[منظور نير ڤيرتون]

الظلام الذي ابتلعني بعد رؤية تلك الذاكرة المفقودة لم يكن فراغًا مريحًا. كان عاصفة صامتة من المشاعر المتضاربة التي كانت تمزق روحي.

الحزن على فقدان أم لم أكن أعرف أنني أمتلكها، والغضب من أب سرق مني ذكرياتي، والارتباك المطلق من وجود أخت لم تكن موجودة في أي سجل، وكل هذا امتزج مع ذلك الشعور الغريب، الدافئ، والمؤلم... بالانتماء.

عندما استيقظت، كان أول ما رأيته هو أربعة أزواج من العيون تحدق فيّ.

عينا أليستر الرماديتان، باردتان، تحليليتان، لكنهما تحملان وميضًا خافتًا من قلق لم أره فيه من قبل.

وعينا سيريس القرمزيتان، الواسعتان، لم تعودا تحملان غضبًا، بل فضولاً طفوليًا نقيًا، ممزوجًا بشيء من الحذر، كأنها تنظر إلى حيوان بري غريب ظهر فجأة في حديقتها.

ثم عينا والدتي، ليليث. كانتا قرمزيتين أيضًا، لكنهما كانتا أعمق، تحملان محيطًا من الحزن، والقوة، وحنانًا مؤلمًا وهي تنظر إليّ.

كنت لا أزال ممددًا على السجادة الأرجوانية الناعمة، ورأسي يستريح على وسادة يبدو أنهم وضعوها تحته.

"أمي..."

الكلمة خرجت مني كهمس، صدى لتلك الذاكرة الحية. شعرت بالدفء يغمرني وأنا أنطقها، دفء مألوف وغريب في آن واحد.

لكن في اللحظة التالية، صفعني الواقع البارد.

انتظر.

فكرت، وشعور بالانزعاج بدأ يزحف في وعيي.

هي ليست أمي.

هي أم نير ڤيرتون. وأنا... أنا لست نير.

إذًا... لماذا أشعر بكل هذا؟ هذا الحزن، هذا الشوق... هل مشاعر نير الحقيقة قد سيطرت عليّ لوهلة؟ هل بقايا روحه العالقة في هذا الجسد هي التي تبكي الآن على أمه المفقودة؟

الصراع الداخلي كان عنيفًا. جزء مني كان يريد أن يتمسك بهذا الدفء، بهذا الشعور بالانتماء الذي لم أعرفه في أي من حياتي.

وجزء آخر، الجزء الساخر، البائس، الذي نجا من كل شيء، كان يصرخ في وجهي، يحذرني من هذا الوهم، من هذه المشاعر المسروقة.

"أخي!"

قاطع صراعي الداخلي صوت حاد، ومتحمس. قبل أن أتمكن من الرد، شعرت بوزن خفيف يقفز عليّ، وذراعان صغيرتان تلتفان حول رقبتي.

كانت سيريس.

لقد قفزت عليّ بسعادة، ودفنت وجهها الصغير في صدري.

"أخي! أخي! لطالما أردت مقابلتك!" قالت، وصوتها كان مكتومًا بسبب ملابسي، لكن حماسها كان واضحًا. رفعت رأسها، وعيناها القرمزيتان تلمعان.

"لقد سمعت عنك الكثير جدًا! أمي وأليستر يتحدثان عنك أحيانًا! قالوا إنك هادئ وغامض! لكنك لا تبدو كذلك الآن! وجهك مضحك جدًا وأنت مرتبك!"

كنت مذهولاً تمامًا. هذا التحول من طفلة غاضبة تصرخ بسبب كعكة، إلى أخت صغيرة متحمسة، كان أسرع من أي تعويذة سحرية رأيتها.

"سيريس، اتركيه يتنفس."

صوت والدتي كان لطيفًا، لكنه كان يحمل نبرة من السلطة. ابتعدت سيريس عني على الفور، وجلست بجانبي على السجادة، لكنها لم تبتعد كثيرًا، وكانت لا تزال تنظر إليّ بذلك الفضول الذي لا حدود له.

كنت على وشك أن أسأل، أن أطلب تفسيرًا لهذا الجنون، عندما تغير كل شيء فجأة.

نظرات ليليث، التي كانت دافئة وحنونة، أصبحت فجأة باردة.

باردة كجليد القطب الجنوبي. اتسعت عيناها القرمزيتان قليلاً، وتوهجتا بضوء حاد، ليس نحوي، بل نحو نقطة فارغة في الهواء فوق رأسي.

"أنت..." تمتمت، والغضب الجليدي في صوتها جعل الهواء في الغرفة يتجمد.

