.

فيوووو

.

وصل كائن غريب إلى مدينة براغن بصمت، كما لو أنه قد انبثق من الظلام نفسه.

لم يكن هناك أي صوت أو ضجيج يعلن عن قدومه.

كما أن عيناه مظلمتين وعميقتين، تنظر إلى المدينة بترقب.

بينما كان يحوم في السماء، كان يرى المدينة من زاوية مختلفة. نشر هذا الكائن إحساسه الخاص مكتسحا المدينة ليرى مئات النقاط السوداء، وهي الأورك المتسممين الذين يعانون في صمت.

لا أحد يستطيع أن يراه، لأنه في مستوى مختلف تماما عن الأورك الهمجين أسفله . لكنه كان يراقبهم، يراقب معاناتهم ويشهد تدهور المدينة.

الكائن هو رجل عجوز، وجهه مجعد ومتجاعيد. كان لديه لحية بيضاء طويلة، تتدلى على صدره. كان يرتدي معطفًا قديمًا، ممزقًا في الأماكن، وحذاءً متعبًا. كان يحمل على ظهره عصا خشبية، تبدو أنها كانت رفيقًا له لفترة طويلة.

بعد أن مسح المدينة بعينيه العميقتين، تأمل الرجل العجوز الوحوش الخضراء المتلألئة في الشوارع المظلمة. لم يكن هناك ما يستحق انتباهه .

"لا يوجد شيء هنا"، همس الرجل العجوز لنفسه. كانت هذه المدينة مجرد محطة عابرة في خطط سيده الأكبر. لم يكن يهمه مصيرها، بل كان يراقبها فقط للتأكد من التقرير الذي حصل عليه سابقا من ملك الترولز .

" لكن ، ذلك الوحش الصغير على قيد الحياة ."

مشط العجوز لحيته و هو ينظر إلى الأورك الأحمر الذي كان يساعد الأطباء في مشفى المدينة .

لم تكن تلك النظرة مليئة بالرحمة أو التعاطف. بل كانت تعكس الاشمئزاز و الازدراء العميق، حيث رأى في هذا الوحش الأحمر الذي نجا منذ سنوات أنه شوكة في خطة سيده .

" لكنه ، سيسقط قريبا "

تمتم العجوز بهدوء تام و هو يحدق في الجيش العملاق من الترولز المتوجه لهذه المدينة .

جيش الترولز كان يتقدم بخطوات ثقيلة نحو المدينة، وكأنهم جدارًا متحركًا من الظلام.

تحركوا بجنون تام إتجاه مدينة براغن للإنتقام من زملائهم .

" كل القطع تتحرك بشكل مثالي ."

العجوز لم يلتفت إلى الجيش الذي كان يقترب، بل استمر في توجيه نظرته الحادة نحو الأورك الأحمر الذي كان يساعد الأطباء. كان الأورك يظهر وكأنه نقطة حمراء صغيرة في بحر من الظلام الأخضر.

"ستقع هذه المدينة في الفوضى قريبًا، لكنني يجب علي القيام بمهمتي الآن .." قال العجوز بصوت بارد.

" يال الحسرة ، سيدي الشاب أخبرني بعدم التدخل بتاتا في معركة الوحوش …" أضاف العجوز متحسرا و هو يحك لحيته .

" هاه ، كنت سأحصل على عينات مذهلة إذا تدخلت …"

كان يعلم أن معركة النمل أسفله لا تتعلق به بتاتا ، كل ما عليه فعله هو التأكد من تقرير ملك الترولز ثم العودة إلى القاعدة .

" سأراقب حتى نهاية هذه المعركة ثم سأغادر …" قال العجوز بوعي .

" إذا كان التقرير صحيحا ، فسيظهر الجرذ عاجلا أم أجلا …"

وهكذا، كان العجوز ينتظر في الظلام، راصدًا المعركة التي تتجه نحو الذروة، ومستعدًا لتنفيذ مهمته عندما يحين الوقت.

………

قبل بضع دقائق، داخل غرفة الضيوف الخاصة بنقابة الثعبان الأخضر، كان سامويل يجلس على الأرضية ، ينظر بتركيز إلى الخريطة البالية أمامه.

سامويل كان يعرف أنه يجب عليه الهروب من المدينة فورًا، وأن الطريقة الوحيدة للوصول إلى عاصمة الأورك بأمان كانت من خلال التخطيط الدقيق والتحرك بسرية تامة.

لقد كانت لحظة حرجة، حيث كان عليه التأكد من عدم رؤية أي أحد يشتبه به أو يعترض طريقه.

وبينما كان ينظر إلى الخريطة، تتبدى عليه ملامح قلقة.

فبعد إعلانه المغادرة ، عرف أن عليه التخلي عن كل تجهيزاته و خططه السابقة .

" سحقا "

كان يضع خطة هروب محكمة، محاولًا تجنب أي مشاكل أو مفاجآت غير مرغوب فيها.

