الليل قد أرخى سدوله بالكامل على ساحات الأكاديمية. المصابيح البلورية التي كانت تطفو فوق المدرجات أصبحت الآن المصدر الرئيسي للضوء، تلقي بوهج أبيض، بارد، على الوجوه الصامتة للنبلاء.

الأجواء الاحتفالية التي كانت تملأ المكان في الصباح تبخرت تمامًا، وحل محلها صمت طويل، متوتر، لا يقطعه سوى حفيف الحرير وهمسات مكتومة هنا وهناك.

مرت تسع ساعات. تسع ساعات طويلة منذ أن ابتلع البرج الأسود أول ضحاياه. تسع ساعات من الترقب، ومن مشاهدة الصور الرمزية للطلاب وهي تتحرك ببطء، أو تتوقف فجأة، على البلورات العائمة.

فوز نير ڤيرتون، ثم الأميرة سيرافينا بعده مباشرة، كانا كعاصفتين متتاليتين ضربتا هدوء هذه الشرفة. النقاشات لم تتوقف. النبلاء، الذين استعادوا بعضًا من رباطة جأشهم، انقسموا إلى معسكرين.

معسكر يتهامس بخوف وإعجاب عن القوة الغامضة والمقلقة لعائلة ڤيرتون، ومعسكر آخر يحتفل بقوة الإرادة المطلقة للسلالة الإمبراطورية.

الإمبراطور ثيودور كان قد استعاد هدوءه الملكي. كان يجلس مسترخيًا في عرشه، يراقب البلورات بنظرة تحليلية باردة، وكأن ما حدث لم يكن انتصارًا لابنته، بل مجرد متغير جديد، مثير للاهتمام، في معادلة السلطة الكبرى.

لكن بين الحين والآخر، كانت ابتسامة فخر خفيفة تظهر على شفتيه وهو ينظر إلى البلورة التي تعرض الآن سيرافينا وهي تتلقى العلاج في قاعة المنتصرين.

بجانبه، كان دوق الظلال لا يزال صامتًا كقبر. لم يتحرك، لم يتكلم، ولم يغير من جلسته. كان مجرد فراغ أسود في طرف الرؤية، وجوده وحده كان يمثل تذكيرًا دائمًا بأن هناك قوى في هذا العالم لا تخضع لأي قوانين معروفة.

أليستر، الواقف خلفه، كان قد عاد إلى قناعه الجليدي المعتاد، لكن عينيه كانتا لا تزالان تلمعان ببريق الحسابات المعقدة.

فجأة، في خضم هذا الهدوء المشحون، دوى الصوت السحري مرة أخرى، واضحًا في سكون الليل.

"المشاركة الثالثة التي اجتازت المرحلة هي... آيلا!"

ساد صمت مذهول على الشرفة.

إذا كان فوز نير قد أحدث صدمة، وفوز سيرافينا قد أحدث رهبة، فإن فوز آيلا أحدث... ارتباكًا مطلقًا.

"من؟" تمتم ماركيز عجوز، وهو يميل نحو جاره. "هل قال 'آيلا'؟ من هي آيلا؟ من أي عائلة هي؟"

"إنها... إنها العامية." همس الآخر، وصوته كان مليئًا بعدم التصديق والازدراء. "تلك التي فازت بالمركز الأول في المتاهة."

انتشرت الهمهمات كالنار في الهشيم. هذه المرة، لم تكن هناك رهبة، ولا إعجاب. كان هناك غضب مكتوم. استياء. شعور بأن النظام الطبيعي للعالم قد تم انتهاكه.

كيف يمكن لعامية، فتاة قروية لا تملك أي خلفية، أي تدريب، أي إرث، أن تتفوق على أبنائهم وبناتهم في اختبار للإرادة والقوة النفسية؟ هذا لم يكن منطقيًا.

"لا بد أنه غش!" قال بارون بصوت عالٍ قليلاً، قبل أن يسكته نظرة حادة من الجنرال ڤاليريوس.

