.

في قلب ساحة المعركة المظلمة، حيث تتقاطع الأشجار الميتة وتتساقط أوراقها البنية تحت أقدام الوحوش، كانت مطاردة الأورك للترولز تحمل بين ثناياها روح الدمار والفوضى.

الهواء مليء بنيران الحرب وصرخات الوحوش، مما يجعل الغيمة الكثيفة تظلل الأرض الملوثة بالدماء.

لم يهتم الأورك بقدرة الترولز على التجديد .

يمكن للمرء أن يرى جمود ملامح وجوههم وعيونهم الحمراء المتوجهة بشكل لا هوادة فيه نحو الفريسة. كانت الوحوش الضخمة الخضراء تطارد أعداءها بخطى ثقيلة، ممسكة بأسلحتها الحادة التي تلألأ.

فبفضل فيجي ، إرتفعت معنويات الأورك إلى أقصى حد . بينما إنخفضت معنويات الترولز للحضيض بعد موت قادتهم .

بدأت المطاردة بوحشية فائقة، حيث اندلعت معارك دموية قاسية في كل مكان .

كانت الأورك تهاجم بعنف ، يقطعون الهواء بفروسياتهم الحادة ويرفعون صرخات همجية تمتزج مع زفيرات الترولز المتألمة.

الترولز، برغم قدرتهم الفريدة على التجديد، وجدوا أنفسهم في مأزق لا هوادة فيه.

" أقتلوهم …"

" كيوك ، أبيدوا الصراصير الزرقاء ."

" هناك صراصير في ذلك الإتجاه ."

" سأهتم بالأمر …"

" هنااااك ..!!"

يمكن سماع صراخ الأورك الصاخب و الهمجي في كل مكان و هم ينسقون مع بعضهم البعض لإبادة ما تبقى من أعدائهم .

في وسط زحمة المعركة وفوضى الصراخ، يمكن للمرء أن يرى مجموعة صغيرة من الأورك تتحرك بهدوء، تحت قيادة أورك ضخم يسمى جايمس.

يظهر جايمس بشكل مميز بين الأورك، ليس فقط بسبب براعته في القتال، ولكن أيضًا بسبب حبه لجمع غنائم الحرب.

يرتدي جايمس درعًا مصنوعًا من قطع معدنية مأخوذة من الأعداء الذين هزمهم، مما يعكس ذوقه في الإنتقاء. كما على رأسه توجد خوذة تحمل ندبًا من معارك سابقة .

تحرك جايمس بكل ثقة بين الأورك، يحمل في يده سيفًا مزخرفًا برموز من أمجاده السابقة. لا يتوانى عن جمع الأسلحة المختلفة متجاهلا الأورك الأخرين .

" إنه جايمس مرة أخرى …"

" يستغل الفرصة مرة الأخرى .."

" لنتجاهله ، أنت تعرف من يدعمه .."

" كيوك ، سحقا ."

سيطر جايمس على المشهد ببرودة فائقة، بحيث تجاهل زملاءه بسخرية، وكأنه يعتبر نفسه أعلى وأفضل بينهم.

رفع رأسه بفخر و نظر إلى الأورك الآخرين بنظرات استفزازية، كما لو أنه يتحداهم للتحدث إليه أو التفوق عليه.

"جايمس لا يعتبر أحدًا سوى نفسه،" همس أحد الأورك بانتقاد، وهو يحمل آلة حادة في يده، لكنه تردد في مواجهة جايمس مباشرة بسبب الدعم الذي يملكه وسط الأورك .

كلما جمع جايمس غنائم الحرب أكثر، كلما أثار استياء الأورك الآخرين .

" حمقى ."

نظر إليهم جايمس بنظرة تعبيرية تختزل اعتقاده في تفوقه وعظمته، مما أشعل نيران الحقد بين الصفوف.

" أوه ، هذا سيف ممتاز جدا . أظنه كان ملكا لأحد قادة الصراصير. لكنه لي من الآن فصاعدا هوهوهو ."

فجأةً، وفي لحظة غير متوقعة، شعر جايمس بتأثير غريب ينتاب جسمه.

بدأ الألم بالتسلل إليه كنار من الدبابيس يخترق كل خلية في جسده، مما جعله ينكمش وجسمه يرتعش.

ظهرت على وجهه ملامح الصدمة والرعب، حيث تغيرت ألوان بشرته إلى درجات باهتة وبدأت عيناه تفقد تألقها السابق.

