الفصل 187: الوريث (13)

بناءً على تعليمات ماريتا، قام كراين بهدم كومة الصخور التي كانت تسد مدخل المنجم.

بفضل جهود الاثنين، تمكنا من إنقاذ الشيوخ العالقين بأمان، لكن الوضع ازداد سوءًا شيئًا فشيئًا.

الأشجار التي تحولت إلى أعمدة من اللهب كانت تصدر أصواتًا مرعبة وهي تسقط هنا وهناك، بينما كانت الشجيرات المشتعلة تتدحرج في كل مكان وتهاجم الناس.

قال كراين بصوت مرتفع:

"هيا، لِنَنزل من الجبل بسرعة!"

ثم أمر الشبان بحمل الشيوخ على ظهورهم، وأمسك هو بشجرة مشتعلة.

"آااه!"

قام بحماية جسده مستخدمًا هالته وأطلق صرخة قوية. رفع كتلةً ضخمةً من النار بحجم عمودٍ من أعمدة المعبد بسهولة، ثم رماها بعيدًا. بعدها لوّح بيده للناس، مشيرًا إليهم أن يسرعوا بالقدوم.

"......"

لكن الناس ظلوا ينظرون إليه بصمت، متجمدين في أماكنهم كالصخور. عندها، أشارت ماريتا بحذر إلى اتجاهٍ آخر بيدها.

"لقد صعدت من ذلك الجانب، بمحاذاة حافة الجبل. الطريق هناك مليء بالصخور، لذا الأشجار أقل، وسيكون أكثر أمانًا من الأماكن الأخرى."

عندما سمع الناس كلام ماريتا، توجهوا إلى الجهة التي أشارت إليها. فقد كانوا يعرفون ذلك الطريق جيدًا.

أخذ كراين ينظر بالتناوب بين الطريق الذي وجده بنفسه وبين الاتجاه الذي يسير إليه الناس، ثم أسرع باللحاق بهم. فقد كان يعلم أنه في مثل هذه المواقف، من الأفضل الإصغاء إلى الآخرين.

"يا للعجب، يبدو أنك لم تأتِ إلى هنا من قبل. لو سلكت الطريق الذي كنت عليه قبل قليل، لسقطت من الجرف ومتَّ، أيها الفارس."

"كح، كح... لا، لا يمكننا الصعود إلى الحافة أيضًا. لا تذهبوا إلى هناك!"

قال سيرابيون وهو يغطي فمه بكمّه. كانت رئتاه ضعيفتين أصلًا، وبسبب الدخان بدا وكأنه على وشك الاختناق. تقدم سيرابيون بصوتٍ متحشرج، وأوقف الناس مشيرًا بيده نحو اتجاه الوادي.

"في النهار، تهب الرياح من الوادي إلى الأعلى، لكن في الليل تهب بالعكس، من القمة على طول حافة الجبل. علينا النزول إلى الوادي! كح، كح!"

"الوادي؟ لكنه أخفض من الحافة. أليس من الأخطر النزول إلى هناك إذا كانت الرياح تهب من الأعلى؟"

"هل أنت متأكد؟"

لكن سيرابيون أكد أن النزول إلى الوادي سيكون أكثر أمانًا من السير على حافة الجبل.

كان الطريق المؤدي إلى الوادي ضيقًا ومنحدرًا بشدة، ولهذا ظن الشباب الذين كانوا يحملون الشيوخ على ظهورهم أن طريق الحافة سيكون أسهل للمشي.

ومع ذلك، كان سيرابيون رجلًا ذكيًّا واسع المعرفة في مجالات عديدة.

وفي النهاية، قرروا اتباع نصيحته.

لكن سرعان ما واجهوا خطرًا كبيرًا.

ففي المنطقة التي اشتعلت فيها النيران، كان الهواء الساخن يتصاعد إلى الأعلى، مما جعل الرياح تهب من الأسفل نحو القمة. وفي الوقت نفسه، ومع حلول الليل، بدأ الهواء البارد يهبط من الأعلى، فتصادم مع التيار الصاعد ليشكل دوامات هوائية عنيفة.

عندها اندفعت ألسنة اللهب والدخان بشكلٍ غير متوقع، وغطّت الناس بالكامل.

حتى كراين، الفارس الشجاع الذي قاتل بمفرده ضد وحش مصاص الدماء؛

وإلسيد، الكاهن الذي أتى بالمعجزات كما لو أن الحاكم فيستا قد تجلّى فيه؛

وماريتا، الكاهنة والفارسة الماهرة متعدّدة المواهب —

كلهم، أمام تلك النيران الهائلة، لم يكونوا سوى بشرٍ عاجزين.

