الفصل الثالث :

" ايها الفتى ، هل تريد ذلك ؟ "

كان كلامي صادقا و أنا اطلب منه هذا، اغمضت عيناي بينما كنت احتضنه .

الفتى بقي صامتا ، اعلم بأنه مصدوم في هذه اللحظة ، أعلم .

- ماذااا ؟ من تناديه بالفتى، هل فقدت عقلك ؟ -

فجأة سمعت صوتا خشنا للغاية و أجش يأتي من أمامي، كان يبدو غاضبا و منزعجا ؟

من هذا ؟ تسائلت في عقلي و رفعت رأسي مباشرة .

بحثت في الغرفة و لكن لم يكن هناك أحد، كنت انا و الفتى فقط ، إذن من اين أتى الصوت ؟

- أنظر إلى أسفل أيها الوغد الصغير -

اسقطت نظراتي نحو الفتى المتجهم أمامي بينما لم استطع كبح صدمتي - ماذا ، مهلا ،ماذا ؟ -

أخذ بعدها يطلق الكثير من الكلمات الوقحة كنافورة ماء أو شلال .

- تريد ان تتبناني إذن هاه ؟ ايها الوغد حين وصلت لسن ال 70 أنت كنت لاتزال رضيعا تتبول على نفسك , كم عمرك حتى تريد ان تصبح والدي ؟ أنا والدك ! انت لم تبلغ حتى مئويتك الأولى ، فكيف تجرء أيها البشري الدنيء ! لو لم ينتهي ميثاق الخلق و كان لدي فضول بشأنك لما انقذتك أبدا ، ايها الوغد ... -

اخذ يقول هذا و ذاك ، يهينني بشتى الكلمات و ينثر لعابه مع كل كلمة ينطقها .

بقيت مندهشا و انا انظر إلى هذا المشهد الذي بدا سرياليا .

فتى صغير ذو تعابير طفولية ، يصرخ بكلمات وقحة بصوت أجش و أعمق من صوتي بالفعل .

و ماذا قال أيضا ؟ أنه اكبر من ال 70 ..

هل مازلت نائما ؟ بالفعل ، نعم فكل ما حدث يجعلني اشعر بأن كل هذا حلم فقط .

مع ضجيج دام لمدة ،و أخيرا إنتهى و حل الصمت ...

تبادلنا النظرات في ذلك الجو .

- ما أنت ؟ - هذا ما أردت سؤاله .

- أنا ؟ - رفع انفه و اشار لنفسه ، ثم أجاب بنبرة فخورة و مغرورة - أنا جريجور القزم ، عرقي أنبل عرق في العالم -

اخرج ضحكة خافتة من طرف فمه و أردف - صادف أن وجدت جسدك المسكين المجروح ، أثناء بحثي عن زهرة النوم .

تعلم ؟ لم ارى أي كائن حي منذ سنوات و اما البشر ؟ فلم ارى ايا منهم منذ زمن طويل للغاية ،و ليس لدي إهتمام بهم لأبحث عنهم و لكن و لأنك قد أتيت برجليك إلي فقد ساعدتك، بالطبع ذلك ليس بدون مقابل ، لقد اخضعت جسدك لبعض الفحوصات -

حين ألقى جملته الأخيرة مباشرة، بدأت بتحسس جسدي ، اي من التجارب الغريبة قد اقامها علي في فترة إغمائي ؟

شعرت بأنه قد قرأ افكاري ، حين قال - إنه فقط فحص خارجي ، لا تقلق -

- إذن من أين أتيت ايها البشري -

كما لو انه ليس نفس الشخص الذي كان ينثر لعابه سابقا ، تغيرت شخصيته رأسا على عقب بحديثه الهادئ و الجو المتعالي .

رددت بنبرة حذرة - قرية البرسيم ، قريبة من الحدود الشمالية للغابة . آه ، و أيضا أدعى جيريس ، نادني جيريس من فضلك -

لم استطع التعامل مع منقذي بدون اي تهذيب .

- إذن البشري جيريس ، حين تشعر بأنك بخير يمكنك المغادرة ... أمم انت لا تعرف هذا المكان ، يمكنني إيصالك لأقرب بلدة بشرية و يمكنك العودة لمنزلك من هناك .... سأعود لاحقا لدي عمل لأقوم به -

اخذته اقدامه للخارج بينما ترك كلماته في الغرفة .

