الفصل 186: الوريث (12)

رأى من قبل أن يدهس أحدهم شخصًا وهو يقود حصانه في أزقة المدينة المزدحمة،

لكن أن يركض في أرضٍ جرداء خالية تمامًا، ثم يصطدم بجسده بإنسان… فهذه كانت المرة الأولى التي يراها.

أن يكون هو نفسه من تسبب في ذلك الحادث المستحيل الحدوث جعل كازار يشعر بالدهشة واللاجدوى.

لكن ما كان ينتظره بعد ذلك كان أكثر مدعاةً للدهشة.

"ما هذا… طفل؟"

الرجل الذي تلقّى الضربة بجسده كاملةً من الهاله كان ممددًا على الأرض، ورأسه مدفون في كومة أعشاب، جسده الرفيع أشبه بصبي لم يكتمل نموه بعد.

'كدت أن أصير عدو الابن بدلًا من أن أكون عدو الأب…'

قبل أن يقترب، نشر كازار هالته ليتفحّص حالته.

لحسن الحظ أو لسوئه، كان نبضه ينبض بشكل طبيعي.

'بالنظر إلى السرعة التي كنت أركض بها، وتلقيه ضربة من الهاله ثم نجاته، فهذا يعني أنه ليس شخصًا عاديًا.'

وبينما كان كازار مستعدًا، إن لزم الأمر، لإنهاء الأمر بسيف الرماد، ركل كتف الرجل بطرف قدمه برفق.

عندها انزاح القناع عن رأسه، كاشفًا عن شعرٍ بني كثيف أشعث. وما إن رآه كازار حتى قفز للخلف فجأة متذكّرًا شخصًا ما.

'لا، لا. ذاك اللعين ليس من النوع الذي يتسكع وحده في مكان كهذا ليصطدم بأحد الناس، أليس كذلك؟'

هزّ كازار رأسه كما لو كان يطرد ذبابة، محاولًا محو صورة وجهه من عقله. مجرد التفكير فيه كان يجلب له النحس.

وفجأة، بدأ الرجل وهو ما يزال وجهه ملتصقًا بالأرض بالضحك، حتى ارتجف ظهره من شدّة الضحك.

“هههههههه… هههههههه”

عند سماع ذلك الضحك، شعر كازار بقشعريرة تسري في عموده الفقري.

رفع الرجل رأسه بسرعة. كان وجهه مغطى بقناع أسود لا يظهر منه سوى عينيه، ثم سأل بصوت مفعم بالحماس:

"ما كان ذلك قبل قليل؟! لقد أطلقت الهاله مثل ضرطة ثم انطلقت محلّقًا!"

بمجرد أن سمع كازار صوته، اندفع مبتعدًا بسرعة فائقة.

لكن الرجل دفع الأرض بكلتا يديه ورجليه وقفز كضفدع، ثم انقض واقفًا وتوجه نحو كازار.

في لحظةٍ قصيرة كان قد لحق به، بل وتقدّم ليقطع طريقه.

"كم عمرك؟"

"تبًّا…...لماذا هذا الحقير موجود هنا؟"

"أتعرفني؟"

سأل الرجل وهو يميل رأسه جانبًا بسرعة. ورغم أن وجهه كان مخفيًا إلا من عينيه، إلا أن ذلك وحده كان كافيًا ليتعرّف عليه.

بؤبؤ بني داكن مغروس في قزحية ذهبية. وشعر بني كثيف كالبدة يشبه عُرف الأسد. تلك الملامح الوحشية النادرة كانت كفيلة بكشف هويته.

"لا أعرفك، أيها التافه!"

ارتجف كازار كما لو أنه رأى شيئًا مروّعًا، مبتعدًا عنه أكثر.

من بين الأشخاص الذين لم يرد في هذه الحياة أن يتورط معهم إطلاقًا – بل وحتى فكّر في التخلص منهم قبل أن يُجبر على التورط – كان هذا أحدهم… والآن يلاحقه ضاحكًا مثل مجنون.

"هل تجيد القتال؟"

"لا!"

"هل أنت قوي؟"

"ضعيف بحق الجحيم!"

"كم عمرك؟"

"إن لم تمت بعد، فعد في طريقك!"

مع كل قفزة كان كازار يوسع الفجوة بينهما بأكثر من عشرين خطوة. لكنه كان يلحق به فورًا، يقترب إلى جانبه، ويقرّب وجهه منه.

"طريقك؟"

"نعم! كنت في طريقي إلى مكان ما! فاذهب في طريقك!"

