قدمه الأرض، ارتجف التنين وتراجع خطوة إلى الوراء لا إراديًا. لكنه سرعان ما أدرك أنه هو من انسحب أولًا، فزمجر أكثر، غاضبًا من نفسه قبل أن يغضب من عدوه.

خطوة... ثم أخرى.

ومع كل تقدم من كازار وإرنولف، كان فولكانودون يشعر أن الضغط يزداد فوق جسده أكثر فأكثر. لم يكن الأمر أنهما تفوقا عليه في القوة النارية أو في القوة الجسدية؛ المشكلة الحقيقية كانت الجهل.

إنه لا يعرف شيئًا عن هذين المخلوقين الصغيرين الحقيرَين. وذلك الجهل هو ما كان يزرع الرعب داخله.

وفوق ذلك... لم يكونا وحدهما. خلفهما، في الممر، كان ينتظر آخرون أيضًا.

"هاااااااا!"

قفز كازار عاليًا وهو يلوّح بسيف الرماد المشتعل، وعندها اتخذ فولكانودون قراره أخيرًا.

فوواااااخ!

رفرف بجناحيه العريضين فجأة متجنبًا ضربة كازار، فاندفع إعصار هائل بعصفٍ عنيف، جعل الحمم المضطربة تتماوج، وتناثرت الصخور الكبيرة والصغيرة كالمطر فوق كازار وإرنولف.

'هل يريد القتال فعلًا؟'

تساءل الاثنان في داخلهما، مستعدين لسيناريو مواجهة حتى الموت، حيث لا ينجو أحد إلا بعد أن يصيب الآخر إصابة قاتلة.

لكن فجأة—

وبينما يعمّ المكان صخب العاصفة البركانية، اندفع فولكانودون مبتعدًا، يخفق بجناحيه الممزقين بشراسة، ليغادر ساحة المعركة في لحظة.

"هووووووآآآا…"

تنفّس إرنولف الصعداء بعمق، كأنما خرج الهواء من بالون مثقوب، ثم انهار جالسًا على الأرض.

لو أن فولكانودون لم ينسحب، لكان لا محالة أحد الطرفين قد سقط قتيلاً قبل أن ينتهي القتال… لكن لحسن الحظ، لم يحدث ذلك.

"نجونا… أخيرًا."

جلس في مكانه بلا قوة، عاجزًا عن النهوض، وفجأة خُيّل إليه أن ظلًا يغطيه من فوق. رفع رأسه قليلًا… فإذا بكازار واقف أمامه، يمد يده نحوه.

"أحسنت."

لم يتوقع إرنولف أن تخرج هذه الكلمات من فم كازار، فشعر بصدمة خفيفة.

'الولد كبر فعلًا...'

غمره التأثر وهو يمسك بيد كازار، لكن ما إن فعل حتى انهالت على رأسه سيلٌ من التوبيخ.

"ما الذي التهمته قبل قليل؟"

"هـه؟"

"جرّب أن تبتلع أي شيء غريب مرة أخرى… عندها سأخيط فمك بخيوط من حديد!"

"هاها…"

"تضحك؟"

غضب كازار بشراسة مطالبًا بما تبقى من الدواء فورًا، لكن إرنولف لم يفعل سوى أن يبتسم ابتسامة هادئة. كان يعرف أن هناك أشخاصًا حين يقلقون بشدة، يخفون قلقهم وراء الغضب والصراخ—وكازار كان تمامًا من هذا النوع. وكلما صرخ أكثر، دلّ ذلك على أنه قلق أكثر.

"كفى ثرثرة… الآن وقت أن نفرح لأننا بقينا أحياء."

"لو وجدت شيئًا مخبأ معك، أقسم أنك ستموت على يدي."

لم يُبالِ كازار بذكريات إرنولف التي جرفته نحو لحظات القتال المريرة مع فولكانودون، بل قال فقط ما يريد قوله.

حينها، أمسك إرنولف بذراع كازار، ونهض مستندًا عليه، ثم جذبه إلى صدره وعانقه بقوة. فسكت كازار فجأة، مكبوتًا عن الكلام.

"بفضلك نجوت."

"……."

"شكرًا لك، كازار."

تغلَّب كازار بصدق على ابتِلاء سيف الرماد، وبادر كازار الذي اندفع لإنقاذه فورًا، فامتلأ قلبه بالامتنان الصادق تجاهه.

"تبًا، أنت أيضًا... "

"....؟"

"أحسنت."

كانت الكلمات مربكة إلى حدٍ ما، لكنه أكملها مضطرًا، فأومأ إرنولف برأسه موافقًا.

من رجلٍ غريب قبل أشهر قليلة صار الآن رفيقًا صلبًا لا يمكن الاستغناء عنه، كأَخٍ لا يُقَدَّر بثمن.

***

بعد أن ساد الهدوء المكان من حولهم، ظلّ إلسيد ورفاقه ووال مُكوّمين في الممر المظلم. بينما كانوا ينتظرون بقلق نتيجة القتال، حلَّ أمامهم وهِمه صغيرة من الضوء تجوّلت بصوتٍ مزعج.

كانت تلك ليلى، جنية الكوابيس المرافقة لإرنولف.

"اتبعني! اتبعني! اتبعني!"

"ليلى!"

"انتهى الأمر!"

