الفصل 99: الأسطورة الحية (1)

لو قال أحدهم إن للنار وزنًا لضحك الجميع، لكن اللهيب الذي ينفثه فولكانودون كان ثقيلًا حقًا.

فهو يفرغ مع ألسنة النار طاقة هائلة مسحوبة من نواة الوحش.

ولهذا كان على إرنولف أن يتحمل ضغطًا يشبه سقوط شلال ضخم يطبق عليه، مترافقًا مع نيران قادرة على إذابة الصخور.

لكن للأسف… لم يكن هذا وحده ما يعذبه.

"كرااااا!"

فولكانودون الغاضب يهاجم بلا توقف، مما اضطر إرنولف إلى إبقاء درعه السحري مفعّلًا دائمًا، وفي الوقت نفسه يكسو جسده بسحر السرعة دون انقطاع.

"لمسة النسيم (Breeze Touch)!"

وباستعمال ضغط هواء قوي، أطلق إرنولف جسده إلى الخلف، وفي اللحظة نفسها مرّت فَكَّا فولكانودون القاتلان على الفراغ الذي تركه.

ومع كل درجة يخطوها إلى الأعلى، كان ينجو بأعجوبة من أن يُصدم بجسم الوحش، أو يُمزق بمخالبه، أو يُفترس بين أنيابه.

'الوضع سيئ… لكن لحسن الحظ، قلب المانا البائس الذي كان عندي صار أقوى مما كان.'

لقد تجاوز حدوده مرارًا وتكرارًا، وبفضل ذلك تحسّنت كفاءة قلب المانا كثيرًا.

وبات بإمكانه الآن توليد درع سحري أقوى بكثير من السابق.

وهذا وحده… كان الحظ الوحيد الذي يحالفه وسط هذا الجحيم.

'اقتربتُ من الباب الأوسط!'

ألقى إرنولف نظرة سريعة نحو الباب الأوسط المختوم في أعلى الطريق.

حين أراد أن يُجلي رفاقه إلى الطابق الخامس، كان قد أمر وال بأن يعيد ختم الباب بعد عبوره.

فقد كان الهدف هو حبس فولكانودون داخل الممر، لكسب الوقت حتى يتمكن كازار من الوصول إلى سيف الرماد.

لكن الآن، بعد أن لم يعد هناك داعٍ لحبس الوحش داخل الممر، صار الباب المختوم عائقًا كبيرًا أمام إرنولف.

فهو مضطر في الوقت نفسه إلى الحفاظ على الدرع السحري، وتفعيل سحر السرعة بلا انقطاع، وفكّ الختم أيضًا.

'إن تزامنَ وقت إعادة تفعيل سحر السرعة مع وقت فك الختم… ستكون مشكلة. يجب أن أُحسن ضبط التوقيت.'

اقتربت أنياب فولكانودون، مولدةً عصفًا من الرياح وهي تخترق الهواء.

"لمسة النسيم (Breeze Touch)!"

وفي لحظة حرجة أطلق إرنولف سحر السرعة، فانطلق جسده كالرصاصة نحو الأعلى.

ومدّ يده اليمنى بسرعة نحو الباب المختوم الذي بات يقترب منه أكثر فأكثر.

وفي الوقت نفسه، اندفع فولكانودون بجسده الضخم كالصاعقة، مهاجمًا بسرعة مرعبة.

وحين أوشكت رأس الوحش الهائلة على الاصطدام، انخفض إرنولف بجسده بسرعة.

فووووش––!

مرّت فكوك فولكانودون المشتعلة باللهب فوق رأسه مباشرة.

كاد رأسه أن يُقطع في لحظة، لكنه لم يجد وقتًا لالتقاط أنفاسه أو حتى للشعور بالارتياح.

'الباب… بسرعة!'

حين حاول إرنولف أن يفتح الختم مرة أخرى، هاجمه فولكانودون من جديد.

كان الآن محاصَرًا عند الباب، لا يستطيع التقدم ولا التراجع، فكانت تلك فرصة ذهبية للوحش الذي لم يتوقف عن الهجوم لحظة واحدة.

"أحتاج ثلاث ثوانٍ فقط، أحدكم يشغل هذا الوحش قليلاً!"

