الفصل 191: الوريث (17)

كانت أجهزة الاستشعار المُثبتة في نظام الإنذار ضد مصاصي الدماء تعمل اعتمادًا على القوة الإلهية الخاصة بفيستا، ولذلك لم يذهب وال إلى القصر الداخلي، بل أقام في برج المراقبة الذي تضرّر بشدة وأصبح عديم الفائدة.

كان المعلّم يزوره من حين لآخر، لكن وال كان يقضي معظم وقته بمفرده.

في ذلك اليوم، وبعد أن أنهى تدريبه، جلس وال مستندًا إلى البرج المهدّم وهو يمضغ جزرة.

كانت الجزرة قد اقتُطفت من حقل قريب من قلعة اللورد.

وبينما كان ينظر إلى الأطفال يلعبون في البعيد، يأكل جزرتَه بهدوء، أظلّ جسده فجأة ظلٌّ أسود.

رفع نظره فرأى كازار واقفًا أمامه.

"ماذا تفعل هنا؟"

"فقط أجلس."

رمى كازار ساق الكرسي التي كان يستخدمها عندما واجه رايان بعيدًا، ثم جلس بثقل بجانب وال.

بعدها تناول واحدة من الجزر المتكدسة، مسحها على بنطاله عدة مرات.

"يقولون إنه ابن الدوق... هل يجوز أن تضربه بهذا الشكل؟"

كان وال في مكان مرتفع، لذا رأى بوضوح كيف انهال كازار على رايان ضربًا مبرحًا.

"الآخرون لا يجوز لهم ذلك، لكن أنا أستطيع."

"لماذا؟"

"هكذا هي الأمور."

كان كازار يرغب في أن يقول: "في حياتي السابقة، ذلك الوغد مدين لي بالكثير"،

لكنه لم يقل شيئًا، واكتفى بمضغ الجزرة بصوت واضح ومتحشرج.

"تجلس هنا تشاهد الأطفال وهم يلعبون... يا للبؤس. استغل وقتك في التدريب، أو اذهب والعب معهم على الأقل."

"لقد تجاوزت سن اللعب مع الصغار."

"في نظري، أنت وهم سواء."

ضحك وال بدهشة من كلام معلمه الصغير.

"لكن قل لي، هل تأكل هذا لأنك جائع؟ تيري صنع طعامًا لذيذًا اليوم، ألم يحضر لك شيئًا؟"

"لقد أكلت بالفعل. هذه فقط... أكُلها بينما أفكر في بعض الأمور."

"تفكر؟ بعقلك الذي لا ينفع لشيء؟"

قال كازار ذلك متعمدًا بنبرة خشنة.

فبعد أن أنهى ضرب رايان، لاحظ أن وال يجلس وحيدًا هكذا، فأزعجه الأمر وجاء ليراه.

"كنت أفكر في نوع الشخص الذي أريد أن أصبحه."

ثم أخبر وال كازار بما قاله له والده.

"أن المظهر الذي أختاره هو أنا الحقيقي...... إذًا، أي نوع من الأشخاص تريد أنت أن تكون؟"

عند قدمي وال كانت تتكدس بقايا الجزر، ولم يتبقَ منها سوى أوراقها الخضراء.

لو أن ذئبًا أكل جزراتٍ بقدر ما أكلها أرنب، لكان يعني أنه فكر كثيرًا بالفعل.

'أريد أن أكون ابنًا صغيرًا مدللًا، يتدلل على أمه وأبيه'

لكن بما أن والديه لم يعودا في هذا العالم، فقد أصبحت تلك الأمنية حلمًا لن يتحقق أبدًا.

لذلك لم يستطع وال أن يجيب، واكتفى بمضغ الجزرة بصمت.

"ذلك الوغد......."

فجأة، رمى كازار الجزرة التي كان يأكلها بعنف، ونهض واقفًا.

نظر إلى الأسفل، فرأى رايان يسير على أطراف قدميه كقطٍّ لصّ، متسللًا بخطوات حذرة نحو ورشة الكيمياء.

"لنذهب."

"أنا أيضًا؟"

"عندما يفكر الغبي كثيرًا، من الأفضل أن يحرّك جسده. بهذا لا يتسنى له التفكير في أمور لا فائدة منها."

