[منظور نير ڤيرتون]
كل أفكاري السعيدة عن وليمة هادئة ونوم عميق تبخرت كأنها لم تكن. لقد أفسدت كل شيء. تلك الشيطانة... لقد أفسدت حتى لحظة انتصاري النادرة.
لكن لماذا أزعج نفسي؟
الفكرة لمعت في عقلي فجأة، قاطعة دوامة القلق والتحليل.
لماذا أمنحها هذا القدر من السلطة على أفكاري، على سلامي؟ لقد فزت. لقد سحقت أصعب اختبار نفسي في الإمبراطورية. لقد خرجت أولاً. هذا انتصاري أنا، وهذه لحظتي أنا.
"فلتذهب إلى الجحيم." تمتمت للفراغ في غرفتي، وابتسامة ساخرة، متعبة، ارتسمت على شفتي.
"ليس وكأنها تستطيع فعل شيء الآن. حسناً، تستطيع فعل الكثير... لكن لا يهم. سأستمتع قبل أن يفوز جميع الأبطال."
نعم. سأستمتع. سأنتزع هذه اللحظة من فكي هذا القدر اللعين، وسأجعلها ملكي.
هذا القرار البسيط، هذا التحدي الصغير ضد دوامة اليأس، شعر وكأنه أول انتصار حقيقي. تحركت عبر الغرفة، وشعرت بأن ثقلاً قد أُزيح عن كتفي. لم أعد أسيرًا لأفكاري. لقد أصبحت سيدها مرة أخرى.
"أولاً..." قلت بصوت عالٍ، كأنني أعلن خطة معركة. "حمام."
الحمام في جناحي الأكاديمي لم يكن بفخامة حمام القصر، لكنه كان ملاذًا من الرخام الأبيض والماء الساخن. أدرت المقابض الفضية، وتدفق الماء كشلال من البخار، يملأ الهواء برائحة الأعشاب المهدئة التي كانت موضوعة في وعاء صغير بجانب الحوض. انغمست في الماء الساخن الذي كان يلسع جلدي، وشعرت بأن كل عقدة في عضلاتي، كل ذكرى باردة من البرج، تبدأ في الذوبان.
أسندت رأسي إلى حافة الحوض، وأغمضت عيني. لم أفكر في سيرافينا، ولا في البرج، ولا في الرواية. فكرت فقط في الإحساس. إحساس الماء وهو يغلف جسدي، إحساس البخار وهو يملأ رئتي، إحساس الهدوء النسبي الذي سرقته من هذا العالم الفوضوي. بقيت هناك لوقت طويل، حتى بدأ الماء يبرد، وحتى شعرت بأن جلدي قد تجعد.
خرجت من الحمام، والبخار يلتف حولي كضباب شبحي، يطمس ملامح جناحي الفاخر ويحوله إلى عالم من الظلال الناعمة. شعرت بأنني طُهرت، ليس فقط من غبار البرج وأوساخه، بل من جزء من ذلك الرعب البارد الذي التصق بروحي. الماء الساخن لم يغسل الذكريات، لكنه خفف من حدتها، وأعاد الدفء إلى أطرافي التي شعرت بأنها متجمدة من الداخل.
لففت نفسي برداء سميك من القطن الأسود، كان ناعم الملمس كأنه سحابة. لم أرتدِ الزي الرسمي، ولا أي ملابس أخرى. في هذه اللحظة، في هذه الساعات القليلة القادمة، لم أكن نير ڤيرتون، وريث الدوقية. كنت فقط... أنا. كيان مرهق يتوق إلى أبسط أشكال الراحة.
مشيت حافي القدمين على السجادة الفارسية السميكة التي كانت تغطي أرضية غرفة المعيشة في جناحي. الهواء كان لا يزال يحمل رائحة خفيفة من الزيوت العطرية. وقفت أمام النافذة الضخمة، التي كانت تمتد من الأرض إلى السقف، ونظرت إلى الخارج.
