الفصل 105: المصهر
"كيف تعلمت السحر؟"
"الأشياء الأساسية أدركتها غريزيًا عند الاستيقاظ."
"يا إلهي………."
"إذن يمكن أن يحدث ذلك أيضًا……. حتى السحر يُدرك تلقائيًا."
"لكن هذا ليس شيئًا جيدًا تمامًا. لأنني عرفت أشياء كثيرة في وقت قصير جدًا، فقدت ذكرياتي السابقة."
"أتعني………."
"نعم، لا أتذكر أي شيء قبل لحظة الاستيقاظ."
اغتنم إرنولف الفرصة ليبرر عدم معرفته بماضيه.
"كما توقعت."
كازار، الذي كان يتساءل دائمًا عن هذا الجزء، شعر وكأن صدره قد انفتح بعد أن سمع التوضيح مباشرة.
"إذن، ماذا عنك يا كازار؟"
"أنا مشابه. كنت بارعًا في القتال أصلًا، وبعد الاستيقاظ أصبحت مهاراتي أفضل."
"وذكرياتك؟"
"سليمة."
"آه، لم يدخل إلى رأسك الكثير………."
أثناء حديثه بما يخطر على باله، شعر ألبرت بنظرة كازار الحادة، فحوّل رأسه نحو السقف.
"ربما لأننا بقينا طويلًا داخل هذه الزنزانة لم أعد أعرف الوقت جيدًا. لا بد أن الشمس قد أشرقت في الخارج، أليس كذلك؟"
تركوا ألبرت يتحدث لنفسه وهو يحدّق في السقف، بينما قرر البقية ما عليهم فعله لاحقًا.
"بما أن والديكما قد أُسرا، فمن الطبيعي أن نُسرع."
قال ذلك إلسيد وهو ينظر إلى جيفروي. فأومأ جيفروي برأسه علامة على موافقته. وكان رأي الآخرين كذلك.
"إذن، سأقوم الآن بفك ختم الباب. إن كان حاجز الممر الحراري قد تعطّل، فستكون الحرارة الهائلة متجمعة في الداخل. فلننتظر حتى يُزيل كازار تلك الحرارة قبل أن ندخل."
وقف إرنولف وكازار جنبًا إلى جنب أمام الباب. رسم إرنولف صيغة سحرية في الهواء ليفك الختم، بينما قبض كازار بيده اليمنى على سيف الرماد وأمال نصل السيف قليلًا. استجاب السيف لهالته، فتبدلت هيئته. في لحظة اختفى السواد المظلم والآثار المحترقة، ليظهر نصل ناصع البياض ينبعث منه وهج أبهر الجميع حتى أطلقوا شهقات إعجاب.
كان الشكل الحقيقي لسيف الرماد نقيًا وبراقًا لدرجة تؤذي العيون من شدّة صفائه، حادًّا وانسيابيًا، يغمره ضوء غامض يضفي عليه رهبة وسحرًا.
وعندما اندلع دوّار من الضوء الأبيض بين النصل وقبضته، فتح إرنولف الباب المختوم.
فووووواه!
اندفع هواء ملتهب ولهب متفجر كأنّه انفجار. بسط كازار درعًا ذهبيًا بواسطة سيف الرماد وامتص على الفور الحرارة المنبعثة.
"انتهى الأمر. لندخل الآن."
ما إن خمدت الحرارة حتى تقدّم كازار في المقدمة، فيما تبع البقية تعليمات إرنولف بحذر ودخلوا معه.
للوهلة الأولى، بدا معمل الصهر أشبه بمنطقة بركانية معتادة.
كانت الأرض المتشققة المكوّنة من حمم متيبّسة داكنة محمّرة، قد انهارت في أماكن عدة مخلّفة حفرًا ضخمة، بينما بدت أنابيب عملاقة تُشبه الممرات الحرارية قد تحطّمت وذابت، ناشرة الحرارة الجوفية المستخرجة من أدنى الطبقات في كل مكان.
بسبب فقدان الحاجز الحراري وظيفته بالكامل، كان الهواء حارقًا يصعب التنفس فيه، حتى مع امتصاص سيف الرماد للحرارة.
'هذا المكان قد ينهار في أي لحظة، ولا غرابة في ذلك.'
اختار إرنولف، بعد أن فحص التربة، أكثر المواقع صلابة وسار فوقها بخطوات محسوبة. وتبعه الرفاق بحذر.
