خرجت من قاعة الاجتماعات الإمبراطورية بنفس الصمت الذي دخلت به، لكن شيئًا ما في داخلي كان قد تغير.
لم يكن الاجتماع نفسه، بتفاصيله السياسية المملة ونفاقه الدبلوماسي الصارخ، هو ما أحدث هذا التغيير، بل الإدراك المتزايد لحقيقة وضعي.
أنا هنا، في هذا الجسد، في هذا العالم، ولدي موارد تفوق الخيال. والموارد، في أي عالم، تعني القوة، أو على الأقل، تعني الراحة. وفي حالتي، الراحة تعني طعامًا جيدًا، والكثير منه.
المرافق الخاص، الذي كان ينتظرني كظل صامت عند الباب، انحنى بشكل طفيف وقادني عائدًا عبر الممرات المذهبة والمخملية للقصر الإمبراطوري.
كل خطوة على السجاد الأحمر الكثيف كانت تزيد من تصميمي.
السجاد الذي يمتص الصوت، الجدران التي تحمل تاريخًا من الدماء والمؤامرات، الوجوه الحجرية للحراس... كل هذا كان يصرخ بالفخامة والقمع.
لكن ما كان يدور في رأسي هو قائمة طويلة من المأكولات التي حرمت منها لسنوات في حياتي السابقة، والتي بالتأكيد لم يكن نير الأصلي، بكل زهده المصطنع، ليفكر فيها.
العربة الفضية كانت تنتظر. نفس الخادم الصامت، نفس المقاعد المخملية.
لكن هذه المرة، لم يكن ذهني مشغولًا بتحليل سخافة الرواية أو التفكير في أليستر. كان مشغولًا بالتخطيط لأول وليمة حقيقية في حياتي الجديدة.
"سيدي الشاب،" قال الخادم فجأة، كاسرًا صمت الرحلة الطويل، "هل هناك أي تعليمات خاصة عند الوصول إلى القصر؟"
نظرت إليه، وابتسامة بالكاد مرئية، لكنها تحمل طنًا من التوقعات، داعبت شفتي. "أجل،" قلت بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة أمر لا تُخطئ.
"اطلب من رئيس الطهاة أن ينتظرني في جناحي فور وصولنا. ولتكن لديه قائمة بأندر وأفخر ما يمكن تقديمه من لحوم وطيور وأسماك وفواكه وخضروات. ولا تنسَ المشروبات. أريد الأفضل. لا شيء أقل من الأفضل."
اتسعت عينا الخادم قليلاً، للحظة خاطفة، قبل أن يستعيد رباطة جأشه وينحني برأسه.
"أمرك، سيدي الشاب."
ربما ظن أنني فقدت عقلي. أو ربما، وهذا هو الأرجح، قرر ألا يفكر في دوافعي.
الخدم في قصر ڤيرتون يتعلمون بسرعة أن الأسئلة قد تكلفهم أكثر من مجرد وظائفهم.
ما إن تجاوزت العربة بوابات قصر ڤيرتون الشاهقة، والتي بدت وكأنها فكي وحش حجري، حتى شعرت بأن الهواء نفسه يتغير.
هنا، الظلال أعمق، والصمت أثقل، وكل حجر ينبض بقوة قديمة ومرعبة. لكن اليوم، لم يكن هذا الجو ليثير فيّ أي قلق.
بل على العكس، شعرت بأنه المكان المثالي لتلبية رغباتي.
ترجلت من العربة، وتجاهلت الخدم الذين اصطفوا بانحناءات مبالغ فيها. خطواتي كانت سريعة، موجهة نحو جناحي الخاص.
وكما أمرت، كان رئيس الطهاة، مسيو چوليان، ينتظرني عند باب الجناح.
كان مسيو چوليان فرنسيًا – أو ما يعادل الفرنسيين في هذا العالم – قصير القامة، ممتلئ الجسم، ذو شاربين معقوفين بعناية فائقة وقبعة طهاة بيضاء شاهقة بدت وكأنها تتحدى قوانين الجاذبية.
كان يرتدي سترة بيضاء نقية، وعلى وجهه تعابير تجمع بين الارتباك والفضول الحذر.
"سيدي الشاب نير،" قال بصوته الذي يحمل لكنة خفيفة، "أنا تحت أمرك."
أشرت له بالدخول. جناحي كان فسيحًا، لكن وجوده بدا وكأنه يملأ جزءًا كبيرًا منه بطاقته العصبية.