الشمس كانت قد بدأت رحلتها نحو الغروب، وترسم خطوطًا طويلة من الضوء الذهبي والبرتقالي عبر ساحات الأكاديمية الخضراء. الطلاب اللذين خسروا في المرحلة الأولى كانوا قد بدأوا يخرجون من المباني، يتجهون إلى قاعة الطعام أو إلى أجنحتهم السكنية. بدا العالم هادئًا، طبيعيًا. كذبة جميلة.
استدرت، وضغطت على الجرس الحريري المعلق بجانب الحائط. لم يمر سوى نصف دقيقة قبل أن يُسمع طرق خافت، محترم، على الباب.
"ادخل."
دخل أحد الخدم، يدعى جينيت، ووراءه خادمان آخران. انحنى جينيت انحناءة عميقة، وجهه العجوز كان يحمل تعبيرًا من الرهبة والاحترام.
"سيدي الشاب، هل تحتاج إلى شيء؟"
"نعم، جينيت." قلت، وصوتي كان هادئًا، خاليًا من أي أثر للتوتر الذي شعرت به في الممر. "أريد وليمة. وليمة تليق بانتصار."
رفعت يدي، وبدأت في سرد قائمة الطلبات التي كنت قد أعددتها في عقلي وأنا في حوض الاستحمام.
"أريد حساء 'الغرفين الذهبي'. وأريد شريحة كاملة من ضلع 'تنين الصقيع الصغير'، مشوية ببطء على خشب السنديان المسحور، مع صلصة التوت البري الحامضة. أريد فطيرة 'الكمأة السوداء' من غابات الشمال، مع طبقة من جبن الماعز الذائب. أريد طبقًا جانبيًا من 'الهليون البلوري'، مطهوًا على البخار مع زبدة الأعشاب.
وللتحلية... أحضر لي تلك الكعكة الإسفنجية ذات الطبقات السبع بالكريمة وتوت 'الضوء النجمي'."
اتسعت عينا جينيت قليلاً مع كل طبق كنت أذكره. كانت هذه قائمة طعام لا تُطلب عادة لشخص واحد، بل لحفل عشاء صغير.
"وبالنسبة للشراب..." تابعت. "أحضر لي إبريقين. واحد من عصير 'تفاح الشمس المشرقة' الفوار، باردًا جدًا. والآخر من 'شاي الجليد القمري'، دافئًا. ولا أريد أن يزعجني أحد. لا زيارات، لا رسائل. لا شيء. هل هذا واضح؟"
"واضح تمامًا، سيدي الشاب." قال جينيت، وانحنى مرة أخرى. "سيتم تجهيز كل شيء على الفور."
غادر الخدم، وتركوني مرة أخرى في صمت جناحي الفاخر. مشيت نحو المكتبة الصغيرة في زاوية الغرفة، وسحبت كتابًا بشكل عشوائي. كان عن تاريخ الحروب القديمة. ألقيته على الطاولة بازدراء. ليس الآن.
الآن، هو وقت اللاشيء.
بعد أقل من ساعة، عادت عربة الطعام الفضية، يدفعها أربعة خدم هذه المرة. الطاولة المستديرة في وسط الغرفة تحولت إلى عمل فني من الطعام والروائح الشهية.
الأطباق كانت تتصاعد منها الأبخرة، والألوان كانت زاهية، وكل شيء كان مرتبًا بدقة متناهية.
صرفت الخدم، وجلست وحدي.
بدأت في الأكل. ببطء. بمتعة خالصة. كل لقمة كانت انفجارًا من النكهات التي لم أكن أعرف أنني أفتقدها. الحساء الكريمي، لحم التنين الطري الذي كان يذوب في فمي، الفطيرة الغنية... كان الأمر أشبه بإعادة اكتشاف للحياة من خلال حاسة التذوق.
كنت آكل، وعقلي كان هادئًا في البداية. لكن مع امتلاء معدتي، وشعوري بالدفء والرضا ينتشر في جسدي، بدأت الأفكار الاستراتيجية تعود لتزحف إلى وعيي، كضيوف غير مرغوب فيهم لكن لا مفر منهم.
المرحلة الثالثة.
