الجزء به بعض الأحداث المرعبة كما سيحدث بالفصول القادمة لقد حذرتكم.
فتحت ايرينيا عينيها ببطء وهي تتثائب، وجدت نفسها في مكان تحت الأرض على مايبدو، كان المكان مغمورًا برائحة العفن والرطوبة التي اخترقت أنف إيرينيا، مما جعل أنفاسها تضيق وكأن المكان نفسه يحاول ابتلاعها. جدران الحجرة كانت متآكلة، محفورة عليها نقوش ذهبية باهتة تلمع كأنها تنبض بحياة خفية، تراقب كل من يحاول فهمها.
وكان هناك رجل ينظر اليها ببرود دون قول اي شي كان الرجل الذي يقف أمامها كطيف من كوابيسها، عيناه البنفسجيتان الباردتان تلمعان في الظلام، وشعره الفوضوي يتماوج مع الهواء الخافت كأنه جزء من المكان نفسه. كانت حركاته بطيئة ومدروسة، وكأنه لا يتعامل مع إنسان بل مع دمية تنتظر المصير المحتوم.
فجأة اقشعر جسدها وبدأت بالنظر يمينا ويسارا في حالة ذعر، انه مكان غير مألوف البتة!كانت أطرافها ترتجف بعنف، وقلبها يدق وكأنه يحاول الفرار من صدرها. شعرت بشيء ثقيل على صدرها، وكأن الظلام نفسه يحاول خنقها، قبل ان تصرخ بصعوبة من هذا الأحساس الذي راودها.
"اين انا؟!"
نظرت لرجل على امل ان يجيبها لكن الرجل لم يقل اي شيء كان ينظر لها فقط، حاولت ايرينيا الوقوف لكن كان هناك شيء مثبت بقدمها مماجعلها لاتستطيع الوقوف.
بدأت الدموع تهبط مرة اخرى من عيني ايرينيا الخائفة، حينها سمعت الرجل يقول.
"انتي تثيرين الشفقة"
رفعت ايرينيا رأسها بسرعة وكانت الدموع لاتزال تنهمر من عينيها، وجدت الرجل الذي كان واقفا امامها يبتسم.
"الاتعلمين انك هنا لتضحية؟"
اتسعت عينا ايرينيا في حالة صدمة بمجرد ان سمعت ماقاله، قبل ان تقول وهي تحاول الإنكار.
"لامستحيل...تضحية لأي غرض؟"
اتكئ الرجل على الحائط وهو يكمل.
"أنتِ لستِ أكثر من قربانٍ لأسلوديا... كي يعيش هو أطول."
ابتسم الرجل اكثر وهو يقول"هذه هي الطريقة التي اكتشفها سموه في الخفاء بطريقته الخاصة"
بدأت شفتي ايرينيا بالأرتعاش عندما سمعت هذا، قبل ان تعض على شفتيها وتتظاهر بالقوة.
"مستحيل! ابي سيأتي!"
ظهرت ابتسامة سخرية على محيال الرجل الذي امامها، قبل ان يقترب منها ويجثوا امامها.
"هذا ان عرف اين انتي"
اتسعت عيناها، ودخلت في حالة من التشوش، وظلت تنظر لأسفل في حالة ذهول غير قادرة على استيعاب الموقف.
'هل سيتم التضحية بي؟ اذا هل هذا يعني انني لن ارى ابي مرة اخرى؟'
تذكرت كيف كان آش يحبها ويحضنها ودائما مايلعب معها.
عندما خطرت تلك الفكرة في رأسها سقطت الدموع من دون ان تدرك.
اغلقت ايرينيا عينيها بقوة وهي تفكر'ابي! ابي ارجوك انقذني!'
نظر الرجل لها، قبل ان يتنهد'سحقا هل علي حراسة طفلة مدللة؟'
فجأة فتح فمه وخرجت منه نبرة حادة وهو يقول.
"هل ستستمرين بالبكاء؟"
رفعت ايرينيا رأسها ونظرت لرجل ولاحظت عينيه البنفسجية الهادئة، قبل ان يأخذ سجارة ذات عصاة طويلة ويبدأ التدخين.
فتحت ايرينيا فمها في محاولة لتحدث لكن رائحة الدخان منعتها من التحدث وجعلتها تسعل.
"كح!كح!"
