الفصل المئتان والسادس والثلاثون: عائلة جي الخالدة، الابن البكر
____________________________________________
بعد مضي بضعة أشهر.
في كهف سماء القمر المتلألئ، حيث تقبع طائفة يو شي الخالدة، تتراصف القمم الشاهقة، ويسبح الضباب الخالد في الأرجاء، بينما تنتشر قصور وأجنحة مهيبة في كل صوب. وعلى شرفة أحد أجنحة التلاميذ، وقف شاب يرتدي ثيابًا بيضاء ناصعة، يتأمل بعينين لامعتين ببريق غامض، المنظر المهيب لأراضي طائفة يو شي الخالدة الشاسعة.
’هل أنا في جسد غيري، أم أن ذاتي الحقيقية قد استعادت وعيها؟‘ خاطب نينغ تشينغ شوان نفسه، وهو يشعر بدهشة غامرة حيال رحلة تطوير حياته هذه. فلم تكن ولادته هذه المرة ككل مرة، إذ لم يأتِ من رحم أمه، بل استيقظ ليجد نفسه في هذا الجسد الذي عاش صاحبه الأصلي أكثر من ثلاثة آلاف عام.
وكان الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أن هذا العالم لم يكن سوى عالم غو تسانغ الخالد! واستنادًا إلى ذكريات صاحب الجسد الأصلي، فقد كان اسمه جي وو تشيو، سليل عائلة جي الخالدة، إحدى العائلات العريقة التي امتد تاريخها لدهورٍ في عالم غو تسانغ الخالد، والابن البكر للجيل المئة والأربعة والعشرين.
”والدي هو جي شياو ياو، سيد القتال الخالد في عائلة جي، ومكانته بين العشرة الأوائل في العشيرة بأكملها، فهو أحد أعمدتها الراسخة بقوته التي بلغت أواخر عالم الخالد الحقيقي.“
”أما أخي الثاني، جي فنغ ينغ، فهو عبقري فذ لم يظهر له مثيل في الأجيال العشرة الأخيرة من عائلتنا، فقد بلغ تمام كمال الإنسان الخالد في غضون ألفين وخمس مئة عام فقط، وحاز إرثًا عظيمًا في درب السيف، حتى لُقِّب في الخارج بسيف اللوتس الأخضر الخالد.“
”وأختي الثالثة، جي مو تسي، تتمتع بموهبة فذة في صياغة الإكسيرات، فبلغت المرتبة التاسعة في العشرين من عمرها، والثامنة في الخمسين، والسابعة في المئة، حتى لامست المرتبة الثانية في عمر الألف وست مئة عام، وهي الآن في مصاف المرتبة الأولى العظمى.“
”وأما أنا... فمجرد متدرب ضعيف في عالم الروح الوليدة، ذو شخصية رخوة وعاجزة؟“ صمت نينغ تشينغ شوان لوقت طويل، وهو يرتب في ذهنه ذكريات صاحب الجسد الأصلي، محاولًا فهم هويته الجديدة ووضعه المزري.
ولقد تطابقت هذه الذكريات مع ما أظهرته لوحة تطوير حياته، فباستثناء موهبته الفطرية التي ارتقت من فهم القديس إلى فهمٍ أسمى، لم يحظَ بأي موهبة أخرى، مما يؤكد أن صاحب الجسد الأصلي كان بالفعل متدربًا عاديًا للغاية.
لكن المشكلة الأكبر الآن تكمن في أنه ليس في ديار عائلة جي، بل في طائفة خالدة عظمى تُدعى طائفة يو شي الخالدة. فقبل ألف عام، وبسبب شخصيته الضعيفة ومستواه المتدني، لم يكن قادرًا على حمل عبء مجد عائلة جي على عاتقه، فقرر شيوخ العشيرة التخلي عنه ضمنيًا.
غير أن والده لم يطق رؤيته يعاني الإهمال في العشيرة، وحفاظًا على كبريائه، استغل نفوذه ليدخله إلى طائفة يو شي الخالدة، ليصبح مجرد تلميذ في الفصيل الخارجي. وها قد مضى ألف عام، وبدا وكأن عائلة جي قد نسيته تمامًا، فباستثناء زيارة أخته جي مو تسي له قبل ثمان مئة عام، لم يأتِ أحد لرؤيته.
وبمرور الزمن، أصبح شخصًا مهمشًا في عائلته، وجوده كعدمه، حتى إن الكثير من أبناء الجيل الجديد لم يسمعوا باسمه قط. لم يكترث نينغ تشينغ شوان لذلك، فكل هذا لا يهمه. لكنه من دون دعم موارد عائلة جي الخالدة الهائلة، سيواجه صعوبة كبيرة في استعادة قوته في وقت قصير، فهو في طائفة يو شي الخالدة مجرد تلميذ عادي في الفصيل الخارجي، ومن المستحيل أن تُخصَّص له أي موارد ثمينة.