ستكون جماعية. كان هذا هو النمط المنطقي الذي تتبعه الرواية، والذي تتبعه أي مؤسسة عسكرية أو سحرية. بعد اختبارات البقاء الفردية، واختبارات الإرادة الفردية، يأتي دائمًا اختبار العمل الجماعي.
ثم تذكرت.
تجمدت، والشوكة في يدي.
تذكرت تلك المصادفة السخيفة، تلك الحبكة المبتذلة التي صاغتها الكاتبة المعتوهة لزيادة الدراما إلى أقصى حد.
يال المصادفة التي كتبتها تلك العاهرة! صرخت في عقلي، وشعرت بالغضب يعود ليُفسد طعم طعامي اللذيذ.
أنا، وآيلا، وديغون، وسيرافينا، وسيلين، وكايلين... في مجموعة واحدة!
كان الأمر سخيفًا لدرجة أنه كان مضحكًا. لقد جمعت الكاتبة كل الشخصيات الرئيسية، كل القوى المتناقضة، كل الكراهية والتوتر والطموح، ووضعتهم في قنبلة موقوتة واحدة على شكل فريق.
كيف يفترض بنا أن نعمل معًا؟ أنا، الذي أحتقر آيلا وأتجنب سيرافينا. كايلين، الذي ينافسني. سيلين، أميرة الجليد التي لا تثق بأحد. ديغون، العملاق الصامت. وآيلا، البطلة الساذجة التي ستكون على الأرجح عبئًا أكثر منها مساعدة. وفوق كل هذا، سيرافينا، الشيطانة التي ستستمتع بالتأكيد بزرع بذور الشقاق بيننا.
"سيكون جحيمًا." تمتمت، وأخذت رشفة كبيرة من العصير الفوار، كأنني أحاول أن أطفئ النار التي بدأت تشتعل في معدتي.
وفي خضم هذا الغضب، في خضم هذا اليأس من الحبكة التي لا مفر منها، تذكرت.
تجمدت مرة أخرى.
"السؤال..." تمتمت.
ذلك الأمل المرعب، المؤلم، الذي كنت قد دفنته تحت طبقات من الطعام والشراب واللامبالاة المصطنعة، عاد ليطفو على السطح.
لقد فزت ببرج الأوهام. لقد حصلت على سؤال آخر. فرصة أخرى!.
وضعت الشوكة والسكين. لم أعد أشعر بالجوع. كل حواسي، كل ذرة من كياني، كانت تركز الآن على تلك الواجهة الباردة التي كانت تنتظر في ظلمة وعيي.
هل أفعلها الآن؟ هل أخاطر بتحطيم هذه الهدنة الهشة التي صنعتها لنفسي؟
لم أستطع المقاومة. الأمل كان أقوى من أي منطق، من أي خوف.
أغمضت عيني.
استدعيت النظام.
ظهرت الواجهة.
‹مكافأة اجتياز المرحلة الثانية متاحة. لديك سؤال واحد.›
شعرت بقلبي يدق بعنف في صدري. يداي، اللتان أصبحتا باردتين فجأة، وضعتهما على الطاولة لأمنعهما من الارتجاف.
هذه المرة، لم يكن مجرد فضول. كانت حاجة. حاجة ماسة لمعرفة ما إذا كان ذلك الـ "نعم" الذي حصلت عليه سابقًا حقيقيًا، أم مجرد وهم آخر، خدعة أخرى من هذا النظام اللعين.
أخذت نفسًا عميقًا.
شكلت الكلمات في عقلي، بتوتر شديد، كأنني أقف على حافة هاوية، وأهمس بسري الأكبر للريح.
"كيف يمكنني العودة إلى عالمي؟"
سألت، وانتظرت.
مرت ثانية.
ثانيتان.
ثلاث.
الصمت كان يقتلني.
ثم، ظهرت الإجابة. لم تكن كلمة واحدة. كانت جملة. جملة باردة، آلية، وحطمت كل بصيص أمل كان قد ولد في روحي.
