كان ايريك يسير في ممرات القصر الواسعة بصمت نادر ما يخيم على خطواته
لم تكن هناك ضحكته المعتادة او صفيره الذي يملا اورقة الجناح الشرقي
كان يرتدي سترة سوداء مطرزة بخيوط فضية على الياقة والاكمام
تعكس بريقا باهتا مع ضوء الصباح المتسلل من النوافد المتسلل من النوافذ الكبيرة
شعره الاحمر القصير تتطاير بعض من خصلاته بسبب نسيم الهواء البارد
وعيناه الحادتين تراقبان كل زاوية كانه يسير في منطقة غير مالوفة رغم انه يعرفها كما يعرف ظهر يده
الهدوء الثقيل الذي خيم على القصر في الايام الاربعة الماضية لم يمر عليه مرور الكرام
خطواته توقفت امام باب ضخم من خشب البلوط حفر عليه شعار عائلة لوثران
طرق الباب مرتين ودون انتظار اذن دفعه ودخل
كانت رائحة الورق القديم والمداد تملا المكان
وستائر المكتب الطويلة تتحرك بنعومة مع نسمات باردة
كان الدوق راين لوثران واقفا قرب النافدة بيده ورقة طويلة يقراها او كان
فهو الان يمعن النظر في النافدة ناظرا للثلج الذي يتساقط
تنهد الدوق وحول نظره الى ايريك
"اتمنى ان يكون ماتريد قوله ذا اهمية ايريك" قالها الدوق بصوته الخشن البارد وهو ينظر الى ايريك
"سيدي الدوق" قال ايريك بنبرة هادئة لكن بها شيء من التردد لكنه رغم ذلك اكمل
"سيرافين لم يغادر جناحه منذ اربعة ايام حتى عندما حاولت زيارته اليوم رفض مقابلتي"
انخفظت يد الدوق ببطء طوى الورقة ووضعها على المكتب تنفس بعمق ونظر مجددا الى النافدة
"لقد تغير" قالها بصوته الهادئ الاقرب الى الهمس
"تغير" كرر ايريك حاجباه يرتفعان قليلا
اوما الدوق ببطء وتوجه الى الكرسي الجليدي القريب من المدفاة واكمل
"سيرافين تغير وكثيرا كان سابقا شخصا يخفي ضعفه ببرودنه اما الان لم يعد يهتم انه فقط يتصرف كما هو كما ان قوته ازدادت انه على وشك اختراق االرتبة D "
نظر له ايريك ثم قال
"هل نزوره معا ربما وجودك يشجعه على الحديث"
نظر اليه الدوق طويلا ثم قال
"هو بالغ يعرف مايفعل"
نظر اليه ايريك قليلا ثم بدات ابتسامة تتوسع على وجهه
"هل تعلم علاقتكما تحسنت مؤخرا كنت احسب انكما ستصطدمان مجددا لكن الامر يشبه شتاء يذوب ببطء"
نظر اليه الدوق بتلك النظرة النصف غاضبة والنصف مستسلمة
"انت تتحدث كثيرا ايريك"
كلامه جعل من ايريك يضحك بصخب
سرعان ما رفع الدوق يديه ليغطي اذنيه
"باالهي ايريك بجدية عليك ان تجد حل لضحك هذا" قالها الدوق بصوت منزعج لكن الاخر لم يهتم واكمل ضحكه
تلاشت ابتسامة الدوق بعد ان وقعت انظاره على ذلك الظرف الابيض فوق مكتبه سرعان ماتجاهله وعاد للحديث مع ايريك
كان ذلك الظرف الابيض وفوقه شعار احمر
كان شعار العائلة الامبراطوية
من الامبراطور نفسه
***
مرت اربعة ايام
اربعة ايام لا شمس دخلت غرفته ولا صوت اخترق السكون سوى انفاسه المتكسرة
داخل جناحه الفخم كانت الستائر مسدلة باحكام تخنق الضوء كما لو كانت روح سيرافين نفسها تسد كل محاولة للضياء ان يمر
رفض دخول اي احد امر الخدم بعدم الاقتراب الطعام كان يترك عند الباب
باردا لا يلمس, الماء في الاباريق تقلص مع الوقت بلا تجديد كان الحياة نفسها تنسحب رويدا من المكان
في الزاوية على الارضية الرخامية الباردة
جلس سيرافين لم يعد يقوى حتى على السرير
كانت ركبتاه مضمومتين الى صدره راسه منحنيا خصلات شعره الطويل تسقط على وجهه كستار ثقيل من العدم
"كانوا هناك... كانوا معي... امي... ابي... اختي...."
