الفصل المئتان والثامن والثلاثون: صراع الأجنحة الأربعة، وفن هون يوان الخالد
____________________________________________
في ذلك اليوم، وصلت إلى مسامع نينغ تشينغ شوان أصداء حركة غير معتادة من العالم الخارجي، فقد أوشك الحدث العظيم الذي لا يتكرر في طائفة يو شو الخالدة إلا كل مئة ألف عام على البدء.
أوقف اعتكافه التدريبي مؤقتًا، وألقى نظرة على ما تبقى في حقيبة التخزين من اليشم الخالد الأعلى جودة، والذي كاد أن ينفد تمامًا. لم يتبقَ سوى ثلاثة ملايين قطعة، وهو ما يعادل محصول عام كامل من التنقيب في مناجم طائفة خالدة عادية يقودها إنسان خالد.
وفقًا لتقديرات عائلة هو السابقة، كان من المفترض أن يكفي هذا المبلغ نينغ تشينغ شوان لألف عام على الأقل، سواء استأجر به مسكنًا أفضل، أو اشترى إكسيرات إطالة العمر واختراق العوالم، أو حتى أنفقه في سبل أخرى للترفيه والتدريب.
لكن مئة عام فقط قد انقضت، وها هي الثلاثة ملايين قطعة من اليشم الخالد قد تبخرت تقريبًا. لم يكن السبب إسراف نينغ تشينغ شوان، بل إن عملية استعادة قوته كملك آله خالد قد استهلكت أكثر من تسعة أعشار هذا المبلغ، هذا عدا عن الطاقة الروحية الهائلة التي امتصها من السماء والأرض.
"لقد حان الوقت تقريبًا."
خرج نينغ تشينغ شوان من مسكنه، وألقى نظرة هادئة امتدت عبر أراضي طائفة يو شو الخالدة الشاسعة. لقد واجهت هذه الطائفة العريقة، التي صمدت عبر عصور لا تُحصى، أزمات عديدة في الماضي، لكنها تمكنت دائمًا من تجاوزها بفضل قاعدتها الراسخة من الخبراء الأقوياء.
في نطاق إدراكه، استشعر وجود عدد هائل من شيوخ الفصيل الخارجي البالغ عددهم ألفًا وأربع مئة، وجميعهم من مرتبة الإنسان الخالد، بينما كان أسياد القمم المئة والثماني جميعًا من مرتبة الخالد الحقيقي فما فوق.
أما الأجنحة الأربعة، فقد كانت تمثل القوة القتالية العليا في الطائفة، ورغم أن أربع هالات لخالدين ذهبيين فقط كانت تحوم في الأرجاء على مدار العام، إلا أنه استشعر وجود عدد آخر من الخالدين الذهبيين يتربصون في الخفاء.
أما عن البرج الخالد، فلم يجرؤ نينغ تشينغ شوان على محاولة استكشافه بسهولة، فقد خمّن أن قوة خالد التاي يي الذهبي تفوق مدارك فهمه وإدراكه الحالي. كانت تلك قوة لا يستطيع تقديرها بدقة، والحذر في مثل هذه المواقف فضيلة لا غنى عنها.
"أوه، أخي الأصغر جي؟ لم أرك منذ سنوات طوال، ظننتك قد غادرت الطائفة."
في الممر خارج مسكنه، كانت حشود من تلاميذ الفصيل الخارجي تسير في مجموعات مترافقة، متجهة بحماس نحو ساحة الاستنارة خارج جبل يون سو الخالد. من بين تلك الحشود، توقفت فتاة شابة رائعة الجمال، يحيط بها رفاقها، وعلى خصرها لوح رمزي يخص تلاميذ الفصيل الداخلي، لتطلق كلماتها بدهشة.
نظر إليها نينغ تشينغ شوان، وسرعان ما استدعى من ذاكرته اسمها وخلفيتها. كانت تدعى تشين شيان يوان، وتنحدر من عائلة خالدة مرموقة. انضمت إلى طائفة يو شو الخالدة قبل ألف ومئتي عام، وبفضل موهبتها الفذة، أوصى بها الشيخ تسوي تشيو بعد خمس مئة عام من التدريب، لتنجح في اجتياز اختبارات الفصيل الداخلي.