" حسنا "

بعد لحظات من التفكير العميق، وضع سامويل الخريطة جانبًا في خاتمه المكاني وانتعل قناعا أسودا على وجهه للتحضير للخروج. كان يدرك أنه لا يمكنه التأخير، وكان عليه الآن البدء في رحلته الآن نحو عاصمة الأورك لتحقيق هدفه .

[ طارئ . إستدعاء وضع الإختفاء . الوقت المتبقي : ساعتين]

" ه-هذا !"

في نفس الوقت الذي ظهر فيها الإشعار الأول من النظام ، ظهرت العديد من إشعارات النظام ، مما جعل سامويل يشعر بالقشعريرة في جسده .

[ أيها المضيف ، المرجو الهروب من المدينة حالا .]

[ أنت لا تملك الوقت حاليا ، سأستطيع حمايتك فقط لساعتين من الكشف .]

[ مهمة طارئة : عليك الهروب حالا . المسافة المطلوبة : 0/20km عن مدينة براغن ]

" هل هو عدو قوي للغاية ؟"

لم يتأخر سامويل في الحصول على فكرة عن وضعه الحالي . لن يتحرك النظام هكذا إذا لم يكن الخطر شديدا على حياته .

[ نعم . العدو قوي للغاية . إنطلاقا من كاشفاتي ، العدو يتجاوز حتما فئة سحرة النجوم .]

" سحقا "

المرحلة التالية بعد سحرة النجوم هي مرحلة سحرة الشمس .

سحرة الشمس هم كارثة قارية يملكون قوة مطلقة لا تقارن بسحرة النجوم .

إذا قارن شخص ما بين ساحر نجوم و ساحر شمس فإن الفرق كأنه يقارن اليراع مع القمر .

" ساحر شمس "

بعد معرفته بأن عدوا مجهولا يتربص في الأنحاء ، شعر سامويل بالتوتر الشديد .

[ غادر حالا ]

" أعلم ، لقد كنت سأغادر على الفور على أية حال ."

أومأ سامويل برأسه موافقا كلام النظام .

" أظن أن هذا نهاية علاقتنا يا فيجي ."

إبتسم سامويل بمرارة و هو يخرج مجموعة من أحجار المانا من خاتمه المكاني .

تتراوح جودة هذه الأحجار بين جودة منخفضة و متوسطة .

وكان الاتفاق الذي تم بينه وبين فيجي يعتمد على تقديم المساعدة له للوصول إلى معبد الأورك في غضون عام، مقابل تقديم أحجار المانا.

لكن ، إذا فشل الأمر فسيمنح سامويل فقط نصف الكمية للأورك الأحمر .

فقد إتضح من خلال تواصلهم المستمر طيلة نصف العام السابق أن الأورك يسمون أحجار المانا بجوهرات الطاقة و هي نادرة جدا في هذا العالم .

فالأورك يروجون لأحجار المانا كجواهر ثمينة. وقد أدرك سامويل أهمية هذه الجواهر في تعزيز ، تطوير الأورك ورفع مستواهم بشكل كبير، مما جعله يستغل الأمر لمصلحته.

" حسنا ، سأترك ما إتفقنا عليه وسط هذا الكيس النتن . لن يشك شخص ما في أي شيء هنا ."

وضع سامويل الأحجار في كيس الصيد الذي ظل يختبئ فيه بالسابق ثم زفر بعمق .

أخرج من خاتمه المكاني أخر مخطوطة إنتقال يملكها .

حصل في السابق على المئات من هذه المخطوطات من قبر سلفه راغنار .

لكن ، بسبب الأحداث المتصاعدة المتجلية في محاربته للدوق ماكنزي ، إيدن ثم أخيرا إنقاذه لفيجي .

نفذ مخزونه من هذه المخطوطات لسوء الحظ .

الآن ، يحمل سامويل في يده أخر مخطوطة السابقة ، كل ما عليه هو تحديد إحداثيات المكان الذي يريد الذهاب إليه .

لكن ، عيب هذه المخطوطة هو أنها تنقل المرء فقط لمسافة 50km على أبعد حد .

لهذا هاجم سامويل في إمبراطوريته فقط الإقطاعيات القريبة من العاصمة . و ذلك لكي يتمكن من إستدراج قوات الدوق إلى الإقطاعيات المختلفة ثم بعد ذلك ينتقل حلفاؤه إلى العاصمة تاركين أتباع الدوق في مهب الريح .

إستخدم حد المخطوطة في يده كأساس لخطته مما جعله في النهاية ينجح في التخلص من أعدائه .

" حسنا "

قرر سامويل الإنتقال ناحية الشرق لأن عاصمة الأورك في ذلك الإتجاه .

كما أنه لن يحدد الإحداثيات ، لأن يرغب في قطع أقصى مسافة تخولها المخطوطة في إتجاه العاصمة .

" لنذهب "

حقن سامويل المانا خاصته بالمخطوطة مما جعله يصبح شفافا شيئا فشيئا .

بينما حاول سامويل التركيز، شعر بتدفق الطاقة من جسده إلى المخطوطة في يده.

