الباب الضخم، المصنوع من خشب السنديان المعتق والمُطعم بالنحاس الباهت، انفتح أمامي ببطء مصدراً صريراً خافتاً، كأنه يتنهد تحت وطأة قرون من الأسرار والاجتماعات الرسمية.
لم يكن هناك خدم لفتحه، بل آلية خفية، سحرية على الأرجح، استجابت لحضور المرافق.
دخلت.
لم تكن الغرفة قاعة اجتماعات بالمعنى التقليدي، بل أقرب إلى مسرح مصغر لعرض القوة. الجدران عالية، مغطاة بنسيج مخملي بلون الدم الجاف، تتخلله خيوط ذهبية ترسم شعارات العائلات النبيلة الكبرى وشعار الإمبراطورية المهيب – شمس تنشق عنها صاعقة. نوافذ زجاجية ضخمة، معشقة برسوم ملونة تصور أبطالاً أسطوريين وهم يسحقون وحوشًا أو يوقعون معاهدات، كانت تلقي على الأرضية الرخامية بقعًا من الضوء الملون، كأن دماءً مقدسة قد سُفكت وتجمدت.
الهواء كان ثقيلاً. مشبعًا برائحة الشمع العطري الفاخر، وخشب الصندل المحترق في مواقد جانبية، ورائحة خفيفة جدًا، بالكاد تُدرك، تشبه رائحة الورق القديم والجلود المعالجة.
برودة المكان لم تكن برودة طبيعية، بل برودة مصطنعة، محسوبة، تهدف إلى إبقاء العقول متيقظة والأعصاب مشدودة.
في وسط الغرفة، امتدت طاولة مستطيلة هائلة، مصقولة حتى كادت تعكس الوجوه، مصنوعة من خشب أسود لامع كجناح غراب. حولها، كراسي ذات مساند عالية، منحوتة بدقة، تبدو غير مريحة عن قصد.
كان أليستر يجلس بالفعل على رأس الطاولة، في المكان المخصص لممثل عائلة ڤيرتون. بدا كتمثال منحوت من الجليد والظل. شعره الرمادي مُصفف بعناية، وسترته الرسمية ذات اللون الفحمي، والتي كانت أغمق بدرجتين من سترتي، لم تظهر عليها أي تجعيدة.
عيناه الرماديتان الباردتان تفحصان بعض الأوراق أمامه، لكنني شعرت بنظرته الجانبية تسجل دخولي. لم يرفع رأسه، ولم يُشر إليّ بالجلوس. كان هذا متوقعًا. في حضرة أليستر، الجميع ينتظر.
وجدت مقعدًا شاغرًا على يساره، لكن بمسافة كرسيين فارغين بيننا – مسافة محسوبة للهيبة، أو ربما للعدوى.
جلست ببطء، محاولاً أن تكون حركاتي هادئة ومدروسة، كما يليق بابن الدوق "الصامت".
ظهر الكرسي كان مستقيمًا بشكل مؤلم، كأنه مصمم لتعذيب العمود الفقري بلطف.
"ماهذا القرف؟" همست في عقلي، وأنا أتفحص الوجوه القليلة الموجودة بالفعل. مندوب الإمبراطور، رجلٌ قصير القامة ذو بطنٍ بارز ووجهٍ أحمر، يرتدي حريرًا قرمزيًا مطرزًا بخيوط ذهبية بشكل مبالغ فيه، كان يتصبب عرقًا رغم برودة الغرفة، ويمسح جبهته بمنديل أبيض بشكل متكرر.
بجانبه، ممثل عن عائلة دي روهان، نبلاء الجنوب المعروفين بتجارة التوابل والسفن، شابٌ نحيل ذو عينين ماكرتين وشعر أشقر زيتوني.
وعلى الطرف الآخر، رجل عجوز يمثل أبراج السحرة، بعباءة بنفسجية داكنة وعصا من خشب الأبنوس مرصعة بحجر أزرق باهت.
"إذا لم يخب ظني، فهذا الاجتماع يحدث قبل أسبوع واحد بالضبط من بداية تلك الرواية السخيفة. الأسبوع الذي تظهر فيه آيلا في حياة نير كشعلة أمل مزيفة."
