مرّ الليل شيئًا فشيئًا، والنجوم تتلألأ في السماء، بينما القمر بلونه الشاحب يُسلّط ضوءه على الغابة التي خيّم عليها صمت مرعب. كان صوت حفيف الأوراق يتمايل مع نسيم الرياح الباردة، التي حملت في طيّاتها رائحة دماء طازجة. ومع ذلك، لم تكن هذه الرائحة سببًا في إثارة الوحوش التي تسكن الغابة، بل على العكس، جعلتهم أكثر هدوءًا وسكونًا، كأن الخوف والرعب قد كمّ أفواههم... رعب من كايل.
كان كايل غارقًا في عملية اختراق، جسده ساكن وعيناه نصف مغمضتين، وكأنه في عزلة عن العالم، لا يهتم لما يدور حوله. هالته كانت ترتفع تدريجيًا، تتوهج بلون أحمر ناري، بينما الهواء حوله أخذ يسخن ببطء، كأن أنفاس الأرض نفسها بدأت تحترق.
لكن الأهم من ذلك... بين ألسنة الهالة النارية، كان هناك وميض أسود أرجواني، يشبه البرق لكنه ليس كذلك، يتراقص كأفعى تهمس بالموت. ذلك الوميض كان يبعث إحساسًا مرعبًا، يتسلل إلى العظام ويجمّد الدم في العروق.
فجأة، ارتفعت هالة كايل بقوة هائلة، ودوى صوت تحطم زجاجي في الهواء، كما لو أن حاجزًا غير مرئي قد كُسر. لقد اخترق كايل رتبة "الفارس البرونزي المنخفض" ودخل في رتبة "الفارس البرونزي المتوسط". لفّت النيران جسده، وتحولت هالته إلى نار حقيقية، درجة حرارتها كانت مرعبة لدرجة أنها أضاءت المنطقة من حوله بالكامل. بدا وكأن شمسًا قد أشرقت في الليل. الأرض تحت قدميه بدأت تذوب ببطء، والعشب الأخضر، الملطخ بدماء جافة، احترق وتحول إلى غبار أسود يتطاير في الهواء.
ورغم هذا المشهد الجحيمي، لم يتأثر كايل. على العكس، كان مسترخيًا تمامًا، مغمض العينين، يتنفس بعمق وكأن حرارة النيران حمّام دافئ يغسل عنه تعب الأيام. كانت ملامح الراحة التامة ترتسم على وجهه وسط ألسنة اللهب المشتعلة.
ثم، ومضة ضوء أسود بنفسجي انطلقت فجأة من جسده، خاطفة، كأنها روح حرة، واتجهت بسرعة نحو أعماق الغابة، دون أن تترك أثرًا خلفها.
وبعدها، ظهرت عدة ومضات سوداء بنفسجية صغيرة تحيط بجسد كايل، كانت ضعيفة مقارنة بالوميض الأول، لكنها تحمل نفس الإحساس الغريب... لقد بدأ أمر مهم.
لقد بدأت علامة استيقاظ العنصر الثاني داخل كايل — عنصر لم يُرَ أو يُسمع عن مستخدم له في هذا العالم، حتى بين الحكّام أنفسهم.
عنصر بطبيعته... مدمّر.
في أعمق نقطة من الغابة، لو اتبعت مسار الوميض الأسود البنفسجي، لوجدت أنه توقف في منطقة غريبة... كانت تلك المنطقة قد تعرضت لتشويه فضائي، تدمير لمفهوم الوقت، وخلل في طبيعة الحياة نفسها. الهواء فيها ثقيل، والضوء مشوّه، والواقع يترنح.
لكن كل ذلك لم يدم طويلًا.
تشقق الهواء فجأة، وتحول إلى ثقب أسود صغير سحب كل شيء في محيطه — أوراق، حجارة، رماد، وحتى الضوء نفسه — ثم اختفى.
عادت المنطقة إلى طبيعتها، لكن في وسطها، بقيت حفرة عملاقة، صامتة، لا أثر للاضطراب فيها، كأنها لم تكن يومًا جزءًا من هذا العالم.
---
كانت الشمس تشرق بهدوء، ترسل أول خيوطها الذهبية لتغسل ما تبقى من ظلام الليل والرماد.
فتح كايل عينيه التي كانت تلمع ببريق غامض، وأطلق نَفَسًا عكرًا.
شعر بتحول في جسده؛ أصبح أقوى، وعضلاته أكثر صلابة. حرّك معصمه في شكل دائري وطقطق أصابعه ببطء، مستشعرًا تدفّق القوة في عروقه.
> "أشعر بقوة تفيض من جسدي، رغم أنني لم أصل بعد إلى رتبة فارس فضي منخفض..."