ولأن الأرضية ضعيفة، لم يكن في داخل معمل الصهر أي وحوش ضخمة الحجم، بل مجرد صغار وحوش متفرقة، وبعض صغار طيور فلاما التي دخلت عبر منافذ التهوية. كانت أعدادها كثيرة، لكنها لم تقترب، فلم تشكّل أي تهديد حقيقي.
"أوه! لقد أفزعتني."
فجأة انهار جانب الحفرة العملاقة من تلقاء نفسه، فتفكّكت حافتها وسقطت معها أجزاء من الأرض. ارتجف الرفاق الذين كانوا يسيرون بحذر والتفتوا نحو ذلك المشهد في ذهول.
مدّ ألبرت عنقه للأمام ليتفحص الأمر بدقة، فرأى شظايا الصخور المتساقطة تتهاوى لمسافة طويلة قبل أن تبتلعها الحمم المشتعلة في الأسفل.
"واااه! لو سقط أحدنا هناك فالموت المحقق بانتظاره."
شدّد ألبرت على نفسه أكثر، وأدرك أنه لا مجال لأي خطأ.
من خلال سحر الاستكشاف، تمكّن إرنولف سريعًا من تحديد موقع المخزن. كان المخزن يبدو كجرف ضخم تشكّل من تراكم الصخور والمعادن المنصهرة بعضها فوق بعض.
وضع إرنولف كفّيه على سطح الجرف وبدأ يستحضر المانا داخله.
"لهيب التآكل (Flames of Erosion)!"
انبعثت من يديه الممدودتين ألسنة نارية عُرفت باسم لهيب التآكل، امتدّت نحو الصخور.
كان بإمكانه استخدام سيف الرماد لإذابة الصخور أيضًا، لكن في تلك الحالة كان محتوى المخزن سيتعرض للتلف.
'هذا ليس ما وعدتهم به في الأصل……'
كان إرنولف قد خطط بعد العثور على سيف الرماد والخروج من المتاهة أن ينزل في الطابق الرابع ليبحث عن المعادن النفيسة التي استخدمها الإلف القدماء، ثم يمنحها لمجموعة إلسيد كمكافأة على مجهودهم.
لكن بعد أن علم أن والديّ كازار محتجزان كرهائن، لم يعد هناك متسع من الوقت لذلك.
لتقليل إضاعة الوقت، كان لا بد من العثور هنا على أي شيء ذي قيمة، لكن إرنولف نفسه لم يكن واثقًا مما قد يجده.
حتى لو لم يكن ما في المخزن أدوات أثرية (Artifacts)، فإن مجرد العثور على مواد معدنية سيكون كافيًا. فالمعادن التي خلفتها حضارة متقدمة بتلك الدرجة سيدفع الخيميائيون ثروة طائلة مقابل الحصول عليها.
'أرجوك… أي شيء، فقط ليظهر شيء ما.'
وأثناء إذابة الصخور، أخذت ذكريات المساعدة التي تلقاها من رفاق إلسيد تتقاطر على ذهنه كالشريط المتسارع.
كان يرغب في مكافأتهم على تعبهم، لكنه كان خائفًا من مواجهة أسوأ الاحتمالات….. أن يخرجوا بلا شيء.
وبعد فترة، بدأت طبقة الصخور السطحية تذوب وتنساب كأنها شمع مذاب، لتظهر من تحتها صناديق داكنة اللون.
"تيري."
ناداه كازار بحذر وقد شعر بشيء غير طبيعي. وعندما التفت إرنولف نحوه، اهتزت الأرض فجأة كما لو أن زلزالًا وقع.
انخفض الجميع سريعًا إلى الأرض ونشروا دروعهم الواقية.
اهتزت أرجاء المتاهة، فانهارت أعمدة وسقطت أجزاء من الأرض. ومع انحسار الاهتزاز، دوّى من بعيد عواء مخيف للوحش فولكانودون.
"هل… هل اكتشف موقعنا؟"
"كوااااااه!"
حين سأل كازار وكاد إرنولف أن يجيبه، أطلق فولكانودون عواءً آخر.
كان الصوت هذه المرة أقرب.
"يبدو أنه أدرك مكاننا. اجمعوا الصناديق ولننتقل إلى الجهة الأخرى."