وكأن لعنة شريرة قد التصقت به، ارتجف كازار وزاد من سرعته أكثر فأكثر.

"آه، قلعة ديتوري! صحيح، كنت في طريقي إلى هناك!"

غيّر ذلك الوغد اتجاهه نحو قلعة ديتوري. وفي تلك اللحظة، أمسك كازار بمؤخرة عنقه وصفعه بكل قوته وألقاه بعيدًا.

فكّر حينها، في قلعة ديتوري يوجد تيري ووال. وهذا المجنون هو التلميذ المقرّب للكونت ديتوري.

"ما هذا، يبدو أنك قوي فعلًا؟"

هبط ذلك الفتى على الأرض بخفة حيوانية ثم ابتسم ابتسامة مشرقة، بينما صوب كازار سيف الرماد نحو ما بين حاجبيه.

"يبدو أنني سأصبح عدو الابن."

"هاه؟ هاهاها، ما الذي تقوله…"

لكن قبل أن يُكمل كلماته، اندفع عليه كوحش جائع يلتهم المسافة بينهما.

حتى قبل أن يُسمع صوت قدميه وهو يدفع الأرض، كان قد وصل إليه أولًا.

"……ماذا؟"

أنهى كلماته بينما يسحب سيفه من خصره. ورغم أنه لا يزال صغيرًا، إلا أن هالته عند سحب السيف أظهرت أن مهارة القطع عند السحب قد نضجت لديه بشكل ملحوظ.

كااااانغ!

في الظلام، اصطدم سيف الرماد بسيف خصمه محدثين وميضًا.

كازار علّق نصل الرجل على التعرجات الخشنة لسيفه، ثم كسر توازنه بكل ما يملك من قوة.

وفي تلك اللحظة القصيرة التي انهار فيها وضع خصمه، لم يفوّت الفرصة ووجّه ركلة نحو بطنه.

أصابع قدمه المحاطة بالهاله اندفعت بقوة تكفي لتمزّق أحشاءه.

لكن الرجل جمع الهاله في نقطة الضربة وأطلقها بشدة، فارتدت ركلة كازار عن بطنه واندفعت نحو الأرض.

بمجرد أن لامست قدمه الأرض، التفت كازار بجسده وضربه بسيفه.

كاكاااكانغ!

وكأنه توقع مسار الهجوم مسبقًا، تفاعل الرجل على الفور.

أدار جسده مع اتجاه دوران كازار، فالتفّا معًا كإعصار ثم انفصلا.

وفي تلك اللحظة القصيرة، تبادلا ثلاث ضربات سيف سريعة، لكن أيًّا منهما لم ينجح في لمس جسد الآخر، قبل أن يبتعدا مرة أخرى.

"أنت… ممتع. ممتع جدًا! هل هذه هي فنون السيف من بْريتبيل؟"

(م.م: عائلة كاسيون إذا تذكرون).

ابتسم الفتى وهو يخرج سيفًا آخر، فأمسك باثنين مختلفي الطول، وقال:

"لا! لا يمكن أن تكون تلك تقنيات السيوف الجامدة والمتحجرة لتلك العجائز!"

يسأل ويجيب بنفسه، بينما يضغط على كازار بعنف.

بمجرد أن يبدأ بالهجوم، تنهال الضربات القوية المتتالية بلا توقف حتى تمزّق خصمها إربًا. أسلوب قتال يندفع كوحش غاضب، يتكيف فورًا مع ردود فعل العدو ويستمر بالضغط بلا هوادة.

كازار تذكر اسم هذا الأسلوب.

'فنون السيف: قَطع العاصفة (Storm Cleave).'

رغم أنه بدا غير مكتمل بعد، إلا أنه كان بلا شك نفس أسلوب السيف الذي ملّ من رؤيته مرارًا في ساحات القتال.

"صحيح أن فيه خليطًا كثيرًا غريبًا أضيف إلى فنون بريتبيل، لكن لا بأس… لا، بل هذا أفضل! لو رأى أولئك الأوغاد من بريتبيل هذا، لتقيؤوا أحشاءهم من الغيظ!"

انتشرت بقايا سيوفه كضباب يملأ العيون، ثم تراجع قليلًا عن كازار.

لقد استنزف كامل قوته في الهجوم، لكنه لم يتمكن من إصابته بجروح، بل صُدّت كل ضرباته وتلقى هجمات مضادة بدلًا من ذلك.

