كان الظلام حالكا لا نهاية له لا بداية ترى...

سقط سيرافين في العدم لا صوت سوى نبضه لا شعور سوى تلك البرودة التي تسللت الى روحه.

لكن هذه المرة لم يشعر بالذعر كما في اول مرة بل سرعان ما فتح عيناه بثقل.

وجد نفسه واقفا في فراغ اسود.

سرعان ما لمح بابا خشبي قديم.

لم يتردد ولم ينتظر سماع الصوت...

تحركت قدماه وحدها كان شيئا يجدبه الى هناك ولم يقاوم ومد يده ليفتح الباب.

صرير الباب الخشبي دوى في المكان كان الزمن نفسه انين وخلفه.

ظلام لا يشبه باقي الظلمات التي اختبرها سيرافين في عقله الاواعي.

كان مختلفا دافئا بطريقة مريبة...

مد يده ولم يكن يعلم ما ينتظره خلف الباب لكن فضوله او ربما قلبه دفعه الى العبور.

ومع اول خطوة تلاشى الظلام.

وانفتحت امامه صورة متكاملة اشبه بحلم جميل جميل نسج من الماضي.

منزل.

منزله.

الارضية الخشبية الامعة رائحة الخبز الساخن صوت ضحكات خافت من المطبخ والنافدة التي تعكس ضوء الشمس بلون العسل.

"كيم جونغ"

صوت ناعم مالوف رجفة عبرت قلبه التفت ببطء لتتسع عيناه.

مانت امه تقف هناك تماما كما يتذكرها.

بملامحها الهادئة وابتسامتها الحنونة تلك التي لم يرها منذ مدة .

والى جوارها اباه لا كما كان يراه ببرودته وصرامته بل بعينين دافئتين ووجه يفيض بلاشتياق.

ولم تمر لحظة حتى اندفعت نحوه فتاة صغيرة لكنها حملت كل العالم في عناقها.

"اخي!" صاحت الفتاة وعلقت ذراعيها حول عنقه "لقد عدت!"

انكمش قلبه.

لم يقاوم.

سقط على ركبتيه واحتضنها كان روحه وجدت منزلها من جديد ودموعه...

تتساقط كانها لم تتوقف منذ زمن بعيد.

"انا هنا" همس ودموعه تختلط بضحكته المرتجفة "لقد عدت حقا? "

ابتسمت والدته ومدت يدها تمسح على شعره ثم على وجهه

"لن تذهب مجددا يا صغيري... هذا منزلك"

سقط في حضنها بين ذراعيها كطفل صغير انهكه التيه لاول مرة منذ زمن لا يذكره شعر بان صدره ليس ساحة معركة.... بل ملجا

***

مرت الايام.

او ربما لم تكن اياما, بل مجرد وقت لا يمكن وصفه/

في هذا المكان, لا يوجد زمن.

كان يعيش معهم ياكل يضحك ينام يتدرب لا يعلم لماذا ولكنها كعادة محفورة في ذاكرته يلعب مع اخته يتحدث مع امه

كان... سعيدا.

لكن شيئا ما كان ناقصا...

وهكذا مرت "الايام" بهدوء تام.

لكن خلف ذاك السكون كان قلبه يخفق بايقاع غير منتظم

ابتسامة امه ضحكة اخته لم تعد تعبث فيه الطمانينة ذاتها

بدات الاسئلة تهمس في راسه:

"اين انا? '

'هل كنت حقا هنا دائما? "

"لماذا لا اتذكر كيف وصلت? "

ذات صباح جلس وحيدا امام النافدة.

الشمس كانت ساطعة كعادتها لكن الدفئ لم يصل الى صدره.

شيئ ما في داخله كان يصرخ.

كان يعرف هذا الشعور.

اللاانتماء.

اقتربت اخته جلست بجانبه ورفعت الى راسها نحوه "انت حزين مجددا... اليس كذلك"

نظر اليها بدهشة 'هل هي ايضا تشعر بذلك الشهور'

" هل هذا لانني اكل الايسكريم الخاصة بك انا اسفة فقط لا تحزن'

تنهد بحزن ونظر لها سرعان ما عانقها من الجانب

" حسنا حسنا"

بعدها بدات باخباره عن يومها كان يستمع لكن في نفس الوقت عقله ليس هنا

في ليلة صامتة استيقظ مذعورا والعرق يغطي وجهه

جلس على فراشه تنفس ببطئ وادرك شيئا :

"هذا ليس حقيقيا. "

***

في الصباح جلس مع والده وامه واخته حول المائدة.:

قال بهدوء:

"انتم لستم حقيقيون, اليس كذلك? "

ساد صمت ثقيل.

قال والده بابتسامة حزينة:

"نحن حقيقيزن بقدر ما تريد ان نكون. "

سقطت الدموع من عينان امه لكنها لم تقل شيئا.

قالت اخته وهي تتمسك بيده

" ابق معنا... ارجوك لا ترحل"

حطمته نظراتها.

كاد يصرخ, يستسلم.

لكن صوتا عميقا داخله قال:

"ان بقيت... لن اكون سوى ظل"

نهض من كرسيه وتوجه نحو الباب الخشبي ذاته

وقبل ذلك التفت الى والديه وقال :

"انتم تخليتم عنيي.. لم تهتموا ولن تهتموا ابدا"

ما ان قال كلماته تلك حتى انفجر الاب والام ساقطين على الارض وهم يبكون

لكنه تجاهلهم وقبل جبين اخته:

"اهتمي بنفسك"

سرعان ما عبر الباب .

اختفى الباب الخشبي والان صار وحيدا في ذلك الفضاء الاسود.

ما ان انهار على ركبتيه بعد ان اغلق الباب خلفه.

لم يكن شعورا جسديا... بل كان روحه عادت تسحب من عالم مزيف الى واقع قاس, وعنيف, ومليء بالحقيقة.

الهواء هنا مختلف. ابرد. اكثر ثقلا. اكثر صدقا.

كان كل مايراه هو الظلام.

"الاختيار.... " كان اصعب من اي معركة.

ان تختار ان تترك السلام, الامان, العائلة, الذكريات ... لتواجه مصير مجهول. لكنه فعلها.

بدات اعينه تنغلق ووعيه يتلاشى...

الصوت... مجددا اتى كالمرة السابقة:

"لقد اجتزت الاختبار الثاني... الاختيار. "

"قوة قلبك تفوقت على اغراء الراحة...

على وهم السلام. "

'تابع طريقك, يا وريث الظل. "

2025/08/18 · 88 مشاهدة · 718 كلمة
azizahh
نادي الروايات - 2025