الإمبراطور ثيودور انحنى إلى الأمام، والحيرة الصادقة واضحة على وجهه. نظر إلى البلورة التي كانت تعرض الآن آيلا، تبدو مرهقة، شاحبة، لكن عينيها كانتا تلمعان ببريق غريب من العزم.

"هذه الفتاة..." قال الإمبراطور بصوت خفيض، موجهًا كلامه إلى ڤاليدور. "إنها أكثر من مجرد معالجة محظوظة. هناك شيء فيها. شيء... لا أستطيع تحديده."

دوق الظلال، لأول مرة منذ ساعات، حرك رأسه قليلاً. لم ينظر إلى الإمبراطور، بل نظر إلى البلورة التي تعرض آيلا. لم يقل شيئًا. لكن الصمت الذي انبعث منه تغير. لم يعد صمتًا فارغًا، بل أصبح صمت اهتمام.

بعد ساعتين أخريين، ساعتين من الهمسات المتزايدة والشكوك التي بدأت تتحول إلى نظريات مؤامرة، دوى الصوت مرة أخرى.

"المشاركة الرابعة التي اجتازت المرحلة هي... سيلين دي فالوا!"

هذه المرة، كان هناك تنهيدة ارتياح جماعية. على الأقل، هذا منطقي. وريثة دوقية الشمال، معروفة بإرادتها الجليدية. وجودها في المراكز الأولى أعاد بعضًا من التوازن المفقود إلى هذا العالم.

لكن الأربعة الأوائل كانوا قد تحددوا الآن. نير، سيرافينا، آيلا، سيلين. ابنان لدوقيتين من أقوى الدوقيات، الأميرة الإمبراطورية، وعامية غامضة. يا لها من تشكيلة غريبة، ومتفجرة.

"حسنًا،" قال الإمبراطور، وهو ينهض. "يبدو أن اللعبة قد أصبحت أكثر إثارة مما توقعت. سأترككم الآن. أيقظوني عندما يخرج ابني."

غادر، تاركًا وراءه شرفة مليئة بالنبلاء القلقين، ودوقًا صامتًا، وعالمًا على وشك أن يتغير.

[منظور نير ڤيرتون]

أرخى الليل سدوله بالكامل على ساحات الأكاديمية، غارقًا إياها في سكون مهيب.

المصابيح البلورية، التي ما زالت تطفو فوق المدرجات، باتت المصدر الوحيد للضوء، تبث وهجًا أبيض باردًا يتسلل إلى الوجوه الصامتة للنبلاء الذين لم يغادروا بعد، وينعكس على البلورات العملاقة التي تواصل بثها الصامت، كأنها تراقب بصبر ما تبقى من هذا اليوم.

الأجواء الاحتفالية التي كانت تملأ المكان في الصباح تبخرت تمامًا، وحل محلها صمت طويل، متوتر، لا يقطعه سوى حفيف الحرير وهمسات مكتومة هنا وهناك.

بعد أن تركت وليمتي نصف مكتملة، وجدت نفسي أسير بلا هدف في ممرات الأكاديمية المهجورة. لم أكن أرغب في البقاء في جناحي، ذلك المكان الذي تحول فجأة من ملاذ إلى سجن شهد على تحطم أملي الوحيد. كنت بحاجة إلى الهواء، حتى لو كان هواء هذا العالم الملعون.

قادتني قدماي إلى الساحة الرئيسية مرة أخرى. كانت فارغة الآن، إلا من بعض الحراس الذين يقفون كالتماثيل. وقفت في وسط الساحة الرخامية، ورفعت رأسي.

كانت البلورات العملاقة لا تزال هناك، تطفو في السماء السوداء كأقمار غريبة، صناعية.

كانت تعرض صورًا رمزية صامتة للطلاب الذين لا يزالون يصارعون في جحيمهم الشخصي داخل البرج. رأيت صورة ديغون، ثابتة، لا تتحرك، كأنه يواجه شيئًا بقوة إرادته المطلقة. ورأيت صورة كايلين، تصعد ببطء، وبثبات، كأنه يتسلق جبلاً خطيرًا.

كانوا يقاتلون. يعانون. وأنا... لقد خرجت. لقد فزت. لكنني شعرت بأنني الخاسر الأكبر.