تحولت ابتسامته الساخرة إلى تجاعيد الألم، وصوته المهيب أصبح يترنح متأثرًا بالألم المتزايد.

كل كوة في جسده بدأت تشعر بالحرقة، وبدأ النعاس والإعياء يسيطران على وعيه.

في هذه اللحظة، شاهد الأورك المحيطون هذا التحول المروع، وأصيبوا بالذهول والخوف.

" أرغ "

بدأوا يشعرون بألمٍ مماثل، وكأن الشيء الذي أصاب جايمس بدأ ينتقل إلى أجسادهم أيضًا.

"ماذا حدث؟!" صاح أحدهم، وهو يتأوه من الألم.

"يبدو أن جايمس تم تسميمه، والسم ينتقل إلينا!" صرخ آخر بدهشة.

" إنه سم … أرغ "

في هذه اللحظة، بدأوا يشعرون بالدوار والغثيان، وكأن أنوار المعركة أصبحت أكثر إشراقًا وثقلًا.

التسمم إنتشر بسرعة في أجسادهم، مما جعلهم يفقدون توازنهم ويسقطون أرضًا، مع كل منهم يعيش كوابيسه الخاصة.

كانت صرخات الأورك تملأ الهواء، والذعر يسيطر على الساحة المظلمة التي كانت قبل لحظات مقررة للمعركة. تسارع انتشار السم بين أفراد الأورك، حيث بدأوا يعيشون لحظات من العذاب الشديد.

"إنه سم غريب!"

صرخة أحد الأورك كانت كفيلة بنقل الفزع إلى قلوب الآخرين. الألم المتزايد جعلهم يتأوهون ويتمايلون على الأرض، محاولين فهم الأمر .

"بلغوا القائد!"

صرخ آخر بينما كان يحاول النجاة من تأثير السم الذي انتشر في جسمه بشكل سريع. الهمسات اليائسة تملأ المكان، والفزع يرتسم على وجوه الأورك المتضررين.

"أنقذوني…"

صرخة مكتومة تنبعث من فم أحد الأورك الذين يعانون، حيث بدأ الضيق يسيطر على أنفاسهم. كانوا يحاولون الصراخ لطلب المساعدة، ولكن كل كلمة كانت تختنق بين شفتيهم المتألمتين.

"أرغ…"

كلمات الإلحاح تنطلق مكبلة بين صرخات الألم، والساحة أصبحت مكانًا مليئًا بالأورك الذين يتألمون ويتجاذبون الأنفاس.

التوتر ساد في الجو، والخوف يتسارع بمرور الوقت.

في هذه اللحظة الفارقة، بينما السم يتسلل إلى أجسادهم ويشعل نيران العذاب،

إتضح للأورك أن مصير المعركة قد تغير و أن الترولز غيروا أساليبهم بشكل جذري و غير متوقع .

.

……

" فيجي !!!!!!"

بووووم

اندفعت سيلا داخل غرفة فيجي بعد أن تمكنت من اقتحام الباب بقوة.

كانت وجهها مليئًا بالرعب والقلق، وكأن أفراد عائلتها قد قتلوا . لذلك لم تلاحظ سامويل الذي عاد للإختباء في كيس الصيد بسرعة .

"فيجي!" صاحت سيلا، وجسمها يرتعش بسبب الضغط والتوتر.

"الأورك تموت، تسمموا!"

" لقد تسمموا !!!"

كانت كلماتها تتدفق كجدول من الخوف والهلع، وعيناها تبحث في وجه فيجي عن علامات الفهم و المساندة. قالت بصوت يرتجف:

"تم تسميم الأورك، والسم يمتد بسرعة! هم يعانون، ونحن جميعًا قد نصبح ضحايا لهذا السم إذا لم نتحرك بسرعة."

" لقد … لقد اصبح … أصبح الترولز خبيثين للغاية . لقد نشروا السم أثناء إنسحابهم ."

" سيلا ، إهدئي …. إهدئي …"

فيجي نظر إلى سيلا بعيون مضطربة. وبينما كانت دموع الخوف تلمع في عيني سيلا، اقترب فيجي بخطوات ثابتة ودفئة. أمسك بها برفق وجذبها نحو صدره، مكنها من أن تشعر بحرارة حمايته.

كان الضغط اللطيف للعناق يعكس تفهمًا عميقًا ورغبة في تهدئة الروح المضطربة. كانت أذرع فيجي تلتف حول سيلا برعاية، وكأنه يحميها من عواصف الحياة العاتية.