’لكن الطاقة الروحية هنا كثيفة للغاية، تفوق ما كان في عالم شوان هوانغ الخالد بأضعاف مضاعفة، فلا يصعب عليّ استعادة قوتي إلى ذروة عالم تنقية الفراغ في غضون عشر سنوات.‘ وبينما كان نينغ تشينغ شوان يواصل تأمله في قمم الجبال الشاهقة، دوت صيحات مفاجئة ومفعمة بالبهجة من بوابة الطائفة.
"لقد عاد الأخ الأكبر يي!"
وفي لمح البصر، انطلقت خيوط الوعي الروحي من كل حدب وصوب، واتجهت الأنظار نحو عنان السماء، ولم تخلُ من بينهم أنظار أسياد القمم أنفسهم. ورأى نينغ تشينغ شوان تموجات من الطاقة الخالدة تظهر في الأفق البعيد، حيث أقبل رجل يرتدي رداءً خالدًا أبيض، يسير بهدوء ويداه خلف ظهره، بينما يجر خلفه بقوة فنه الخالد تنينًا أسودًا هائجًا يفيض بهالة شرسة.
وبالنظر إلى هالة التنين الأسود، يتضح أنه قد بلغ ذروة عالم اجتياز المحن، وكان على وشك أن يخطو خطوته الأولى نحو عالم الخالدين!
"لا عجب أنه التلميذ الأول في جناح الأرض، فلم يمضِ على ذهابه سوى يومين، وقد عاد بالتنين الأسود بالفعل."
"سمعت أن الأخ الأكبر يي قد خرج من عزلته مؤخرًا، ويبدو أنه لامس عتبة أواخر عالم الإنسان الخالد؟"
"أتساءل إن كان السيد العظيم الخالد سيقبله تلميذًا هذه المرة، فقد خسر جناح الأرض فرصته ثماني مرات متتالية."
ترددت الأصوات من حوله، وقد أظهر الكثير من تلاميذ طائفة يو شي الخالدة، خاصة أولئك من جناح الأرض، نظرات ملؤها الحماس والإعجاب وهم يحدقون في ذلك الطيف المهيب في السماء. ففي ذاكرة نينغ تشينغ شوان، تنقسم مراتب التلاميذ في طائفة يو شي الخالدة إلى أربعة أجنحة ومئة وثماني قمم وألف وأربع مئة فصيل، وكان التسلسل الهرمي صارمًا للغاية، ومسار ترقيتهم شاقًا للغاية.
أما الأجنحة الأربعة التي تمثل صفوة التلاميذ، فهي السماء والأرض والكون والنظام. ورغم أنها في مستوى واحد، فإن اختلاف مواهب التلاميذ الذين يختارهم أسياد الأجنحة الأربعة وقوتهم، يخلق تباينًا واضحًا بينها. أما عن سبيل ترقية تلاميذ الأجنحة الأربعة، فلم يسع نينغ تشينغ شوان إلا أن يرفع بصره نحو أعلى قمة في طائفة يو شي الخالدة، حيث يستقر برج خالد مهيب يكاد يلامس عنان السماء.
فهناك تقيم سيدة يو شي الخالدة، يون سو، التي تعد أعلى شخصية في الطائفة بأكملها، وسيدتها الحالية للجيل الرابع عشر، والوحيدة التي بلغت قوة خالد التاي يي الذهبي. ولا أحد يعلم كم عاشت من السنين، فمنذ تأسيس الطائفة عبر عصور لا تُحصى، لم يتوالَ على قيادتها سوى أربعة عشر سيدًا، وهذا وحده يظهر مدى رعب شخصية بمستوى خالد التاي يي الذهبي، فعمره المديد لا يمكن قياسه بالأرقام.
واعتادت أن تتخذ تلميذًا لها كل مئة ألف عام، حتى ترعاه ليبلغ عالم الخالد الذهبي ويملأ منصب سيد قمة شاغر. ولم يتبقَ على موعد المئة ألف عام هذه المرة سوى أقل من قرن، وقد ظهر في أجنحة السماء والأرض والكون والنظام الأربعة تلاميذ شباب موهوبون للغاية، مما جعل المنافسة بينهم على أشدها.
"أنا مجرد تلميذ في الفصيل الخارجي، لا أملك حتى أهلية المشاركة." لم يعد نينغ تشينغ شوان يفكر في الأمر، فما يهمه الآن هو استعادة قوته التي تعادل قوة ملك آله خالد أولاً، ثم يقرر ما سيفعله بعد ذلك.