‹لا يمكن الرد على هذا السؤال. الوصول إلى معلومات من هذا المستوى يتطلب أن يكون المستخدم في الرتبة السابعة (نصف سامي) أو أعلى.›
‹الرتبة الحالية للمستخدم: 1 (مستنير).›
بقيت أحدق في الكلمات.
مرة.
مرتين.
ثلاث.
عقلي كان يرفض أن يفهم.
الرتبة السابعة؟ نصف سامي؟ نفس رتبة والدي والإمبراطور؟
هل... هل هذه مزحة؟
الدفء الذي شعرت به من الطعام والراحة، تبخر. وحل محله برد جليدي، أشد قسوة من أي برد شعرت به في المدينة المهجورة.
لم أشعر بالغضب هذه المرة. لم أصرخ.
بل حدقت في الواجهة بنظرة باردة جدًا، خالية من أي عاطفة.
"هراء." فكرت. "هراء بحت. ومستحيل."
أن أصبح واحدًا من أقوى الكائنات في هذا الكون، فقط للحصول على إجابة؟ هذا ليس مجرد شرط صعب. هذا استهزاء. هذا سخرية مطلقة.
"النظام يسخر مني." أدركت، والبرود في داخلي تحول إلى جليد أسود. "إنه يلوح بالجائزة أمامي، ثم يضعها على قمة جبل لا يمكن تسلقه، ويضحك وأنا أحاول الوصول إليها."
"من هو اللعين الذي قد جلب لي نظامًا مثل هذا؟" تساءلت، ليس بغضب، بل بفضول جليدي. "من هو هذا الكائن السادي الذي يستمتع بهذا النوع من التعذيب النفسي؟"
اختفت الواجهة.
بقيت جالسًا أمام وليمتي التي أصبحت باردة الآن.
الأمل... كان سمًا. لقد تذوقته للحظة، والآن، كان يحرق أحشائي.
حسنًا.
إذا كانت هذه هي اللعبة... فسألعبها.
إذا كانوا يريدونني أن أصل إلى الرتبة السابعة... فسأصل إليها.
حتى لو اضطررت إلى حرق هذا العالم بأكمله للوصول إلى القمة.
نهضت من على الطاولة، وشعوري بالسلام قد تحطم تمامًا. لم أعد جائعًا. لم أعد أرغب في الراحة.
كل ما أردته الآن... هو القوة.
قوة كافية لكسر قيود هذا النظام، وتحطيم جدران هذا العالم، والعودة إلى وطني.
مهما كان الثمن.
[منظور سيلين دي فالوا]
لم تكن هناك جدران. ولم يكن هناك سقف.
كان هناك فقط... فراغ أبيض، يمتد إلى ما لا نهاية. فراغ صامت، بارد، كأنه قلب شتاء أبدي. الأرض تحت قدمي لم تكن جليدًا، بل كانت مرآة. مرآة ضخمة، مصقولة، لا تعكس أي شيء سوى هذا البياض المطلق، وهذا الفراغ اللامتناهي.
الهواء كان رقيقًا، حادًا، وكل نفس كنت ألتقطه كان يجرح رئتي ببرودته القاسية. لم تكن هناك رياح، ولا أي حركة. فقط هذا السكون المطبق، سكون القبر.
وفي وسط هذا الفراغ، على بعد مئات الأمتار مني، كان يقف هو.
عرش الشمال.
لم يكن مجرد مقعد، بل كان كيانًا. منحوتًا من قطعة واحدة من جليد أزرق داكن، جليد قديم جدًا لدرجة أنه بدا أسودًا تقريبًا. كان ضخمًا، مهيبًا، ومسنده الخلفي يرتفع كقمم جبال متجمدة. كانت عليه نقوش حادة، تشبه الأحرف الرونية القديمة، تتوهج بضوء أزرق باهت، بارد.
كان عرش والدي. عرش كل دوقات دي فالوا الذين سبقوه. رمز قوتنا، رمز هيمنتنا على الشمال.
لكنه كان... فارغًا.
بدأت أسير نحوه. كل خطوة كانت تتردد في الصمت، وصوت احتكاك حذائي بالسطح المرآتي كان الصوت الوحيد في هذا الكون الفارغ.