بدأت الرؤية حوله بالتلاشي تدريجياً، حيث بدأت الأشياء في التحول إلى ألوان مشوشة وأشكال مبهمة.

ومع كل زخة من الطاقة يمنحها للمخطوطة، يشعر بأن جسده يصبح أخف وزناً وكأنه يُسحب إلى داخل نفسه.

فجأة، وكأنه تم نقله إلى بُعد آخر، يجد نفسه واقفاً في مكان مختلف تماماً.

" حظا موفقا يا فيجي ." إبتسم سامويل بلطف .

لكن ، عندما نظر سامويل إلى نافذة النظام أمامه . تجمدت الإبتسامة على وجهه .

…….

" إنها الموجة الثانية كما قال البشري ."

تمتم فيجي بملامح جادة محدقا في الجيش الضخم من الترولز القادم في إتجاه مدينة براغن .

إنفجر نسيم بارد من خلال وجهه مما جعله يعطس لا إراديا .

" أعتقد أن الحل الوحيد هو الإنسحاب من المدينة .. سيلا ما رأيك ؟" فيجي فكر بهدوء ثم سأل الأورك بجانبه .

" هل علينا الإنسحاب و ترك بني جنسنا يقتل على يد الصراصير الزرقاء ؟ أنا لا أقبل ذلك …"

" لكن ، الصراصير الزرقاء أصبحت قوية جدا يا سيلا و مع الدعم المجهول الذي يقبع خلفهم من يعرف عدد الحيل التي يمتلكونها ." سخر فيجي على وضعهن الحالي و هو يحك رأسه .

" في الماضي ، لم نكن لنخاف من إستخدامهم للسم …. لكن ، الآن الأمر مختلف . وكما تعرفين لحسن الحظ لا يوجد مؤيدوا جاكسون هنا و إلا لأصبح الأمر أسوء بكثير ."

" أعلم ذلك . لكن ..-"

بملامح تحمل الحزن في طياتها ، أدارت سيلا وجهها محدقة في عيون فيجي المضطربة .

" أنا أيضا لا أرغب في الإنسحاب . لكن …"

" أخبرني صديق لي ، أنه ما الهدف من الموت موتا عديم النفع ، بينما يمكننا التراجع و الإنتقام لاحقا ."

" في البداية ، شعرت بالغضب الشديد لأنه حاول حثي عن المغادرة دون محاولة مواجهة العدو ."

" لكنني الآن فهمت المغزى من كلامه . لا يمكنني أن أدفن أحلامي هنا . هدفي هزيمة الغزاة و الإنتقام لجدي ."

" كيف رحلتي أن تقف هنا ؟!"

" هوهوهو"

ضربت سيلا بيديها على حين غرة أحد ضلوع فيجي الثرثار بقوة مما جعل فيجي يفقد توازنه لبرهة ثم قالت بسخرية شديدة .

" هوهو إتضح أنك تملك صديقا غيري . "

" بالطبع ، أملك أصدقاءا ."أجاب فيجي بوجه متألم و هو يحك إصابته .

" هل هذا صحيح ؟"

وضعت سيلا يديها خلف ظهرها و هي تبتسم بلطف لدرجة ظهور أسنانها البيضاء .

داعب النسيم شعرها مما جعل المنظر أكثر جمالا ثم أردفت .

" عرفني عليه إذا نجونا من هنا ."

" بالطبع ."

ضرب فيجي صدره بفخره و هو يجيب كأنه ديك يحاول إثارة إعجاب دجاجته .

" حسنا … حسنا ، كف عن غرابتك ."

" سيلا … سأذهب لإصلاح شيء ما . أنت ، قومي بإخلاء المدينة عبر إستعمال الأنفاق التي إستعملها العامة ."

" حسنا "

إبتسمت سيلا بدفء ثم غادرت المكان للقيام بما وكل إليها .

" أتمنى أن البشري لم يغادر ."

توجه فيجي بخطى ثابثة نحو غرفة ضيوف نقابة الثعبان الأخضر .

شعر بالأسف في وقت سابق لصراخه على البشري الذي لم يكن يحاول إلا مساعدته .

كره فيجي الإعتراف بالأمر .

لكنه ، أصبح نوعا ما متعلقا بذلك البشري الغريب .

" أيها البشري "

" أيها البشري "

" أيها البشري "

نادى فيجي بصخب سامويل بعد دخوله لغرفة الضيوف .

كلما نادى أكثر كلما أصبحت ملامحه أسود .

و بعد ثواني عديدة ، إعترف فيجي بالأمر و خيبة أمل كبيرة تعتلي وجهه الأحمر .

" لقد غادر حقا ، و …"

إستشعر فيجي مصدر طاقة هائل من وسط كيس الصيد النتن و الملطخ بالدماء .

" ..ترك جواهر الطاقة لي ."

.

.

السلام عليكم

رمضان كريم

الإخوة حاليا أنشر روايتي بالإنجليزية في موقع webnovel .لذلك توقفت عن النشر هنا .

2024/03/13 · 112 مشاهدة · 1763 كلمة
....وحيد
نادي الروايات - 2024