"لكنها ليست أفكارًا بلا فائدة."

"أنت أيضًا تريد أن تضرب ذلك الوغد، أليس كذلك؟ تحجّج بتيري واضربه قليلاً، سأساعدك."

رايان كان تلميذ الكونت ديتوري المقرّب، لكنه لم يؤذِ وال من قبل، ولذلك لم يكن لدى وال أي ضغينة تجاهه.

ومع ذلك، قال كازار إن مجرد كونه تلميذ ديتوري يكفي سببًا لأن يبرحه وال ضربًا.

"هيا بنا!"

"آه، أنا...!"

لكن قبل أن يتمكن من الاعتراض، أمسك كازار بمعصمه وقفز به من على سور القلعة، فلم يستطع وال سوى أن يُسحب معه.

***

"إن شاركني ذلك العلم، فماذا أود أن أفعل به؟"

كرر سيرابيون كلمات إرنولف، ثم أطلق تنهيدة طويلة.

كان سؤالًا يصعب الإجابة عليه بسهولة، إذ عادت إلى ذهنه تعرجات حياته الماضية.

"كان والدي يقول كثيرًا إن الحياة تشبه الطائرات الورقية. حتى لو وُلدتَ طائرةً كبيرةً وقوية، فلن تستطيع الارتفاع عاليًا إن لم يكن لديك خيط طويل ومتِين، وإن لم تهبّ الرياح المناسبة، فلن تتمكن من الطيران إلى حيث تريد."

نظر سيرابيون إلى زاوية السقف بنظرة شاردة كمن يستحضر الماضي، ثم واصل حديثه بهدوء.

"كان والدي تاجرًا ناجحًا إلى حدٍّ ما. وبحسب قوله، كان كمن يملك طائرةً كبيرةً وجميلة، مربوطة بخيطٍ طويل، تسير مع ريحٍ مواتية. لكن عندما خاض مغامرةً ليكتشف طرقًا تجارية جديدة، انهار كل شيء. انقطع الخيط، وسقطت الطائرة من السماء لتحطم نفسها على الأرض. ربما القوة الأكبر تجلب نجاحًا أعظم، لكنها أيضًا قد تقود إلى السقوط، إن ركبتَ الريح الخطأ."

لم يكن والده وحده من عاش تلك التجربة؛ حتى هو نفسه كان الناس يتوقعون أن يصبح ساحرًا، لكن بعد استيقاظ قواه، اتضح أنه خيميائي.

إرنولف كان قد سمع من إلسيد عن خيبات سيرابيون، وعرف تمامًا نوع المرارة التي تجرّعها.

ومع ذلك، لم يكن إرنولف يبحث عن ساحر، بل عن خيميائي.

لذا لم يكن شعور سيرابيون بالإحباط أمرًا يشغله كثيرًا.

"إن أمسكتَ بخيط الطائرة الورقية قصيرًا خوفًا من السقوط، قد تظل آمنًا، لكنّك ستفقد إلى الأبد فرصة رؤية العالم من أعلى. أنت تملك القدرة على التحليق أعلى من أيٍّ كان، وأنا فقط أريد أن أمنحك الفرصة لتقفز وتجرّب ذلك."

في المجتمع المستقبلي، كان يُنظر إلى مهندس السحر على أنه أرفع شأنًا من الساحر نفسه.

لكن بما أن الخيمياء لم تتطور بعد إلى ذلك الحد، ظنّ إرنولف أن سيرابيون يقلل من قيمة نفسه.

"حذري هذا ليس خوفًا من الارتفاع، حتى لو أحسنتُ استغلال الريح، فأنا في النهاية مجرد طائرة ورقية. لا أملك سوى أن أنقاد لمن يمسك بالخيط. ولا أدري إن كنت تعلم، لكن سيدي الراحل ومعلمي اللورد ديتوري لم يكونا خيّريْن في الإمساك بذلك الخيط."

ففي سبيل تنفيذ أوامر الكونت ديتوري، اضطرّ سيرابيون مرارًا إلى خيانة مبادئه.

ولم يكن هناك ما يضمن ألا يتكرر ذلك من جديد.