فجأة، في خضم هذا الهدوء المخيف، دوى الصوت السحري مرة أخرى، واضحًا في سكون الليل.

"المشاركة الرابعة التي اجتازت المرحلة هي... سيلين دي فالوا!"

لم أتفاجأ. بعد الأداء المروع للأميرة سيرافينا، بدا أي شيء ممكنًا الآن. لكن فوز سيلين أكد شيئًا واحدًا: الأربعة الأوائل كانوا جميعًا من الشخصيات الرئيسية في هذه المسرحية اللعينة.

هذا يعني أن آيلا قد فازت بالفعل بالمركز الثالث. فكرت بمرارة، وشعرت بذلك الغضب القديم تجاه الكاتبة يعود ليحرق أحشائي. لقد نجحت مرة أخرى في دفع بطلتها الساذجة إلى القمة، متجاهلة كل منطق.

استدرت، وابتعدت عن الساحة. لم أعد أحتمل مشاهدة هذه المسرحية.

مشيت لساعات. عبر الحدائق الصامتة، بجانب نوافير المياه التي كانت تتلألأ تحت ضوء المصابيح. الهواء البارد كان يلسع وجهي، لكنه ساعد على تصفية ذهني قليلاً.

وفي تلك اللحظة، في وسط تلك العزلة الليلية، شعرت به.

شوق حارق، غريب، لشيء لم أذقه منذ زمن طويل.

"قهوة..."

الكلمة خرجت مني كهمس حزين.

لم أكن أشتاق إلى القهوة الفاخرة التي قد يقدمونها هنا، ذات النكهات المعقدة والرغوة المثالية. لا. كنت أشتاق إلى قهوتي أنا.

تذكرت رائحة البن الرخيص، المحروق قليلاً، الذي كان يملأ شقتي الحقيرة كل صباح. تذكرت صوت آلة التقطير القديمة وهي تصدر هسهسة وبخارًا، كأنها تحتضر. تذكرت دفء ذلك الكوب الخزفي الرخيص، المتشقق قليلاً عند الحافة، بين يدي الباردتين، وأنا أحدق في المطر الذي يضرب نافذتي المتسخة.

كان طعمها مرًا، قويًا، لاذعًا. لم تكن لذيذة بالمعنى التقليدي. لكنها كانت حقيقية. كانت وقودي. كانت الشرارة الوحيدة التي كانت توقظني من سباتي، وتجبرني على مواجهة يوم آخر من العدم.

هنا... كل شيء مثالي. الشاي له نكهة الزهور النادرة. العصائر تتلألأ كالجواهر السائلة. لكن كل شيء كان يفتقر إلى... الروح. يفتقر إلى تلك المرارة الصادقة للحياة الحقيقية.

هذا الشوق للقهوة... لم يكن مجرد شوق لمشروب. كان شوقًا لعالمي. شوقًا لحقيقة، حتى لو كانت بائسة.

هذا التفكير أعادني مرة أخرى إلى البرج.

إلى تلك النقوش الملعونة.

"القطب الجنوبي: حيث يموت الزمن وتنزف النجوم."

"قبر جوهر الوجود."

ماذا يعني كل هذا؟ شعرت بصدى ذلك الصداع الحارق يتردد في جمجمتي. لقد رأيت لمحة من حقيقة هذا العالم، حقيقة كانت أكبر وأقدم من أي إمبراطورية، من أي دوق. حقيقة كانت مخيفة لدرجة أن البرج نفسه كان يحميها، وأن عقلي كاد يتحطم لمجرد لمسها.

وهذا قادني مرة أخرى إلى النظام. ذلك النظام اللعين.

لقد أعطاني الأمل، ثم سحقه ببرود آلي. الرتبة السابعة. كان شرطًا مستحيلاً، سخيفًا. كان كمن يقول لطفل جائع، "يمكنك أن تأكل ما تشاء... فقط عليك أولاً أن تلمس الشمس."

