كان الهواء في الحديقة عليلًا لكن أسيل لم يستطع التخلص من القلق الذي تملكه منذ استيقاظه حتى الآن لا يزال بإمكانه رؤية لمحة من عيني الإمبراطور الذهبية وهو ينظر إليه وكأنها لم تكن مجرد بقايا حلم بل ذكرى حقيقية عالقة في ذهنه

وصل إلى ساحة التدريب مجددا حيث كان آثر لا يزال هناك يتنفس بصوت مسموع بينما يتفادى ضربات أحد الفرسان المخضرمين كان من الواضح أن التمرين قد استمر لفترة طويلة لكن آثر لم يظهر أي علامات تعب كل حركة كانت محسوبة كل خطوة كانت دقيقة وكأنه ينسج معركته الخاصة بعناية

قرر أسيل أن يراقب بصمت لكنه لم يستطع منع نفسه من التقدم أكثر بحماس عندما انتهى التدريب التقط آثر منشفة ومسح العرق عن جبينه قبل أن يلتفت إليه

"كنت تشاهد منذ فترة طويلة" قال بصوت هادئ لكنه حاد

أسيل ابتسم واقترب بخطوات سريعة عينيه تلمعان بحماس وهو يقول "كنت رائعًا جدا أخي!!"

لم يُظهر آثر أي تعبير محدد لكنه ألقى بالمنشفة جانبًا واقترب منه ثم لدهشه الجميع رفع يده ومسح على رأس أسيل بلطف

ساد الصمت للحظة وتوقفت أنفاس الفرسان المتدربين آثر الدوق الأصغر الذي لطالما كان حادًا وباردًا وقاسيًا دائما يظهر هذا النوع من اللطف؟ كان المشهد صادمًا بالنسبة لهم لدرجة أن بعضهم تبادل النظرات وكأنهم يشككون في واقعية ما يحدث

أما أسيل فقد استمتع بالإيماءة الدافئة مغمضًا عينيه للحظة وكأنه قط صغير يستمتع بالاهتمام لكنه لاحظ النظرات المتجمدة للفرسان من حوله رغم أنه لم يفهم السبب تمامًا فقرر تجاهل الأمر ببساطة

آثر لم يعلّق على ردود الفعل من حوله لكنه قال بهدوء "أحيانًا تحتاج فقط إلى التوقف والتفكير لا أن تشاهد فقط"

ثم استدار ليلتقط سيفه مجددًا، بينما ظل الفرسان يراقبون بصمت غير قادرين على استيعاب ما رأوه للتو

جلس أسيل على أحد المقاعد الخشبية القريبة مسندًا رأسه إلى راحة يده بينما راقب آثر يتدرب بصمت في البداية كان لا يزال يشعر بالحماس وهو يراقب حركاته المنسقة وضرباته الحادة ولكن بعد مرور بعض الوقت بدأ الملل يتسلل إليه لم يكن القتال من اهتماماته الكبرى على عكس آثر الذي بدا وكأنه يعيش لأجل ذلك

أخذ يعبث بحصاة صغيرة وجدها بجانبه يقلبها في يده بينما يستمع إلى صوت السيوف المتلاقية والأنفاس الثقيلة للمتدربين رفع عينيه مجددًا نحو آثر الذي كان الآن يواجه ثلاثة فرسان في آن واحد لم يكن هناك أدنى تردد في تحركاته بدا كما لو كان يقرأ خطوات خصومه قبل أن ينفذوها

تنهد أسيل ثم تمتم بصوت منخفض "ألم ينتهِ بعد؟

لكن آثر رغم أنه كان منشغلًا تمامًا في التدريب سمع كلماته بمهارة مذهلة أنهى المنازلة بحركة سريعة حيث أطاح بسيف أحد الفرسان أرضًا بينما وضع طرف سيفه على عنق الآخر مما جعله يستسلم على الفور

تنفس آثر بعمق ثم ألقى نظرة جانبية نحو أسيل الذي كان يتكئ على المقعد بنظرة متكاسلة "إن كنت تشعر بالملل يمكنك التدرب أيضًا"

أسيل ضحك بخفة ملوحًا بيده وكأنه يرفض الفكرة تمامًا "لا لا أنا لست مهتما إطلاقا"

رفع آثر حاجبه قبل أن يقترب منه فجأة وقف أمامه مباشرة مما جعل أسيل يرفع رأسه لينظر إليه بارتباك "إن كنت تملك الوقت للملل إذن لديك الوقت لتعلم شيء مفيد" قال آثر بصوت هادئ لكنه حازم

قبل أن يتمكن أسيل من الرد أمسك آثر بمعصمه وسحبه إلى الساحة

"آثر! لا أريد القتال!" اعترض أسيل محاولًا الإفلات لكن يد آثر لم تزعزع حتى

لكن آثر تجاهل احتجاجاته ووضع سيفًا خشبيًا في يده "لا يتعلق الأمر بالقتال بل بالقدرة على الدفاع عن نفسك" قال بجدية

