وفي الوقت نفسه، في المرتفعات المغطاة بالثلوج على طول حدود الجمهورية
أمام مبنى غريب من ثلاث طوابق بُني على حافة جرف شاهق، وقف رجل وامرأة يلتقطان أنفاسهما.
قال التابع مازحًا: "ها نحن نعود إلى 'برج السحر' مرة أخرى."
ضحك بيلوف، عميل الاستخبارات في الجمهورية، ضحكة خافتة وقال: "ستأتي إلى هنا كثيرًا من الآن فصاعدًا، فاعتد على الأمر. رغم أن ساحرتنا العظمى ستغادر البرج لبعض الوقت."
"بما أن الرفيق الأعلى قبل مطالب السيدة سيلايل… مثل الراتينج عالي الكثافة، ودبابيس النحاس… وجلود الحيوانات أو حجارة تخزين المانا. ما الذي تنوي صنعه بحق الجحيم؟"
"لا حاجة لأن نعرف. يكفينا تنفيذ الأوامر. اكتم فضولك وانتبه لكلامك أمام السيدة سيلايل. إن تكررت حادثة كتلك المرة السابقة، فلن أتمكن من التغطية عليك."
أومأ التابع برأسه عندما تلقى تحذير بيلوف.
ثم فتح بيلوف باب برج السحر ودخل، والتابع يتبعه.
توقف بيلوف عند مدخل الطابق الأرضي، وتنحنح بصوت مرتفع مخاطبًا الطابق الثالث حيث من المفترض أن تكون سيلايل.
"سيدتي الساحرة العظمى! أنا بيلوف! أتيت في الموعد المحدد لأصطحبك! وإن لم تنتهي من ترتيب أمتعتك، يمكنني أن أساعد..."
كووونغ!
قبل أن ينهي بيلوف كلماته، انهارت أرضية أحد الأركان.
"ماذا...؟"
اقترب بيلوف من الأرضية المنهارة، لتنكشف درجات تؤدي إلى قبوٍ سري.
قال التابع بدهشة: "لم أكن أعلم أن الطابق الأول يحتوي على ممر سري إلى القبو."
"ولا أنا. هذه أول مرة أراه."
"أول مرة؟!"
"أنا ناقل أوامر، لست مسؤولًا عن إدارة المبنى. من الطبيعي ألا أعرف تركيبته."
أومأ التابع مقتنعًا.
تردد بيلوف للحظة، ثم بدأ النزول على الدرج، ظنًا أن هذا دعوة واضحة للنزول، وأن التردد سيكون وقاحة.
وهكذا، نزل مع تابعه وهو يستند إلى الجدار، حتى وصلا أمام باب ينبعث منه الضوء.
أخذ بيلوف نفسًا عميقًا وفتح الباب، ليجد أمامه حديقة داخلية.
فراشات تحلق، وأزهار متنوعة تتفتح بألوان زاهية.
وبينما هو يتساءل كيف يمكن وجود هذا المشهد في قبو، سمع لحنًا يُدندن.
نظر نحو مصدر الصوت، فشاهد سيلايل تسقي الزهور بواسطة إبريق ماء.
"…سيدتي الساحرة العظمى؟"
عندما ناداها بيلوف بحذر، توقفت سيلايل عن سقي الزهور.
وضعت الإبريق على الأرض، ثم استدارت.
شعر ناصع البياض، وعينان حمراوان تومضان.
تجمد بيلوف وهو يلتقي نظراتها، فتجهمت سيلايل بغيظ.
"ماذا هناك؟ إن كنت ناديتني، فقل شيئًا."
أفاق بيلوف، وتنحنح مستعيدًا هدوءه ثم قال: "آه، عذرًا. مباشرة إلى النقطة: الرفيق الأعلى وافق على طلباتك. سيقدم كل الدعم اللازم، وسيوفر المواد المطلوبة بأعلى جودة. وأيضًا..."
أومأ برأسه إلى تابعه، الذي تقدم وفتح حقيبة أوراق كانت بيده.
بداخل الحقيبة: زي عسكري وشارة رتبة مقدم في الجيش.
"لتسهيل نشاطك في الجبهة، قرر الرفيق الأعلى منحك رتبة مقدم في الجيش. نرجو قبول هذه الهدية من جمهوريتنا."
سألت سيلايل ببرود: "وماذا عن الإقامة؟ لا أطيق الأماكن التي لا توفر ماءً ساخنًا."
"يُبحث حاليًا عن أفضل سكن ممكن في المنطقة."
ابتسمت سيلايل برضى: "جيد. هذه المرة استعددتم بشكل جيد. إذًا، عليّ أن أُظهر لكم قدراتي. من الأفضل أن أُثبت للقيادة أني لم أصدأ."
رفعت يدها، وفجأة ظهر وميض نور، ومنه سقط مسدس على كفها.
بينما تساءل بيلوف عن المغزى، أمسكت سيلايل المسدس ووجهته إلى صدغها.
"سيدتي الساحرة؟"
وبينما هو يحدق مذهولًا، ضغطت الزناد بابتسامة.
طلقة!
وانفجر رأسها، متناثرًا في شكل مروحي، ملطخًا الأزهار بدمائها.
ارتطمت قطرات الدم على وجه بيلوف، لكن لم يعِر أحد الأمر أي اهتمام.
قال التابع متلعثمًا: "هـ… هاه؟"
سقط جالسًا من الصدمة.
"هـه؟ هـها؟"
رؤية شخص ينتحر أمام عينيه جعلته ينهار.
