الفصل الثاني :

هذه كانت نهايتي ...

لا اعلم ما الذي علي فعله الآن ، قبضات النصف ذئب من حولي بدأت ترتخي ، كما لو أن حياته تتلاشى ببطئ او انها تلاشت بالفعل .

رغم أني تحررت منه الآن و لكن ليس بإستطاعتي تغيير الموقف، هل أستسلم فقط ؟

و أنا افكر بهذا ، فجأة طرأت ببالي فكرة ربما لن تغير من الوضع شيئا و لكن على الاقل سأعتبر نفسي حاولت .

على الفور قمت بتحريك جثة النصف الذئب و جعلها أسفلي ، كان من الصعب ان يحدث ذلك بسبب ضخامته و لكن هنا نحن في الهواء ، كتلته اصبحت أخف لتحريكها .

و بينما نهوي ، تمسكت به جيدا ، على الأقل إن سقطنا على الارض فإن جثته هي ما ستتحمل أكبر ضرر .

الرياح تصفر قرب أذني ، ظلمة الجرف بدأت تبتلع ضوء القمر شيئا فشيئا ، ذلك جعلني أشعر كم المسافة التي اقطعها لأسفل .

- ربما بعد ثانية او اثنتين ، سأرتطم على الأرض و تتناثر أحشائي في كل مكان - إبتسمت و انا اسخر من نفسي .

لا اعلم لما ، و لكن جثة النصف الذئب و التي كنت متؤكدا من موتها، بدأت تظهر علامات على الدفئ ، و بشكل خافت اشعر بالدفئ يرتفع ببطئ .

بإستطاعتي حتى رؤية بعض من الشرارات الحمراء و البرتقالية تصدر من جسده وتصعد لأعلى ، بدت مثل النجوم في بحر الظلام هذا ، بدا المشهد جميلا بالفعل و لكن و لأنه حدث هنا ، فهو غريب .

- ما الذي يحد..... -

و حتى قبل أن أكمل جملتي أو أضع تعابير مرتبكة ، حدث ما يشبه الإنفجار !

جثة النصف ذئب الذي كنت فوقه إرتطمت على الأرض بشدة ،و أما أنا الذي سقط من عليه على الأرض الحجرية الخشنة لكن الرطبة المبللة فقد وجدت كما لو أن جسدي يتشقق ، ألم تملك اطرافي ، طنين مستمر تمسك بمسامعي ، لم استطع الحفاظ على عقلانيتي بينما شددت على اسناني و انا اتحمل كل ذلك .

و في لحظة ما غير معروفة، غبت عن الوعي .

.........

كنت في حديقة منزلي الخلفية ، كان المكان من حولي ضبابيا للغاية ، و لكن كما لو انه شيء عادي تماما، لم أهتم بالأمر .

من اللامكان ،وسط الجو الربيعي ظهرت إمرأة بيضاء البشرة بشعر رمادي و عيون بنية تقترب من الحمرة ، بقربها قد تشعر بهالة من الكرامة في الجو من حولها ، كانت عادية المظهر لكن في نفس الوقت كانت جميلة بطريقة غير مفهومة بسبب تلك الهالة .

لم أندهش أو أجزع بينما رأيتها تقترب مني ، فأنا قد حفظت تفاصيلها كلها طوال ال خمس سنين السابقة منذ زواجنا و حتى قبل ذلك بقليل .

كانت زوجتي ..

إقتربت منها انا بدوري .. و لكن بسرعة إنقلب الجو إلى رمادي كئيب.

من خلف - ليليث - زوجتي ، ظهر ظل ضخم ، لم يتكشف مظهره الضبابي لسبب لم افهمه، و لكن كان بإمكاني لمح وهج عيونه الحمراء التي بدت كما لو انها تغلي بالدماء .

أسرعت إلى - ليليث - التي لم تكن بعيدة عني ، لأبعدها من ذلك الظل الضخم .

أنا اسرعت ،و لكن و كما لو أن المسافة بيننا لا نهائية ، لم اتقدم ابدا .

كما لو اني ارجع للوراء كلما تقدمت ، زادت المسافة الفاصلة بيننا .

أنا صرخت - إبتعديي! أهربيي! - لكن هي لم تسمعني .

في تلك اللحظة بالذات ، أنا .. فتحت عيناي بينما إجتاح نور خافت رأيتي .

وجدت نفسي مبتلا بالعرق و ألهث بشدة ..

أخذت برهة لاستوعب الموقف .

- هل كان ذلك حلما فقط ؟ نعم كان كابوسا ، إنه كابوس فقط -

هدأت نفسي، لكن بعدها شعرت بالإرتباك و الحيرة بينما انظر حولي ! هذه ليست غرفتي و لا منزلي .

حاولت تذكر ما أتى بي إلى هنا - لاحقني نصف ذئب ، سقطت في الشق العملاق ، لكن لماذا أنا هنا ؟ هل وجدني احد ما و انقذني ؟ -

كان هذا الإستنتاج الوحيد و إلا ما كنت على قيد الحياة في هذه اللحظة.

- جورج ... -

بالتفكير به ، حلت علي بعض من الكآبة ،فأنا لا أعلم ما حل به .

- هل هو بخير ؟ هل إستطاع الهرب ؟ - أتمنى ذلك ...

سهيت بينما استرجع كل ما حدث في ذاكرتي ...

بينما تمر الثواني ، وجدت كما لو ان أحدا ينقر على ذراعي ، إستدرت و لغرابة الأمر وجدت فتى بوجه طفولي يرمقني بنظرات بريئة .