حل الصمت مجددا ، و بينما عدت للجلوس على السرير ، أخذت متذكرا كل ما حدث سابقا .

تعابير القزم جريجور الغاضبة بوجهه الطفولي ، تعابيره الفخورة بينما يعرف بنفسه ، لم يبدو ابدا كشخص فاق عمره السبعين .

بدا تماما مثل ملامحه ، فتى صغيرا .

بالتفكير بهذا ، هربت ضحكة خافتة من فمي ، ثم الضحكة الخافتة كبرت لتملئ الغرفة بأكملها .

ضحكت من قلبي .

ثم فجأة بدأت ملامحي بالتغير ،و جو من الإرتباك ملئ محيطي ، أقزام ؟ انصاف ذئاب ؟

سمعته يقول ايضا ميثاق الخلق ، مالذي يعنيه بذلك ؟

هل هذا نفس العالم الذي كنت اعيش فيه ؟

لحل ارتباكي هذا ، قررت إنتضار عودة القزم جريجور ،و لكن كان من غير المتوقع و انه في هذه اللحظات شعرت ببعض النعاس ، حاولت جفوني ان تغلق لكني قاومت ذلك لبعض الوقت رغم اني بعدها لم أستطع تمالك نفسي و وجدت نفسي قد غططت في نوم آخر .

...

لم يكن هناك اي حلم ، كان فقط الظلام يغمر رأيتي ، حين استعدت وعيي ، فتحت عيناي على الغرفة التي كنت بها .

الآن فقط لاحظت كم كان السرير الذي نمت عليه قصيرا ! حسنا الأمر منطقي كونه منزل قزم ..... قزم ،اذن ؟

أين هو ؟ الم يأتي بعد ؟

حدقت في الغرفة و كل شيء كان تماما كما تركته قبل نومي ، لم يعد بعد إذن، حسنا سأنتضره في تلك الحالة .

بمرور مدة غير معروفة بالنسبة لي ، ادركت كم ان الوقت يمكن ان يكون بطيئا للغاية .

كنت لأقوم بتفحص ساعة الجيب التي املكها ، و لكن لا اعرف أين وضع القزم جريجور ملابسي فبعد نزعها قام بلفي في قطع الكتان .

خرجت من السرير و وقفت لأبحث عن ملابسي ، لم تكن الغرفة كبيرة لذا لم يكن هناك اماكن كثيرة للبحث عنها .

فقط خزانة صغيرة كانت تواجه السرير أمامه و بعض الأدراج قرب الباب، اتجهت للبحث بهم .

- مهلا ! ما الذي افعله ؟ ليس من الأدب أن ابحث في منزل غيري ، فقط انقاذه لي يستدعي الكثير من الامتنان ، العبث في أغراضه سيكون فظا للغاية -

و قبل ان الامش حتى مقبض الخزانة عدت لاستلقي على السرير .

مباشرة بعد ذلك ، فتح الباب و دخل فتى قصير بدا سمينا ذو اطراف ضخمة قليلا، لماذا لم الاحظها من قبل ؟

ام اني فقط لم اضنه مخلوقا تم ذكره فقط في القصص و الأساطير، لهذا لم الاحظ ؟ ربما ..

- اذن هل تحسنت قليلا ؟ أعلم بأنك تحسنت ، فأنا من قام بشفائك -

كان من المفترض ان يكون ما قاله بنبرته الفخورة و المغرورة كالمرة الماضية لكن على العكس، صوته كان فاترا و حتى تعابير وجهه كانت خائبة !

- عذرا سيد جريجور ، هل حدث شيء ما ؟ -

- اه ، ماذا ؟ اه نعم حسنا ، انها فقط تجربة فاشلة ، لا تقلق .... على اية حال خذ هذه لقد اصلحتها لك -

أخذ جريجور شيئا ما من جيبه ،و فرد ذراعه نحوي ثم فتح يده ، كانت ساعة الجيب خاصتي ، أنا لم افهمه فنظرت اليه حينها بتعابير الحيرة .

ثم اردف - حين غيرت ملابسك وجدتها، لقد كانت مكسورة و معطلة لهذا اصلحتها ، رغم نظام عملها البسيط إلا أن اصلاحها كان ممتعا قليلا -

- لابد من انك قزم عظيم سيد جريجور ، لا اعلم حقا كيف ارد هذا الدين ، شكرا لك -

- اوه ايها البشري ، لديك لسان براق ، تجيد الكلام بحق ، لكن ما قلته هو الحقيقة، انا بالفعل شخص عظيم -

و بقول هذا انفجر ضاحكا بصوت مرتفع ، مسرورا .