أما بيلوف، فلم يفهم السبب وراء هذا الانتحار، فظل يحدق بصمت.
عندها، فُتح أحد الأبواب الجانبية للحديقة، وتعالت ضحكة صاخبة.
"أهاها! انظر إلى هذا الوجه الأحمق! يظن حقًا أني مت!"
استدار بيلوف ليرى سيلايل حيّة تُرزق.
لم يستطع استيعاب ما حدث، فبقي فاغرًا فاه.
قال بتلعثم: "سيدتي الساحرة؟ ماذا… ماذا حدث؟"
ضحكت سيلايل وهزّت رأسها: "لا تعرف؟ من انتحر قبل قليل لم أكن أنا، بل دمية."
"دمية؟!"
أومأت وهي تبتسم: "نعم. السبب في أن رفيقكم الأعلى يتذلل إليّ، هو فن الدمى خاصتي. مصنّف ضمن الأسرار العليا، لكن أخبركم به الآن استثناءً."
تقدمت نحو الدمية الملقاة على الأرض.
بسبب الدماء المتجمعة، لم يكن من السهل تمييزها عن جثة حقيقية.
قالت: "هلّا ساعدتموني في نقلها؟ هذه الدمية أغلى من حياتكم. العرض انتهى، والآن حان وقت إعادة التدوير."
أومأ بيلوف بسرعة: "مفهوم. وأيضًا... باسم الرفيق الأعلى، أكرر شكري. سأبلغ القيادة بعزمك على خدمة الجمهورية."
عبست سيلايل: "هاه؟ ما الذي تهذي به؟"
ثم قالت بنبرة متجهمة: "لا يهمني إن سقطت الجمهورية أو لا. السبب الوحيد الذي يجعلني أساعدكم هو فضولي الجنوني بشأن ذلك الإنسان... دانيال شتاينر."
"…العميد دانيال شتاينر؟"
"نعم. تعرف أني أسمع كلام النجوم، أليس كذلك؟ لكن الغريب... النجوم أنفسها لا تستطيع تحديد ماهية دانيال شتاينر."
رغم أنها ليست معصومة، فإن سيلايل كانت تملك القدرة على قراءة مصير الناس من النجوم.
لكن مصير دانيال شتاينر كان... فراغًا.
كأن لا قدر له، يشق طريقًا لم يُقدَّر من قبل.
والأغرب، أن أولئك الذين يقتربون من دانيال، يتغير مصيرهم أيضًا.
لا سابقة، ولا مثيل.
وحش يرفض السماوات ويبتلع القدر.
هذا هو دانيال شتاينر في نظر سيلايل.
ابتسمت ابتسامة ساحرة: "إن لم تستطع النجوم تعريفه… فأنا سأفعل."
مصير دانيال شتاينر.
صباح اليوم التالي.
المدينة القديمة – الكاتدرائية.
طَقطَقة–
استيقظ أرنو ببطء من مقعد الكنيسة، متضايقًا من ضوء الشمس الساطع عبر الزجاج الملون.
طَقطَقة–
خطوات الأحذية تقترب.
رفع جسده ليرى دانيال شتاينر يقترب بصمت.
تبدو ملامحه الخالية من التعبير مخيفة بعض الشيء.
عندما اقترب دانيال لعشر خطوات تقريبًا، جثا على ركبتيه.
"صاحب السمو الأمير أرنو."
كان صوته يرتجف.
"عثرت على الدليل الذي تحدثت عنه. رأيت كل ذكريات الماضي. كنت محقًا، الإمبراطورة الحالية سيلفيا ليست من نسل الإمبراطور السابق."
تحولت ملامح أرنو، ونهض بحماس.
كاد أن يترنح، لكنه استعاد توازنه وصاح:
"أجل! كلامك صحيح! أنا الوحيد الذي ورث دماء والدي! أرنو فون آمبرغ ولا أحد سواه! أترى الآن أن تلك العاهرة سيلفيا مجرد وحش؟"
أخفض دانيال رأسه بتأنيب ضمير.
"صحيح. كنت أُخلص للسيد الخطأ."
ضحك أرنو معتقدًا أن الأمور تسير بسلاسة.
"إذن سيكون الأمر سهلاً. دانيال شتاينر ! بطل الإمبراطورية! بهذا الدليل، سترفعني إلى العرش! افعل ذلك، وسأمنحك أي شيء!"
هزّ دانيال رأسه نافيًا.
"لست بحاجة إلى المجد أو الثروة. كل ما أريده هو تصحيح الخطأ."
ثم نظر إلى أرنو بجدية وسأله:
"لكن، صاحب السمو… هل هناك أحد غيرنا يعرف الحقيقة؟"
فكر أرنو للحظة ثم أجاب:
"قبل أن أخبرك، كنت أنا والطبيب فقط نعلم. لكنه مات تحت التعذيب، والآن نحن فقط من يعرف."
"أفهم."
نهض دانيال من ركوعه.
تلاقت نظراته مع أرنو، وتوتر الأخير.
نظرة دانيال كانت كنظرة وحش يحدق بفريسته.
‘…هناك شيء غريب.’
شعر بجو ثقيل.
وفي صمت رهيب، بدأ دانيال يتقدم نحوه.
أرنو، مدفوعًا بالخوف، تراجع خطوة للخلف.
قال دانيال بصوت خافت وكأنه يصدر حكمًا:
"إذًا… إن مُتّ، فلن يبقَ أحد ليعرف الحقيقة."