في تلك اللحظة، حدقت سيلا في صدر فيجي، حيث شعرت بنبض قلبه القوي ينتقل إلى قلبها المضطرب. كانت اللحظة كأنها فرصة للنجاة في بحر من الهموم، حيث منح العناق لحظات من الهدوء و الأمان .

"أنت!!!" فجأة ، صرخت سيلا بعد أن عادت إلى وعيها. دفعت فيجي إلى الخلف بوجه أحمر قائلة بصخب :

"إذا أخبرت أحداً ما، سأقتلك." تهديد سيلا جعل فيجي يضحك قليلا، ولكنه فهم أن هناك أمورًا أكبر يجب التركيز عليها في الوقت الحالي.

"هل اكتشف الأطباء أي شيء عن السم؟" سأل فيجي بجدية.

"لا، السم عديم الرائحة واللون." أجابت سيلا بصوت مرتجف.

"يوجد سم مثل هذا؟!!!" تساءل فيجي بدهشة.

" أجل ، رافقني إلى المشفى و أنظر إلى الوضع بنفسك ."

"إسبقيني، سألحقك حالاً." أجاب فيجي بسرعة، وقد تغيرت ملامح وجهه لتعكس قلقه.

"حسناً. توخي الحذر من العدوى." قالت سيلا بتذكير و بصوت منخفض.

"أعلم."

ثم أغلقت سيلا باب الغرفة و هي تغادر ، تاركة فيجي واقفا في مكانه .

" أيها البشري ، الوضح أصبح سيئا جدا ."

قال فيجي و هو يدير رأسه مواجها كيس الصيد .

" أنا أعلم ."

رن صوت سامويل الأجش من وسط الكيس .

" علينا الإنسحاب من المدينة حالا ."

" ماذااا تقول أيها البشري ؟ "

صرخ فيجي بغضب شديد معبرا عن غضبه و قلقه ،

" لا تتخطى حدودك ."

خرج سامويل من الكيس كالدودة و حرك شعره الملطخ بدماء الوحوش للجانب مواجها زميله الأورك بملامح باردة.

" إذا صحت توقعاتي ، سيهاجم سرب ثاني من الترولز في غضون الساعات القادمة ." قال سامويل بصوت هادئ وهو يحدق في فيجي بعيون حادة .

" سيستغلون الفوضى القائمة التي خلقوها في مدينة براغن للنجاح هذه المرة قبل وصول التعزيزات ." أضاف محاولا توعية زميله بسوء تفكيره .

" أظن أن جل محاربي المدينة هم مسممون حاليا . إذن ، كيف ستتغلب على الوضع ؟"

" إستخدم عقلك قليلا و فكر بشكل جيد ."

لم يتوقف سامويل على الكلام و ظل يلقي بالحقائق القاسية في وجه فيجي الغاضب .

" لكن ..-"

" لكن ، ماذا ؟"

قاطعه سامويل بدون تردد مضيفا ،

" هل لديك خبرة في مجال السموم ؟ هل ستستطيع شفاءهم إذا بقيت هنا ؟ هل تظن أنك كائن خارق يمكنه إنقاذ من يريد ؟"

" توقف عن أحلام اليقظة ، هذا الواقع المرير يا فيجي. ألم يكن من المفترض أن تكون ملك الأورك السابق ؟ لقد خيبت رأي فيك حقا ."

يمكن للمرء أن يرى خيبة الأمل الشديدة على وجه سامويل .

" لكن …-" حاول فيجي الرد ، لكنه توقف عندما أبدى سامويل عدم الرغبة في الإستماع إليه .

" مازالت متشبتا بفكرة البقاء للقتال . حسنا ، حسنا ، حظا موفقا . "

" لكنني …سأغادر حالا للعاصمة . لن أغامر بحياتي من أجل معركة ميئوس ." أعلن سامويل بحزم .

إبتسم بمرارة محركا رأسه للجانب .

" أنصحك لآخر مرة يا فيجي بأن تنسحب من المدينة رفقة الأورك الأصحاء في اتجاه خط التعزيزات . أما الأورك المسممون فأنت تعلم ما عليهم فعله …"

" أرى أنك تملك علاقة وثيقة بسيلا ، هل تريد أن تراها تسقط أمامك ؟"

" أنت … "

صرخ فيجي بقوة و عدم تصديق ثم أضاف ببرود .

" أنت كائن عديم المشاعر ."