"مسيو چوليان،" بدأت وأنا أتجول في الغرفة، متفحصًا الأثاث الثقيل والتحف النادرة كأنني أراها لأول مرة.
"أرغب في مأدبة. ليست مأدبة عادية. أريد تجربة كل ما هو فاخر ونادر في هذا العالم. لا يهمني السعر، ولا يهمني الجهد المطلوب. أريد الأفضل."
ابتلع رئيس الطهاة ريقه بصعوبة، لكن بريقًا من الحماسة ظهر في عينيه.
الطهاة الحقيقيون يعشقون التحدي، ويعشقون المكونات الفاخرة.
"بالطبع، سيدي الشاب. تحت أمرك. هل لديك أي أطباق معينة في ذهنك؟"
"لنبدأ باللحوم،" قلت وأنا أتوقف أمام نافذة ضخمة تطل على الحدائق السوداء للقصر.
"أريد شريحة من لحم التنين الأحمر اليافع. ليس تلك الشرائح الصغيرة من التنانين الصغيرة التي تقدمونها في الاحتفالات. أريد قطعة من ضلع تنين يافع، لا يتجاوز عمره الخمسين عامًا، تلك التي يكون لحمها طريًا ومليئًا بالعصارة. وتُشوى على نار هادئة من خشب السنديان العتيق، متبلة فقط بالملح الصخري الأسود والفلفل البري من جبال الأفعى."
مسح مسيو چوليان قطرة عرق وهمية عن جبهته.
"لحم التنين الأحمر اليافع... هذا نادر جدًا، سيدي. ويتطلب تصريحًا خاصًا من الدوق للصيد..."
"اعتبر أن التصريح موجود،" قاطعته ببرود. "والدي لن يمانع في تلبية رغبة بسيطة لابنه الوحيد." (كذبة، بالطبع. لم يكن لدي أي فكرة عما إذا كان سيمانع أم لا، لكن الثقة في صوتي كانت كافية).
"بعد ذلك، أريد طبقًا من كبد الغرفين. يقال إنه يذوب في الفم كأنه زبدة سماوية. يُقلى قليلاً مع فطر الكمأة السوداء النادر، ويُقدم مع صلصة مصنوعة من نبيذ الجليد من أراضي الشمال."
اتسعت عينا مسيو چوليان أكثر. "كبد الغرفين! يا إلهي! لم نقم بإعداد هذا الطبق منذ سنوات! إنه... إنه يتطلب مهارة فائقة، وأي خطأ صغير قد يفسده!"
"أنا واثق من مهارتك، مسيو چوليان،" قلت بابتسامة خافتة. "
ثم، أريد طائر الفينيق الصغير المشوي. ذلك الذي يتم تربيته في مزارع خاصة في جزر الشمس المشرقة.
يُحشى بالأعشاب العطرية والفواكه المجففة، ويُدهن جلده بعسل زهور القمر النادر أثناء الشواء."
"طائر الفينيق الصغير... نعم، نعم، يمكن تدبير ذلك. إنه لذيذ بشكل لا يصدق."
بدأت الحماسة تسيطر على الطاهي.
"بالنسبة للمأكولات البحرية، أريد جراد البحر العملاق من بحر الأشباح. ذلك الذي يصل حجمه إلى ذراع رجل بالغ. يُسلق في مرق خاص مع الليمون الأسود والأعشاب البحرية النادرة. وأريد أيضًا كافيار حورية البحر الذهبي. يُقدم على طبقة رقيقة من الثلج المسحوق، مع رقائق من الخبز المحمص المصنوع من طحين اللؤلؤ."
"كافيار حورية البحر الذهبي!"
كاد مسيو چوليان يشهق. "سيدي، هذا... هذا يكلف ثروة! وقنينة صغيرة منه تتطلب أسابيع للحصول عليها!"
"الثروة موجودة، والوقت ليس مشكلة. ابدأ في التجهيزات فورًا."
قلت وأنا أستدير لمواجهته.
"بالنسبة للفواكه، أريد سلة من تفاح الأبدية، الذي لا يذبل أبدًا، وعناقيد من عنب الضوء النجمي، الذي يتوهج في الظلام، وشرائح من بطيخ الرمال المتحركة، الذي يقال إن طعمه يتغير مع كل قضمة. أما الخضروات، فأريد قلوب نبات الخرشوف الشمسي، وجذور نبات اليارو الثلجي، وأوراق نبات السرخس البلوري."
