الثلج لم يسقط في الخارج, لكن في داخل الغرفة كان الشتاء مقيما.
جناح سيرافين كان مغمورا بصمت متجمد. ستائر ثقيلة ذات لون رمادي داكن تغطي النوافد,
تمنع دخول الضوء, فيزيد الظلام من برودة الجدران المزخرفة بزخارف فضية باهتة,
تشبه اشواكا ملتفة على قلب يتنفس بصعوبة. ارضية الغرفة ملساء من الرخام الازرق الباهت, وبرودة الحجر كانت تسلل حتى عظام من يخطو عليه.
الهواء هنا لا يتحرك
جامد
وكان الزمان توقف احتراما لالم لا يرى لكن يحس في كل تفصيلة
الفراش ضخم لكن جسد سيرافين بدا صغيرا عليه هشا كما لو ان الغطاء الثقيل نفسه يخشى ان يخنقه اكثر
عطر خافت من الياسمين اليابس ينساب من زوايا الغرفة لكنه لا يزيح ذلك الشعور بالخواء
وعلى الجانب... كان يجلس الدوق لوثران.
عيناه شاحبتان تعابيره جامدة كما اعتاد الجميع لكن نظراته تحمل رجفة لم يراها احد من قبل
كان يضع ساعده على ركبته ويده الاخرى مشدودة على معطفه وكانه يتمسك بما تبقى من رباط جاشه
نظر الى وجه سيرافين المرهق و للضمادات التي تغطي جرحه
ثم همس كان الكلمات لا تقال له بل تسحب من صدره:
"كنت دوما اراك... تشبهها"
سكت لحظة ثم انحنى قليلا صوته ازداد خفوتا كان شيئا كان يخنقه:
"يوم ولادتك... ماتت. الجميع اخبرني ان انظر اليك ان احبك لكن في كل مرة كنت افعل... كنت اراها تموت من جديد لم اكرهك قط لكنني كرهت الالم الذي تجلبه رؤيتك. "
ارتجفت شفاهه لكنه لم يبك لم يسمح لنفسه بذلك فقط اكمل بصوت مشروخ:
"سيرافين... لم اكن ابا جيدا. لم اكن حتى رجلا جيدا. لكنني... لطالما احببتك من بعيد بصمت جبان وظننت ان تجاهلي سيجعلني انسى لكنه فقط جعلك تظن انك غير محبوب. "
سحب نفسا عميقا ثم تمتم بصوت يكاد يكسر:
"سامحني... سامحني يابني"
عندها... لم يتحرك شيء
استند الدوق على الكرسي واغمض عينيه
الصمت عاد لكنه لم يكن صمت الغرفة بل صمت الغرفة بل صمت اشد برودة... صمت روح تراقب من الداخل
***
في اعماق ظلال الوعي...
في مكان لا يشبه العالم ولا الحلم
كان سيرافين عالقا
راى الضوء لكنه لم يستطع الوصول اليه
سمع كلمات الدوق لكنه لم يستطع الكلام
كل شيء باهت وكل شيء بعيد
كان جسده اصبح قفصا وروحه تنقر جدرانه محاولة الفرار
ذاكرته ضبابية تتلاشى ثم تعود
كان شيئا داخله ينكسر... ثم يعاد تشكيله
كل ما استطاع فعله هو الصمت... وترك مصيره للقدر
لكن في اخر لحظة سمعه
انه هو...
الصوت....
***
شهر.
مر شهر.
ثلاثون يوما من الصمت الموحش... من جناح مغلق ونبض بالكاد يسمع
في الطابق العلوي من القصر حيث لا يسمح بالدخول الا للخاصة كان الدوق لوثران واقفا قبالة نافدة عريضة يحدق الى الحديقة التي اختفت بعدما غطاها غطاء سميك من الثلج
خلفه وقف رجل ستيني بملامح وقورة كبير المعالجين في قصر الدوق السيد ادوارد يضم يديه خلف ظهره لكن نبرة صوته لم تكن كما اعتادها احد :
"سيدي الدوق... الجسد سليم. الجرح التام, لكنه خلف نبدة. الطاقة تعافت... لكن روحه لا. السيد الشاب.... هو من لا يرغب في الاسيقاظ. "
استدار الدوق وجهه جامد لكن داخله العكس:
"كيف لا يرغب? "
هز ادوارد راسه باسى :
"احيانا الجرح الاعمق لا يكون في الجسد بل في الداخل نحن لا نعالج الارادة سيادة الدوق بل نرمم ما يظهر"
صمت الدوق لثوان ثم همس:
"اذ لم يكن هنا علاج فماذا نفعل? "
همس ادواود:
"ننتظر فقط"
خرج نفس عميق من الدوق
"ماذا عن الندبة"
تنهد ادوارد:
"يمكنني معالجتها لكنني قلق من ان تتظرر روحه ايضا لذا انتظر حتى يستيقظ"
اوما الدوق براسه واستدار الى النافدة مجددا
'سيرافين لماذا تفعل هذا ?'