"من هو اللعين الذي قد جلب لي نظامًا مثل هذا؟" تساءلت مرة أخرى، والبرود يعود ليغمر روحي. لم يكن نظام مساعدة. كان نظام تعذيب. مصمم ليذكرني دائمًا بمدى ضآلتي، وبمدى استحالة هدفي الحقيقي.

"كفى."

قلت بصوت عالٍ، قاطعًا دوامة أفكاري. "التفكير في المستحيل لن يغير شيئًا."

عليّ أن أركز على الممكن. على الحاضر. على المرحلة التالية.

أجبرت نفسي على الجلوس على أحد المقاعد الحجرية الباردة، وبدأت في تحليل ما أعرفه.

المرحلة الثالثة.

ستبدأ بعد أقل من عشرة أيام. من أصل 202 طالبًا دخلوا البرج، كم سينجو؟ الرواية ذكرت أن معدل الفشل في البرج كان مرتفعًا جدًا. حوالي 35% إلى 40% من المشاركين كانوا يفشلون، ويتم إخراجهم كقشور فارغة.

"إذًا... 202 ناقص حوالي 70 أو 80..." حسبت بسرعة. "سيتبقى ما يقارب 132 طالبًا."

132.

الرقم كان مألوفًا. تذكرت الآن.

"سيقسمون على 22 مجموعة. كل مجموعة فيها ستة أعضاء."

نعم. هذا ما ذكرته الرواية. 132 مقسومًا على 6 يساوي 22. الأرقام كانت منطقية.

لكن ما لم يكن منطقيًا هو تشكيل المجموعات.

"يا للمصادفة التي كتبتها تلك العاهرة!"

شعرت بالمرارة تعود إلى فمي.

فريقي. فريقي أنا.

كان كابوسًا.

نير ڤيرتون. آيلا. ديغون. الأميرة سيرافينا. سيلين دي فالوا. وكايلين.

لقد جمعت الكاتبة كل الشخصيات الرئيسية، كل القوى المتناقضة، كل الكراهية والتوتر والطموح، ووضعتهم في قنبلة موقوتة واحدة على شكل فريق.

كيف يفترض بنا أن نعمل معًا؟

أنا، الذي بالكاد أستطيع الوقوف في نفس الغرفة مع آيلا دون أن أشعر بالاشمئزاز من براءتها المصطنعة، ومع سيرافينا دون أن أشعر بالخطر المميت.

كايلين، الخصم الشريف الذي بالكاد شكلت معه هدنة مؤقتة.

سيلين، أميرة الجليد التي لا بد أنها تحمل ضغينة تجاهي بعد هزيمتها في البرج.

ديغون، العملاق الصامت الذي لا يعرف أحد ما يدور في ذهنه.

وسيرافينا... الشيطانة التي ستستمتع بالتأكيد بزرع بذور الشقاق بيننا، ومشاهدتنا ونحن نمزق بعضنا البعض.

وآيلا... ستكون هي "القلب الأخلاقي" للفريق، ستحاول أن تجعلنا جميعًا أصدقاء، وستكون على الأرجح عبئًا أكبر من أي وحش قد نواجهه.

كانت وصفة لكارثة مطلقة.

وما هي المرحلة نفسها؟

تذكرت الآن. كانت تسمى "صيد القمم القرمزية"

كانت ستقام في أرخبيل من الجزر العائمة، تم إنشاؤه خصيصًا لهذه المنافسة. كل جزيرة كانت تمثل بيئة مختلفة: غابة استوائية كثيفة، صحراء قاحلة، أطلال مدينة قديمة، جبال بركانية نشطة.

الجزر كانت متصلة بجسور ضوئية تظهر وتختفي بشكل عشوائي.

الهدف كان بسيطًا في ظاهره. كل فريق من الفرق الـ 22 سيُعطى "قمة قرمزية"، وهي بلورة سحرية حمراء. الهدف هو حماية قمتك، وسرقة قمم الفرق الأخرى.

القتال كان مسموحًا، بل ومشجعًا عليه. الأساور كانت لا تزال تعمل لمنع الموت، لكن الإصابات الخطيرة كانت متوقعة. الفريق الذي يفقد قمته، يتم استبعاد.