وقف كايل ونظر إلى محيطه. المنطقة حوله كانت محروقة على شكل دائرة قطرها خمسة أمتار.
> "بصراحة... أتساءل ماذا يحدث في كل مرة أخترق فيها."
أمال رأسه قليلًا ونظر بتأمل إلى الأرض السوداء المتفحمة تحت قدميه.
في الحقيقة، كان كايل يمتلك قوة أكبر بكثير مما يجب. لو رآه أحد في تلك اللحظة، لأصيب بصدمة من الهالة الشفافة التي تحيط بجسده، والتي كانت أضخم بكثير من المتوقع.
ربما ذلك بسبب أن روح كايل ليست من هذا العالم... أو بسبب جسده، أو سماته... وربما كل ذلك معًا.
طرد كايل تلك الأفكار عن ذهنه، لكن تذكّر شيئًا مهمًا... عندما يخترق في المستقبل، عليه أن يكون وحده، بعيدًا عن أعين الآخرين.
وبينما كان يطرد تلك الأفكار، حكّ شعره فجأة، وكأنه تذكّر أمرًا نسيه.
> "أشعر أنني نسيت شيئًا..."
تمتم كايل وهو يدير عينيه ببطء حول المكان... حتى سقطت عيناه على صخرة تسد مدخل كهف.
> "نعم... النساء اللواتي تركتهن في الكهف."
قالها بهدوء، وكأن الأمر طبيعي... ثم فجأة اتسعت عيناه:
> "نساء!!"
فهم الأمر فورًا، وانطلق مسرعًا نحو المدخل، وبدأ يدفع الصخرة الضخمة بعيدًا.
في داخل الكهف المظلم، الذي كان ضوء الصباح بالكاد يتسلل إليه، كانت النساء متجمعات معًا، أجسادهن ترتجف من شدة الخوف.
ليلة طويلة مرت عليهن بلا نوم، تخللتها أصوات قتال مرعب في الخارج... عواء ذئاب، تمزق لحم، ورائحة دماء تقطع الأنفاس، وصوت محسن الذي أنقذهن... خصوصًا صرخته الأخيرة، التي مزقت السماء من شدتها.
رغم أنهن كن يتصرفن كدمى، بلا مشاعر تُذكر، إلا أنهن بشر في النهاية... وما زالت هناك مشاعر مدفونة في أعماقهن، حتى لو لم يستطعن التعبير عنها.
كن خائفات على محسنهم، الذي حررهن من عذابهم. لم يخشين على أنفسهم، فمصيرهم كان واضحًا... لكن محسنهم، ذلك الشاب الذي لم يعش شبابه بعد، كنّ لا يردن أن يُصاب بمكروه.
طوال الليل، دعين من أجل نجاته، رغم أنهم لا يعرفن الاةحتى من يسمع دعاءهم... بعد أن خذلتهم حاكمتهم في أكثر لحظة سوداء في حياتهم.
وحين اختفت الأصوات في الخارج، سادهن الرعب... ماذا لو مات؟
حاولن دفع الصخرة، لكن أجسادهم الهزيلة لم تسعفهم.
ولأول مرة، منذ أن أُسرن على يد العفاريت... سقطت دموعهم من عجزهم.
ومع أول شعاع شمس، كنّ يحدّقن في الصخرة... ينتظرن محسنهم.
وكأن القدر كرر نفسه، كما فعل عندما دخل سجن قرية العفاريت وحررهم... ها هو الآن، يزيح الصخرة، وتدخل أشعة الشمس لتطرد ظلام الكهف.
وفي المدخل، ظهر شاب وسيم رغم مظهره الأشعث من القتال، تغطيه الدماء. لم تحجب الأوساخ ملامحه الفريدة:
شعره الأسود المتسخ، وجهه الملطخ بالسواد والحرق، ملابسه الممزقة، ودرعه الذي يحمل خدوشًا مختلفة الأحجام... وعيناه، الحمراوان، تحملان هدوءًا مرعبًا وحكمة غريبة، كأنهما ترَيان حقيقة العالم نفسه.
---
بعد أن تأكد كايل من أنهن بخير، جمع الجثث من حوله، وغسل وجهه، وتناول بعض الطعام، ثم انطلق برفقتهن نحو القرية.
وبينما كان يسير في الغابة، تمتم بهدوء:
"حالة."
ظهرت الشاشة أمامه:
[الاسم: كايل ليوثان
المهنة: فارس
الصفة: نار / في بداية الإيقاظ
الرتبة: برونزي متوسط
المهارة: تقنية تأمل أسد اللهب]
لاحظ كايل أن شاشة الحالة قد تغيّرت قليلاً... خاصة الصفة الثانية.