----

----

"يا إلهي!"

صرخ سايلس، وكاد أن يختنق بقطعة من شيء يشبه النجوم المتجمدة كان يمضغها.

أمامه، البلورة السحرية التي كانت تعرض المشهد العائلي المؤثر في المكتبة، ومضت بعنف، وظهر عليها وجه ليليث الغاضب، وعيناها القرمزيتان تحدقان من خلال البلورة مباشرة فيه.

"لقد كشفتني!" قال بذعر، وبدأ يضرب على البلورة بيديه المرتجفتين، محاولاً إغلاق البث.

"اه، تلك الطفلة! حسنًا، لم تعد طفلة، فلديها طفلة ورجلان الآن! سحقًا! ألا يمكنني أن أرى هذا اللقاء العائلي الدرامي بسلام؟"

تلاشت صورة ليليث، وعادت البلورة لتعرض المشهد من زاوية بعيدة.

تنهد سايلس بارتياح، ووضع يده على قلبه. "كدت أموت. قوتها... أصبحت مزعجة حقًا."

ثم انحنى إلى الأمام مرة أخرى، وعاد إلى قراءة الكتب، وهو يلتقط قطعة أخرى من "النجوم المتجمدة".

....

....

التوهج في عيني ليليث خفت، وعادت نظرتها إليّ، لكنها كانت الآن تحمل قلقًا عميقًا.

"أنت..." قالت ببطء، "كنت مراقبًا من شخص ما."

نظرت حولي في المكتبة الفارغة. "من؟"

هزت رأسها. "لا أعرف. وجود قديم، ومزعج. لكن هذا ليس الأهم الآن." انحنت نحوي، وخفضت صوتها، وعيناها القرمزيتان تفحصان وجهي بتركيز شديد.

"نير،" قالت، ونبرتها كانت جادة بشكل مرعب. "هناك ضباب آخر على ذاكرتك. أشد قوة من الذي وضعه ڤاليدور. ضباب لا أعلم عنه شيئًا... ولا يستطيع رجل من الرتبة السابعة أن يفعله."

كنت عاجزًا عن التكلم.

ضباب آخر؟ أقوى من الذي وضعه والدي؟ من الذي يمتلك هذا النوع من القوة؟ ومن الذي يريدني أن أنسى شيئًا بهذا القدر من الأهمية؟

قبل أن يتمكن عقلي حتى من البدء في معالجة هذه الكارثة الجديدة، أصبح الهواء في المكتبة أثقل، وأكثر برودة.

الظلال في أبعد زاوية من الشرفة تكثفت، وتجمعت، وارتفعت، لتشكل هيئة رجل طويل يرتدي عباءة سوداء.

والدي.

"أخيرًا يا والدي." قال أليستر، وصوته كان يحمل لمسة من السخرية الجافة. "كنت أظنك ستتهرب من هذا."

لم يرد ڤاليدور مباشرة. بل نظر إلى ليليث، ثم إليّ، وأنا لا أزال على الأرض، ثم إلى سيريس التي اختبأت خلف أمها.

"ربما سأموت إن تهربت." قال الدوق أخيرًا، وصوته العميق كان خاليًا من أي عاطفة، لكن كلماته كانت تحمل سخرية سوداء.

"وأيضًا، ذلك الإمبراطور المزعج... لقد كان لديه ألف سؤال. لكنني قلت له أن هذا أمر ليليث. اوه يا إلهي، ردة فعله كانت رائعة!"

نظرت من والدي، إلى أمي، إلى أليستر، إلى سيريس.

عائلتي.

عائلتي المكسورة، الملعونة، المليئة بالأسرار.

لم أكن أعرف ما إذا كنت في حلم، أو كابوس.

...

...

وقفت ليليث مجددا.

"أيها اللعين هل ظننت أنني لن أستطيع أن أعرف أنك غيرت مكان بلورتك!"

الكلمات لم تكن صراخًا. كانت أهدأ من الهمس، لكنها كانت تحمل في طياتها عنفًا كافيًا لتحطيم الجبال.

رفعت ليليث يدها ببطء، حركة أنيقة، قاتلة. لم توجهها نحو أي شيء معين، فقط نحو بقعة فارغة في الهواء، على بعد مئات الأمتار، فوق إحدى جزر الكتب العائمة.

لم تطلق شعاعًا، ولا كرة نارية.

فقط... اهتز الهواء. للحظة، تشوه الواقع في تلك البقعة، كأنه انعكاس في ماء مضطرب.