كان الطاهي يدون ملاحظات بسرعة محمومة في دفتر صغير، وقلمه يكاد يطير فوق الصفحات.
"والمشروبات، مسيو چوليان. لا تنس المشروبات. أريد نبيذ "دم التنين" العتيق، ذلك الذي يُعتق لمئة عام في براميل مصنوعة من عظام التنانين القديمة.
وأريد "إكسير الحياة" النقي، ليس ذلك المخفف الذي يقدم للضيوف العاديين.
أريد النسخة المركزة التي تُجدد الشباب وتزيد القوة. وأحضر لي أيضًا "ماء الينابيع القمرية"، ذلك الذي يُجمع فقط في الليالي المقمرة من ينابيع مخفية في جبال الغيوم."
صمت مسيو چوليان للحظة، ينظر إلى قائمة طلباتي المذهلة. ثم رفع رأسه، وعيناه تلمعان بتحدٍ وفرح.
"سيدي الشاب، هذه ستكون مأدبة أسطورية! سأتجاوز نفسي! ستتحدث الأجيال القادمة من الطهاة عن هذه الوليمة!"
"أتوقع ذلك،" قلت ببرود. "ابدأ العمل فورًا. أريد أن يكون كل شيء جاهزًا بحلول المساء.
وإذا احتجت لأي شيء، أي شيء على الإطلاق، اطلبه من كبير الخدم. لديه تعليمات بتلبية كل احتياجاتك."
انحنى مسيو چوليان انحناءة عميقة، كادت قبعته تلامس الأرض.
"بكل سرور، سيدي الشاب! بكل سرور!" ثم خرج من الغرفة بسرعة، وكأنه يخشى أن أغير رأيي أو أن أضيف طلبًا آخر أكثر جنونًا.
ابتسمت. هذا هو الشعور. شعور القوة المطلقة في إنفاق المال. كان الأمر ممتعًا بشكل غير متوقع.
بينما كان مسيو چوليان وفريقه يعملون كخلية نحل مجنونة في مطابخ القصر، قررت أن الطعام ليس هو الشيء الوحيد الذي يستحق الاهتمام.
إذا كنت سأعيش في هذا العالم، فسأعيشه بأفضل طريقة ممكنة.
أولاً، الملابس. خزانة ملابسي كانت بالفعل مليئة بالملابس الفاخرة، لكنها كانت تعكس ذوق نير الأصلي – ألوان قاتمة، تصاميم رسمية، وأقمشة تصرخ بالثراء المكبوت.
أردت شيئًا مختلفًا. شيئًا يعكس شخصيتي الجديدة.
استدعيت كبير الخياطين في القصر، وهو رجل عجوز يدعى ماستر إلياس، ذو نظارات نصف دائرية تجلس على طرف أنفه وعينين حادتين تفحصان كل شبر من القماش بدقة متناهية.
"ماستر إلياس،" قلت وأنا أقف أمامه، "أريد تجديد خزانة ملابسي."
"بالطبع، سيدي الشاب،" أجاب بصوت هادئ ورصين. "هل لديك أي أفكار معينة حول الأسلوب أو الأقمشة؟"
"أريد ملابس عملية وأنيقة في نفس الوقت. أقمشة قوية، لكنها مريحة. أريد سترات يمكنني التحرك فيها بحرية، لكنها تحتفظ بهيبة معينة. فكر في جلد التنين المعالج ليصبح ناعمًا كالحرير،
ولكنه يحتفظ ببعض خصائصه الواقية. فكر في حرير العناكب العملاقة، ذلك الذي يقال إنه أقوى من الفولاذ ولكنه خفيف كالريشة. أريد ألوانًا داكنة، نعم، ولكن مع تفاصيل دقيقة من الفضة أو الذهب الأسود. وأريد بطانات داخلية مصنوعة من فرو النمر الثلجي، لتدفئني في ليالي الشتاء الباردة."
كان ماستر إلياس يستمع باهتمام، ويداه النحيفتان تتحركان بخفة وهو يتخيل التصاميم.
"جلد التنين المعالج... حرير العناكب... فرو النمر الثلجي... هذه مواد نادرة للغاية ومكلفة، سيدي الشاب."
"السعر ليس مشكلة،" كررت جملتي المفضلة الجديدة.