مسح الدم النازف من خده بظاهر كفه، ثم ابتسم في وجه كازار.

ذلك الفتى الذي كان يحدق فيه بعينين حادتين كعيني الذئب، لم يبدُ أكبر من خمسة عشر أو ستة عشر عامًا على الأكثر.

لكن مع ذلك، فقد كان يملك سرعة بديهة مذهلة، ناهيك عن عمق خبرته في فنون السيف التي لا توحي إلا بالتمرّس والخبرة.

"لم أرَ شخصًا مثلك من قبل."

"لقد رأيت الكثير من أمثالك."

"حقًا؟ هل مللت؟ لا تريد اللعب معي؟"

"هاا… أيها المجنون."

ظهرت في ذهن كازار عبارة: 'ها هو يبدأ مجددًا.'

"اسمي رايان!"

ابتسم ابتسامة منعشة وعرّف عن نفسه بينما اندفع مرة أخرى.

بعد الضربة الأولى، تبعتها الثانية، الثالثة، والرابعة بلا هوادة.

كانت السيوف تتلألأ وتشق الهواء كما لو أن البرق يتساقط بلا توقف وسط عاصفة.

لكن كل ضربة كان يردّ عليها كازار بلا أي فراغ، فتصدى لها بسيفه كل مرة.

"لنكن أصدقاء!"

"……"

"سأعطيك الكثير من السيوف الجميلة!"

كان يعتقد أن كازار يقاتل بعصا لأنه بلا سيف، فظن أن إعطاءه الكثير من السيوف الجميلة سيجعله صديقًا له.

كازار واصل بهدوء توجيه سيوفه، فصدّ سيفه ضربة تلو الأخرى.

با-با-باك!

سقط السيفان المكسوران على الأرض.

حينها، لمعّت عينان الصبي، الذي قدّم نفسه باسم رايان، كنجوم تتلألأ.

غطى الصبي فمه بيديه المتورمتين من ضربة كازار، وبدأ يقفز في مكانه مع تحريك رجليه بشكل مبالغ فيه.

"ماذا أفعل، ماذا أفعل… أنت رائع جدًا! كيف فعلت ذلك للتو؟ هاه؟ صديقي، أعد لي الطريقة مرة واحدة أخرى."

تنهد كازار بعمق ونظر إليه بغضب.

السيف الذي كان يلوّحه وكأنه يعتزم قتله لم يفلح في قطع جسده أو رقبته، بل فقط شق السيفان معًا.

'لا يزال مجرد متدرب، ومع ذلك وصل لهذا المستوى.'

تخيل كازار مظهره بعد عشر سنوات على ساحات القتال، فامتزج طعمه بالمرارة.

"من صديقك؟"

سأل بصوت متضايق، فأشار الصبي بكلتا يديه نحو كازار.

"أنت."

"هاا……"

أطلق كازار شهقة ساخرة واستدار. لم يخفف السيف لأنه يفكر في أن يصبح صديقه، بل لأنه لم يتمكن من قتله ولذلك أبقاه على قيد الحياة مؤقتًا.

وبمجرد أن خطا خطوة، حاول الصبي الاقتراب، فلوّح كازار بسيفه مرة واحدة ليبعده بعيدًا.

"لا تتبعني."

"لا أريد! سأتبعك!"

"اذهب في طريقك!"

"حسنًا… كنت أريد تجربة قتال مع المعلم، لكن يبدو أن القتال معك سيكون أكثر متعة."

"أنا لست ممتعًا!"

"لا بأس! المهم أن يكون أحدنا ممتعًا! هاهاهاها!"

كان حقًا شخصًا يثير الرغبة في القتال وقتل الآخرين.

قوّس كازار حاجبيه وبدأ بالجري.

"أنا رايان، عمري 15 سنة! وأنت؟"

"……"

"ما اسمك؟!"

"……"

"أنا رايان!"

"حسنًا، كفى! اخرس!"

"ما اسمك؟!"

"……"

"بما أننا أصدقاء، يمكنك مناداتي راي! وأنت؟ ما اسمك؟"

"آآآه!"

غاضبًا، أرسل سيف الهاله نحو صخرة قريبة، بينما كازار صمت بشدة وزاد سرعته.

لم يرغب في أخذ الصبي إلى غابة الذئاب الرمادية، لذا تجوّل متعمدًا في مسارات ملتوية.

وكان رايان يتبعه كالببغاء وهو يردد نفس الكلمات مرارًا وتكرارًا.