يا للسخرية. أنا هنا، في جسد هذا المعتوه، وعلى وشك أن أشهد الأحداث التي ستقود إلى تلك الكارثة الرومانسية.
وفجأة، وقبل أن يكتمل مشهد السخف السياسي أمامي، انفتح الباب مرة أخرى، ودخل هو. دوق الرياح الشمالية، إيفان دي فالوا.
رجل طويل القامة، مهيب، ذو شعر فضي كثيف ولحية مشذبة بعناية. كان يرتدي زيًا عسكريًا أزرق داكنًا، تزينه أوسمة بالكاد أستطيع تمييزها، لكنها بالتأكيد تدل على تاريخ طويل من المعارك والقيادة.
وخلفه مباشرة... كانت هي.
ليدي سيلين دي فالوا.
ابنة دوق الرياح الشمالية. الفتاة التي كان نير الأصلي مهووسًا بها قبل ظهور آيلا. الفتاة التي، حسب وصف الرواية المثير للغثيان، "شعرها كالحرير الأسود في ليلةٍ بلا قمر، وعيونها مثل قطع الياقوت المغسولة بماء الثلج، وصوتها كصوت الريح في أنفاق العرش المهجورة."
تبًا، لقد حفظت هذا الهراء.
كانت ترتدي فستانًا من الحرير الأزرق السماوي، بسيطًا في تصميمه، لكن قماشه كان ينساب مع كل حركة كأنه ماء متجمد.
شعرها الأسود الحالك كان منسدلًا على كتفيها كشلال من ليل سائل، يتناقض بحدة مع بشرتها الشاحبة. عيناها… نعم، كانت بلون الياقوت، لكن ليس ذلك النوع الدافئ، بل نوع بارد، قاطع، كأنهما قطعتان من زجاج مصقول تشاهدان العالم دون أن تشعرا به.
لم تنظر نحوي. لم تنظر إلى أحد تقريبًا. مرت بجانبي، وجلست بجوار والدها على الجانب الآخر من الطاولة، دون أن يصدر منها أي صوت، سوى حفيف فستانها الذي بدا وكأنه تنهيدة ثلجية.
لم يكن هناك عطر يفوح منها، أو ربما كان عطرًا خفيفًا جدًا، يشبه رائحة زهور الصباح الباكر المغطاة بالندى في يوم شتوي.
أتذكر جيدًا فصول المعاناة التي أجبرتني الرواية على قرائتها. نير يراقبها من بعيد. نير يكتب لها رسائل لم يجرؤ على إرسالها. نير يتألم في صمت لأنها لا تلاحظ وجوده حتى. يا له من جبان مثير للشفقة. هذه الفتاة، بكل برودها وجمالها المنحوت، كانت كافية لتحطيم قلبه الهش.
الآن، وأنا أراها، لا أشعر بشيء. لا كره، لا إعجاب، لا حتى فضول. مجرد قطعة أثاث جميلة أخرى في هذه المسرحية السخيفة. ربما، مجرد ربما، هناك بقايا من إعجاب نير الأصلي عالقة في هذا الجسد، شيء كصدى خافت جدًا، لكن عقلي الحالي يطغى عليه تمامًا.
"علي أن أفكر في ما أنفقه،" عادت الفكرة إلى رأسي كمنقذة من الملل المتوقع. "ههييي، نعم، لقد تم الذكر في الرواية أن نير يمتلك الحرية الكاملة في أخذ أي مبلغ من المال. فقد كنا الأغنى... بل نحن نمتلك مناجم الذهب الأسود النادرة، وندير طرق التجارة السرية للسحر المظلم.
علي أن أستغل هذه النقود جيدًا."
تخيلت نفسي أطلب قائمة طعام لا تنتهي.
"سأشتري أفضل الأطعمة، ليس كنير الأصلي ذلك الأحمق الذي كان يكتفي بشاي الأعشاب وقطع الفاكهة الباهتة ليتظاهر بالنقاء والزهد!.
سأطلب أندر أنواع لحوم الوحوش المشوية، تلك التي تكلف ثروة. سأجعل طباخي الخاص يعد لي مأدبة يومية تليق بملكٍ جائع، وليس بمراهق شاعري يحاول إثارة إعجاب فتيات سخيفات."
