الفصل المئتان والسبعون: إصبعٌ تزهق روح خالد، ونفوذٌ ما كان في الحسبان
____________________________________________
وهل يجرؤ من يدخل هذا المكان على أن يضمر في نفسه أفكارًا أخرى؟
قال الشيخ الرابع وقد علت صوته نبرةٌ شريرة: "أُحذّركِ للمرة الأخيرة، اتبعيني حالًا إلى برج الدم، فإن تأخرتِ عن نيل النعمة التي سيمنحكِ إياها السيد العظيم الخالد، فلن يتمكن أحدٌ من حمايتك!".
في تلك اللحظة، تصاعدت منه هالة ضغط تليق بخبير في مرحلة الإنسان الخالد الوسطى، ولفَّت القاعة بأكملها، فارتسم الذعر على وجوه بقية الصاعدين، الذين أحنوا رؤوسهم في صمت مطبق وقد تملكهم الخوف.
أجابته لوه لي وهي تجز على أسنانها: "ما دامت نعمةً تُمنح، فمن حقي إذن أن أرفضها".
تأكدت شكوكها وهي ترى إصرار الشيخ الرابع وعناده، وأدركت في قرارة نفسها أن ما ينتظرها في برج الدم ليس بالبساطة التي يدّعيها، بل يخفي وراءه سرًا خطيرًا. لم تكن تدري ما الذي ستواجهه إن هي ذهبت، لكنها أيقنت أن مغادرة قصر وو شين ستصبح حينها ضربًا من المستحيل.
صرخ الشيخ الرابع وقد استبد به الغضب: "أيتها الحمقاء!".
أطلق العنان لهالته القاهرة بكل قوّتها، فدوى في أرجاء القاعة صدى الطاقة الخالدة الهادرة. شعرت لوه لي بقوة لا تُقاوم تحط على جسدها، حتى كاد أساسها الروحاني الذي بنته في أواخر عالم اجتياز المحن أن ينهار ويتداعى.
بدا الذعر على وجوه ليو جون تسي الشاحبة، فهتفوا على عجل: "لوه لي، الوضع لا يسمح لكِ بالرفض! إن تحدّيته الآن، فلن تجني إلا موتًا أسرع!".
في غمرة غضبه، تقدم الشيخ الرابع خطوة نحو لوه لي، وانبعثت منه هالة قتل ثقيلة جعلت العرق يتصبب من جبينها.
دوى صوته الحاد في أذنيها كدوي الرعد: "إما أن تأتي، وإما أن تموتي!".
ارتعدت فرائص لوه لي، وبدأ بصرها يغدو ضبابيًا وهي تكاد تختنق تحت وطأة تلك الهالة القاهرة. فجأة، تدفقت قوة غريبة من أعماق كيانها، فبددت جزءًا من الضغط المسلّط عليها، وفي ذات اللحظة، تكشّفت نية قتل خفية.
صرخت لوه لي بذعر وقد تغيرت ملامحها في لحظة: "تشانغ غي، لا تفعل!".
استجمعت كل ما أوتيت من قوة لتكبح جسد تشانغ غي الذي فارق الحياة والموجود بداخلها. فمع تعرضها لهالة القتل المنبعثة من الشيخ الرابع، أظهر الجسد ميلاً غريزيًا لإطلاق قوته، تمامًا كما حدث في الماضي عند مواجهة متناسخي المعبد الساقط.
لكن لوه لي كانت تدرك تمام الإدراك أن هذا هو عالم غو تسانغ الخالد، وأنها في قاعة دا لو العظيمة، تلك الأرض المقفرة التي تتخذ من عظام الخالدين وقودًا للصاعدين. أيقنت أن جسد تشانغ غي الذي تركه خلفه لن يكون ندًا لمن في هذا المكان.
لقد أخفته في داخلها وجلبته معها إلى هذا العالم، على أمل أن تجد أثرًا لروحه التي صعدت، فتعيد الأمانة إلى صاحبها. ورغم أنها بذلت قصارى جهدها لقمع هالته، إلا أن سيد الجثث الخالد، ذاك الذي بلغ نصف خطوة نحو عالم دا لو، قد استشعر من برج الدم تلك الهالة الفريدة، هالة جسد بلغ مرتبة القداسة، خالدٌ لا يفنى، وأبديٌ لا يبلى.
فتح عينيه المغمضتين في الحال، وقد ومض فيهما بريق من الدهشة القصوى والجشع الذي لا حدود له.
همس لنفسه: 'يا له من جسد عجيب! لو استُخدم لتغذية ثمرة داو وو شين لو، ألن يصبح نبعًا للقوة لا ينضب؟'.
في التو واللحظة، أرسل وعيه الإلهي ليهبط في قاعة صياغة الإكسيرات حيث كان الشيخ الرابع، وسرعان ما استقر على لوه لي. ذاك الحضور المرعب بثّ الخوف في قلوب الجميع على الفور.
"يمنحكِ الشيخ الرابع فرصة لتنالي نعمة الخلود، فتأبين؟ يبدو أنكِ لا تعترفين بسلطتي، ولا بقصر وو شين. ما دمتِ كذلك، فما الفائدة من إبقائكِ حية؟".
تردد الصوت المهيب في أرجاء المكان، حاملاً معه سطوة لا تُقاوَم. رفعت لوه لي رأسها، فشعرت باليأس يطبق عليها وكأن السماء قد انهارت فوقها.
تملّك الذهول الشيخ الرابع، فلم يكن يتوقع أبدًا أن يتدخل سيد الجثث الخالد بنفسه في هذا الأمر، فسجد على الفور وهو يقول: "سيدي العظيم الخالد!".