صرخ إرنولف بانفعال بعد تكرار فشله، ثم سرعان ما عضّ على شفتيه وأجبر نفسه على الصمت.

كيف يُلقي العبء على غيره وهو بنفسه من أمر رفاقه بالانسحاب؟

'أنا من قرر أن أعطي كازار سيف الرماد، وأنا من جرّ الجميع إلى هنا. إذن يجب أن أكون أنا من ينهي الأمر!'

تماسك إرنولف، ثم ركّز عزيمته.

في يده اليمنى هيأ تعويذة للدفاع، وفي الأخرى استعد لتفعيل تعويذة فكّ الختم.

'هذه المرة… لابد أن أنجح!'

وفي اللحظة التي اندفعت فيها أنياب فولكانودون الحادة نحو الأمام، لتصطدم بالدرع السحري، انفجر ضوء أزرق قوي من أسفل الدرج.

"كرااااه!!"

زمجر الوحش، وقد كان على وشك أن يفتك بإرنولف، لكنه فجأة ارتج جسده العلوي بعنف، ثم سحب رأسه للخلف ملتفتًا إلى الأسفل.

"أيها الحقير! هل تريد أن أقتلع عمودك الفقري من دبرك؟!"

ترددت شتيمة مخجلة، تبعتها أصوات مدوية:

ارتطام جسد الوحش الغاضب بالجدار، واحتكاك الحديد بالقشور الصلبة، وصليل حادّ كاد أن يمزق طبلة الأذن.

"كرااااه!!"

"مُــت!"

كلما انتفض فولكانودون بعنف، كانت ظلال ضخمة تضطرب داخل الممر.

استغل إرنولف انشغال الوحش وهو يحاول الانقضاض على كازار، فسارع إلى فكّ ختم البوابة الوسطى. ثم صرخ بكل قوته نحو الأسفل:

"كازار! من الصعب القتال هنا!"

"أعرف… تقصد أن نصعد إلى الطابق الخامس، صحيح؟"

كان كازار ينطلق بسرعة هائلة، مستعينًا بكل ما تطاله قدماه من جدار أو سقف أو حتى جسد الوحش نفسه، ليتجه نحو موقع إرنولف.

لكن فولكانودون حاول أن يسحقه، فارتج جسده المديد واهتز بقوة وهو يلوّح ليقطع عليه الطريق.

فأطلق إرنولف رمحًا جليديًا هائلًا استقر في رأس الوحش، ليغطي تقدم كازار.

"كــووااه!"

زمجر فولكانودون بألم، ثم حوّل هدفه من كازار إلى إرنولف.

"انزلاق الصقيع! (Frost Glide)!"

فعّل إرنولف سحر السرعة بخاصية الجليد، فانسحب من مكانه في اللحظة المناسبة. جسده انزلق بسرعة البرق فوق طبقة من الجليد انتشرت على الأرض كالسجادة.

وفولكانودون يطارده مباشرة من الخلف، فيما كان كازار يقفز بلا توقف بين أرضية الممر وسقفه، ليلحق بهما من قريب.

انغمس الاثنان في اختراق الممر بينما يلفّ جسديهما لهيب فولكانودون الأزرق والرياح العاتية التي أثارها.

***

كوواانغ! كووونغ! كوااااه!

كان إلسيد ورفاقه ملتصقين بالجدار، يكتمون أنفاسهم وهم يصغون إلى المعركة الدائرة بين إرنولف وفولكانودون.

الممر بأكمله كان يهتز كأن زلزالًا قد ضربه، وزئير الوحش المروّع كان يصمّ الآذان كأنه سيمزّق طبلة الأذن. لكن بعد دقائق، بدأت الأصوات تتضاءل شيئًا فشيئًا، وساد الصمت أرجاء المكان.

ما بقي في الممر هو فقط الحرارة الجحيمية التي خلّفتها نيران فولكانودون، وصوت ابتلاع ريقٍ متوتر من حين لآخر.

"هل.. هل انتهى الأمر؟"

كسر إلسيد الصمت بصوت مرتجف. كان لا يزال محمولًا على ظهر ألبرت، استعدادًا للهرب بسرعة إن استدعى الأمر.

"ليس بعد… يبدو أنهما صعدا إلى الأعلى."