نظر أسيل إلى السيف في يده ثم إلى آثر متنهداً بتعبير مستسلم كان بالكاد يستطيع حمل السيف الخشبي بين يديه

ابتسم آثر بخفة ابتسامة بالكاد تُلاحظ قبل أن يأخذ وضعية الاستعداد

"سنرى ذلك"

بدأ التدريب وكما كان متوقعًا فشل أسيل فشلًا ذريعا لم يكن قادرًا حتى على الإمساك بالسيف بشكل صحيح وكان رد فعله بطيئًا لدرجة أن آثر بالكاد اضطر للحركة لتجنب ضرباته العشوائية بعد عدة محاولات يائسة انتهى به الأمر بالتعثر على قدميه محاولًا التراجع لكنه فقد توازنه تمامًا وسقط أرضًا

لحسن حظه لم تكن السقطة مؤلمة جدًا... أو هذا ما ظنه حتى شعر بوخزة حادة في أنفه رفع يده بسرعة ليتحسس وجهه ليكتشف أن الدم بدأ ينزف منه

اتسعت عينا آثر على الفور واندفع نحوه راكعًا بجانبه "أسيل! هل أنت بخير؟" سأله بقلق وهو يرفع وجهه ليفحصه عن قرب

أسيل الذي كان مذهولًا أكثر من كونه متألمًا طرف بعينيه مرتين قبل أن يجيب بتلعثم "أ-أعتقد أنني سقطت بطريقة خاطئة..."

زفر آثر بضيق ثم أخرج منديله بسرعة وضغطه برفق على أنف أسيل "أحمق كان عليك أن تنتبه أكثر"

نظر أسيل إليه بصمت للحظة ثم ابتسم بخفة رغم الألم "ألم أقل لك أنني لست بارعًا في هذا؟"

تنهّد آثر وأدار عينيه بعيدًا لكنه استمر في الضغط على المنديل بحذر مما جعل أسيل يشعر بدفء غير مألوف رغم الموقف المحرج الذي وجد نفسه فيه

أخذ آثر نفسًا عميقًا وأخرج المنديل بحذر من أنف أسيل عندما نظر إليه لم تكن عينيه تعبيرًا عن الغضب بل عن شيء آخر شيء يشبه القلق غير المتوقع

"أنت بخير؟" سأل صوته أقل قسوة مما كان عليه في البداية

أسيل الذي لا يزال يشعر بألم بسيط في أنفه أومأ برأسه بتثاقل "أعتقد... نعم سأكون بخير"

لكن آثر كان قد أدرك أنه لم يكن مجرد الألم هو ما كان يؤثر على أسيل كان ذلك الشعور بالضعف بأن الأمور ليست كما يريدها دائمًا كان أسيل يكره الفشل وكان يكره أن يظهر ضعيفًا أمام الآخرين خصوصًا أمام آثر

"انظر امم.. لا يعني ذلك أنك فشلت" قال آثر وهو يمد يده ليضعها على كتف أسيل بطريقة غير متوقعة "أنت فقط بحاجة إلى المزيد من الوقت"

أسيل نظر إليه ثم هز رأسه بحيرة "لكنني... لم أستطع حتى حمل السيف بشكل صحيح"

"السيف ليس كل شيء" قال آثر ببساطة وهو يبتسم ابتسامة صغيرة لأول مرة "المهم هو أن تفهم أنك لا تستطيع أن تصبح قويًا بين ليلة وضحاها كل خطوة صغيرة تساهم في شيء أكبر لا تستسلم"

أسيل نظر إلى السيف الخشبي في يده وعينيه كانت تلمع بتردد

"هل حقًا تعتقد ذلك؟"

آثر أومأ برأسه "نعم وأنا متأكد فقط استمر في المحاولة ستجد قوتك"

توقف أسيل للحظة ثم ابتسم بحذر "حسنًا سأعطيها فرصة"

بينما كان أسيل يرفع السيف مجددًا شعر بشيء غريب يمر عبر جسده كانت قوته بدأت في الانهيار بسرعة وأصبح رأسه ثقيلًا كأن كل خطوة كانت تستهلك طاقته في لحظة مفاجئة تعثر قدمه وسقط أرضًا بشكل مفاجئ

آثر ركض نحوه بسرعة وعيناه تتسعان في صدمة وهو يراه يغلق عينيه ويفقد الوعي

"أسيل؟!" صرخ آثر لكنه لم يتلقَّ أي رد كان أسيل ضعيفًا أكثر مما كان يعتقد وأكثر هشاشة مما أظهره طوال الوقت

أسرع في حمله عينيه مشدودتين على وجهه الذي بدا شاحبًا كان يشعر بالقلق يزداد في قلبه وأخيرًا أدرك كم كان أسيل أكثر ضعفا مما كان يُعتقد

2025/03/30 · 151 مشاهدة · 1057 كلمة
Jeon
نادي الروايات - 2025