" لا ، أنا بشري أقدر الموقف . أعرف متى أتقدم و متى أتراجع ؟" رد سامويل بثقة مخبرا الأورك فيجي بمعتقداته .

" إذن هنا حيث سنفترق أيها البشري ."

أجاب فيجي ببرود تام و غادر الغرفة بدون تردد تاركا سامويل في الغرفة .

" هل الأورك بهذا الغباء حقا ؟"

" حسنا ، سأحصل على خريطة توجهني نحو عاصمة الأورك ثم سأغادر حالا ."

نزل سامويل بحذر من الأثاث الضخم متوجها نحو باب الغرفة لأول مرة منذ وصوله للمدينة .

.

…….

.

كان الوضع جنونيًا في مشفى الأورك، حيث اجتاح التسمم الجماعي الأوساط. الأورك المسممين يتجاوزون بشكل كلي عدد الأورك الأصحاء، وأجواء اليأس والفزع تسيطر على المكان.

صرخات الألم تملأ الهواء، تعبيرًا عن العذاب الذي يعيشه الأورك المصابون بالتسمم. كانت الأصوات متنوعة بين الصراخ العالي والنحيب المكتوم، فكل أورك يواجه قدره بطريقته الخاصة.

كما كانت هناك أصوات بكاء الأطفال وصرخات النساء، فالتسمم لم يستثن أحدًا من هذا الكارثة. الأورك الأصحاء كانوا يحاولون تقديم المساعدة، ولكنهم كانوا عاجزين أمام هذا الوباء الذي انتشر بشكل مروع.

أضافت صرخات الألم لمسة من الرعب للمشهد، والمشفى أصبحت مكانًا يعكس وحشية الهجوم السام. في هذا الجحيم الحديث، كان الأمل يتلاشى تدريجيًا وسط الدمار والألم الجسيم.

" الأمر سيء حقا ."

خدش فيجي ذقنه بإستمرار و هو يحدق في شعبه يعاني .

" هل حقا لا يوجد حل أخر ؟ "

تساءل بتوتر ،

رغم تصنيفه كأحد أقوى الكائنات في هذا العالم إلا أنه عجز أمام سم بغيض لم يعرف علاجه .

" جلالتك ، هذا السم قوي جدا . نعتقد أنه ينتشر عبر الهواء في البداية ثم بعد أن تنخفض فعاليته في الجو ، يدخل المرحلة الثانية و ينتشر عبر التلامس ."

" العديد من الأطباء عانوا من السم مباشرة من بعد لمسهم للضحايا . هذا السم شرير للغاية ، لا يترك لنا حتى الفرصة للقيام بأي إختبار يساعدنا على تشخيص الوضع أكثر من أجل خلق علاج ."

" هذا السم شرير للغاية . هذا أخطر سم رأيته في حياته ."

أخبر رئيس أطباء المدينة فيجي بما اكتشفه مما عمق تجهم هذا الأخير .

" إذن بماذا تنصحنا للنجاة ؟" سأل فيجي بجدية مترقبا إجابة الطبيب .

" لا أعرف يا جلالتك ."

" سحقا .ما الذي علي فعله ؟"

تحرك فيجي بتوتر حول المكان و هو يفكر بعمق في الحل .

يمكنه أن يرى سيلا التي تساعد الأطباء الأخرين في مساعدة المرضى دون لمسهم .

يمكنه أن يرى العديد من الأطفال و النساء اللاتي يبكين بصخب و يترجفن في الأركان .

ألمه الأمر في قلبه تماما .

كلما حدق في المنظر أمامه ، كلما وبخ نفسه على قلة حيلته و ذكاءه .

" ماذا كان سيفعل جدي ؟"

تساءل بمرارة و هو يحدق في سيلا مرة أخرى بمشاعر مضطربة .

رنت كلمات البشري سامويل في رأسه مرارا و تكرارا مما جعله يشعر بالضغط الشديد على قلبه .

" هل أريد أن أراها تسقط ؟"

أمسك فيجي قلبه و هو يوبخ نفسه بدون توقف .

" هل أريد أن أراها تسقط ؟"

رنت هذه الكلمات في عقله بدون توقف مما جعله يرتجف بدون توقف .

" لا ، لا أريدها أن تموت ."

تمتم فيجي هذه الكلمات بملامح حزينة .

.

.

2024/02/29 · 152 مشاهدة · 1943 كلمة
....وحيد
نادي الروايات - 2024