لم يكن يهمّها إن كان وجودها يُفرحهم أم يُزعجهم؛ كانت تكرر ذات العبارة بلا انفعال وتطير بشكلٍ شرسٍ مشتتٍ للانتباه. وقد قادهم هذا الكائن المشاكس وحاد الطبع إلى خارج الممر المظلم.

"اتبعني! اتبعني! اتبعني!"

"ليلى، نحن نتبعك جيدًا. اخرسي قليلاً!"

"بِرت على حقّ. لو بقيت تصرخي فقد تجذبين المزيد من الوحوش، وسنكون في ورطة."

قبل أن يخرجوا من الممر، شعر ألبرت وجيفروي بالقلق من أن صراخ ليلى سيجذب أسراب فلاما نحوهم. لكن ذلك كان مجرد خوف لا أساس له.

صحيح أن أسراب فلاما كانت تحوم بالقرب من المخرج، لكنها لم تقترب، بل اكتفت بالمراقبة من بعيد.

قال أحدهم بتردد:

"هل من الآمن أن نخرج هكذا؟"

فأجاب وال وهو يلتفت نحو الأخوين غلايمان القلقين:

"لو لم يكن الأمر آمناً، لما استدعانا في الأصل."

هز جيفروي رأسه موافقاً، وأضاف:

"صحيح… إرنولف لم يكن ليرسل ليلى بشكل عشوائي."

كان ذلك هو الرجل الذي، رغم حالته التي أوشكت على الموت، أصر على مواجهة الوحش بمفرده، طالباً منهم الاختباء في مكان آمن. لذلك، قرر الجميع أن يثقوا بـ إرنولف.

"سأتقدم أولاً."

انتشر هالة ألبرت فيما حوله وهو يراقب تحركات الوحوش بخطوات حذرة. وما إن تقدم خطوة واحدة، حتى اندفع الوحوش المختبئون خلف الصخور إلى الوراء فجأة وكأنهم ارتعبوا.

"ما هذا…؟"

ازدادت حيرة ألبرت، فتقدم أكثر، ليرى الوحوش مرة أخرى يتراجعون بسرعة مدهشة.

"ما بالهم؟"

"ألم يكونوا يهاجموننا كالكلاب المسعورة لمجرد سماع وقع أقدامنا؟"

"هل… صاروا يخافون منا؟"

"مستحيل…"

"مستحيل…"

رغم إنكارهم، خطر ببال الجميع حقيقة واحدة: أنهم جميعاً يرتدون أقنعة التنقية المتطابقة. وهذا يعني أن الوحوش تراهم كما ترى التوأم، أي في نظرها ليسوا سوى كائنات من نفس الفئة أو الدرجة.

"إن كان الأمر كذلك! فالأجدر أن يخرج إلى المقدمة أضعفنا… أي أنا!"

"أيها الأحمق!"

وقبل أن تتمكن هيلفينا من الإمساك به من مؤخرة عنقه، اندفع إلسيد بخطوات واسعة إلى الأمام. وما إن فعل ذلك حتى ارتاعت الوحوش وتراجعت في فوضى، لتختفي مذعورة.

"هاهاها! يا له من شعور رائع… كأني وباء يسير على قدمين!"

"مت أيها الأحمق! مت!"

صرخت ليلى وهي تدور حوله بغضب، فيما هو يقف واضعاً يديه على خصره، يضحك بانتشاء. بدا أن ضجيج رفاقه يثير أعصابها، وهي التي كانت تنتقم منهم دائماً أثناء نومهم إن أغضبوها، لذلك التزم الجميع الصمت وتبعوها مطيعين.

وعندما خرجوا إلى الخارج، اكتشفوا أن الطابق الخامس الذي زاروه مرتين من قبل قد تغيّر شكله تماماً. الجرف الشاهق امتلأ بعلامات الصدام والاصطدام، والتلال الكبيرة والصغيرة انهارت بالكامل حتى لم يعد من الممكن التعرف على شكلها الأصلي.

قال أحدهم بذهول:

"يبدو أنها آثار معركة مع تنين…"

نظر الرفاق إلى المشهد المتغير كلياً بوجوه مذهولة، غير مصدقين ما يرونه.

"هاه…!"

اكتشف ألبرت الذي كان يسير في المقدمة حراًشفاً ضخماً للوحش غارقاً في الأرض.

حذر على الفور الآخرين وألقى نظرة حوله ليتأكد مما إذا كان هناك تنين قريب، بينما انحنى جيفروي هو الآخر لتفقد المحيط، لكنه لم يرَ أي أثر للتنين.

في تلك اللحظة، اخترقت صوت هيلفينا الحاد آذان الجميع:

"إنه ثمين! أسرعوا وخذوه!"

"ماذا؟ هذا؟"

قالت هيلفينا بينما كانت منشغلة بجمع الدم المتساقط من أصابع قدم التنين على الأرض.

"حقاً ثمين؟"

"متى سنحصل على حراشف تنين مرة أخرى؟ خذوها أولاً، وسنقرر لاحقاً كيف نستخدمها."

فكروا للحظة، كم مرة في الحياة يمكن أن يقابل المرء تنيناً؟ نادراً ما يحدث، واحتمال النجاة منه أقل بكثير.

جمع الاثنان حراشف فولكانودون حسب ما كان بارزاً أمامهما. حجمها كان تقريباً طول إنسان كامل، وكان بالإمكان معالجتها لتحويلها إلى درع قوي مستقبلاً.

--------------------

رحمت التنين التوأم سببوا له رعب 😂😂😂

2025/09/18 · 183 مشاهدة · 1750 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025