نهض إرنولف بسرعة وأشار بيده نحو أحد الاتجاهات. كان ذلك موقع منصة رُصدت عبر سحر الاستكشاف.
"كازار، قم بإذابة هذه المنطقة باستخدام سيف الرماد!"
لقد أصبحت المواقف عاجلة جدًا بحيث لم يعد ممكنًا استخراج الصناديق بحذر لتجنب إتلافها.
فما إن ضخ كازار الهاله في سيف الرماد ولوّح به، حتى اندفعت نيران بنفسجية نحو المخزن. ومن بين الصخور المذابة ظهرت المزيد من الصناديق. كان أغلبها تالفًا أو فارغًا، لكن بعضها بدا بحالة جيدة.
"خذوا ما استطعتم! علينا التحرك إلى المنصة حالًا!"
وبحسب تعليمات إرنولف، أخذ الجميع يخرجون الصناديق على عجل ويربطونها بأوتار من أوتار سيرسيف. وبينما هم منشغلون في الحركة، ظل عواء فولكانودون والاهتزازات يقتربان أكثر فأكثر.
"انطلاق!"
ما إن حصلوا على خمسة صناديق حتى غادروا على الفور، دون أن يكون لديهم الوقت لفتحها ورؤية ما بداخلها.
كواااانغ
من الأسفل، صدم فولكانودون ممرَّ الحرارة بقوة. فاهتز الممر الضخم كالمجنون.
"ذ-ذلك الوحش، أليس كذلك؟"
"أسرعوا!"
أشار إلسيد بيديه بعجلة، ملوّحًا للجميع كي يسرعوا. لكن بما أن الأرضية كانت غير مستقرة، كان عليهم أن يتحركوا بحذر. أما ألبرت وجيفروي فكانا يجران الحبال المربوطة بالصناديق على طول الطريق الذي تحقّق منه إرنولف مسبقًا للتأكد من أنه آمن. ومع الخوف من أن يهجم التنين في أي لحظة، كانت قلوب الجميع تخفق بجنون.
دووم! دووم! كواكوانغ!
ظل فولكانودون يضرب ممر الحرارة بلا توقف، ثم فجأةً عمّ الصمت. وبعد برهة، اندفعت ألسنة لهب زرقاء قاتمة من داخل الممر. لقد كان فولكانودون ينفث ناره على الممر محاولًا إذابته.
وبما أن الممر كان في موقع فولكانودون، فقد بدا أنه الطريق الوحيد الذي يصل إلى هنا.
"إغنيس!"
صرخ كازار، ثم استخدم سيف الرماد لامتصاص ألسنة اللهب، كي لا يتمكن فولكانودون من إذابة الممر. وفي تلك الأثناء، كان إرنولف والبقية قد اقتربوا من المنصة.
لكن المنصة، تمامًا مثل المخزن، كانت مغطاة بالصخور. وعندما فحصها إرنولف بسحر الاستكشاف، اكتشف أمرًا مذهلًا.
"لا يُصدق!"
"لماذا؟ ماذا هناك؟"
"ما الأمر؟"
"إنه على الحافة، لكن يبدو أننا نستطيع استخدام المصعد!"
"ماذا تقول؟"
"ما زالت التعويذة الواقية تعمل. إذا أزلنا هذه الصخور……."
فوسط الطبقات السميكة من الصخور التي تراكمت على مرّ السنين، كان المصعد موجودًا بحالته السليمة.
"الوحش سيصل قريبًا!"
صرخ كازار من مكان ليس بعيدًا عن المصعد.
فوضع إرنولف كلتا يديه المشبعتين بالمانا على الصخور وأطلق تعويذته: لهيب التآكل. سرعان ما بدأت الصخور الصلبة تذوب كأنها شمع، ومن بين الحمم ظهر ضوء أزرق — إنه وهج دائرة المانا التي تحمي المصعد.
"أستطيع أن أراه! إنه موجود فعلًا!"
هتف إلسيد بحماس وهو يطل إلى الداخل. وبعد أن أذاب إرنولف الصخور بما يكفي ليمر شخص واحد، توقف ونظر إلى الداخل. ولحسن الحظ، كان المصعد قد نزل بالفعل إلى مستوى المصهر.
"هيا، اصعدوا بسرعة!"
"علينا أن نفكّ الختم أولًا."
استطاع المصعد أن يصمد طوال تلك السنين بفضل الختم القوي الذي كان يحميه.