"لذا، قبل أن تسألني، أجبني أنت أولاً يا مولاي، لأي غاية تريد أن تستخدمَني؟ كيف أستطيع أن أطلب قوةً عظيمةً دون أن أعلم إلى أين يريد مَن يمسك بالخيط أن يوجّه الطائرة؟"

كانت كلمات سيرافيّون تمسّ جوهر المسألة، ما الذي ينوي إرنولف فعله حقًا في هذا العالم؟

تأثّر إرنولف بشدة.

حتى الآن، كان يعيش فقط بدافع البقاء، دائمًا ما يشعر بأنه لا ينتمي إلى هذا المكان.

حتى رغبته في الاستفادة من مهارة سيرابيون كانت بدافع البقاء أيضًا، لتقوية نفسه في مواجهة العالم، ولم تكن ناتجة عن تفكيرٍ عميق في الدور الذي يريد أن يؤديه هنا.

"كم هو مُخزٍ... لقد كانت رؤيتي ضيّقة جدًا. بصراحة، لم أفكر في ذلك يومًا."

أعجب سيرابيون بصراحته، وباستعداده للاعتراف بخطئه دون تردد.

"من الطبيعي، يا مولاي، أن لا تفكر في ذلك بعد، فأنت ما زلت شابًا."

"لا، أنا صغير في السن، لكن القوة التي أحملها ليست كذلك. كان عليّ أن أتساءل بجدية عن الهدف الصحيح، والقيمة التي يجب أن تُوجَّه إليها هذه القوة."

في ذهنه كان يحمل معرفةً من المستقبل قادرة على تغيير هذا العصر، وفي صدره كان ينبض قلب المانا القوي، وفي يده كان يقبض على قلب ملك الوحوش.

أدرك أنه قد اندفع بالفعل إلى مجرى التاريخ، وأنه بحجة الانشغال بالبقاء سمح لنفسه بالتقاعس فشعر بالخزي العميق.

"سيرابيون، ما نوع الحياة التي ترغب في عيشها؟ آه، لقد طرحتُ السؤال نفسه قبل قليل، أليس كذلك؟ ومع ذلك، أريد أن أسمع الإجابة. هل يمكنك أن تخبرني بما ترغب في فعله الآن، في هذه اللحظة؟ أود أن أستمع إلى قصتك… علّني أجد من خلالها طريقًا لأقرر كيف أقود حياتي أنا أيضًا."

تفاجأ سيرابيون بجدّية نبرة إرنولف، ثم سعل قليلًا ليصفو صوته قبل أن يتحدث بتروٍ.

"ليست لديّ طموحات عظيمة كما تظن. بعد أن أصبتُ بالمرض، اضطررتُ للتقاعد في وقتٍ أبكر مما توقعت، لكن بفضله تمكنتُ أخيرًا من فعل أشياءٍ لم أستطع القيام بها من قبل."

على طاولة العمل، وُضع في الزاوية نموذج لعبةٍ لم تكتمل بعد.

مدّ سيرابيون يده يعبث بها وهو يتابع كلامه.

"هذا العالم قاسٍ جدًا على الضعفاء. ما حدث في غابة الذئب الرمادي… تراه يتكرر كثيرًا حتى في القرى البشرية. أصحاب القوة يدوسون من لا قوة لهم، يستغلونهم، بل وأحيانًا… يقتلونهم أيضًا."

في تلك اللحظة، كان وال يسير مع كازار باتجاه ورشة الكيمياء، وحين سمع كلمات سيرابيون تتسرب إلى أذنيه، عادت إلى ذهنه مشاهد ذلك اليوم الدامي… يوم المجزرة.

واصل سيرابيون حديثه بصوتٍ مفعم بالحزن.

"حتى عندما يموت المرضى والفقراء جوعًا، تبقى موائد أصحاب المال عامرة دائمًا."

في تلك اللحظة، كان إلسيد متوجهًا إلى الورشة لشحن جهاز الإنذار، لكنه توقف عند سماع كلمات سيرابيون.

"في أيدي الأقوياء، يفقد الأطفال آباءهم، ويفقد الآباء أبناءهم، ومع ذلك، لأن الضعفاء بلا قوة ولا مال، يتجاهل الجميع آلامهم، وكأن معاناتهم أمر طبيعي ومستحق."