***
كان الشهر ثقيلا في قصر لوثران...
الخدم يهمسون بدلا من الحديث كما لو ان الكلام ذاته صار يحمل ذنبا
وفي الامبراطورية...
القصص انتشرت
"سيرافين لوثران الوريث الوحيد للشمال اصيب بجنون"
"لا لقد دخل في غيبوبة روحية بعد طقوس فاشلة"
"قيل انه حاول الانتحار "
"هناك من راى عينه مغطاة هل فقد بصره"
الشائعات نمت كالفطر تتكاثر تحت ظلال الشك والصمت
اعضاء مجلس عائلة لوثران يتململون
مارسوا الظغظ على الدوق ليعلمهم عن حالة الوريث
لكن تم تجاهلهم...
والعائلات النبيلة تهمس فيما بينها
العائلات المركزية صمتت ولم تبدي اي راي.
***
وبعيدا...
اكاديمية نيفاريا. جوهرة الامبراطورية المعلقة بين السحب, لا تشبه اي مؤسسة اخرى. بنيت فوق جزيرة عائمة, تحيط بها طبقات من الضباب السماوي السماء حولها بلون ازرق لامع لا تراه في اي مكان اخر.
والغيوم تمر من بين الابراج كانها جزء منها.
قبابها مغطاة بكريستالات طاقة تتوهج ليلا وتضيء الجزيرة باكملها. اما مبانيها فمصنوعة من حجر ابيض نادر
الفصول شفافة الجدران تطل على الفراغ الازرق ما يمنح الاحساس بانك تدرس فوق العالم
هناك حدائق طافية
ومكتبة تحتوي على اندر الكتب
وحلب ضخمة للمعارك التدريبية يمكنها تغيير شكلها على حسب التحدي
يقطن طلاب اكادمية نيفاريا في اجنحة موزعة على طبقات الجزيرة العائمة تصنف حسب ترتيبهم
في الطبقات المتوسطة تتواجد الاجنحة العادية التي يسكنها غالبية الطلاب وهي غرف فردية بسيطة مجهزة بكا يكفي للراحة والدراسة وتطل على حواف الاكادمية حيث يمكن رؤية السماء المفتوحة
وفي الطابق الارضي ساحة ضخمة للتدريب ومجهزة بالكامل
اما فصل النخبة فيقطن في منطقة معزولة تماما تعرف باسم "قبة النجوم"
تقع في قلب الجزيرة واعلى نقطة فيها مبانيهم مصنوعة من زجاج سحري لا يراهم احد من الخارج لكنهم يرون كل شيء لكل طالب منهم جناح خاص واسع يضم مكتبة صغيرة ساحة تدريب خاصة وحماية سحلرية متقدمة
وفي القبة 3 مراكز:
المركز الاول في الطابق الاول للسنة الاولى
المركز الثاني في الطابق الثاني للسنة الثانية
المركز الثالث في الطابق الثالث للسنة الثالثة
فصل النخبة يتكون فقط من 20 طالبا.
