بينما كان كايل ينحني وسيفه أمامه، شعر بأن نظرة حاكمة الحياة نحوه قد تغيّرت، من مجرد مراقبة باردة إلى اهتمام عميق، بل وحتى فضول خفي. لم يهتم كايل حقًا بكيفية نظر الآخرين إليه، فكل ما يتمناه في هذه اللحظة هو أن تنتهي هذه المسرحية المزعجة.

---

في مكان آخر، كان هناك سهل أخضر ممتد، تزيّنه أزهار بألوان وأشكال لا حصر لها، من البنفسجي العميق إلى الأزرق السماوي، ومن الأحمر القاني إلى الأصفر الفاتح. نسيم عليل محمّل برائحة الأعشاب البرية يحرك سيقان العشب الأخضر برفق، فتتمايل الأزهار وكأنها ترقص على لحن هادئ. السماء كانت صافية زرقاء كبحيرة نقية، وفي وسطها تتدلى شمس ذهبية لامعة، مثل جوهرة نفيسة تزيّن تاج السماء.

أينما توجهت العين، امتد هذا المشهد حتى الأفق، لكن ما خطف الأنفاس كان وجود شجرة عملاقة، جذعها بحجم جبل، وأغصانها تمتد كأذرع خضراء نحو السماء، حتى بدا وكأنها تربط الأرض بالسحاب. ظلالها العريضة غطت العالم بأسره، مانحة إحساسًا بالسكينة والحماية.

تحت تلك الشجرة وقفت امرأة ذات جمال لا يوصف، جمال لا ينتمي للبشر. شعرها بنيٌّ محمَّر، طويل كالنهر، ينحدر حتى خصرها ويلتمع بخيوط ضوء الشمس. بشرتها بيضاء نقية كالثلج، ترتدي فستانًا أبيض طويلاً تزين حوافه خيوط ذهبية لامعة، وكانت حافية القدمين، وكأنها جزء من هذه الأرض الطاهرة. شفاهها وردية صغيرة، وأنفها رقيق كمنحوتة فنية. كانت هالتها تنبض بالحياة وتبعث إحساسًا بالطمأنينة لكل من يراها، لكن عينيها كانتا مختلفتين، ليستا كعيني أي بشر أو مخلوق حي؛ فقد كان ينبعث منهما ضوء ذهبي مخضر خافت، يشي بعُمق أزلي.

كانت تنظر إلى مرآة ذات إطار شفاف منقوش برموز غامضة، تطفو أمامها متحدية قوانين الجاذبية. وفي لحظة، انعكس في المرآة وجه لم يكن وجهها، بل وجه شاب يرتدي درعًا حديديًا لا يغطي جسده بالكامل، إنما يحمي صدره وذراعيه وساقيه. كان يضع على كتفيه رداءً أسود طويلاً، وشَعره الأسود الطويل الفوضوي ينسدل على جانبيه وهو ينحني ممسكًا بسيفه بكلتا يديه.

كان ينحني أمامها... أو بالأحرى أمام تجسيدها من أجل العبادة. نعم، هذا الشاب هو كايل، وهذه المرأة هي حاكمة الحياة، وهذا المكان هو ملكوتها المقدّس.

همست بصوت عذب ورقيق يسحر الأذن:

"هممم... هذا الشاب مثير لاهتمامي."

كانت تراقب كايل منذ لحظة دخوله نطاق معبد الحياة، حين شعرت بوجود شذوذ غريب في محيطه. وللتأكد من عدم وجود أي تهديد لحياة آسيا، ألقت نظرة فاحصة. وما وجدته كان شيئًا يثير الدهشة... شاب ترافقه ثلاثون امرأة، من الواضح أن أرواحهن قد تحطمت تحت وطأة تعذيب قاسٍ.

بدافع الفضول، ألقت نظرة على ماضيهن ومستقبلهن. لم يكن الأمر يحتاج إلى كثير من التفكير:

"ماضيهن مأساوي... ومستقبلهن أسود كالليل."

لكن عندما حاولت النظر إلى كايل، صُدمت. لم تستطع رؤية ماضيه أو مستقبله، ولا حتى لمحة عابرة عن مصيره. كل شيء كان مظلمًا... مظلمًا كالثقب الأسود الذي يبتلع كل شيء من حوله. شعرت أنه لو استمرت في النظر أكثر، ستجد نفسها غارقة في مستنقع لا خروج منه... أو ربما...

"مثل الفراغ ذاته... يسحبني إليه."

لقد فاجأها بما فعله، فحتى طريقة دعائه كانت مختلفة، غريبة، وكأنها تحمل معاني أعمق من الظاهر. ومع ذلك، لم تستطع فهم نواياه.

همست بخفوت:

"غريب... لماذا لا أستطيع رؤية قدره؟"

كان الأمر نفسه حين حاولت أن تمد بصرها إلى أعماق الغابة قبل ألف سنة، لكنها لم تر شيئًا، فقد كان هناك شيء يمنعها. وها هو نفس الأمر يحدث مرة أخرى مع كايل، لكنها لم تر شيئًا. كان الأمر مألوفًا لها، لكنه في الوقت ذاته مختلف.