حين تبادنا النظرات ، بقي الفتى صامتا ، ثم رجع للوراء قليلا و من على منضدة كانت قرب السرير ،حمل صينية ثم وضعها فوق ركبتي . كما لو انه يطلب مني الأكل .

ثم و بخطوات صغيرة خرج من الغرفة .

لقد بدا ظريفا !

بقيت صامتا ، لم افهم الوضع تماما .

ربما يكون هو من انقذني ؟ او ربما والده ، فلا مجال ليكون هناك فتى صغير يعيش وحده هنا .

- حين يعود سأقوم بسؤاله -

نظرت للصينية أمامي ، كانت مصنوعة من الحطب تماما كالطبق فوقه .

الطبق ، كان يحتوي نوعا من العصيدة الصفراء الباهتة ، يعلوها قطعة صغيرة من الدهن او الزبدة .

اخذت الملعقة و أكلت بنهم ما فيه، فمنذ ان استيقضت غزاني الجوع كما لو أني لم آكل لأيام .

لم اقلق بشأن ان يكون ما في الطبق مسمما ، فلو أراد أصحاب المكان هذا أن اموت لما قامو بإنقاذي أصلا .

كان طعم العصيدة باهتا ، لكنني إعتدت على ما هو أسوء .

بعد لحظات سادت قعقعة ضرب الملعقة بالطبق، كانت العصيدة إنتهت بعد ثوان معدودة و اقسم بأني مازلت جائعا ..

خائبا ، سمعت خطوات قادمة من الباب .

عاد نفس الفتى تماما بعد انتهائي من الأكل ، كما لو أنه إنتظر ذلك بفارغ السبب .

وجدت بأنها فرصة جيدة لأسئله عن كل ما في عقلي .

- هل انت من أنقذني ؟ -

الفتى توقف في مكانه بعد أن سمع سؤالي ، ثم قام بهز رأسه دلالة على الموافقة .

لم يصدر اي كلام ، هل هو خجول ؟

- إذن ، جزيل الشكر لك ،حين أعود بالتأكيد سأرد لك جزيل مافعلته لي ، ليس فقط أنك انقذتني بل و لقد عالجتني أيضا انا ممتن للغاية -

بعد ان استيقضت وجدت نفسي ملفوفا في قطع من الكتان ذات اللون الاصفر الباهت ، لم اشعر بأي من الألم الذي كنت قد شعرت به بعدما سقطت ، حتى ذراعي التي تم كسرها عادت كما كانت ، او على الاقل لا اشعر بأي ألم منها !

ذلك ما جعلني افكر ، بأنه قد تمت معالجتي ، لا اعلم كيف تم الأمر بهذه السرعة ،و لكن كل ما يهم هو اني حي .

-أين أهلك ؟ هل انت وحدك ؟ -

هذه المرة لم يجب مباشرة ، بقي واقفا لبضع ثوان ثم قام بهز رأسه مجددا موافقا .

كان بإمكاني رؤية بعض من الحزن في عينيه .

- أنا آسف لذلك - كما لو اني أعلم ما الذي حدث لأهله اعتذرت، نضراته تلك، كانت توحي بحقيقة قاسية .

أشاركه نفس الشعور ، فكوني يتيما ، لم اعرف من يكون والدي أبدا، قضيت صغري وشبابي كلها في معبد القرية .

لو لم تكن - ليليث - في حياتي ، لم علمت ما معنى حب و دفئ العائلة .

و لكن و رغم مرور خمس سنوات على زواجنا ، عائلتنا لم تكتمل، لقد منعتنا السماء من الحصول على ولد ...

يمكن تخيل شعور ذلك بسهولة ، صحيح ؟ لكنه صعب .

قلت في نفسي ، لا اريده ان يعيش نفس الظروف التي عشتها .

أعلم بأنه سيكون من الصعب أن يتقبل فكرة أن يكون لديه شخص آخر و يناديه بكلمة " أبي " و لكن أنا اريد أن أناديه " بإبني "

حتى ولو لم يكن من نسلي .

و أيضا ، كونه وحده في هذا المكان ، غير جيد لفتى صغير مثله .

حاولت الخروج من السرير ، ثم وضعت قدمي على الارض .

واجهت الفتى أمامي وقفت متقدما ، فاردا يداي .

وجدته قد تراجع قليلا بخطواته ، هل كان خائفا مني ؟ ربما بسبب الندوب التي على وجهي فالأطفال يخافون مني بسببها .

كنت ساتراجع للحظة ، لكني رأيت الفتى الصغير يتقدم بقبضات مشدودة مرتجفة، يبدو و كأنه سيقوم بضربي ، و لكن فكرت ايضا بأنه ربما قد قرر شيئا ما !

إحتضنت الفتى ، الذي قد ارتجف قليلا في البداية ، كما لو أنه لم يتوقع ذلك .

انا قلت بصوت خافت ممتزج بنبرة حزينة .

- هل تريد مغادرة هذا المكان معي ؟ أفهم شعور وحدتك هذه ، انا آسف لما حدث لعائلتك ، تعال معي ، هل تريد ؟

ثم يمكنك حتى ان تناديني ابي يوما ما -

كنت امزح قليلا في الجزء الأخير ، اعلم كم سيكون الامر غريبا وصعبا .

------------

لاتنسوني بآرائكم , فبها استمر . وشكرا للقرائة ...

2023/12/07 · 38 مشاهدة · 1396 كلمة
Haru
نادي الروايات - 2025