"ماريتا، استخدمي السحر العلاجي!"

"أفعل ذلك الآن!"

"فلنذهب إلى الحافة الآن! ستكون أسرع!"

"يجب أن ننزل إلى الوادي! هناك ماء، كح كح، وأشياء أقل لتشتعل! الوادي هو الأكثر أمانًا!"

"ولهذا نحن في هذه الحالة الآن، يا بيون!"

لم يكن كراين مفيدًا في التنقل عبر الطريق الجبلي المظلم، وماريتا لم يسبق لها أن قادت هذا العدد الكبير من الناس، أما إلسيد فكان فاقدًا للوعي تمامًا.

أما معرفة سيرابيون، فقد كانت بلا فائدة في مواجهة موقفٍ فوضوي وغير متوقّع كهذا.

"ماذا علينا أن نفعل الآن؟! هل نذهب إلى الحافة أم إلى الوادي؟!"

"بهذا الشكل سنُحرق جميعًا! كح كح!"

"هل ننقسم إلى نصفين ونسلك طريقين مختلفين؟!"

"اللهب ينزل من الأعلى!"

اندفعت موجة هائلة من النار نحو الناس، كما لو كانت تنهال من السماء لتبتلعهم.

الذين كانوا في المناطق المنخفضة أثناء نزولهم نحو الوادي أصبحوا الآن في موقفٍ ميؤوسٍ منه، على وشك أن تلتهمهم النيران بالكامل.

"آآااه!"

تدفعت أغصان الأشجار المشتعلة بفعل الرياح العاتية، لتسقط كأنها انهيار ثلجي فوق الناس.

أحد الأشخاص اشتعلت النار في جسده، فسقط يتدحرج على الأرض وهو يصرخ من الألم، بينما سقط الشباب الذين كانوا يحملون الشيوخ أثناء محاولتهم الفرار.

بدأت ماريتا تُعالج المصابين بالحروق، فيما استخدم كراين درع الهاله ليحجب ألسنة اللهب.

لكن جهودهما كانت عديمة الجدوى، مثل محاولة حجب الشمس بكف اليد.

'إلى أين نذهب؟'

'ماذا علينا أن نفعل؟'

تسارعت أنفاس ماريتا وكراين وهما يركضان في كل اتجاه لإنقاذ الناس، حتى أصبحت أفكارهما بيضاء فارغة تمامًا من شدة الارتباك.

وفي تلك اللحظة، حين امتلأت عقول الجميع بالخوف والذعر ...

قفز فتى يحمل عصًا سوداء من فوق صخرة، وصاح بصوتٍ قويٍّ:

"كراين إلى اليسار! رايان، انشر درع الهاله في المقدمة! ماريتا! اجمعي الناس في مكانٍ واحد قدر الإمكان! بسرعة!"

من دون أن يتمكن أحد من رؤية وجهه بوضوح، صرخ الفتى بصوتٍ قويٍّ، ثم اندفع صبيٌّ أشعث الشعر بلونٍ بنيّ نحو الجهة العليا من الطريق، ونشر درع الهاله أمامه.

في الوقت نفسه، أسرع كراين إلى مؤخرة الصف، حيث تمددت النيران، ونشر هو الآخر درع الهاله ليحمي البقية.

أما الفتى الذي أصدر الأوامر، فقد واجه النيران القادمة مباشرة، ورفع عصاه السوداء باتجاهها.

"إغنيس!"

في اللحظة التي غلفت فيها إرادة الفتى وهالته تلك العصا السوداء، استيقظ كائنٌ كان أسطورة منسية، روح النار التي اجتاحت ساحات المعارك القديمة، والتي ظلت طوال سبعين ألف عام تنتظر سيدها في أعماق الطبقة السفلى من كالوانوي.

بدأ الرماد الملتصق بسطح العصا يتشقق ويتساقط، لتظهر تحتها نصلٌ ناصع البياض، لامعٌ كوهج النور.

صاح رايان، الذي كان يقف في المقدمة منشئًا درع الهاله لحماية الآخرين، وقد اتسعت عيناه ذهولًا:

"يا رجل! ما هذا؟! هذا سيف مذهل بحق!"

كان رايان يخطط في الأصل لتودد لذلك الفتى والتقرب منه عبر استعراض سيوفه الجميلة، على أمل أن يصبحا صديقين.

لكن الآن، أمامه سيف لم يرَ مثله في حياته، جميلٌ إلى حدٍّ لا يُصدق، وساحرٌ كأنه من عالمٍ آخر.