"أريد أيضًا بعض العباءات. عباءة منسوجة من خيوط الظل، تلك التي تجعل من يرتديها يندمج مع الظلام. وعباءة أخرى مقاومة للسحر، مصنوعة من جلد السلمندر الأسطوري، ومبطنة بحراشف حورية الماء."
"عباءة من خيوط الظل..." تمتم ماستر إلياس، وعيناه تلمعان بالإثارة.
"هذا تحدٍ كبير، سيدي. يتطلب نساجين متخصصين وسحرًا خاصًا لنسج تلك الخيوط."
"أنا واثق من أنك ستجدهم،" قلت بثقة. "خذ مقاساتي. أريد أن تكون النماذج الأولية جاهزة خلال أسبوع."
قضى ماستر إلياس النصف ساعة التالية وهو يأخذ مقاساتي بدقة متناهية، يتمتم بأرقام وملاحظات لنفسه.
كان يعمل بصمت واحترافية، ولم يسأل أي أسئلة غير ضرورية. هذا ما أعجبني في خدم قصر ڤيرتون – الكفاءة والتحفظ.
بعد أن انتهى الخياط، فكرت في شيء آخر. غرفتي. كانت فخمة بالفعل، لكنها كانت تفتقر إلى اللمسات الشخصية التي تعكس شخصيتي أنا، وليس شخصية نير الأصلي.
استدعيت كبير مصممي الديكور في القصر، وهي امرأة في منتصف العمر تدعى ليدي أرماند، ذات شعر أحمر ناري وعينين خضراوين ثاقبتين.
كانت معروفة بذوقها الرفيع وقدرتها على تحويل أي مساحة إلى تحفة فنية.
"ليدي أرماند،" قلت وأنا أشير إلى الغرفة الواسعة، "أريد بعض التغييرات هنا."
"أنا أستمع، سيدي الشاب،" قالت بصوت ناعم وموسيقي.
"أولاً، الفراش. أريد فراشًا مصنوعًا من ريش طائر الغرفين النقي، ومغطى بملاءات من حرير القمر، ذلك الذي ينسج في ضوء القمر الكامل فقط.
الوسائد يجب أن تكون محشوة بزغب أزهار اللوتس الثلجي، التي يقال إنها تجلب أحلامًا هادئة."
"اختيار رائع، سيدي،" علقت ليدي أرماند، وهي تدون ملاحظات في دفتر جلدي صغير.
"أريد أيضًا تغيير الإضاءة. هذه الثريات الكريستالية جميلة، لكنها تقليدية جدًا.
أريد مصابيح مصنوعة من بلورات الكهوف المتوهجة، تلك التي تصدر ضوءًا ناعمًا ومتغير الألوان. وأريد موقدًا لا ينطفئ أبدًا، يحرق خشبًا سحريًا يصدر رائحة خفيفة من الصنوبر والكهرمان."
"موقد أبدي... مصابيح بلورية متوهجة... مثير للاهتمام."
"وعلى الجدران،" أكملت، "بدلاً من هذه اللوحات الزيتية الداكنة التي تصور أسلافي الكئيبين، أريد خرائط. خرائط مفصلة للعالم، تظهر القارات المعروفة والمجهولة، البحار العميقة والجبال الشاهقة.
أريد خريطة سماوية تظهر الأبراج والكواكب والمجرات البعيدة. يجب أن تكون هذه الخرائط مرسومة على جلد وحوش أسطورية، ومزينة بالأحجار الكريمة التي تشير إلى الأماكن الهامة."
"خرائط كونية... فكرة جريئة، سيدي الشاب. ستعطي الغرفة طابعًا من الاستكشاف والمغامرة."
"وأخيرًا، أريد مكتبة شخصية صغيرة في هذا الركن،" أشرت إلى زاوية فارغة.
"أرفف مصنوعة من خشب القلب الأسود، مليئة بالكتب النادرة والمخطوطات القديمة. كتب عن السحر المظلم، وتاريخ العائلات النبيلة، وأساطير الوحوش، وفنون القتال المنسية. أريد أن تكون هذه المكتبة ملاذي الخاص للمعرفة."
نظرت إلي ليدي أرماند بتمعن، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها.
"سيدي الشاب نير، يبدو أن لديك ذوقًا فريدًا ومثيرًا. سأبدأ في تصميم هذه التغييرات فورًا. ستكون تحفة فنية تعكس شخصيتك الجديدة."