***

في تلك الليلة، لم يكن من يركض في الحقول فقط كازار ورايان.

ماريتا، التي خرجت من قلعة ديتوري، كانت تدفع نفسها إلى الحد الأقصى، تركض في الحقول المظلمة وتصعد طرق الجبال بلا توقف حتى أوشكت على الانفجار.

عندما وصلت ماريتا إلى سفح الجبل، كانت النيران التي بدأت في غابة الذئاب الرمادية قد امتدت حتى أسفل الجبل.

كانت ماريتا تحجب أنفاسها من الدخان باستخدام كمها، لكنها وصلت في النهاية أمام الجبل العظيم.

في الساحة الواسعة، كان الناس يرمون التراب في كل مكان ليمنعوا تقدم النيران، ويزيحون الحجارة. اقتربت ماريتا منهم وهي تلهث.

"من الأفضل أن ننزل من الجبل…، كح… أيها الجميع، من الجبل فورًا……"

لم تخرج كلماتها بوضوح بسبب الدخان.

كان الدخان الكثيف يجعل فتح عينيها صعبًا، وبينما كانت تتقدم متلمّسة طريقها، ظهر شخص فجأة وأوقفها.

"من أنتم هناك؟"

"آه… هذا الصوت…… كراين؟"

"ماريتا؟"

نظرًا لأنهما جاءا من نفس المعبد، كان بينهما بعض الألفة.

لكن ماريتا ركزت على المهام خارج القلعة، بينما كان كراين يعمل بشكل أساسي داخل القلعة، لذلك لم ينفذوا الكثير من المهام معًا.

"آه… يبدو أن فيستا تراقبنا. أرسلتمونا إلى هنا… كيف وصلتم إلى هنا؟"

"شعرت بالقوة الإلهية تحلّ هنا. هل ربما تكون السيدة أليسيا إل هنا؟"

أليسيا لورينتي، الملقبة بضوء ساحة المعركة، كانت تمتلك قوة إلهية هائلة.

لكن، كان عمرها كبيرًا على عبور الجبال.

"آه، ذلك؟ من هنا."

أخذ كراين ماريتا إلى جانب واحد. هناك، كان إلسيد مستلقيًا ويداه موضوعة على صدره بشكل مرتب.

عندما رأت ماريتا ذلك الشاحب، اهتزّت عيناها بشدة.

"هل عاد إلى حضن فيستا؟"

"لا، لا. لقد استنفد قوته ويستريح فقط."

"استنفد قوته؟ مستحيل… ذلك النور…؟"

بنظرة تكاد لا تصدق، كانت ماريتا تتبادل النظر بين إلسيد وكراين.

بالتأكيد، القوة التي شعرت بها لم تكن شيئًا يمكن لقسّيس عادي أن يبعثه.

بل وأكثر من ذلك، كان تحقيق مثل هذه المعجزة لذبابة مايو شبه مستحيل.

"نعم، إنه إلسيد."

"ماذا؟"

"النور الذي رأته ماريتا … هذا فعل إلسيد."

قال كراين إن القوة الإلهية كانت قوية إلى درجة أن مصاص الدماء الذي تلقاها مباشرة انفجر كما لو كان ينفجر من الداخل.

في تلك اللحظة، نادى الشباب كراين على عجل.

"سيدي الفارس!"

"آه، رجاءً اعتنوا بالمصابين قليلاً، أنا سأذهب إلى هناك……"

أشار كراين لماريتا بيده نحو اتجاه المصابين ثم ركض نحوهم.

كان يحفر مع الشباب مدخل المنجم الذي انهار بسبب الانفجار.

وبسبب عدم تمكنهم من إنقاذ كبار السن المحاصرين بداخله، لم يتمكن الناس من النزول من الجبل المشتعل وكانوا يقاتلون مع أكوام الحجارة.

اقتربت ماريتا منهم وكأنها مسحورة. حينها شعر كراين بشيء وأجبر الناس على الابتعاد.

أغلقت ماريتا عينيها لبرهة وركّزت، ثم أشارت بيدها نحو اتجاه واحد.

"كراين، هل يمكنك استخدام سيف الهاله؟"

"أظن أنني أستطيع مرة واحدة."

"إذًا، اضرب هناك."

قالت إن توجيه ضربة إلى ذلك المكان سيؤدي إلى انهيار كل أكوام الحجارة أمام المدخل.

عند سماع كلام ماريتا، ارتسمت ابتسامة على وجه كراين.

2025/10/02 · 118 مشاهدة · 1793 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025