في تلك اللحظة، أدرك رايان أنه حتى لو قدّم للفتى مئة، بل ألف سيفٍ أسطوري، فلن يستطيع جذبه إلى صفّه.

"أحرِق كل شيء!"

اشتعل سيف الرماد بين يديه، ومنه اندلعت ألسنة لهبٍ أرجوانية اجتاحت الهواء.

كانت النيران التي ابتلعت نصف الجبل بأكمله، لا تساوي شيئًا أمام إغنيس، مجرد لهبٍ صغيرٍ أمام روح النار الحقيقية.

انفجرت النار البنفسجية من سيف الرماد، فأحرقت كل ما حولها في لحظة، وجعلت الهواء نفسه يغلي من شدّة الحرارة.

حين ارتفع الهواء الساخن إلى الأعلى، تغيّر اتجاه الرياح التي كانت تهب نحو الأسفل، فبدأت تهب نحو المكان الذي يقف فيه كازار.

اندفعت ألسنة اللهب والدخان الكثيف نحو سيف الرماد، وكأن قوة خفية تسحبها إليه بقوة الجاذبية.

وبعد لحظاتٍ قصيرة، ساد الصمت في كل الاتجاهات.

بعد أن أُخمد الحريق تمامًا، بدأ كازار بالنزول بهدوء عبر الطريق الجبلي الذي تحوّل إلى رمادٍ أسود.

أما كراين وماريتا، فقد تبادلا بضع كلماتٍ سريعة لتنظيم الوضع وإعادة الهدوء إلى الناس. وعندما نظرا إلى كازار، ذلك الفتى الذي أنقذهم من كارثة محققة، شعرا بعمقٍ بأهمية وجود قائدٍ ميداني في مثل هذه المواقف.

وفي الوقت نفسه، أدركا حقيقةً أخرى، هذا الفتى… ليس عاديًا إطلاقًا.

'إنه ملك… هذا الطفل سيصبح ملكًا، بلا شك!'

ظهر هذا الفكر في ذهن كليهما في اللحظة نفسها، كوميضٍ مفاجئ.

"يا رجل، هذا السيف... إنه سيف شيطاني، أليس كذلك؟ اسمح لي فقط أن أجرّبه مرة واحدة، فقط مرة واحدة، أرجوك!"

لكن كازار تجاهل تمامًا رايان الذي كان يطنّ بجانبه مثل ذبابة مزعجة، واستأنف إعطاء الأوامر بصرامة.

"الدخان ما زال كثيفًا، غطّوا أفواهكم وأنوفكم بأكمامكم! أنت، وأنت هناك، احملوا الجدّات على ظهوركم! ماريتا، تابعي علاج الجرحى! كراين!"

في تلك الأثناء، كانت الوحوش والحيوانات البرية التي هربت من مساكنها بسبب الحريق تثير الفوضى في أرجاء الجبل.

فوضع كازار كراين، المعروف بسوء اتجاهاته، في مؤخرة الصف، ليحمي المجموعة أثناء انسحابهم من المنطقة المحترقة.

"يا رايان."

"ماذا هناك؟"

"أنت ستتقدم في المقدمة وتزيل العقبات."

"إلى أين سنذهب؟"

"إلى المكان الذي كنت تنوي الذهاب إليه في الأصل… قلعة ديتوري."

لقد قرر كازار استخدام هذا الطُعم لأنه لا يمكن التخلص منه في الوقت الحالي.

"إلى حيث يقيم المعلم؟ حسنًا! اترك الأمر لي!"

قفز رايان بحماس إلى المقدمة ليقود الطريق.

"وماذا عن إلسيد؟"

أشارت ماريتا، التي كانت تعالج شابًا أصيب بحروق شديدة ولا يستطيع التنفس، إلى إلسيد، الذي كان يحمله أحد الشباب. رغم الفوضى العارمة من حوله، بدا إلسيد مستغرقًا في نومٍ عميق، مبتسمًا بسعادة.

نقر كازار لسانه تعبيرًا عن الاستياء، ثم حمل شيخًا متعثرًا على ظهره.

***

أما قوات الدعم التي أرسلها إندويل، فقد قامت أولًا بتفقد قرية الحصن، ثم بدأت بالمسير نحو قلعة اللورد.

وكانت السماء فوق القلعة، التي شهدت انفجارات مدوية قبل قليل، الآن هادئة بشكل لا يصدق، كما لو كانت كذبة.

واصلوا المسير طوال الليل، ووصلوا إلى سهل أمام القلعة مع طلوع الفجر.

"يا إلهي… كيف يمكن أن يكون هذا…؟"

نظر القائد إلى قمة القلعة المحترقة بالكامل، وأطلق تنهيدة حزن عميقة.