"هل تقدر على ذلك؟"
"لا خيار أمامي، يجب أن أفعل."
كان على المصعد تعويذة أقوى بكثير من تلك التي وُجدت على بوابة الممر. فأطلق إرنولف تعويذة الاستكشاف لتحليل الدائرة السحرية، لكنه فوجئ بما رآه.
"لماذا يوجد هذا هنا……."
تمتم إرنولف مذهولًا دون أن يشعر، مما جعل جيفروي يزداد توترًا ويسأله إن كان هذا يعني أنه لا يستطيع فكّه.
"هشش. لا تُشغله."
قال إلسيد وهو يضع إصبعه على شفتيه مهدئًا جيفروي.
'هذا…… إنه من عمل السيدة سيريل…….'
ما أدهش إرنولف لم يكن تعقيد الدائرة، بل أنها كانت مطابقة تمامًا لدائرة تضخيم المانا التي استخدمها شعب كالوانوي، والتي علمته إياها إلفريدي سيريل، كأنها صورة طبق الأصل بلا أي اختلاف.
"أسرع!"
صرخ كازار من بعيد. عندها انتبه إرنولف بسرعة وأزال الختم.
"تم الأمر! اصعدوا بسرعة!"
دخل الرفاق بسرعة إلى داخل المصعد. ووقف كازار عند المدخل مستعدًا لمواجهة لحظة اندفاع فولكانودون.
"لماذا لا نتحرك؟ إنه قادم الآن، أسرعوا!"
بسبب فولكانودون، بدأ ممر الحرارة ينهار. فحذّرهم كازار.
"انتظروا. هناك الكثير من الدوائر التي لا أعرفها بعد."
كان تشغيل المصعد يعتمد على ضخّ المانا. وكان إرنولف يتصبب عرقًا وهو يحلل الدوائر في لوحة التحكم.
"إذن فلنطِر فحسب!"
"لا يمكن، فالمصعد يسدّ الممر!"
ولم تكن تلك هي المشكلة الوحيدة. فبما أن المصعد ما زال يعمل، كانت تعاويذ الحماية مفعّلة في عدة مواضع من بئر المصعد.
أن يحمل إرنولف الجميع ويطير بسرعة، بينما يتولى في الوقت نفسه تفكيك الدوائر الغريبة المثبتة في كل مكان، كان أمرًا شاقًا حتى عليه.
وبينما كان إرنولف يشتبك مع دوائر المصعد، دوّى صوت مرعب وهائل مع انهيار ممر الحرارة بالكامل.
"آآآه!"
ظهر رأس فولكانودون فجأة في المكان الذي كان فيه ممر الحرارة. في تلك اللحظة، صرخ الجميع بصوت واحد باسم شخص واحد:
"إرنولف!"
وحلّق فولكانودون بجناحيه وهو يرفع جسده العلوي، وانطلق مباشرة نحو المصعد. لكن الأرض انهارت أسفله، فلم تستطع التربة الضعيفة تحمل وزن التنين. أضاءت عيون الجميع بالإعجاب والدهشة.
"أوه."
لكن سقوط فولكانودون لم يدم طويلاً، إذ ظهر مجددًا، محولًا الفرح إلى رعب. للأسف، كان يمتلك جناحين.
"كراااا!"
مد فولكانودون رقبته وأصدر صرخة مخيفة.
بعد أن صعد عبر ممر الحرارة إلى الطابق الأعلى، أدرك التنين حقيقة مفرحة واحدة:
'إذا تبعتهم، سأستطيع الخروج من هنا.'
فمن فتح الباب المختوم في الطابق الأدنى، ومن دلّه على الممر الذي يؤدي للأعلى، هم هؤلاء.
كان فولكانودون واثقًا أنه إذا تبع هذه المخلوقات التافهة مرة أخرى، فسوف يخرج من هنا.
انطلق التنين نحو المصعد بثلاثة أزواج من الأرجل، متجهًا مباشرة إلى هناك.
"تلقّ هذا!"
وجّه كازار ضربة بسيف الرماد نحو فولكانودون.
حلّق شريط الهاله المكثّف عبر السيف نحو جبينه، لكن التنين لم يخفّف سرعته ولا يغيّر اتجاهه. فقد كان فقدان الدليل أسوأ من تلقي الجروح.
--------------------
فولكانودون مسبب هم رعب 😂😂😂