قال جيفروي وهو يشير بأصبعه نحو الأعلى. لقد تلاشى صخب فولكانودون في البعيد، لكنه همس بخوف، غير مطمئن بعد.

"لقد عالجت جراحه، لكنه لم يستعد كامل طاقته… ماذا ينوي أن يفعل بمفرده؟"

"إنه ليس وحده."

تدخل وال وهو جالس القرفصاء، ملصقًا أذنه بالجدار يصغي بانتباه.

اتسعت عيون الجميع بقدر حجم قبضات اليد بعد سماع كلام وال.

"لا يمكن…!"

"هل… هل تقصد أن كازار قد جاء؟!"

"كازار هنا حقًا؟!"

صرخوا جميعًا في آن واحد.

بفضل كونه نصف مستذئب، تمتع وال بحواس تفوق البشر، ولذلك استطاع أن يميّز نداء إرنولف لكازار من وسط ضجيج المعركة.

"نعم."

أجاب وال بثقة وهو يومئ برأسه.

"نجونا… أخيرًا."

قال جيفروي وألبرت معًا قبل أن تنهار قواهما ويسقطا جالسين على الأرض من شدة الارتخاء. ارتطمت أردافهما بالأرض بقوة، لكن حتى إلسيد لم يشتكِ أو يتذمر هذه المرة.

"حين يتحد التوأمان، حتى لو كان الخصم تنينًا أو ما هو أعظم… فلن تكون حياته سوى كحياة ذبابة."

"صحيح."

وافقه ألبرت بحماس، لكن عندها سخرت هيلفينا وضحكت باستهزاء.

"أتظنان أن الأمر سيكون بهذه السهولة؟"

فور سماع كلامها، حدّق جيفروي وألبرت إليها بعيون غاضبة تكاد تخرج شررًا.

"هل نسيتِ ما فعله التوأمان حين أسقطا باراغول؟"

"أجل! لكنك كنت مختبئة في الزاوية ترتجفين بجانب كاسيون، لذلك لم ترَي شيئًا، أليس كذلك؟ يا أخي!"

"صحيح، إذا كنتِ تعلمين كم هو مخزٍ موقفكِ، فالأفضل أن تُطبقي فمكِ. لا أحد هنا يرغب بسماعكِ، فلا تتدخلي فيما لا يعنيكِ."

كان جيفروي لطيفًا مع الجميع، لكنه كان حادًّا مع هيلفينا وحدها. فما زال الغضب يملأ صدره لأنها حاولت تسميم أخيه. لكن من تكون هيلفينا حتى تلتزم الصمت؟ لم تكن من ذلك النوع أبدًا.

"حتى لو كانا قد استيقظا مبكرًا، فإنهم في الخامسة عشرة فقط. في مثل هذا العمر، ينبغي للمرء أن يلازم مرشده ويتعلم الأساسيات لا أكثر. هل تظن أن من الطبيعي أن يقوم متدرّب بقطع عنق تنين؟"

"ماذا تحاولين أن تقولي؟"

"أعني أن ذلك لا يكون ممكنًا إلا على يد بطل أسطوري… أي شخصٍ استيقظ بقوته الذاتية."

كان وقع كلماتها أشبه بصدمة هائلة ضربت عقول الجميع.

فالتنين ليس مخلوقًا يسهل اصطياده. حتى لو اجتمع عدد من السحرة رفيعي المستوى مع عدة محاربين من رتبة سيد، فلن يكون القضاء عليه أمرًا هينًا.

فكيف إذًا بمتدرّب لم يتجاوز الخامسة عشرة أن يهزمه؟ لو كان الأمر صحيحًا، لكان كما قالت هيلفينا، حدثًا يستحق أن يُسمّى أسطورة.

"هل من الممكن فعلًا أنهم استيقظا من دون أي مرشد؟"

"إذن… علينا أن نصدق أيضًا أنهم تعلّموا السيف والسحر بأنفسهم؟"

"كيف يكون ذلك ممكنًا؟"

"غياب المرشد يعني أنه لم يكن هناك معلّم يرشدهم أصلًا، يا أخي."

وإن كان التوأمان قد تمكّنا فعلًا من قتل تنين، فلن يكون أمام الجميع إلا تصديق هذه الحكاية التي تتجاوز الخيال. وهكذا، تحوّلت كل الأنظار نحو وال الجالس في ركن القاعة متكوّرًا على نفسه.