ثم، وبصمت تام، حدث انفجار داخلي. لم يكن هناك صوت، ولا ضوء ساطع. فقط فراغ أسود صغير ظهر للحظة، وابتلع جزءًا من جزيرة الكتب، قبل أن يختفي، تاركًا وراءه حافة نظيفة، مقطوعة بدقة، في الصخر والورق.

شهقت سيريس. حتى أليستر اتسعت عيناه قليلاً.

"ما... ماذا يحدث بحق الجحيم؟!" لم أعد أستطيع كبت السؤال. عقلي كان على وشك الانصهار.

التفت أليستر نحوي، وعلى وجهه تعبير من الإرهاق البيروقراطي، كأنه موظف حكومي يُجبر على شرح إجراءات معقدة لمواطن غبي.

"أوه، أخي الصغير. يبدو أن الضباب لا يزال يؤثر عليك." تنهد."هذه والدتك.

هي التي أنقذتك من موتك المحتوم أمام ذلك الخفاش الأسود العملاق في الغابة السوداء. وهي التي نقلتك إلى تلك الشجرة الغامضة لتتعافى. وأيضًا، أوه نعم، لقد هددتنا، أنا ووالدي، بعواقب وخيمة إذا لم نعتنِ بك جيدًا بعد أن عدت وأنت مصاب بتلك الجروح التي لا أعلم مصدرها."

أشار بعينيه نحو صدري، حيث كانت الندبة الفضية من البرج القديم.

كل كلمة كانت كضربة مطرقة على رأسي.

أمي... أنقذتني؟ هددت والدي؟ من أجلي؟

"أنا... أنا..." شعرت بالدوار يعود بقوة. كدت أسقط مرة أخرى.

"ولماذا... لماذا عدت بعد شهر؟" سألت، متمسكًا بآخر خيط من المنطق في هذا الجنون.

هذه المرة، أجابتني ليليث. لقد استدارت، وتلاشى غضبها، وحل محله ذلك الحزن العميق مرة أخرى. اقتربت مني، ووضعت يدها الباردة على جبهتي.

"لأن الزمن في الغابة السوداء مشوه، يا عزيزي." شرحت بصوت هادئ. "إنها ليست مجرد غابة، إنها جرح في نسيج الواقع. الوقت هناك لا يتدفق بشكل مستقيم. الدقيقة التي تقضيها بالقرب من شجرة ملعونة قد تكون ساعة في العالم الخارجي.

والساعة التي تنامها في كهف آمن قد تكون مجرد ثوانٍ هنا. لقد كنت فاقدًا للوعي لمدة ثلاثة أيام حسب زمن الغابة، لكن تلك الأيام الثلاثة امتدت لتصبح شهرًا كاملاً في عالمنا."

توقفت، وابتسمت ابتسامة باهتة. "قبل أن نكمل هذا الحديث الثقيل... ما رأيكم أن نأكل؟ الأكل جاهز!"

"هاه؟"

بضربة من يدها في الهواء، ظهرت طاولة مستديرة كبيرة في وسط الشرفة، مغطاة بمفرش أبيض ناصع. وفي لحظة، بدأت الأطباق تظهر عليها من العدم.

حساء يتوهج بضوء ذهبي خافت، شطائر مقطوعة على شكل نجوم صغيرة، أباريق كريستالية مليئة بعصير يتغير لونه مع كل حركة، وكعكة ضخمة في المنتصف، مزينة بأزهار قرمزية صالحة للأكل.

نظرت من الطعام، إلى أمي التي كانت تبتسم وكأن شيئًا لم يكن، إلى أليستر الذي كان يبدو وكأنه يتمنى الموت، إلى والدي الذي كان لا يزال مجرد ظل صامت، إلى سيريس التي ركضت بحماس نحو الطاولة وبدأت في الإشارة إلى الكعكة.

لم أفهم شيئًا.

لم أعد أعرف ما هو الحقيقي وما هو الوهم.

هل هذه هي عائلتي؟

أم أنني قد جننت تمامًا؟

جلست على الطاولة، وشعرت بأنني الشخصية الرئيسية في أغرب مسرحية عبثية كُتبت على الإطلاق.

.....

.....

.....

الصمت الذي تلا ظهور والدي كان من نوع مختلف. لم يكن صمتًا فارغًا أو متوترًا. كان صمتًا ذا معنى، صمتًا مشحونًا بتاريخ طويل من الكلمات التي لم تُقل، والمعارك التي خيضت في الظل.

كنت لا أزال على الأرض، وعقلي يحاول يائسًا إعادة تجميع نفسه. أمي. أبي. أخي. أختي. كانوا جميعًا هنا، في هذا المكان المستحيل، وكل واحد منهم كان لغزًا أعمق من الذي سبقه.