المنافسة كانت ستستمر لأسبوع كامل. والفريق الفائز هو الذي يجمع أكبر عدد من القمم في النهاية.

كانت اختبارًا للقوة، والتكتيك، والخيانة، والعمل الجماعي المستحيل.

"فريقنا..." تمتمت في الظلام. "سينهار في اليوم الأول."

كنت متأكدًا من ذلك.

لكن... ربما كان هذا هو المطلوب.

ربما في خضم تلك الفوضى، في خضم ذلك الانهيار، سأجد فرصتي. فرصة لأستخدم قوتي الحقيقية، بعيدًا عن أعين الآخرين. فرصة لأصطاد، ليس فقط القمم القرمزية، بل ربما... بعض الأسرار أيضًا.

نهضت من المقعد. الهواء الليلي البارد صفع وجهي، وأعادني إلى الحاضر.

لم يعد هناك فائدة من القلق.

لقد عرفت ما سيأتي. لقد عرفت فريقي. لقد عرفت التحدي.

الآن، كل ما يمكنني فعله هو الاستعداد.

لهذا الجحيم الجماعي القادم.

عدت إلى جناحي، ليس لأنام، بل لأبدأ التخطيط.

عشرة أيام.

لم تكن فترة راحة.

كانت فترة استعداد للحرب.

[منظور كايلين]

لم يكن هناك دوجو. لم تكن هناك ساحة معركة. لم يكن هناك شيء.

فقط... صحراء.

صحراء لا نهاية لها من الرمال السوداء، الناعمة كالغبار، تمتد في كل اتجاه حتى تلتصق بأفق أبيض، حليبي، لا حياة فيه. السماء فوقي لم تكن سماءً. كانت فراغًا أبيض، لا شمس فيه، ولا قمر، ولا نجوم. مجرد ضوء باهت، موزع بالتساوي، يلقي بظلال رمادية، حادة، على التموجات اللامتناهية للرمل الأسود.

الصمت. كان أول ما لاحظته. صمت مطبق، مطلق، أعمق من أي صمت عرفته. لم يكن هناك صوت رياح، ولا حفيف رمال، ولا حتى طنين في أذني. كان صمت ما قبل الخليقة، صمت الفراغ الذي يسبق كل شيء.

الهواء كان حارًا. ليس حرارة شمس، بل حرارة جافة، خانقة، تنبعث من الرمال السوداء نفسها، كأنني أقف على جمر بارد. كل نفس كنت ألتقطه كان يحرق حلقي، ويجفف فمي.

كنت أرتدي درعي التدريبي، وأحمل سيفي الحقيقي. شعرت بوزنهما يزداد مع كل ثانية، يضغطان عليّ، يسحبانني نحو هذه الرمال السوداء التي لا قرار لها.

"ما هذا المكان؟" تمتمت، وصوتي بدا غريبًا، مكتومًا، في هذا الصمت المطلق.

بدأت أسير. لم يكن لدي وجهة. لم يكن هناك ما أتوجه إليه. فقط سرت، لأكسر هذا الجمود القاتل، لأثبت لنفسي أنني لا أزال أتحرك، أنني لا أزال حيًا.

مرت ساعة. أو ربما يوم. أو ربما دقيقة. الزمن هنا كان سائلًا، لا معنى له. لم يتغير شيء. نفس الرمال السوداء، نفس السماء البيضاء، نفس الصمت، نفس الحرارة الخانقة.

بدأ العرق يتصبب مني، يبلل ملابسي تحت الدرع، ثم يتبخر على الفور، تاركًا وراءه طبقة من الملح على جلدي. بدأت أشعر بالعطش. عطش حارق، عميق.

لكنني واصلت السير. الانضباط الذي حفرته في روحي لسنوات كان هو وقودي الوحيد. خطوة. ثم أخرى. ثم أخرى.

بعد ما بدا وكأنه دهر، رأيت شيئًا يلمع في الأفق. وميض خافت، كأنه نجمة سقطت على الرمال السوداء.

تسارعت خطواتي. الأمل، ذلك الشعور الغريب الذي كدت أنساه، بدأ ينمو في داخلي.