"وال، هل كان أساتذتك حقًا عبيدًا في المناجم؟ وهل استيقظا بمفردهم ليتعلموا فنون السيف والسحر؟"

تردد وال قبل أن يجيب. كان من الصعب عليه القول إن كل ما قاله إرنولف لم يكن مجرد مزحة، بل حقيقة.

"تحدث، وال. هل كان كل ما قاله إرنولف صحيحًا آنذاك؟"

"أه…"

حاول وال أن يجيب دون تلعثم، فأجاب ببطء:

"سواء كان صحيحًا أم لا، أليس الأهم الآن أن نتمنى أن يتمكّن الاثنان من هزيمة التنين؟ وإلا، فسنلقى حتفنا جميعًا."

"صحيح… الآن ليس الوقت للمجادلات حول هذا."

بعد سماع إجابة وال، تدخل إلسيد وقال:

وبعد ذلك جمع يديه وبدأ بالصلاة:

"يا نور العظمة الذي يبدد الظلام، تبقى لنا اليوم فرصة واحدة فقط لاستخدام تعويذة الشفاء. اجعل إصابة التوأمين محدودة لدرجة أن تعويذة واحدة تكفي لتعافيهم. وإلا، فسيقوم كازار بتعذيب خادمك المسكين حتى الموت."

توقف إلسيد عن الصلاة لبرهة وفتح عينيه، وحثّ الأخوين على الصلاة أيضًا:

"لسنا من أتباع فيستا، لكن لا يهم من يكون موضوع الصلاة، المهم أن نصلي بصدق ليعود الاثنان سالمين بعد انتصارهما."

عند سماع ذلك، جمع وال يديه بسرعة وبدأ يصلي متوجّهًا إلى رون هارت، حامي ضوء القمر وحاكم الذئاب، طالبًا منه حماية كازار وإرنولف.

كانت حركته غريبة بعض الشيء، لكن جيفروي وألبرت جمعا أيضًا يديهما وتمنيا بصدق.

"مع ذلك، أنا الابن الأكبر، ومن الظلم أن أموت دون أن أتزوج مرة واحدة. أرجو أن أخرج من هنا حيًا."

"انتصرا، يا توأمان."

بعد أن ألقت نظرة على الرجال الذين يصليون بجدية، قامت هيلفينا بسرعة وجمعت يديها هي الأخرى في صمت.

"يا تنين… كازار، ذلك الشخص الذي يحمل السيف هناك؟ حتى لو مت، التهم له طرفًا أو طرفين قبل أن تموت."

توجه وال وإلسيد وجيفروي وألبرت وهيلفينا كلٌ بطريقته، إلى الأعلى، على أمل أن تتحقق صلواتهم. لكن كل ما كان في سقف الممر هو الظلام الكثيف الأسود.

***

عندما وصلوا إلى الطابق الخامس، أصبح تحرّك فولكانودون أكثر نشاطًا. حلق الوحش بقوة مهيبة، وبفتح فمه التهم ما استطاع من قطع فلاما المتقدة، ثم ألقى الصخور المحترقة نحو إرنولف. ارتطمت جثث فلاما، التي هي عبارة عن تماثيل صخرية، بدرع إرنولف مثل البرد.

بعد أن ألقى جثث فلاما، أطلق رياحًا عنيفة وقفز في الهواء. ثم دار دورة كاملة، وسرعان ما هبط مباشرة نحو إرنولف.

كان إرنولف منهكًا بسبب آثار كونه محاربًا مسعورًا، متمايلًا ومتعبًا. ومع ذلك، حاول أن يرفع جسده المرتجف بقوة، لكن كازار جاء مسرعًا ووقف أمامه.

فوووووواااااك!

توقف فولكانودون عن السقوط وأطلق نيرانًا نحو كازار وإرنولف. قبل أن تغطي النيران جسد كازار، ظهر أمامه ستار ذهبي. عندما حاول كازار نشر درعه، كان السيف هو الذي أنشأ هذا الدرع.

"هاه، هذه وظيفة جيدة."

تنهد كازار بهدوء. شعر أنه حصل على سلاح أفضل مما توقع.

2025/09/18 · 187 مشاهدة · 1680 كلمة
queeniie377
نادي الروايات - 2025