واليوم، بدت تشين شيان يوان على وشك بلوغ عتبة الانضمام إلى أحد الأجنحة الأربعة. كانت سرعة ترقيها مذهلة، تفوقت بها على عدد لا يحصى من التلاميذ، مما جعلها من بين المتفوقين في جيلها.
ابتسم نينغ تشينغ شوان ورد بهدوء: "لم أغادر بعد، كل ما في الأمر أنني كنت منشغلًا بأمور أخرى في السنوات الأخيرة."
أومأت تشين شيان يوان برأسها دون أن تفكر كثيرًا في الأمر، ثم تابعت طريقها نحو ساحة الاستنارة بصحبة صديقاتها المقربات من أيامها في فصيل تسوي تشيو الخارجي.
في الطريق، التفتت إحدى الفتيات لتلقي نظرة على نينغ تشينغ شوان، ثم قالت لتشين شيان يوان بتهكم: "يبدو أن ذلك الأحمق قد استسلم أخيرًا. أتذكرين كيف كان يؤدي أعمالك اليومية سعيًا للتقرب منك؟ لقد أثار حسدنا جميعًا في ذلك الوقت."
لم تتمالك فتاة أخرى نفسها من الضحك وأضافت: "يمكن القول إنه قد أفاق الآن وأدرك الهوة السحيقة التي لا يمكن جسرها بينكما. لم تكونا من نفس الدرب أبدًا، وهذا أفضل للجميع."
"الأمر الذي يحيرني حقًا هو كيف لم يُطرد من الطائفة بعد أن أعطاك كل شظايا اليشم الخالد التي جمعها، حتى كاد لا يستطيع تحمل نفقات مسكنه."
"أوه، لا تنسي أن كل من يدخل طائفة يو شو الخالدة، حتى لو كان في الفصيل الخارجي، ينتمي إلى عائلة ذات نفوذ. لا بد أنهم يدعمونه بالمال كل عام."
لم تعلق تشين شيان يوان على حديثهن. لقد أمضت خمس مئة عام في فصيل تسوي تشيو، وبالطبع كانت تحمل بعض المشاعر لذلك المكان، لكن أكثر ما كان عالقًا في ذاكرتها هو شخصية جي وو تشيو. كان فتى جيدًا في كل شيء، لكنه لم يكن كفؤًا لها.
عادت اليوم إلى هنا لتلتقي بصديقاتها القديمات، بعد أن سمعت أنهن على وشك الانضمام إلى الفصيل الداخلي. بدا الأمر وكأن جي وو تشيو هو الوحيد الذي لم يبرح مكانه قط، وظل يراوح في موضعه. كلما فكرت في الأمر، أدركت أن قرارها في الماضي كان صائبًا تمامًا.
بعد مضي القليل من الوقت، وصلت الفتيات إلى سفح الجبل الخالد، عند حافة ساحة الاستنارة. رفعن رؤوسهن، فرأين البرج الخالد الشاهق للسيد يون سو الخالد العظيم يتربع على قمة السماء، محاطًا بطاقة روحية لا نهاية لها وضباب خالد يبعث في النفس شوقًا عميقًا.
في تلك اللحظة، كانت الساحة تزدحم بالمزيد والمزيد من التلاميذ، من الفصيلين الداخلي والخارجي على حد سواء. رغم أنهم لا يملكون الأهلية للمشاركة في الحدث، إلا أن الاستماع إلى تعاليم السيد يون سو الخالد العظيم كان فرصة ثمينة قد تعود عليهم بالنفع، وكلٌ منهم سيجني من المكاسب ما تسمح به قدرته.
"لقد وصلوا! إنه الأخ الأكبر يي هين من جناح الأرض!"
"والأخت الكبرى لي يوي من جناح السماء أيضًا! لقد اختارا المشاركة كما توقعنا!"
ضجت ساحة الاستنارة فجأة بالهتافات، وارتسمت على وجوه الجميع نظرات ملؤها الحماس والإعجاب. ومضت الأنوار في الأفق، وانطلقت أشعة سماوية بسرعة البرق، حيث بدأ أكثر من ألف تلميذ متفوق من الأجنحة الأربعة في الوصول إلى الساحة.