عندما وصلت، وجدت أنها ليست نجمة. كانت شظية. شظية سوداء، لامعة، بحجم كف يدي، مغروسة في الرمال. كانت مصنوعة من مادة تشبه زجاج السبج، لكنها كانت أقتم، وأكثر صلابة.

انحنيت، ولمستها. كانت باردة. باردة بشكل لا يصدق، كأنها قطعة من جليد أبدي.

عندما لمستها، تغير سطحها. لم يعد مجرد زجاج أسود أملس. بل أصبح مرآة.

ورأيت... رأيت نفسي.

طفل صغير، في السادسة من عمره، يقف في ساحة تدريب ثلجية. كان يرتجف، ليس من البرد، بل من الإرهاق. كان يمسك بسيف خشبي أثقل من أن يستطيع حمله بشكل صحيح.

"مرة أخرى."

صوت والدي، باردًا، قاسيًا، تردد من الشظية.

رأيت الطفل الصغير يرفع السيف مرة أخرى، ويهوي به. كانت ضربة ضعيفة، غير متقنة.

رأيت والدي يهز رأسه باشمئزاز خفيف.

"هذا ليس كافيًا." قال الصوت. "إذا أردت أن تحمل اسم 'الخشب الحديدي'، فعليك أن تكون أقوى. عليك أن تضحي بكل شيء."

اختفت الصورة.

شعرت بوخزة من ألم قديم في صدري. واصلت السير.

بعد فترة أخرى لا يمكن قياسها، وجدت شظية أخرى.

لمستها.

رأيت نفسي مرة أخرى. مراهقًا، في الرابعة عشرة. كنت أقف في مهرجان القرية الشتوي. الطلاب الآخرون كانوا يضحكون، يتزلجون على البحيرة المتجمدة، يرمون كرات الثلج. كانوا يعيشون.

وأنا... كنت أقف في الظل، وحدي، أراقبهم. سيفي التدريبي كان بجانبي. لم أكن جزءًا منهم. لم أعرف كيف أكون.

"التدريب هو حياتك." قال صوت والدي من الشظية. "الأصدقاء، الضحك... هذه كلها إلهاءات. ضعف. السيف لا يعرف الضعف."

واصلت السير.

شظية تلو الأخرى. كل واحدة كانت تعرض لي جزءًا من حياتي، جزءًا من السجن الذي بنيته لنفسي.

رأيت نفسي أهزم أول خصم حقيقي لي، ورأيت الخوف في عينيه.

رأيت نفسي أتدرب لساعات تحت عاصفة ثلجية، حتى تجمدت أطرافي وكدت أفقدها.

رأيت نفسي أرفض دعوة فتاة جميلة للرقص في حفل نبيل، لأنني كنت أفضل صقل حركاتي بالسيف.

كل ذكرى كانت طعنة. كل شظية كانت تؤكد لي الحقيقة المرة: لقد ضحيت بإنسانيتي من أجل القوة.

وأخيرًا، بعد رحلة لا نهاية لها عبر صحراء ذكرياتي، وصلت إلى المركز.

لم يكن هناك شيء مميز. فقط مساحة واسعة من الرمال السوداء المسطحة.

وهناك، في المنتصف، كان ينتظرني.

أنا.

كان نسخة طبق الأصل مني. نفس الطول، نفس الشعر الأسود، نفس الدرع، نفس السيف.

لكن عينيه... كانتا فارغتين. لم تكونا رماديتين. كانتا مجرد ثقبين أسودين في وجهه، يمتصان الضوء، والروح.

"إذًا، لقد أتيت أخيرًا." قال، وصوته كان صوتي، لكنه كان خاليًا من أي حياة، كأنه صدى قادم من قبر.

رفعت سيفي. "من أنت؟"

ابتسم. ابتسامة فارغة، لم تصل إلى عينيه. "أنا هو أنت. أنا هو الجوهر. أنا هو الفراغ الذي بنيت حياتك حوله."

"أنا هو السيف."

هاجمت.