بدأ مندوب الإمبراطور الحديث بصوت أجش، يقطع سلسلة أفكاري اللذيذة عن الطعام. كان يتحدث عن "المشاريع الاقتصادية الجديدة" و "إعادة إعمار المقاطعات الغربية" و "تخصيص الموارد" و "ضمان ولاء السكان المحليين". كلمات، كلمات، كلمات. جوفاء، مملة، ومتوقعة.
أليستر كان يستمع بانتباه، أو هكذا بدا. كان يدون ملاحظات بين الحين والآخر بقلم فضي رفيع على رق جلدي.
دوق دي فالوا كان يهز رأسه بين الفينة والأخرى، بينما ابنته سيلين كانت تنظر إلى نقطة ما في الفراغ أمامه، وكأنها تعد حبات الغبار في شعاع الضوء.
لم أكن أهتم. ما يعنيني هو أنني هنا، عالق في هذا الجسد، في هذا العالم المريض. ولكن على الأقل... أنا غني. غني بشكل فاحش. ويمكنني أن آكل جيدًا. هذه بداية لا بأس بها.
استمر الاجتماع لما بدا وكأنه دهر. أصواتهم أصبحت ضجيجًا في الخلفية. لاحظت أن أليستر ألقى نظرة خاطفة نحوي مرتين أو ثلاث، نظرة باردة، تقييمية. كأنه يتأكد أنني لا زلت أتنفس، أو أنني لم أقم بفعل شيء غبي.
ليدي سيلين، من ناحية أخرى، لم تكلف نفسها حتى عناء النظر في اتجاهي. مرة واحدة فقط، التقت أعيننا بالصدفة حين التفتت لتسلم والدها وثيقة ما. نظرتها كانت فارغة، سريعة، كأنني مجرد جزء من ديكور الغرفة. لا ازدراء، لا اهتمام، لا شيء. مجرد فراغ بارد. وهذا، بشكل غريب، كان أفضل من أي رد فعل آخر.
تذكرت كيف وصفها نير في إحدى رسائله التي لم تُرسل: "كأنها نجمة بعيدة، جميلة لكنها لا تشعر بدفء من يراقبها."
"أحمق،" قلت في نفسي مجددًا. "هي مجرد فتاة أخرى، وإن كانت من عائلة دوق. التركيز يجب أن يكون على البقاء، على فهم هذا "النظام" الذي ظهر لي، وعلى كيفية تحويل هذه الرواية الرومانسية المقرفة إلى ساحة لعب خاصة بي."
مرت ساعة أخرى. تفاصيل دقيقة عن الضرائب على القوافل التجارية، حقوق التنقيب في المناجم المكتشفة حديثًا، وتكاليف إعادة بناء الحصون الحدودية. كل جملة كانت تزيد من شعوري بأنني في المكان الخطأ، وفي الزمن الخطأ، وفي الرواية الخطأ.
لكن صوت داخلي، صوت البقاء، كان يهمس: "استمع. تعلم. حتى القرف يمكن أن يكون مفيدًا."
وعندما انتهى الاجتماع أخيرًا، بعد وعود وتهديدات مبطنة وتبادل ابتسامات مزيفة، شعرت وكأن حملاً ثقيلاً قد أُزيح عن كاهلي.
نهض الجميع. أليستر تبادل بضع كلمات مع دوق دي فالوا، كلمات رسمية، باردة. ليدي سيلين وقفت بصمت بجوار والدها، كظل جميل وهادئ.
حين مروا بجانبي للخروج، لم يلتفت أي منهما. كأنني غير موجود.
وهذا يناسبني تمامًا.
"الآن،" فكرت وأنا أنهض ببطء، أشعر بتيبس في أطرافي من الجلوس الطويل. "أول شيء سأفعله عند العودة إلى القصر... هو طلب أكبر شريحة لحم يمكنهم إعدادها."
ابتسامة خافتة، ساخرة، ارتسمت على شفتي. ربما الحياة في هذا العالم لن تكون سيئة بالكامل بعد كل شيء. طالما أن هناك طعام جيد... وأعداء يمكن سحقهم لاحقًا.