مع كل خطوة، كانت المرآة تحتي تبدأ في عرض الصور.
ليست انعكاسات. بل ذكريات.
رأيت نفسي كطفلة صغيرة، أتعثر وأسقط في ساحة التدريب الثلجية، ووالدي يقف بعيدًا، لا يمد يده لمساعدتي، بل يقول بصوته البارد، "انهضي. آل دي فالوا لا يسقطون."
رأيت نفسي في أول درس لي في السياسة، وأنا أجلس أمام طاولة ضخمة، أستمع إلى جدال النبلاء، وأشعر بالضياع والارتباك، ووالدي يرمقني بنظرة خائبة.
رأيت كل إخفاقاتي. كل لحظات ضعفي. كل مرة لم أكن فيها مثالية. المرآة كانت تعرضها أمامي بوضوح قاسٍ، دون رحمة.
تجاهلتها. واصلت السير. كبريائي كان درعي.
عندما وصلت أخيرًا أمام العرش، شعرت بثقله الهائل، بقوته القديمة.
ثم، ظهر هو.
لم يظهر بوميض، أو بدخان. بل تشكل ببساطة على العرش، كأنه كان هناك طوال الوقت.
والدي.
كان يرتدي درعه الفضي، وعباءته الزرقاء. وجهه كان كقناع من الجليد، وعيناه الزرقاوان تحدقان فيّ، لا تحملان أي عاطفة، فقط ذلك التقييم البارد، القاسي.
"سيلين."
صوته، الذي كان دائمًا مصدر قوة وخوف بالنسبة لي، تردد في الفراغ، وأرسل قشعريرة في عمودي الفقري.
"أبي." أجبته، وحاولت أن أجعل صوتي ثابتًا.
"لقد أتيتِ أخيرًا." قال. "كنت أنتظرك."
"لماذا نحن هنا؟" سألت، وأنا أنظر حولي. "ما هذا المكان؟"
"هذا هو اختبارك الأخير." قال. "هذا هو عرش الشمال. وهو يرفض الضعفاء."
ثم، بدأ الكابوس.
لم تكن مجرد كلمات. كانت هجومًا. كل كلمة كانت تخرج من فمه كانت تتحول إلى شظية من جليد حاد، تنطلق نحوي.
"لماذا كنتِ العاشرة في المرحلة الأولى؟" قال، وانطلقت شظية جليدية، مزقت عباءتي عند كتفي. "عامية، ونبلاء ثانويون... تفوقوا عليكِ. يا للعار."
"لماذا هزمتِ في المرحلة الثانية؟" قال، وانطلقت شظية أخرى، جرحت ذراعي. "ابن دوق الظلال، ذلك الظل المكسور، خرج أولاً. حتى أخت ولي العهد تفوقت عليكِ. هل أنتِ حقًا من دمي؟"
كنت أصد الشظايا بسحري الجليدي. خلقت درعًا من الصقيع أمامي، لكن كل شظية كانت أقوى من التي قبلها، والدرع بدأ يتشقق.
"لقد بكيتِ في المتاهة." قال، وصوته أصبح كصوت انهيار جليدي. "لقد اختبأتِ في كهف كفأر خائف. هل هذه هي قوة دي فالوا؟"
هذه المرة، الشظية كانت ضخمة، حادة كرمح. اخترقت درعي المحطم، وغرزت نفسها في فخذي.
صرخت، وسقطت على ركبة واحدة. الدم بدأ يسيل، ويتجمد على الفور على السطح المرآتي.
"أنتِ لستِ جديرة." قال والدي الوهمي، ونهض من العرش. "لستِ جديرة بهذا الاسم. لستِ جديرة بهذا العرش."
بدأ يسير نحوي ببطء، وكل خطوة كانت تزلزل الفراغ. الهواء حولي أصبح أبرد بشكل لا يطاق. بدأت أشعر بالخدر في أطرافي. الصقيع بدأ يتشكل على شعري، على رموشي.
"لكن..." قال، وهو يقف فوقي. "هناك طريقة. هناك طريقة لتطهري نفسكِ من هذا العار."