نظر الرجل ذو الأعين البنفسجية الى عصاة التدخين التي في يده قبل ان يتمتم.
"غريب، الاتستطعين تحمل رائحة العشب المهدأ؟"
لم تجب ايرينيا لأنها كانت مشغولة بالسعال، ابتسم الرجل وهو ينظر للحائط الذي به
النقوش الذهبية التي كانت تتوهج رغم قِدم الحائط، كأنها تحمل أسرارًا خفية.
ضحك الرجل وهو ينظر لها، كان بالفعل يعرف ماكان مكتوبا هنا مما جعله يشعر بجرعة حماسية غير طبيعية.
حول عينيه ونظر الى ايرينيا التي كانت تنظر اليه بخوف، بإبتسامة عريضة مع عينان متوهجتان بشكل مخيف.
'سيكون حفلا رائعا'
حاولت ايرينيا النظر بعيدا عن عيني الرجل لأنها كانت مخيفة بالنسبة لها، لأنها شعرت كما لو ان عينيه يمكنها الرؤية من خلالها، من خلال اعماقها.
ووجدت نفسها تنظر للحائط الذي به النقوش الذهبية، بمجرد رؤيتها لها شعرت بوخز في رأسها واتاها صداع حاد، جعلها تغلق عينيها من الألم.
حاولت ايرينيا ان تقاوم الألم، وان تنظر للحائط لأنها شعرت انها ان تمكنت من فهم ماهو مكتوب على الحائط ستتمكن من الهروب او هذا ماكانت تظنه.
لكنها ذهلت، عندما نظرت للحائط الذي به النقوش، النقوش بدت كما لو انها تتحرك؟
اغلقت ايرينيا عينيها وفتحتها اكثر من مرة لعل الخطب يكون بها، لكن الأمر لم يتغير.
النقوش لم تعد مجرد رموز؛ بدأت تتحول إلى أشكال ثلاثية الأبعاد، وكأنها تمزق نفسها من الحائط لتخرج إلى العالم. كانت تحيط بها هالة من الضوء القرمزي الذي ينبض مثل قلب غاضب.
وفجأة بدأت تسمع همسات غامضة قادمة من كل زاوية في الغرفة، وكأن الجدران نفسها تتحدث. الأصوات لم تكن كلمات واضحة، بل شبيهة بصرخات مكتومة لا يعلم مصدرها.
وقف الرجل امامها، مما منعها من رؤية الحائط، قبل ان يجثوا امامها ويتحدث بنبرة تهديد.
"لاتنظري للحائط، انه ليس الوقت المناسب بعد"
تحول تعبير ايرينيا الى غاضب، وصرخت.
"حررني! ابي سوف يأتي ويقتلك! الاتعرف من هو ابي؟!"
ذهل الرجل من رد فعلها العنيف، الم تكن قبل لحظات تبكي ومستسلمة؟ كيف تغير هذا فجأة؟
'يجب علي فعل اي شيء للبقاء هنا وترك اثر! حتى وان عنى ذالك موتي!'
عندما كانت ايرينيا تنظر لرجل بتعبير غاضب، وكانت مصممة على فعلتها جفلت عندما ظهرت عين واحدة في البداية... على الحائط خلف الرجل ثم بدأت وجوه أخرى بالتشكل تدريجيًا، وكلها تحدق بها بغضب متزايد.
كانت ملامح الوجوه تتغير في كل لحظة، وكانت كلها تحدق بإيرينيا، دخلت ايرينيا بنوبة هلع وبدء تنفسها يتسارع مع عدد نبضات قلبها الذي اصبح اسرع.
انزلت ايرينيا عينيها وظلت تهز رأسها انها في حلم وانه ليس الواقع.
نظر لها الرجل بتعبير منزعج، وهو ينظر لكل الوجوه التي كانت تنظر لإيرينيا.
'الوقت قد تأخر، اإنها جائعة. الجوع الذي لا يُشبع أبدًا'
"اسلوديا! انه ليس الوقت بعد! انتظري قليلا حتى قدوم سيدك!"
-عشاء!-
لم تؤثر كلمات الرجل على اسلوديا، تحولت الجوه كلها لنظر اليه بغضب، رفعت ايرينيا عينيها ووجدت ان النقوش قد تغير مكانها لم تعد في الحائط اصبحت على الأرضية التي امامها، مما جعلها تحدق في النقوش التي تحول لونها للون القرمزي.