"أوه، يا أمي."

صوت أليستر الجاف، المليء بالسخرية المتعبة، قطع الصمت كشفرة جليدية. نهض من المكان الذي كان يجلس فيه، وبدأ ينفض غبارًا وهميًا عن سترته المثالية.

"أدرك أنكِ فاشلة تمامًا دراميًا،" قال وهو يسير ببطء، وعيناه الرماديتان تتفحصان المشهد كأنه مسرحية سيئة الإخراج. "لكن لدرجة أن تغيري الموضوع لعشاء؟ بصراحة، كنت أتوقع ما هو أفضل. كنت أتوقع بكاءً، أحضانًا، ربما بعض الصراخ المتبادل عن سنوات الهجر."

توقف، ونظر إليّ بنظرة تحليلية باردة. "وحتى نير... ردة فعله لا تبدو كما توقعت. إنه يبدو كسمكة أُخرجت من الماء، تلهث في محاولة لفهم ما إذا كان الهواء سامًا أم لا. أهذا لقاء بين أم وابنها بعد عشر سنوات؟ ماهذا الهراء؟"

لأول مرة منذ أن عرفته في هذه الحياة، رأيت تعبيرًا من الإحباط الحقيقي على وجه أليستر. لم يكن غضبًا، بل كان إحباط مدير مسرح يرى أن الممثلين الرئيسيين قد نسوا أدوارهم تمامًا.

"أظن أنني أتفق معه."

صوت والدي العميق، الهادئ، جاء من الظل. كانت كلمتين فقط، لكنهما كانتا كافيتين لجعْل أليستر يبتسم ابتسامة ساخرة، منتصرة.

استدارت ليليث ببطء، وابتسامة خطيرة، لكنها ضاحكة، لعبت على شفتيها. نظرت إلى والدي، وذلك التوهج القرمزي عاد ليلمع في عينيها.

"تتفق؟" قالت، وصوتها كان يقطر سخرية مرحة. "أنت، ڤاليدور، تتفق على شيء يتعلق بالعرض الدرامي؟ يا إلهي، حياتك كلها عبارة عن صمت مطبق أمام الآخرين. لقد أمضيت سنوات وأنا أعتقد أنك مريض نفسي أو ما شابه، كائن لا يمتلك أي مشاعر على الإطلاق."

لم يرد ڤاليدور، فقط عاد إلى صمته، كأنه استنفد حصته من الكلمات لهذا العقد.

ثم وجهت ليليث نظرتها إلى أليستر. "وأنت يا أليستر... اللعنة! لقد نسينا الموضوع الأساسي بسبب تحليلاتك السخيفة! وكل هذا ونير لا يزال في حالة صدمة على الأرض!"

شعرت بالجميع ينظرون إليّ مرة أخرى. كنت لا أزال هناك، أحاول أن أجعل العالم يتوقف عن الدوران.

آخر. لا بد أن يكون كذلك.

"لا..." تمكنت أخيرًا من الكلام، والكلمات خرجت أجشة، وضعيفة. "لا أعتقد أنني أريد أن آكل."

كانت هذه هي الحقيقة. فكرة إدخال طعام إلى معدتي التي كانت تتقلص من فرط الصدمة والارتباك بدت مستحيلة.

"جيد." قال والدي فجأة، كاسرًا صمته مرة أخرى. "لا حاجة للأكل إذ..."

"لااااا!"

صرخة سيريس الحادة، والطفولية، قطعت كلامه. لقد نهضت على كرسيها، ووضعت يديها الصغيرتين على خصرها، ونظرت إلى والدها بغضب.

"أريد أن نأكل جميعًا! أريد أن آكل الكعكة مع أخي!"

ساد صمت مذهول. طفلة في السادسة من عمرها تصرخ في وجه دوق الظلال. كنت أتوقع أن تنهار المكتبة بأكملها، أو أن تبتلعها الأرض.

لكن ڤاليدور... تنهد.

نعم. لقد سمعته. تنهيدة خفيفة، متعبة، خرجت من أعماق ذلك الظلام. ثم، أدار رأسه نحوي.

"أوه، عذرًا يا ليليث، يبدو أن نير لا يمتلك مشاعر..." قال، وصوته كان يحمل سخرية جليدية. "حسنًا، لا ألومه. فهنالك أشياء غريبة حوله. أظن أن هنالك أشياء كثيرة انتُزعت منه."