أما الفتاة ذات العينين اللوزيتين، فقد تسارعت أنفاسها، وبخلاف الهلع الذي ارتسم على وجوه الصاعدين الآخرين، لمعت في عينيها نظرة من الحماسة والتوق لم يسبق لها مثيل، وهمست: "أهذه هي قوة خالد التاي يي الذهبي الأسطوري...".
صاحت لوه لي وقد أدركت أن جسد تشانغ غي الذي بداخلها يكاد يفلت من سيطرتها تحت وطأة تلك القوة المرعبة، وقالت بصوت مفعم بالمرارة والقهر: "سأذهب معك!".
"فات الأوان، فقصر وو شين لا حاجة له بمن يحمل في قلبه ذرة من معارضة". كان سيد الجثث الخالد جالسًا في بركة الدماء، وعيناه مثبتتان على لوه لي، وقد ازداد جشعه وهو يستشعر هالة الجسد المقدس تتصاعد بقوة أكبر. لقد قرر أن يلقي بها بجسدها وروحه في أرض تدريب ثمرة داو وو شين لو.
عند سماع كلماته، تهاوى عالم لوه لي، وغرقت في لجج اليأس.
رفع سيد الجثث الخالد يده، وحشد قوته العظيمة ليضرب، ولكن قبل أن يفعل، وقع ما لم يكن في الحسبان!
دوى انفجار هائل، واهتز كهف سماء وو شين بعنف. فجأة، ودون سابق إنذار، تمزقت قمة السماء المعتمة بوحشية على يد كفٍ عظيم، فانشقّت السماء عن هوة سحيقة لا حدود لها.
صاح سيد الجثث الخالد في ذهول: "من هناك؟!".
حدّق في الهوة التي انشقت في السماء، فتجمدت نظراته في مكانها. رأى البرق يتراقص بعنف، ليكشف عن جيش من الخالدين يملأ الأفق، وتتدفق منهم هالة قتل جارفة.
لقد هبط ما يقارب الخمسين من خالدِي التاي يي، وتبعهم مئات الآلاف من السفن الحربية البرونزية التي عبرت الفضاء، وارتفعت أصوات هدير بهائم عتيقة لتهز أركان السماء!
أثار هذا الحدث المفاجئ انتباه كل من في كهف سماء وو شين. لم يكونوا يعلمون ما يحدث، لكنهم رفعوا رؤوسهم ليروا مشهدًا مرعبًا؛ جيش من الخالدين بضغط لا يوصف، كاد أن يسحق جوهر الداو العظيم لكهف السماء.
"ما الذي يحدث؟ لِمَ يهاجمنا جيش من الخالدين؟".
"إنهم خالدون... كلهم خالدون!".
في قاعة الإكسير، نظر الصاعدون إلى السماء، وقد انعكست في أعينهم صور الخالدين التي تملأ الأفق، فتملكهم رعب لا يوصف. شعر الشيخ الرابع بالذعر يتسلل إلى نخاعه، فرغم أنه عاش عشرات الآلاف من السنين في هذا المكان، لم يرَ مشهدًا كهذا قط. فمن في عالم غو تسانغ الخالد يجرؤ على مهاجمة هذا المكان؟
من أعماق الهوة السحيقة، من قلب جوهر الداو الذي لا تدركه الأبصار، انبعث صوت نينغ تشينغ شوان البارد القاسي، صوت قانون دا لو الذي حمل معه هيبة قاهرة اجتاحت أراضي كهف سماء وو شين المترامية الأطراف في لحظة.
"أيها الوغد الصغير، لقد استعبدت لوه لي لمئتي عام، إنك تستحق الموت".
أصاب الرعب قلب كل من في قصر وو شين، وشعر الشيخ الرابع وكأن صاعقة قد ضربته. رأى إصبعًا تبرز من الفراغ، فحجبت الكون بأسره، وسحقت قوانين عالم الكهف في طريقها، ثم هبطت ببطء على القاعة.
وكأن السماء قد انهارت، تحولت القاعة إلى رماد في لمح البصر. أطلق الشيخ الرابع صرخة مروعة، وتلاشى جسده الخالد وتحول إلى غبار، وتمزقت روحه الخالدة حتى لم يبقَ لها أثر. لقد مُحي من الوجود بلمسة إصبع، أمام أعين الجميع!
عند رؤية هذا المشهد، شحب وجه الفتاة ذات العينين اللوزيتين رعبًا، وشعرت وكأن روحها قد فارقت جسدها. نظرت إلى لوه لي بخوف شديد، وأخذت أسنانها تصطك من شدة الهلع.
لم يظهر صاحب القوة، لكنه قتل خالدًا بإصبع واحدة. مزق حواجز الكهف بكفه، وقاد جيشًا من الخالدين ليحاصر قصر وو شين.
'أوَحقًا تملك لوه لي كل هذا النفوذ العظيم في عالم غو تسانغ الخالد؟'.
نظر ليو جون تسي إلى لوه لي وعقولهم تكاد تنفجر من الذهول، فكل ما رأوه كان يمزق إدراكهم ويقلب كل مفاهيمهم رأسًا على عقب. أما بقية الصاعدين في القاعة، فقد سقطوا على ركبهم جميعًا، وأخذوا يرتجفون من الخوف.
"تشانغ غي، أهذا أنت؟".
حدقت لوه لي في الفضاء البعيد، ورغم أنها لم تستطع رؤية وجهه أو هيئته، إلا أن جسده الذي بداخلها قد شعر برابط غريزي وتناغم عميق.
"تشانغ غي!".
أخيرًا، تيقنت لوه لي، وأطلقت صرخة مدوية هزت أركان السماء. بكت من شدة الفرح، واحمرت عيناها على الفور، وبدأت دموعها تنهمر على خديها دون توقف.