تحوّل قصر سيد السيوف، الذي كان رمزًا للفخر والقوة، إلى أطلالٍ سوداء وكأن القلعة تُركت مهجورة، وكان هذا المشهد صدمة كبيرة للجميع.

"يجب أن نذهب بسرعة لإنقاذ الناجين."

وكان يدفن أمله في أن يكون التوأمان بخير، فأسرعوا بالمسير نحو الداخل.

"الجسر المتحرك منخفض، ولا أرى أي جنود…"

"لا يكون… قد فُنوا جميعًا؟"

حلّقت أسراب الغربان وصافرات الرياح الباردة عبر بوابة القلعة، مما أضاف جوًا مرعبًا للمشهد.

تقدموا بحذر، وهم يراقبون محيطهم، ودخلوا القلعة بهدوء.

وعندما عبروا البوابة ووصلوا إلى الساحة الداخلية، توقفوا مذهولين.

كان عبير حساء اللحم الطازج ورائحة الخبز المحمّر قد امتلأت في المكان، حتى عند بوابة القلعة المحترقة.

وقفوا مثل الأوتاد، يفركون أعينهم للتأكد مما يرونه، هل هذه رؤية خادعة أم حقيقة؟

كانت هناك عشرة قدور ضخمة فوق النيران، وكان عشرة رجال يحركون محتويات القدور بالمغارف الطويلة.

وكان عدد من الرجال والنساء يرتدون المراييل يحملون الخبز الطازج على صوانٍ كبيرة، بينما وُضع على جانب واحد طاولة طعام طويلة.

المشهد كله لم يكن يشبه حصنًا أنهكه القتال للتو، بل بدا أشبه بمأدبة احتفالية مهيبة.

"هل وصلتم أخيرًا؟"

استدار الرجل الذي كان يتذوق الحساء من وعاء صغير، وقال لهم مرحبًا بابتسامة ودودة. كان هذا الرجل جيفروي، الابن الأكبر لغلايمان.

نظر القائد إليه بدهشة، وانتظر حتى اقترب منه.

"يمكن للجنود هناك الحصول على الحساء والخبز. أيها السيد، تفضل إلى هناك."

سلم جيفروي الوعاء الصغير للخادم، ثم بدأ يرشّد فرسان إندويل نحو الطاولة المهيأة للطعام.

قبل أن يجلسوا، خرج من القلعة فتى نحيل، طويل الشعر مربوط في ضفيرة واحدة.

الذين اعتقدوا في البداية أنه مجرد طباخ بسبب المريلة، سرعان ما أدركوا أنه الساحر إرنولف.

"أيها السيد إرنولف."

"أهلاً بكم، تفضلوا بالجلوس هنا."

بينما كان يشير إلى مقاعدهم، فجأة اندفعت طاقة هاله قوية مسببة هبوب ريح قوية نحو إرنولف.

'ماذا…؟ هل هو قاتل متخفٍ؟'

كان جميع الفرسان الذين جاءوا كقوات دعم من مستخدمي الهاله. تحرّكوا بسرعة تفوق قدرة العين على الرصد، واعترضوا طريق إرنولف أمامه.

'هل هو ذلك الرجل الذي رأيناه في الجبل؟'

في آنٍ واحد فتح ثلاثة فرسان دروع الهاله فصدّوا شفرة الهاله المتطايرة. ثم اندفعت هيئة المهاجم التي أطلقت شفرات الهاله صوبهم.

شعر بني فوضوي، ثياب سوداء، وشعار الأسد المنقوش على كتفه. رأية ذلك فارتبك الفرسان.

'لماذا... صاحب دوق نونيمان يهتم بإرنولف؟'

الذين شاهدوا رمزية بيت دوق نونيمان، الشعار الأحمر للأسد، ترددوا ولم يدروا إن كانوا سيهاجمون المغتال أم لا.

فجأة طار كازار كاللهب، غاضبًا، ووجّه سيفه الأبيض اللامع نحو رقبة المغتال.

"يا هذا المجنون!"

يبدو أن المجنون هنا هو كازار. هجم بسرعة تفوق قدرة البشر على التصرف.

خطّت ذيول ضوئية جميلة كذيل نجم ساقط في الهواء بلا انقطاع، فارتسمت على جسد المغتال عدة خطوط دموية.

"يا صديقي! اهدأ! يجب أن تقتله لتنجو أنت!"

صاح رايان بسرعة نحو كازار الذي بدأت عيناه تلمع بجنون.

2025/10/14 · 72 مشاهدة · 1798 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025