"هل يعني هذا أن الصفة الثانية بدأت تستيقظ؟ أتساءل ما هي..."
كان كايل متحمسًا قليلاً، فظهور صفة ثانية يعني ورقة رابحة جديدة.
صفة قد يستخدمها عندما يقوم بأعمال مشاكسة، ليحدث القليل من الفوضى هنا وهناك...
لكن دعني أوضح لك مباشرةً ما يقصده بـ"فوضى هنا وهناك"...
إنها كوارث حقيقية، لن تقتصر على منطقة أو مملكة... بل جميع القارات.
---
وبعد رحلة شاقة عبر الغابة استغرقت يومين ونصف، ومعركة مريرة ضد قطيع من الذئاب، نجح كايل أخيرًا في إخراج النساء من الغابة بسلام.
كان كايل يقف في المقدمة، عينيه تحدِّقان نحو القرية المحاطة بسور يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار.
رغم أنه لم يقترب بعد، إلا أنه لاحظ على الفور أن هذه القرية تختلف كثيرًا عما كان يتوقعه.
تمتم لنفسه بصوت منخفض:
"هل جميع القرى في هذا العالم على هذا النحو؟"
لكن سرعان ما طرد هذه الفكرة من رأسه، فالأمر لا يبدو منطقيًا.
تابع السير مع النساء باتجاه القرية، واستغرق الأمر نحو نصف ساعة قبل أن يصلوا إلى بوابتها.
هناك، لاحظ أن القرية كانت تعج بالحركة. مواكب من العربات تمر باستمرار، وأناس يتدفقون من كل اتجاه، وجلبة تعم المكان.
عبس كايل قليلًا، يتأمل المشهد بشيء من الحذر:
"ما الذي يحدث هنا؟ لا يُفترض أن تكون قرية كهذه بهذا النشاط."
وبينما كان يتساءل في داخله عن سبب هذا الازدحام، لمح شخصين يسيران معًا باتجاه القرية.
كان مظهرهما بسيطًا، ملابس عادية ووجهان مرهقان من الطريق، ما جعله يعتقد أنهما مجرد قرويين.
قرر التوجه إليهما لمعرفة ما يجري. حاول التحدث إليهما أولًا بلغة هادئة، لكنهما لم يكونا متعاونين.
كايل، بصفته رجلًا متحضرًا، كان يؤمن بأهمية الحوار، لكن في هذا العالم لم يكونوا يؤمنون بالحوار؛ فالكلام لا ينجح دائمًا وحده.
أخرج خنجره ببطء وهدد بهما دون أن يُظهر عدائية مفرطة، فسرعان ما اتضح أنهما أيضًا يفضلان الحوار إذا لزم الأمر.
أخبراه بكل ما يعرفان، بتوتر واضح في صوتيهما.
بعد أن حصل على ما يريد، عاد كايل أدراجه وجلس مع النساء في مكان بعيد قليلًا عن أنظار القرية، بين بعض الأشجار المنخفضة.
الهواء هنا كان يحمل رائحة التراب الرطب والندى، فيما نسيم خفيف داعب وجوههم.
تمتم كايل وهو يتأمل الأفق:
"القديسة..."
اكتشف أن قديسة قد زارت هذه القرية قبل يومين فقط، ولهذا السبب تدفَّق الناس من كل حدب وصوب.
كان هذا التوافد منطقيًا، فقد كانت هذه أول قديسة تظهر منذ ثلاثمائة عام بعد وفاة سابقتها.
"قد تكون قادرة على رعاية النساء... لكن ما الذي يدفع شخصية بمكانتها للظهور هنا؟"
رفع بصره إلى السماء، كأنما يبحث عن جواب في الغيوم الرمادية التي بدأت تتلبد.
فكَّر للحظة، يداه متشابكتان وظهره منحنٍ قليلًا من الإرهاق:
"حسنًا... أيًّا كان هدف وجودها، سأترك النساء وأرحل فورًا. لا نية لي بالتورط في أمور لا تعنيني."
نهض من مكانه، نفض الغبار عن ملابسه، ثم توجه نحو الحراس عند بوابة القرية.
تحدث معهم بهدوء، وشرح لهم وضع النساء، محاولًا إدخالهن دون إثارة أي مشاكل.
وبعد أن تأكد من دخولهن بسلام، انطلق كايل بخطوات سريعة نحو المعبد.
كل ما يريده الآن هو الدخول والمغادرة قبل أن يتورط في شيء لا يجب أن يكون له علاقة به.
___
رايك في فصل.
ماذا قد تكون صفة كايل ثانية.