وكان بمقدورها سماع صوت صرخات واصوات ناس تصرخ بأنها لاتريد الموت، وعندما رفعت رأسها بدون وعي ظهرت ذكرى امامها لأسلوديا وهي تأكل البشر.
"كيااااااه!"
نظر الرجل وكل الوجوه لأيرينيا التي كانت تصرخ بشكل هيستيري، قبل ان تبدء بالتقيء بسبب المشهد الذي رأته.
نظر الرجل لها في حالة صدمة خاصة وانه رأى ان النقوش قد تغير مكانها.
كانت ايرينيا خائفة كانت مشاهد الناس تؤكل امامها يتكرر ويتكرر، رؤيتها لدموعهم جعلتها تصاب بقشعريرة في عمودها الفقري، كانت تبكي بسبب هذه المشاهد وبدأت تصرخ.
"لااريد! لاارغب برؤية المزيد!"
كانت ايرينيا تكافح من اجل التحرر، كانت تريد ان تتكئ في حضن والدها الدافء حيث كان هناك الأمان، ورؤيتها لإبتسامته اللطيفة التي كانت تبث في قلبها احساس الحب والحنان، قبل ان تبدأ بالصراخ بصوت اعلى.
"بابا..!!!"
"بابا!.!!!"
الوجوه ازدادت واصبح مظهرها مرعبا اكثر، وكانت اعينهم السوداء تحدق بها وتقول-عشاء!-
تغير محيطهم وتحول لمكان مليئء بالدماء، لم يكن هناك احد مصاب لكن كانت هناك دماء وجثث وعظام منتشرة بالأرجاء.
من شدة خوف ايرينيا من هذا المشهد سقطت ارضا مغميا عليها، نظر الرجل لها بذعر، قبل ان يلاحظ ان كل الوجوه كانت تنظر اليه، بدء الرجل بالتراجع خطوات مهتزة للوراء.
"لن تفعلوا ذالك صحيح؟... ان-
فجأة تعثر الرجل بحصاة وسقط ارضا، كان يحاول ان يهدأ لكن عيناه البنفسجية كانت ترتعش بوضوح، شعر بأصابع باردة تمسك كاحله، جفل ونظر للوراء ووجد يد سوداء تمسكه كأنها صنعت من الظلام، كانت بها عروق حمراء دامية تبدو وكأنها مسمومة، شعر الرجل بالخوف الشديد، ستكون نهايته الموت، لم يتوقع ذالك ابدا.
الم يخبروه ان المكان امن وان اسلوديا لن تظهر؟ اذا مالذي يحدث؟ كيف حصل هذا؟
رغم كل التساؤلات التي حصلت في دماغه الا انه رفع رأسه بسرعة ونظرت الوجوه له بإبتسامة.
اقشعر جسده قبل ان يشعر باليد تسحبه للخلف.
وظهرت النقوش الذهبية على يده والتي كانت مكتوبة بلغة يفهمها مع لون احمر دامي.
(الضحية1213)
حينها صرخ وهو يحاول التمسك بأي شيء للهروب من اليد، والدموع تسقط من عينيه.
"لااريد الموت! لا! اقتليها! اقتليها !اسلوديا! انها وجبتك ليست انا!"
صرخ الرجل بأعلى صوت لديه حتى تضررت حنجرته.
"انا فقط اريد العيش! اردت العيش مع القوة! اسلوديا! ايتها المملكة اللعينة!"
قبل ان يختفي الرجل داخل الظلام الذي ظهر فجأة من لامكان، وكان بالمقدور رؤية الدم الساقط على الأرض يسيل بغزارة على الأرض.
فجأة توقفت النقوش عن الحركة، وعادت الى لونها الذهبي الموجود على الحائط، حدقت الوجوه بإيرينيا، قبل ان تغلق عينيها وتختفي بهدوء تام، عاد الهواء ليكون طبيعي، اختفت الجثث والدماء عدى دم الرجل الذي مات لتو.
كل شيء اصبح هادئا بصورة مخيفة كما لو انه لم يحصل شيء، لم تمر لحظات قبل ان تستيقظ ايرينيا وتنظر حولها.
على الفور ضمت نفسها وبدأت تبكي وهي تقول تحت انفاسها.
"ابي...ار-ارجوك انقذني!"