رفع يده، التي كانت تتوهج بضوء أزرق بارد.
"استسلمي. اعترفي بضعفكِ. اقبلي بأنكِ لستِ جديرة. وسأنهي ألمكِ."
كان يغويني. يغويني بالراحة، بالخلاص من هذا العذاب.
نظرت إلى وجهه. إلى عينيه الباردتين. ورأيت فيهما انعكاسًا لنفسي. انعكاسًا لكل مخاوفي، لكل شكوكِي.
شعرت بأن إرادتي تتكسر. ربما... ربما هو محق. ربما أنا لست جديرة. ربما يجب أن أستسلم.
الدموع تجمدت على خدي.
"لا..."
الكلمة خرجت كهمس متقطع، ضعيف.
رفع حاجبًا. "ماذا؟"
"لا." قلت مرة أخرى، وهذه المرة، كان صوتي أقوى قليلاً.
رفعت رأسي، ونظرت في عينيه مباشرة.
"أنت لست والدي." قلت، والكلمات كانت باردة، وحادة. "أنت مجرد... وهم. صدى لخوفي."
ضحك. ضحكة باردة، خالية من المرح. "وهل هذا يغير أي شيء؟ أنا هو الحقيقة التي تخشين مواجهتها."
"لا." قلت، وأنا أبدأ في النهوض ببطء، متجاهلة الألم الحارق في ساقي. "أنت مخطئ. أنت لست حقيقتي. أنت سجني. سجن بنيته من توقعاتك، ومن خوفي من عدم تحقيقها."
وقفت على قدمي المرتجفتين. "نعم، لقد كنت العاشرة. نعم، لقد هزمني ڤيرتون. نعم، لقد بكيت."
"لكن هذا... لا يجعلني ضعيفة."
شعرت بشيء يتغير في داخلي. شيء يتكسر. ليس إرادتي، بل ذلك القيد الذي كنت أفرضه على نفسي.
"الضعف الحقيقي،" تابعت، وصوتي أصبح الآن ثابتًا كجليد الشمال. "هو الخوف من الفشل. هو الهروب من الألم. هو التظاهر بالكمال."
"أنا لست مثالية." اعترفت، وشعرت بأن وزنًا هائلاً قد أُزيح عن كتفي. "أنا أرتكب الأخطاء. أنا أشعر بالخوف. أنا أنزف."
"لكنني... لا أستسلم."
مددت يدي. "وهذا البرد... هذا الألم... هذا اليأس... إنه ليس عدوي."
"إنه... قوتي."
وفي تلك اللحظة، أطلقت العنان لكل شيء. لكل الألم، لكل الخوف، لكل الكبرياء.
لم يكن انفجارًا عنيفًا. بل كان إطلاقًا هادئًا، باردًا.
بدأت عاصفة ثلجية تتشكل حولي. لم تكن عاصفة عادية. كانت زرقاء. زرقاء داكنة، كقلب العرش.
الرجل الوهمي الذي كان والدي تراجع خطوة إلى الوراء، ولأول مرة، رأيت وميضًا من الشك في عينيه.
"ما هذا؟"
"هذا... هو أنا." قلت.
العاصفة الزرقاء ضربته. لم تمزقه، لم تحطمه. بل جمدته.
في ثانية، تحول إلى تمثال من الجليد الأزرق الداكن، وتعبير الصدمة متجمد على وجهه.
ثم، بصوت طقطقة خافتة، تشقق التمثال، وانهار، وتحول إلى غبار جليدي أزرق، تبدد في الفراغ الأبيض.
العرش خلفه بدأ يتشقق أيضًا. المرآة تحتي تحطمت. الفراغ الأبيض بدأ ينهار.
ووجدت نفسي أقف في غرفة رمادية، فارغة.
أمامي، كان هناك درج، يصعد إلى الأعلى.
كنت أنزف، وكنت أتجمد، وكنت منهكة تمامًا.
لكنني كنت... حرة.
بدأت في الصعود، وكل خطوة كانت أكثر ثباتًا من التي قبلها.