عندما سمع كازار تلك الكلمات، تذكّر وجه والديه وهما يصرخان عندما كان يُساق على عربة تجار العبيد مبتعدًا عن المحجر.

قبض يده لا إراديًا، وشعر بحرارة تتصاعد في صدره.

"أريد أن أساعدهم… لا، كلمة مساعدة ربما كبيرة جدًا. أريد فقط أن أعيش وأنا أُوليهم اهتمامي. أن أشارك طعامي مع الجائعين، وأن أعتني بالأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية، وأن أخفف عن المسنين والمرضى متاعبهم. حتى لو سخر مني الناس وقالوا إن ما أفعله لا فائدة منه، فهذا ما يجعل قلبي في سلام."

كان سيرابيون يحلم بعالمٍ يعيش فيه القوي والضعيف معًا، يتبادلان الاحترام والرعاية.

لكن حين عبّر عن هذا الحلم، لم يكن هناك أحد لم يسخر منه.

لذلك، لم يعد يحمل آمالًا عظيمة، بل تحدّث ببساطة وصدق.

"اليوم، رغم أن الفرن القديم لم يكن يسخن جيدًا، نجحت في خبز التارت كما أردت تمامًا. كنت أظن أن ذلك أفضل ما فعلته اليوم، لكن يبدو أنني كنت مخطئًا. فأنا سعيد حقًا لأنني تحدثت معك الآن."

أصبح إرنولف يرغب في ضمّ سيرابيون أكثر من أي وقتٍ مضى.

لقد أيقن أن هذا الرجل بالذات هو الشخص الذي يحتاجه هو وكازار بشدّة.

وعندما كرر رغبته في أن يتقاسم معه المعرفة، أجاب سيرابيون بحرجٍ واضح.

"بالمعرفة الثمينة التي ستمنحني إياها يا مولاي، قد لا أصنع سوى أشياء بسيطة... مثل الألعاب. هل سيكون ذلك مقبولًا بالنسبة لك؟"

"إذن، اصنع لي واحدة أنا أيضًا. أود أن أحتفظ بها كتذكار."

تفاجأ سيرابيون من رده غير المتوقع، لكنه سأل مجددًا بنبرة أكثر جدية.

"أنا مجرد مواطن عادي يا مولاي. إن قرر الحاكم الجديد استخدامي بطريقة مختلفة، فلن يكون لي خيار سوى الطاعة. هل ستعلّمني علمك رغم ذلك؟"

قضى سيرابيون عمره يُساق من ساحة حربٍ إلى أخرى، يصنع الأسلحة التي يستخدمها اللورد والفرسان، ثم نُقل إلى المؤخرة ليسهم في تحويل غابة الذئب الرمادي إلى منجم.

ولم يكن أيٌّ من ذلك بإرادته.

"همم... هذه نقطة لا يمكن تجاهلها."

كان كلام سيرابيون وجيهًا، فكي تُستعمل قدراته على نحوٍ صحيح، لا بد من وجود بيئة تسمح بذلك.

وبينما كان إرنولف يلمس ذقنه ويفكر في حلٍّ مناسب، ظهر كازار فجأة وقال بصوتٍ عالٍ.

"لا تقلق، الحل بسيط. سأستولي أنا على أراضي ديتوري."

"هاه؟"

"هاها، يا صديقي، ماذا تعني بأنك ستستولي على أراضي ديتوري؟"

وفي تلك اللحظة، قفز رايان من خلال النافذة، متجاهلًا الباب تمامًا وقال بابتسامة ماكرة.

"أتعلم أن هذه الأرض كانت في الأصل ملكًا لعائلة نونيمان؟ وعندما لا يكون هناك وريثٌ يرث اللقب، فإن الإقطاعية تعود تلقائيًا إلى السيد الأعلى، أليس كذلك؟"

"بالطبع أعلم ذلك."

"تعلم… إذًا لمَـاذااا؟"

مدّ رايان صوته الأخير وهو يمدّ يده إلى سيفه المعلّق على خصره.

لكن كازار ضغط بقوة على يده التي تمسك بالمقبض، مبتسمًا ببرود.

كانت الهالة السحرية تتراقص حول أيديهما، بينما ارتجف السيف بين قبضتيهما المتوترة.

2025/10/16 · 77 مشاهدة · 1714 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025