كانت معركة مستحيلة. كل حركة كنت أقوم بها، كان يقوم بها هو. كل ضربة كنت أصدها، كان يصدها هو. كنا نرقص نفس الرقصة، نغني نفس اللحن. كنا متطابقين تمامًا.

لا. لم نكن متطابقين. كان هو أفضل.

لأنه لم يكن يشعر بالتعب. لم يكن يشعر بالألم. لم يكن يشعر بالشك.

كان آلة. آلة مثالية، لا ترتكب أي أخطاء.

أما أنا، فكنت أتعب. كنت أرتكب الأخطاء.

بعد ساعة، أو ربما يوم، من القتال المتواصل، تعثرت.

لجزء من الثانية، فقدت توازني.

استغل هو تلك الفرصة.

ضربة سريعة، دقيقة. طار سيفي من يدي، وسقط بعيدًا على الرمال السوداء.

ضربة أخرى بمقبض سيفه على صدري. سقطت على ركبتي، وأنا ألهث، والعرق يغشي عيني.

وقف فوقي، وظله يغطيني. رفع سيفه ليقضي عليّ.

"انظر." قال بصوته الفارغ. "لقد خانتك سرعتك. لقد خانتك قوتك. كل شيء ضحيت به... كان من أجل لا شيء. أنت فارغ، كايلين. فارغ تمامًا مثل هذه الصحراء."

حدقت في وجهه، في عينيه الفارغتين.

كان محقًا.

لقد خسرت.

أغمضت عيني، وتقبلت مصيري. استسلمت.

لكن في تلك اللحظة من الاستسلام المطلق، سمعت صوتًا آخر. ليس صوته، وليس صوتي.

صوت والدي الحقيقي، من ذاكرة بعيدة.

"جوهر السيف ليس في السرعة، وليس في القوة. إنه في الفراغ."

الفراغ...

فتحت عيني. لم أعد أرى النسخة الفارغة مني. لم أعد أرى الهزيمة.

بل رأيت عينيه. رأيت الفراغ الذي يسكنهما.

وفهمت.

لم يكن عليّ أن أقاتل الفراغ. لم يكن عليّ أن أملأه بالقوة، أو بالسرعة، أو بالشرف.

كان عليّ... أن أقبله. أن أصبح هو.

أرخيت كل عضلاتي. توقفت عن المقاومة. توقفت عن التفكير.

أصبحت... فارغًا.

النسخة التي كانت تقف فوقي ترددت. سيفه توقف في منتصف الطريق.

لأول مرة، ظهر تعبير على وجهه. تعبير من الارتباك.

نهضت على قدمي ببطء. لم ألتقط سيفي.

فقط وقفت هناك، فارغًا، هادئًا.

"أنت... ماذا تفعل؟" سأل، وصوته كان يحمل لمسة من... الخوف؟

"أنا لا أفعل شيئًا." قلت، وصوتي كان هادئًا. "أنا فقط... موجود."

صرخ، وهاجمني بضراوة.

لم أتحرك.

مر سيفه من خلالي، كأنه يقطع ضبابًا.

نظر إلى سيفه، ثم إليّ، بصدمة مطلقة.

"كيف...؟"

"لأنني لست هنا لأقاتلك." قلت. "أنا هنا... لأفهمك."

مددت يدي، ولامست وجهه.

لم يكن صلبًا. كان كالدخان البارد.

وفي اللحظة التي لمسته فيها، تلاشى.

تحول إلى غبار أسود، وامتصه الرمل.

الصحراء من حولي بدأت تتلاشى أيضًا. السماء البيضاء تشققت، وانهارت.

ووجدت نفسي أقف في غرفة رمادية، فارغة.

أمامي، كان هناك درج، يصعد إلى الأعلى.

كنت منهكًا جسديًا، وروحيًا، وعقليًا.

لكنني لم أعد فارغًا.

لقد واجهت فراغي. وملأته... بنفسي.

بدأت في الصعود، وأنا أعرف أنني لن أكون نفس المبارز مرة أخرى.

لقد أصبحت... شيئًا أكثر.

2025/07/30 · 21 مشاهدة · 2848 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025