الفصل الأول :

بالكاد كان بإمكاني ان اسمع سائق العربة - جورج - و هو يخبرني بقرب وصولنا الى البيت .

فصوت حوافر الحصان و هي تضرب الارض ،و صرير العربة الخشبية و هي تتحرك ، قطرات المطر النازلة من السماء التي تصطدم بها ، الحفيف الناتج عن الرياح و هي تلامس اوراق الشجر ، هزيم الرعد المنبعث من بين اعماق الافق الملبد بأطنان من السحب المظلمة و الداكنة ، كل ذلك قد جعل صوت - جورج - غير مسموع تقريبا .

جلست في مكاني متكئا على المقعد الوحيد داخل العربة ، أزحت نظراتي إتجاه النافذة يساري ،و فتحت الستائر .

كان ما قد قابلني مشهد أشجار الغابة الكثيفة التي تتمايل بعنف إثر الرياح الخشنة ، أمطار كانت في بدايتها تنصب من الأعلى .

رغم أن الشمس لم تغرب بعد ، إلا أن الخارج كان مظلما بعض الشيء ،كون أن الغيوم قد غطت كل السماء . في بعض الاحيان كانت السماء ستنار بفعل الرعد و البرق الذي يتلوه هدير مخيف و الذي كان يوقف نبضات قلبي احيانا من شدة علوه .

أنظر إلى ساعة جيبي ، لأجد أنها الخامسة و الربع ، من المفترض أن تكون الرابعة و لكن تم تقديم الساعة في كل البلاد ، بسبب شيئا ما تم تسميته بالتوقيت الشتوي

بدء العمل به منذ مدة شهر او شهرين على ما اظن !

- ااه يا للإزعاج ...-

بعد ثوان قليلة اعدت الستائر لمكانها ، ثم أغمضت عيناي متؤملا .

- البيئة في الغابة وعرة بحق في جو مثل هذا ، لو علمت بأن الجو سيتقلب فجأة ، لكنت قد بقيت في البلدة السابقة خارج الغابة و بحثت عن فندق . و لكن الآن لا مجال للعودة ، لقد قطعنا نصف الطريق بالفعل ! -

مثلما قد خيمت بعض الكئابة على قلبي ،و جدت نفسي قد غصت في نوم عميق ، كل الاصوات في الخارج لم تمنعني عن ذلك .

و بعد الإله أعلم كم من الوقت مر ، أستيقضت على صراخ مرعوب ما ، بدا أنه صراخ - جورج - !

تلاه صهيل حصان و مع ذلك إضطراب إجتاح العربة كلها جعل رأسي يرتطم بالسقف .

بسرعة ابعدت الستارة لأرى ما حدث ، لأجد بان العربة قد انحرفت عن الطريق و هي تتجه مباشرة نحو الاشجار !

- جوورج !!! -

بينما صرخت بإسمه ، غريزيا امسكت العصى قربي و فتحت الباب وقفزت منه ، لا مجال للتردد .

تدحرجت قاطعا الطريق حتى وصلت للطرف الآخر ، ناقعا نفسي في سيل من الطين و التربة المبللة .

ممسكا بجذع شجرة قريبة مني ، حاولت الوقوف ، ليأسرني بعدها ألم إنتشر في ذراعي ، يبدو بأنها كسرت !

لكن ذلك لا يهم الان حقا ، بنفس ثقيل ، أدرت رأسي بإتجاه العربة والتي كان مصيرها التحطم تقريبا ، الحصانان كان واقعين على الارض يلهثان بصعوبة .

- جورج ! اين جورج ؟ - بإلحاح حاولت البحث عنه ، لكن لا مكان له في أي مكان .

تقدمت نحو الحطام لربما قد كان اسفله .

قمت إزاحة ما يمكنني إزاحته ،و تركت ما لم يكن بإمكاني إزاحته ، فرغم مروري بموقف مثل هذا لا زلت واقعيا ، فلا طريقة له ليوجد تحت هيكل العربة الثقيل هذا .

- أين هو ؟ - لم أستطع رؤية اي لمحة عنه .

الشمس كانت قد غربت قليلا و الظلام كان قد هبط تقريبا بالفعل ، ذلك اعاقني عن الرؤية بوضوح .