تم اختيارهم من مختلف انحاء الامبراطورية وفق معاير صارمة من الموهبة والقوة. ويتم معاملتهم معاملة مميزة, ويسمح لهم الدخول الى اقسام محظورة من المكتبة وتعلم تقنيات لاتدرس في الفصول العادية
رغم مكانتها الرفيعة وهيبتها بين الاكادميات الامبراطورية كانت اكادمية نيفاريا فريدة من نوعها في مبدا لا تحيد عنه : "لا مكان للدماء في وجه الموهبة"
فمنذ تاسيسها رفع شعار ان الاكادمية لا تميز بين العامة والنبلاء
لا يهم من انت ولا من هو والدك كايهم هو قدرتك ذكاؤك و ارادتك
حتى في فصل النخبة يتم الاختيار بناء على النتائج والمهارات لا على النسب وهذا جعل من نيفاريا حلما لكل من يملك طموحا وكابوسا لكل من اعتاد الاعتماد على اسمه فقط
ففي السماء لا احد يحمل لقبه فقط ظله ومجهوده
***
داخل الطابق الخامس عشر من البرج الجنوبي لاكادمية نيفاريا كان الفصل النخبة للسنة الاولى هادئا كالعادة يعمه السكون
الجدران من الزجاج السماوي تعكس ضوء الشمس المصقول تغمر الفصل بضياء ناعم كانهم في داخل قصر من النور
الارضية من رخام رمادي باهث محفور عليه رموز قديمة
في الخلف خزائن مرتبة تحمل كتبا مغلقة باختام سحرية لا تفتح الا باذن وفي الزوايا اعمدة طويلة من الكريستال الاخظر تحافظ على درجة الحرارة
كان طلاب فصل النخبة ينتظرون قدوم الاستاذ لاكثر من عشر دقائق بعضهم جلس بهدوء واخرون تشكلت حولهم مجموعات صغيرة تتبادل الاحادث الخفيفة... والثرثرة الثقيلة
في الجهة اليسرى قرب النافدة كان هناك تجمع غير رسمي
زيفان مورسيل بابتسامنه الحنونة يتكئ على مقعده يتبادل المزاح مع اخته سيلين مورسيل الفتاة ذات الضحكة الذهبية قربهما وقفت ميرا كرايت ذات الشعر البني وعيناها كالعسل المحترق تتحدث بلهجتها الجنوبية الجميلة بجانبها كاسي نوفالي بشعرها الوردي الزاهي تنظر الى الاخرين بنظرة خفيفة من الاستعلاء تليق بابنة عائلة تحكم الجنوب
في قلب هذه الدائرة جلس ليون ثورن هادئا كالعادة لكنه منتبه لكل كلمة
صديق ميرا من الطفولة يحمل في عينيه طيبة الريف وفي ملامحه صلابة الارض التي تريى عليها
في خلفهم جلس ديلان ودالان كزافير من احد العائلات النبيلة توامان لا يمكن التمييز بينهما بشعر ازرق لامع وعيون زرقاء باهتة كانا صامتين اغلب الوقت يتبدلان نظرات سريعة توحي بان حديتهما الحقيقي يتم بلا كلمات
لقد طور كل فرد من هذه المجموعة صداقة فيما بيينهما في الاسابيع الماضية
سرعان ما سمعوا بضع اشخاص يتحدثون عن سيرافين
قالت ميرا وهي تعبث بطرف شعرها :
"مارايكم في المسمى سيرافين"
كاسي رفعت حاجبها :
"التقيته عندما كنت صغيرة كان غريبا اهه وعيناه كانوا مختلفتان واحدة زرقاء والاخرى حمراء"
ليون انحنى قليلا للامام فضوليا :
"وهل كانت عيناه تخيفانك? "
هزت كاسي كتفها :
"ليس تخويفا بل ارباك وكانك تحدق في صراع"
ديلان تكلم اخيرا بصوت هادئ :
"انه زميلنا اتمنى ان نصبح اصدقاء"
قبل ان يكمل ضربه دالان بخفة على راسه :
"احمق لا تتورط مع شخص مثله الناس لا يتجنبونه عبثا"
سيلين همت بالكلام يكن صوتا قويا قاطع كل شيئ
"صمتا"
دخلت الفصل كاميليا الفيست, وبدت كما لو انها عاصفة من الجليد, اقتحمت المكان شعرها الاشقر مربوط في ذيل طويل يتمايل خلفها وعيناها الزرقاوان يلمعان بشرارة غضب
كانت ترتدي عباءة سوداء فضفاضة فوق بدلة تعليمية انيقة وخطاها ثقيلة تضرب الارض كما لو انها تحتج على وجودها هنا
لقد كانت هكذا من بداية الفصل لكن اليوم كانت على وشك الانفجار
وقفت خلف مكتبها واسندت يديها على الطاولة
تمتمت بضيق بصوت يكاد يسمع
"...ذلك المغرور الاحمق, راين اللعين... دائما يسبب الفوضى. "
لكنهم سمعوا الاسم جيدا... الدوق راين.
تبادل الفصل النظرات مع بعضهم البعض بغرابة
تنهدت كاميليا بحدة ثم وجهت نظراتها لتلاميذها وقالت ببرود :
"وجوهكم تفقدني الرغبة في الحياة"
هذه هي كاميليا لا تحب احدا ولا تدعي ذلك
تبدل جو الفصي في لحظة, وساد الصمت. كل واحد عاد الى مقعده, كانهم تلقوا امرا عسكريا.
في الاخر لا احد يريد اغضابها فهي حقت
ستكنس الارض بهم
ولا شك بذلك