"أتمنى ذلك،" قلت.
قضيت بقية فترة ما بعد الظهر وأنا أتخيل كيف ستبدو حياتي الجديدة بكل هذه الكماليات. لم يكن الأمر يتعلق بالتباهي أو
لمجرد الإسراف. كان الأمر يتعلق بتعويض سنوات الحرمان التي عشتها في حياتي السابقة.
كان الأمر يتعلق بتأكيد وجودي في هذا العالم الجديد، والاستمتاع بكل ما يمكن أن يقدمه.
إذا كان القدر قد ألقى بي في جسد ابن الدوق الأقوى، فلماذا لا أستفيد من ذلك إلى أقصى حد؟
مع حلول المساء، كان جناحي قد تحول. لم تكن التغييرات في الديكور قد بدأت بعد، بالطبع، لكن طاولة طعام ضخمة كانت قد نُصبت في وسط الغرفة، مغطاة بمفرش من الحرير الأبيض الناصع، ومزينة بأوانٍ فضية وذهبية لامعة، وكؤوس كريستالية تقطع الأنفاس بجمالها.
وعندما دخل مسيو چوليان، يتبعه موكب من الخدم يحملون أطباقًا مغطاة، شعرت بأن قلبي يخفق بترقب حقيقي.
"سيدي الشاب،" أعلن مسيو چوليان بفخر، "وليمتك جاهزة."
رفع الخدم أغطية الأطباق الفضية واحدًا تلو الآخر، وتصاعدت سحب من البخار العطري تملأ الغرفة بروائح لم أشم مثلها في حياتي.
كانت هناك شريحة لحم التنين الأحمر اليافع، ضخمة، مشوية إلى درجة الكمال، سطحها الخارجي بني ومقرمش، وداخلها وردي وعصاري. رائحتها وحدها كانت كافية لتجعل لعابي يسيل.
وبجانبها، طبق كبد الغرفين، قطع ذهبية صغيرة تلمع تحت الضوء، مزينة بشرائح رقيقة من فطر الكمأة السوداء، وتسبح في صلصة غنية ذات لون كهرماني.
وطائر الفينيق الصغير المشوي، جلده الذهبي اللامع يبدو وكأنه عمل فني، تفوح منه رائحة الأعشاب والتوابل الحلوة.
وجراد البحر العملاق، قشرته الحمراء الزاهية تخفي لحمًا أبيض ناصعًا، يقدم مع شرائح من الليمون الأسود الذي يشبه الجواهر.
والكافيار الذهبي، حبيبات صغيرة لامعة كأنها نجوم متناثرة على فراش من الثلج، تقدم مع رقائق خبز رقيقة وشفافة.
كانت هناك أيضًا أطباق جانبية من الخضروات النادرة، مطهوة بطرق مختلفة، كل منها يبدو وكأنه قطعة فنية بحد ذاتها. وسلال مليئة بالفواكه الغريبة ذات الألوان الزاهية والأشكال غير المألوفة.
أما المشروبات، فقد وُضعت في أباريق كريستالية، كل منها يتلألأ بلون مختلف. نبيذ دم التنين بلونه الأحمر الداكن العميق، وإكسير الحياة بلونه الذهبي المتوهج، وماء الينابيع القمرية بلونه الفضي الصافي.
جلست على الطاولة، وشعرت وكأنني ملك أسطوري على وشك تناول وليمة خالدة.
"ابدأوا بالتقديم،" قلت بصوت خافت، بالكاد أسيطر على حماسي.
بدأ الخدم في خدمتي، يضعون كميات صغيرة من كل طبق في صحني الذهبي. بدأت بشريحة لحم التنين. كانت السكين تقطعها بسهولة مذهلة. وضعت قطعة صغيرة في فمي.
يا إلهي.
لم يكن هناك شيء في حياتي السابقة، ولا حتى في خيالاتي الأكثر جموحًا، يمكن أن يصف هذا الطعم. كان اللحم طريًا لدرجة أنه يذوب في الفم، ونكهته غنية ومعقدة، تحمل طعمًا مدخنًا خفيفًا من خشب السنديان، مع لمسة من حلاوة طبيعية لم أذق مثلها من قبل. كل قضمة كانت انفجارًا من النكهات التي ترقص على لساني.