لم اشئ مقاطعته ، لكن شعرت بالالحاح لسؤاله - بذكر ذلك سيد جريجور ، و لكن كم المدة التي قضيتها هنا ؟ -

- همم انها امممم ،... ثلاث ليال ... امم أربع ، اممم ااا نعم ، لقد كانت أربع ليالي بالضبط ، نعم انت هنا منذ أربع ليالي .

قد غبت عن الوعي ل ثلاثة ليال كاملة ،و البارحة كانت الليلة الرابعة و اليوم ستكون الخامسة -

تحدث بتململ بينما ضغط على صدغه محاولا التذكر .

- م...ماذا !! هل انت جدي !!؟ -

- همم ماذا ؟ هل تشك بذاكرتي أيها البشري ، في سنك انا كنت قد حفظت تاريخكم كله ، فكيف يمكنك الشك بي ؟ -

- من فضلك سيدي أريد الذهاب الآن، انا بخير . امممم هل يمكنك احضار ملابسي من فضلك ... -

- اوه لا مشكلة انها هنا -

مشى ببطئ نحو الخزانة الصغيرة امام السرير ، و قام بفتح بابها بصرير خافت لكن مسموع .

..اوه اذا كانت هناك ...

أخذ بعض الملابس ثم رماها نحوي ، و مع القاء نظرة بسيطة ادركت بأنها لم تكن ملابسي .

- ملابسك كذلك كانت مهترئة و ممزقة ، لم تكن صالحة للإرتداء ، لهذا قم بإرتداء هذه بدلا عنها -

- سيد جريجور انت حقا شخص لطيف ، لطفك هذا لا اعلم حقا كيف يجب علي ان ارده ....-

- اوه بالطبع يمكنك رده ... -

من نفس الخزانة ، قام بأخذ زجاجة صغيرة امسكها باطراف اصابعه الضخمة و أراها نحوي ثم إستمر في حديثه - إملئها بالقليل من دمك -

بدا كما لو أنه يأمرني، لكني لم امانع ذلك و لم أسئل عن السبب حتى .

بل و على العكس شعرت بكم كان القزم جريجور محترما ، كان بوسعه اخذ ما يشاء من قبل و حتى ان يقتلني و يسرق اعضائي او ان يتركني اموت في ذلك الجرف ، لكنه لم يفعل .

انا أومئت له ، ثم طالبته بسكين .

قمت بجرح كف يدي قليلا ، و بينما تتقطر الدماء ، ملئت الزجاجة ، لم تكن كبيرة للغاية ، كانت فقط بطول نصف إصبعي .

- اوه ايها البشري لم ترمش حتى و انت تجرح يدك ، هذا مثير للاعجاب ، .... حسنا خذ هذا المرهم ضعه على يدك سيشفى الجرح قريبا ، إنها أحد إبداعاتي -

من جيبه اخذ زجاجة أخرى و رماها إلي ، كانت شفافة و ما بداخلها المرهم ذو اللون الأخضر الفاتح .

فتحتها و سكبت القليل منها على كفي و على الفور انتشر شعور بالحكة عليها ، و بمرور ثوان قليلة مراقبا الجرح الذي يشفى ببطئ ، شعرت بالذهول !! اعني.. كان هذا غير طبيعي إطلاقا .

- سيدي هذا... -

نظرت اليه و نفس التعابير مازالت على وجهي .

- يمكنك أخذ الباقي ، لدي الكثير غيره .. -

لم اقل اي شيء ، فقط الصمت و الذهول ...

- اذن هيا قم بالإستعداد ، مازلت عند وعدي ، سأرشدك لأقرب منطقة بشرية ، سأعود بعد ساعة ..-

و مع ترك هذه الكلمات و مع إبتسامة سعيدة على وجهه، كما لو انه احب ردة فعلي ، خرج مجددا .

- ااا .... هل أنا في نفس العالم حقا ؟ .... -

سألت نفسي بينما اواجه كف يدي التي إلتئم جرحها و ترك هناك فقط ندبة صغيرة قد تظن بأنه مرت سنين على وجودها .

------------

آرائكم تهمني ...

2023/12/07 · 37 مشاهدة · 1661 كلمة
Haru
نادي الروايات - 2025