متتبعا الطريق التي كنا قادمين منها للبحث عنه ، سرت ببطئ و في يدي العصا ، كانت العصا بطول متر و عشرين سنتمترا ،

مصنوعة من اقصى انواع الخشب الذي يمكن إيجاده في المملكة ، إحتوت على مقبض مطعم ببعض الفضة تماما كما كانت نهايته ، مصنوعة بطرف حاد من الفضة .

كانت من العصي الشائعة التي يستعملها النبلاء و كذلك كانت وسيلة للدفاع عن النفس .

في المسافة القصيرة امامي كان بإمكاني ملاحظة جسم غامق على الأرض .

إقتربت منه بسرعة ، ليتكشف بأنها مجرد بقعة ملطخة على الارض ، لمستها باطراف أصابعي و قدمتها قرب عيناي كانت داكنة للغاية ، لم تشبه الطين ، بدت حمراء ، كما لو انها دم !

لكن ما كنت لأسرع بالاستنتاج ، حاولت شمها لأجدها ذات رائحة لذعة ،تماما مثل الدم !

صدمت للحظة ! كما لو اني فكرت بسيناريو أتمنى لو لم يكن حقيقيا !

ماذا لو كان هذا دم جورج ! لكن ما الذي قد يسبب له ذلك ؟

- إهدأ ! عليك ان تهدأ ! هذه غابة ، هناك شتى الحيوانات هنا ، ربما قد يكون دم أحدها ! -

تنفسي اصبح سريعا ، جورج غير موجود في أي مكان ،و أنا لوحدي في وسط غابة و من المحتمل ان ينقض علي حيوان في اي لحظة لاصبح عشائه و تنتهي حياتي بهذه البساطة !

علي الخروج من هنا !

هذه الفكرة الوحيدة في عقلي الآن ، غريزة البقاء كانت قد اثرت بي ، علي الإسراع .

جريت بإتجاه الحصانين ، لآخذ واحدا و أهرب ،و لكن وجدت أن أنفاسهم كانت توقفت ، كما لو انهم ماتوا !

- مالذي علي فعله الآن ؟ -

لا اعلم حقا .

- هل أكمل طريقي ؟ لا...لايمكنني ، السير وحيدا في الغابة سيكون خطرا، في الغالب كانت العربة تقوم بإيخاف الحيوانات لكني الآن رجل يحمل عصا ! من سيخاف من ذلك ؟ -

- العربة نصف محطمة بالفعل ،لا يمكنني الإختباء داخلها -

في هذه اللحظة بالذات ، شعرت كما لو أن السماء و القدر قد تآمروا لوضع نهاية لحياتي !

- لا يمكن للوضع ان يكون اسوء اليس كذلك ؟ -

إبتسمت بسخافة و انا افكر ، بأن السماء حقا قد تفاجئني بما هو اسوء فلقد تكرر ذلك كثيرا في سنوات الجيش ...

كنت سأتنهد ، حتى سمعت صوت خشخشة من خلفي .

- جورج ؟ -

ادرت رأسي بسرعة لأنظر خلفي ،و لكن ذلك لم يكن هو !

كانت مفاجئة السماء ! كان ظلا ضخما يفتح طريقه من بين الاشجار و هو يتقدم ببطئ، بحق لم يبدو بشريا أبدا ، كان بإمكاني اخذ لمحة عن رأسه الذي بدا رأس حيوان ، ربما ذئب ، و جسده كان مفترشا بفرو ، لا اعلم درجة كثافته .

كان يبدو مثل نصف الذئب الذي قرأت عنه في الفلكلور القديم أيام صغري !

من الظلام كان بإمكاني رؤية عيونه المحمرة المتوهجة بخفوت ، كما لو أن الدماء المغلية كانت محتقنة فيهما .

تيبس جسدي من الصدمة ، من الخوف ، من الرهبة !

لم أستطع تحريك جسدي شبرا واحدا حتى !

حينما اصبح نصف الذئب قريبا مني ببضعة أمتار قليلة ، إستطعت سماع انفاسه تصدوا ، في كل مرة كانت تجعل قلبي يدق نبضة تكاد تخترق يسار صدري .

علي الهرب .

انا قد جربت شعور الخوف من قبل ، يأس الموت الوشيك و رهبة القتل .

لربما يكون هذا خارجا عن كل ما هو معقول أعرفه ، لكنها نفس المشاعر !

مستمدا بعض الشجاعة من افكاري و آخذا شعور الألم القادم من ذراعي لأستيقظ من خوفي ،ادرت نفسي و هرعت نحو الغابة .