ثم تذوقت كبد الغرفين. كان كريميًا وناعمًا، يذوب في الفم تاركًا وراءه طعمًا غنيًا ومخمليًا، يزيده فطر الكمأة السوداء عمقًا وترابية، والصلصة تضيف لمسة من الحلاوة والحموضة المتوازنة.
طائر الفينيق الصغير كان لحمه أبيض ورقيقًا، مشبعًا بنكهات الأعشاب والفواكه، وجلده المقرمش كان تحفة بحد ذاته.
جراد البحر كان لحمه حلوًا وصلبًا، يمتزج بشكل مثالي مع حموضة الليمون الأسود ونكهة الأعشاب البحرية المالحة.
أما الكافيار الذهبي، فكانت كل حبة صغيرة تنفجر في فمي، مطلقة نكهة بحرية خفيفة ومنعشة، مع لمسة من الملوحة التي تجعلك ترغب في المزيد.
تناولت الطعام ببطء، أستمتع بكل قضمة، بكل نكهة، بكل رائحة. شربت من نبيذ دم التنين، الذي كان طعمه قويًا وعميقًا، يحمل في طياته تاريخًا من القوة والنار. ثم جربت إكسير الحياة، الذي شعرت به ينساب في عروقي كطاقة دافئة، يزيل أي شعور بالتعب ويجدد حيويتي. وأخيرًا، ماء الينابيع القمرية، الذي كان نقيًا ومنعشًا، يغسل فمي ويجعله مستعدًا للمزيد من النكهات.
كنت آكل وحدي، في صمت، محاطًا بالخدم الذين كانوا يتحركون بخفة وكفاءة، يملأون كأسي ويغيرون صحوني. لم أشعر بالوحدة. بل شعرت بالرضا. بالسيطرة. بالقوة.
هذا هو ما يعنيه أن تكون نير ڤيرتون. ليس الفتى الهادئ والمثالي الذي تصوره الرواية. بل الشخص الذي يمكنه أن يأمر بأعظم وليمة في العالم، وتُقدم له دون سؤال.
استمرت الوليمة لساعات. تذوقت كل طبق، كل فاكهة، كل مشروب. لم أكن جائعًا بالمعنى التقليدي. كنت أتذوق. أستكشف. أنغمس في تجربة حسية لم أكن لأحلم بها أبدًا.
وعندما انتهيت أخيرًا، وشعرت بأنني لا أستطيع تناول لقمة أخرى، اتكأت على ظهر الكرسي، وأنا أتأمل بقايا المأدبة الأسطورية.
"مسيو چوليان،" قلت عندما دخل الطاهي مرة أخرى، ووجهه يشع بالفخر والترقب. "لقد تجاوزت كل توقعاتي. كانت هذه أفضل وجبة تناولتها في حياتي."
ابتسم الطاهي ابتسامة عريضة، وانحنى بعمق. "شكرًا لك، سيدي الشاب. هذا هو أعظم شرف لي."
"من الآن فصاعدًا،" قلت وأنا أنهض من الطاولة، أشعر بثقل ممتع في أطرافي، "أريد أن يكون طعامي دائمًا بهذا المستوى من الجودة والإبداع. لا تتردد في تجربة وصفات جديدة، واستخدام أندر المكونات. ميزانيتك مفتوحة."
"أمرك، سيدي الشاب!" قال مسيو چوليان بحماس متجدد.
عدت إلى سريري الفخم، وشعرت بأنني مختلف. لم يكن الطعام هو ما غيرني، بل التجربة نفسها. تجربة القوة، تجربة الترف، تجربة تحقيق الرغبات.
أغمضت عيني، وشعرت بابتسامة ساخرة ترتسم على شفتي. "آيلا... نير الرومانسي... دوق الظلال... مؤامرات سياسية... كل هذا يمكن أن ينتظر."
الليلة، أنا فقط نير ڤيرتون، الابن الغني الذي قرر أن يستمتع بحياته. وغدًا... غدًا سأرى ما يخبئه لي هذا العالم المجنون. لكنني سأواجهه بمعدة ممتلئة وروح معنوية عالية.
وربما، فقط ربما، سأطلب من ماستر إلياس أن يصمم لي درعًا خفيفًا من حرير العناكب، مرصعًا بحراشف التنين. فقط من أجل الحماية، بالطبع. ليس للتباهي أبدًا.
الضحكة التي خرجت مني كانت خافتة، لكنها كانت حقيقية. بداية جيدة. بداية جيدة جدًا.