انحنيت إلى الأمام قليلاً. ما الذي يعنيه؟

"مثل سحره." أكمل والدي، ونظراته غير المرئية كانت تخترقني. "لقد كان مقيدًا تمامًا. وفجأة، أصبح يمتلك سحرًا غريبًا لا يمت لنا بأي صلة. كنت قد شككت في الأمر."

إذًا... لقد كان يعرف. كان يعرف عن القيد، ويعرف عن "الظلام الشيطاني! ".

"لكن،" تابع، وصوته أصبح أعمق. "هنالك جزء من ذكرياته مفقود. تم محوه من قبل كائن ما."

نظرت إلى أمي. كانت تحدق في والدي، وابتسامتها قد تلاشت، وحل محلها تعبير من الجدية الباردة والقلق العميق.

"لذلك،" قال والدي، وأشار بيده ذات القفاز الأسود نحو الطعام. "لقد غيرت رأيي. يجب أن نأكل. فأنا أريد أن أسألكِ عدة أسئلة، يا ليليث."

وفجأة، لم يعد هذا عشاءً عائليًا.

لقد تحول إلى جلسة استجواب.

بدأوا في الأكل. أو بالأحرى، تظاهروا بذلك. أليستر كان يقطع شطيرته إلى مربعات صغيرة جدًا بدقة جراحية، لكنه لم يأكل أيًا منها. ليليث كانت ترتشف من حسائها المتوهج بهدوء، وعيناها القرمزيتان لم تفارقا وجه زوجها. سيريس كانت تأكل الكعكة بسعادة، غير مدركة للتوتر الذي كان يكهرب الهواء.

أما أنا، فأخذت شطيرة نجمية الشكل، وقضمت منها قضمة صغيرة. لم أشعر بطعمها.

"إذًا،" بدأ والدي، وهو يكسر الصمت مرة أخرى. "الضباب الثاني. من وضعه؟"

"لو كنت أعرف، يا ڤاليدور،" أجابت ليليث ببرود، "لكنت قد ذهبت ومحوته بنفسي. قوته تتجاوز فهمي. إنها ليست سحرًا تقليديًا. إنها أشبه... بإعادة كتابة للواقع."

"إعادة كتابة؟" قال أليستر، وتحدث للمرة الأولى منذ فترة. "هذا مستحيل."

"هل هو كذلك حقًا، يا أليستر؟" قالت ليليث، ونظرت إليه. "أنت تعيش في مكتبة مصنوعة من ذكرياتي، وتتحدث عن المستحيل؟"

صمت أليستر.

"وهذا السحر الجديد..." تابع والدي، ونظراته عادت لتستقر عليّ. "من أين أتى؟ هل هو نتيجة لفك القيد؟ أم أنه شيء زرعه ذلك الكائن الذي محا ذاكرته؟"

هزت ليليث رأسها. "لا أعرف. هالته... غريبة. لم أرَ شيئًا مثلها من قبل. إنها مظلمة، وفوضوية، لكنها... ليست شريرة بالضرورة. إنها فقط... مختلفة."

نظرت من وجه إلى آخر. كانوا يتحدثون عني، وعن قوى كونية، كأنهم يناقشون أسعار السوق.

"هل يمكن... هل يمكن لأحد أن يشرح لي... أي شيء؟" تمكنت أخيرًا من السؤال، وصوتي كان يرتجف.

التفتت كل العيون نحوي.

تنهدت ليليث. "أوه، يا عزيزي. بالطبع." ثم ابتسمت ابتسامة دافئة. "لكن بعد أن تنهي طعامك. لا يمكنك أن تفهم أسرار الكون على معدة فارغة."

نظرت إلى الشطيرة في يدي.

ثم نظرت إلى عائلتي المجنونة.

ثم نظرت إلى الكعكة.

شعرت بالصداع يعود.

هذا... سيكون ليلاً طويلاً جدًا. طويلًا بشكل لا يصدق.

----

----

ملاحظة المؤلف:

أعلم أن بعض الفصول الحالية قد تبدو غامضة، أو غير مفهومة بالكامل لدى الجميع،

لكن هذا الغموض مقصود، وهو جزء من بناء الرواية وسردها المتشقق.

كل تفصيلة، كل جملة، وكل حدث غير مكتمل… يحمل معنى سيُكشف لاحقًا بإذن الله.

الرواية لا تُروى بطريقة تقليدية، بل تُكتب كما لو أنها تكتشف نفسها معكم.

فقط استمروا بالقراءة، فكل شيء سيتضح تدريجيًا، فصلًا بعد فصل، حتى تتكشف الصورة الكاملة.

2025/08/03 · 89 مشاهدة · 2296 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025