بجسم النصف ذئب الضخم ، سيكون من الصعب عليه الجري وسط كل الأشجار الكثيفة .

و حسنا ! كان ذلك الطريق الوحيد الميلئ بالعقبات ! سأكون غبيا لو هربت من الطريق المفتوحة .

بينما كنت قد دخلت للغابة ، سمعت صوت خطوات ضخمة تضرب الارض بسرعة كانت من ورائي، كنت اعلم انه 'هو'

اسرعت بأقصى ما لدي كما لو أن حياتي كانت على المحك ، و هي بالفعل كانت على المحك ..

كل شيء يتسارع من حولي ، كل مسامعي انصتت لنبض قلبي ، او ان نبض قلبي قد تخطى الحدود و اصبح كافيا ليمنع خيانتي من سماع غيره ، لا يهم حقا .

كل ذلك جعلني أشعر بالهدوء قليلا رغم معرفتي بالموت الوشيك ورائي، إنه يذكرني بالأيام الخوالي اين كان الموت يتربص من كل مكان .

جريت و جريت و جريت ، لا اعلم كم من الوقت مر ، رغم اني لم أعد اشعر بأقدامي و لكني إستمررت ، سرعتي بدئت بالتباطئ شيئا فشيئا لكني إستمررت ! رئتي تحترق و انفاسي تغلي لكني إستمررت ! التوقف الآن ، يعني نهاية كل شيء

- إستمر ، إستمر ، إستمر ... -

حثثت نفسي على ذلك، لكن ذلك لم يستمر .

شق عملاق و مهول بدء يتشكل من بين الاشجار القليلة على الأرض امامي ، قلبي غرق تدريجيا في اليأس .من كان يتوقع أن اصل الى هذا المكان .

من المفترض ان يكون هناك جسر لأقطع للجانب الآخر ، لكنه بعيد للغاية عن هذا المكان .

وقفت خائبا لبرهة ، لأدرك بعدها بأن لا شيء ورائي !

هل نجوت ؟

- لا ... مهلا ! الأرض تهتز قليلا ! يمكنني سماع ذلك -

مجموعة من الضربات الرتيبة تصدو من الغابة ، بإتجاهي تماما - إنه هو ! -

لا اعلم منذ متى توقف المطر ، و صفيت السماء من الغيوم .

علق قمر نصفي و رائي ، كان يظهر المشهد أمامي و يجعله اكثر وضوحا مما كان .

نصف الذئب كان يجري على أطرافه الأربع بإتجاهي ، كان يجعل الارض تهتز و يجعل كل اطرافي تهتز معها .

- إذن هي النهاية ؟ حسن إذا على الاقل حاولت -

أخذت وضعية إندفاع ثم أمسكت العصا ذات النهاية الحادة الفضية أمامي ، بيدي الإثنتين ، رغم ذراعي اليسرى المكسورة ، لم أهتم بالألم ، لأنه بعد هذه اللحظة لن يعود للألم وجود .

إقترب مني " الموت "

رأيته يرفع ذراعه و يحاول ضربي بها .

في تلك اللحظة ، أنا إندفعت للأمام بسرعة .

تماما كأيامي في الجيش و أنا ادفع الرمح مئات و آلاف المرات ، نفذت الإختراق المعتاد عليه و أدخلت النهاية الحادة في يسار صدره في مكان القلب بالضبط متمنيا ان يكون هناك، لا اعلم إن كان ذلك قد افاد، فهو لم يتوقف على الفور و ذلك بالطبع لا اضنه بأنه سيوقفه.

إستمر في التقدم و إصطدم بي بجسمه الضخم ، تماما مثل الثور الجامح.

بسرعة كنا قرب حافة الشق و لم يتوقف بعد، بل و كأنه النضال الأخير ، أو كما لو أنه يريد سحبي معه و انه لا يريد الموت لوحده، قام بإمساكي بينما هوى بي من على الشق .

و أنا ! تقبلت النهاية، على الأقل لن اموت وحيدا .

أقتل العدو ، إن لم تستطع فمت معه ! كان الامر ينطبق على هذا الوضع ، هيه ذلك لطيف ..من العدو في هذه الحالة، انا ام هو ؟

كان الظلام آخر ما غمر رأيتي .

و هذه كانت نهايتي ...

--------------------

اتطلع لارائكم, لن تكون رواية طويلة جدا

2023/12/06 · 108 مشاهدة · 1662 كلمة
Haru
نادي الروايات - 2025