سؤال بدأ يدور في عقلها بلا توقف، إلى أن خطرت لها فكرة مرعبة:

"هل يمكن أن يكون من نسل... أحدهم؟"

بمجرد أن فكرت في ذلك، شعرت برعب خفي يتسلل إلى قلبها، لكنها سرعان ما هزت رأسها ونفت الفكرة:

"مستحيل... لقد اختفوا منذ ذلك العصر الغابر، وذابوا في بحر الزمان منذ زمن بعيد... لا، هذا مستحيل."

لكن الفكرة قادتها لتساؤل آخر:

"هل يمكن أن يكون وعاءً لأحدهم من أجل النهوض من جديد؟"

رفضت هذه الفرضية أيضًا، فبكبريائهم المعروف لا يمكن لأحدهم أن يتخذ بشريًا وعاءً له، ناهيك عن أن اختيار كايل يبدو بلا سبب واضح.

ثم لاحظت أمرًا أكثر غرابة... في قدر جميع من حوله في المعبد، لم يظهر هو على الإطلاق، وكأنه لا ينتمي إلى هذا العالم أصلًا.

ابتسمت بسخرية خفيفة:

"إذن، الاحتمال الأرجح أنه يستخدم قطعة من عصر غابر... لكنه يستعملها دون أن يدرك ذلك."

أخذت لحظة للتفكير، ثم سألت نفسها:

"إذن... ماذا أفعل معه؟"

تكوّنت على شفتيها ابتسامة ماكرة:

"بصراحة، وجوده يشبه متغيرًا خارج عن سيطرتي... لكن، ما أسوأ ما يمكن أن يفعله هذا المتغير؟"

اتخذت قرارها:

"سأمنحه مباركتي... ربما يساعد بطلي، وإن لم يساعد، فلا يهم."

بدأت تتلو ترتيلًا بلغة غريبة قديمة، تتراقص حروفها الذهبية في الهواء قبل أن تندفع نحو المرآة، متجهة إلى كايل. وما إن تأكدت من وصول المباركة إليه، حتى اختفى انعكاسه، وتغير المشهد أمامها.

لم تكترث حاكمة الحياة بكايل، ذلك "المتغير" الذي رأت أنه بلا تهديد حقيقي... لكنها لم تعلم أن تجاهلها له سيكون أعظم ندم في حياتها، وأن هذا المتغير سيقلب موازين العالم رأسًا على عقب.

---

بينما كان كايل يستمر في انحنائه، شعر أن نظرة حاكمة الحياة كانت تتغير باستمرار نحوه، من مراقبة باردة إلى اهتمام وفضول، ثم إلى خوف وحذر، وأخيرًا إلى استهزاء ومكر. لم يفهم كايل ما الذي يحدث مع حاكمة الحياة، إذ شعر أنها متقلبة المزاج على نحو غريب.

فجأة، أضاء تمثل حاكمة الحياة بنور ذهبي قوي أعمى بصر كلٍّ من كايل، والرهبات، والعجوز، والقديسة، وإيدن الذين كانوا يراقبون أفعال كايل.

وبدون سابق إنذار، ظهرت أحرف ذهبية غريبة تتجه نحو كايل. وما إن لمسته حتى تحوّل إلى كرة من ضوء ذهبي.

في تلك اللحظة، شعر كايل وكأنه يستحم في ينبوع ماء ساخن، إذ غمرت جسده موجة دفء مريحة، واختفت كل التوترات من عضلاته. أحس بخلايا جسده وكأنها ترقص فرحًا من كمية الطاقة الهائلة التي أخذت تتدفق في عروقه، مصحوبة برائحة عذبة تشبه مزيج الأزهار والندى.

ولأول مرة منذ حصوله على النظام، سمع صوته مجددًا:

[دينغ... دينغ]

[تم الحصول على بركة حاكمة الحياة]

[بركة الحياة]

[تم اكتشاف سمة "جسد طبيعي" تتوافق مع بركة الحياة]

[بدأت عملية الدمج]

[0% ... 10% ... 20% ... 30% ... 40% ... 50% ... 80% ... 100%]

[انتهت عملية الدمج]

[تم تغيير سمة "جسد طبيعي" إلى "جسد حياة طبيعي"]

[انقر من أجل المزيد من التفاصيل]

كان كايل يستمع إلى صوت النظام وهو في حالة استغراب مما حدث. لقد حصل على بركة حاكمة الحياة دون سبب واضح، وتبيّن أن نظامه يستطيع التواصل أو على الأقل إخباره بما يجري. لكن صدمته الحقيقية كانت عندما علم باندماج سمته مع البركة ليحصل على سمة جديدة.

بدأ الضوء الذهبي يتلاشى تدريجيًا من حوله. لم يبدُ على كايل أي تغيير كبير، لكن عند التدقيق يمكن ملاحظة أن شعره الأسود أصبح أكثر لمعانًا، وبشرته اكتسبت بريقًا خافتًا، كما أن قوته ازدادت. كانت تحيط به هالة تبعث على التفاؤل والثقة والراحة، لكن خلفها كان هناك إحساس خفي بوخزة برودة، كما لو أن شيئًا غامضًا يختبئ خلف هذا النقاء.

____

اترك تعليق من أجل دعم

2025/08/14 · 31 مشاهدة · 1078 كلمة
General_13
نادي الروايات - 2025