همس كمن يخشى ان يسمع رغم انه يعلم انه وحده
في ذلك المكان الذي لا احد يعرفه حيث جر عقله الى الاختبار عرض عليه ما لا يمكن رفضه
عائلة. حب. دفئ. ضحك. لحضات لم يعشها ابدا. لكنه شعر بها اكثر من اي شيء اخر في حياته.
ومع ذلك...
قرر تركهم.
كلها كانت خدعة.
كلها كانت من صنع الاختبار.
لكنه تمنى بكل كينونته ان تكون حقيقة
ذرف دمعة ثم اخرى حتى لم يعد يحصي كم بكى
اختلطت الذكريات مع بعضها البعض
لم يعد يعلم من هو
سيرافين
او
كيم جونغ
عليه ان يختار
همس سيرافين لنفسه كمن يحكم على روحه
"لا يمكنني ان اكون كلاهما... اما انا... او هو. "
مد يده الى الدرج السفلي اخرج مقصا صغيرا لامعا حدق فيه للحظة ثم نهض ببطء وتقدم نحو المراة خطواته كانت صامته كمن يسير نحو حكم الاعدام
وقف امام المراة حدق في نفسه
في تلك العين الزرقاء الهادئة كلما نظر اليها يتذكر عيناه الزرقاوتين في حياته الماضية
"ان كانت هي مايربطني بما كنت... فلا حاجة لها"
رفع المقص ببطء يده ترتجف
لكنه عزم امره
انزل المقص مباشرة على عينه قصد فقعها
"كيااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا"
الصراخ الانثوي افقده تركيزه
التفت بشكل غريزي صوت الخادمة الصغيرة التي دخلت دون ان يشعر مذعورة واقفة عند عتبة الباب بعينين متسعتين ووجه شاحب تلهث وقد انهار قلبها من الرعب
صرختها جعلت يده ترتجف في اللحظة الخاطئة تماما
انزلق المقص بين اصابعه النصل الحاد شق طريقه بعنف من حاجبه حتى اسفل عينه وامتد الى منتصف خده بخط قطري مائل
سقط المقص من يده وقطرات الدم كانت تنزف بثبات على الارضية الرخامية ترسم طريقا ماساويا من جبينه الى اسفل خده لم يكن الجرح بسيطا
بل عميقا بما يكفي ليخترق اكثر من مجرد جلد
وكان ما جرح هو ذاته بالكامل
وقف لثوان عيناه شبه مفتوحتين يحدق في انعكاسه الملطخ في المراة وجهه مشوه بخط احمر حي
خده ينبض بالالم وعينه الزرقاء بدات تفقد تركيزها
بدات الرؤية تتلاشى سمعه يتشتت صوت الخدم صار بعيدا وكان كل شيء حوله يغرق في الضباب
"اه... هذا مؤلم اكثر مما ظننت. "
همس لنفسه بابتسامة مشوهة قبل ان تضعف قدماه فجاة تحت ثقل جسده وروحه المنهكة
ثم... سقط
انكسر الصمت برنين ارتطامه بالارض جسده استقر على البلاط والدم امتزج مع خصل شعره السوداء
والضوء الخافت انعكس على وجهه الشاحب المبلل بالدم
كان ممددا هناك كجثة تنتظر قرارا من القدر
الغرفة ظلت على حالها مع المقص ملقى على الارض مغطى بدمه كشاهد صامت على محاولة رجل ان يمحي ماضيه لكنه نزف مستقبله بدلا من ذلك
________________________________________________________________
صورة الدوق راين لوثران