وسرعان ما انفتحت عيون الوعي الإلهي العتيقة من كل أرجاء طائفة يو شو الخالدة، لتستقر جميعها على ساحة الاستنارة.
"أيها الحضور، اختبار السيد الخالد العظيم هذه المرة واحدٌ فقط."
دوى صوت سماوي مهيب من قمة السماء، من خارج البرج الخالد. ظهر شيخ يرتدي رداءً أبيض، واضعًا يده اليسرى خلف ظهره، بينما كانت يده اليمنى تدير مرجلاً برونزيًا صغيرًا بحجم ثلاث بوصات. بحركة من أنامله، كبر المرجل فجأة ليصبح عملاقًا يبلغ ارتفاعه ألف قدم، ثم استقر في وسط ساحة الاستنارة.
"مرجل هون يوان؟"
اهتزت أصداء الوعي الإلهي في كل مكان، وقد علت الجميع دهشة لا توصف. كان مرجل هون يوان كنز السيد يون سو الخالد العظيم الأسمى المرتبط بروحه، وأحد كنوز الطائفة الخالدة العشرة العليا، يخفي بين طياته أسرارًا غامضة لا حصر لها.
وفي داخله، كان هناك فن قتالي يُدعى "فن هون يوان الخالد"، وهو الأسلوب الذي يتبعه السيد يون سو الخالد العظيم نفسه، فنٌ خالدٌ أسمى يمكن أن يصل بصاحبه إلى مرتبة خالد التاي يي الذهبي!
"إنه مرجل هون يوان! ألا يُعتبر هذا الاختبار هو الأصعب والأكثر سخاءً في تاريخ الطائفة؟"
"فن هون يوان الخالد... آه، حتى لو وُضع أمامنا، لما استطعنا إتقان ذرة منه."
"عشر سنوات! أراهن أن الأخ الأكبر يي هين لن يحتاج أكثر من عشر سنوات ليتقن أساسيات فن هون يوان الخالد!"
لم تتوقف الأصوات الصاخبة في الأرجاء. أما تلاميذ الأجنحة الأربعة الألف، فقد نظروا إلى بعضهم البعض بعيون تتقد حماسة، فمثل هذه الفرصة النادرة التي وُضعت أمامهم تستحق بذل كل ما لديهم من جهد، مهما بلغت صعوبتها.
"مدة الاختبار غير محدودة، ومحتواه هو تدريب فن هون يوان الخالد. النتيجة النهائية سيحددها السيد الخالد العظيم بنفسه. فلتتفضلوا بالبدء."
تردد صوت الشيخ ذي الرداء الأبيض مرة أخرى، وهو يلقي نظرة من عليائه على آلاف التلاميذ في الأسفل. في لحظة، أطلق الكثيرون منهم فنونهم الخالدة، وبدأوا الخطوة الأولى: اختراق مرجل هون يوان بوعيهم الإلهي، وفك حواجز التعاويذ، للوصول إلى فن هون يوان الخالد.
لكن هذه الخطوة الأولى وحدها كانت في غاية الصعوبة، والعقبات التي واجهتهم كانت عظيمة. حاول الكثيرون من خارج ساحة الاستنارة أيضًا، لكن معظمهم لم يتمكن من فهم أسرار حواجز التعاويذ، ولم ينالوا حتى شرف الاطلاع على الفن الخالد.
في مكان بعيد، من فصيل تسوي تشيو الخارجي، كان نينغ تشينغ شوان يحدق في مرجل هون يوان، مدركًا تمامًا أن هذه هي الفرصة التي قد تقوده يومًا ما إلى بلوغ مرتبة خالد التاي يي الذهبي.
"يبدو أنه عليّ أن أتعلم الفنون سرًا هذه المرة."
تألقت عيناه ببريق غامض، وفي لحظة واحدة، فكّك حواجز التعاويذ، وتسلل وعيه الإلهي إلى داخل مرجل هون يوان، حيث رأى كلمات فن هون يوان الخالد العتيقة المعقدة، وأحرفه الغامضة التي لا تُحصى.
وفي تلك اللحظة نفسها، من أعماق البرج الخالد المهيب، انطلقت همهمة خافتة تنم عن دهشة مفاجئة.