في ساحة المعارك الكبرى بالقرب من باب الحصن جمع الفارس المظفر فرسانه الخمسة عشر أو ما يسمون بفرسان الفيلق الأعظم ولكن دون أن يكون بينهم اثنان من أهم فرسانه:

أولهما هيكون شيراز الذي أصبح العدو الأول لهم بعد هذه الخيانة التي لم تشهدها المملكة من قبل، والثاني هو مقدام شاهون الذي ظل ليكون قائد الجند بدلا من كوبر ليحمي المملكة من أي اعتداء.

كان الفرسان في حالة حماسة لاسترداد أميرتهم من قبضة الملك الماكر بلشون ، إنهم فرسان الواحد منهم بمائة فارس من فرسان الممالك الأخرى ، مظهرهم قبل جوهرهم يدل على أنهم يمتلكون ما لا يمتلكه الكثير من حدة وجمال ملامحهم ، وكأنهم رمز للجمال ، قوة بناء أجسامهم ورشاقتهم وسرعتهم كأنهم أحد مساخيط جن السماء الثانية الذين يضرب بهم المثل في السرعة ، هذا الشكل ، أما المضمون فهم أشد من أسود الأرض شجاعة وقت النزال ، يعشقون الإخلاص لقائدهم ويضحون بأنفسهم من أجله إن لزم الأمر ، يمتلك كل واحد منهم من الحيلة والذكاء ما يستطيع أن يخدع به مئة ذئب ، خمسة عشر فارسا تفخر دائمًا مملكة هازان بأن يكون لها مثل هؤلاء المغاوير وهم ( هاشام - زافار - راحيب - سيجان - هانكان - ماجين - ياشوم - رشمان - يجور - يوشان - موراخ - وهيم - موهان - باهار - بازار ) ، وكان موراخ وموهان هما العوض عن هيكون ومقدام وإن لم يكونا بنفس كفاءتهما في النزال إلا أنهما فارسان يلين في قبضتهما الحديد.

كان الملك هاروت بنفسه معهم يحمسهم ويودعهم قبل الخروج من باب الحصن،

اقترب من كوبر قائلا: "كوبر، أعلم أنها مهمة شاقة ولكني أعلم مدى كفاءتك فلو ثقتي فيك ما خاطرت بحياة ابنتي والتي هي من الآن زوجتك ، عليك بإحضارها من أجل مملكة هازان فأنت وهي ملكاها القادمان"

"أعدك مولاي بألا أعود بدونها وأن حاربت ممالك السبعين بابا كلهم ، اطمئن يا مولاي واذهب إلى عرشك وانتظر البشرى وليكن الدعاء منك لنا بالنصر المؤزر"

فتح باب المملكة الضخم وجموع غفيرة من أهل المملكة يودعون فرسانهم في مهمتهم المقدسة ملوحين لهم بأيديهم آملين أن يعودوا معهم أميرتهم الغالية ، خرج الفرسان ليبدءوا رحلتهم التي لا يعلمون مدى صعوبتها ، فالطريق طويل ولا يعرفون كم سيلزمهم من الوقت حتى يصلوا إلى هناك ، وإن كانوا يعرفون جيدًا الطريق وما به من مخاطر إلا أنهم مقدمون على معارك لم يشهدوا مثلها من قبل ، هم لم يروا من قبل قبائل الهجع تلك التي تملأ صحاري السراب الأحمر أو يحتكوا بهم في نزال ، فقط كل علمهم عنهم أنهم قطاع طرق لكل من أراد أن يخرج من مملكته ليذهب إلى مملكة أخرى . اعتلوا خيولهم المجنحة كأنهم أسهم البرق ، يتقدمهم كوبر بفرسه الأبيض ( فهر ) أجمل فرس في المملكة ، في أعينهم حماسة كبيرة وإقدام على المخاطر ، طارت الخيول بأجنحتها مسرعة ، يرون أسفلهم ما لم يروه من قبل ، عالم آخر لم يسمعون عنه أو يتخيلوه بهذا الشكل ، فقبل أن يدخلوا في صحاري السراب الأحمر شديدة الاتساع رأوا عين ماء كبيرة لون مائها ما بين الأزرق والأسود ، بها كائنات مرعبة أشبه بالأفاعي العملاقة ولها رءوس عجيبة كرأس الجان ، لها أنياب معوجة كأنها منقار نسر قوي ، تتعارك مع بعضها وكأنها تعشق الفتك ، ظلوا ينظرون أسفلهم وخيولهم تطير مسرعة ليروا هذا المشهد العجيب ، ما إن أشرفوا على نهاية هذه العين المائية المترامية الأطراف حتى وجدوا جنودا سود البشرة وكأنهم من مساخيط الجن الأسود يسمون حراس المعبد الناري يقودون قطعيا من الأهالي الذين بدا عليهم التعذيب والإرهاق ، ويلقون بهم واحدًا وراء الآخر في هذه العين فتلتقطه هذه المخلوقات المرعبة فتمزقه في الحال.

سال هانكان متعجبا: "ما هذا الذي نراه؟ ومن هؤلاء السود عديمو الرحمة؟"

أجابه هاشام: "لا عليك هانكان بمثل هذه الأمور ، فنحن في مهمة محددة وليس لنا أن نشغل بغيرها"

"أترى ما أراه با هاشام؟ إني لأريد أن أمزق هؤلاء السود تمزيقا"

كان كوبر ينظر لهذه المشاهد وقبله يتمزق غمًا على ما يراه ، كم كان المشهد مرعبا لمن يطلع عليه! ظل يمنع نفسه من أن يتعاطف معهم حتى لا يؤخره هذا الأمر عن مهمته المقدسة، ظل كذلك حتى رأي فتاة شديدة الجمال كأنها إحدى الحور مقيدة من يديها يسحبها أحد هؤلاء الغلاظ بقسوة مفرطة، وهي تبكي بكاء مكتومًا، لم يستطع أن يتمالك نفسه من الغضب، نظر خلفه لفرسانه قائلا لهم:

"انتظروني هنا، أنا عائد على الفور."

سأله هاشام متعجبا: "أين تذهب يا كوبر؟ ليس لدينا وقت لنضيعه في هذه البطولات فلتكن في وقت آخر"

"أترى هذه الفتاة البريئة؟ ليس من الممكن أن أتركها تقتل بهذه الصورة البشعة ، فكما أن أميرتنا تستحق الحياة ، فهذه الرقيقة أيضا من حقها الحياة "

"إذن فسنأتي معك، فهؤلاء السود الغلاظ لديهم من الشراسة الكثير. وإن أحدهم ليأكل طاموساً حيء"

هبطوا مسرعين بخيولهم ، وما إن رآهم حراس المعبد حتى أخرجوا سهامهم الحارقة وبدءوا يطلقونها تجاه خيول الفرسان ، ولكن خيول فرسان الفليق الأعظم المدربة لم تكن لتعجز عن تفادي هذه السهام البطيئة كبيرة الحجم . هبط الفرسان بالقرب من العين كأنهم ملائكة السماء السابعة لينهوا هذا المشهد المفزع ، دار النزال الشرس لوقت طويل ولا يعرف الغلبة لمن ، بدت وكأنها معركة غير متكافئة للرائي ، فعدد حراس المعبد الناري كثيرون ، الفرد منهم كأنه أحد العمالقة في البنية وليس في الطول ، عريضو المناكب ، ممتلئو الصدور والأفخاذ ، كثيفو الشعر في كل جسدهم عدا وجوههم و رءوسهم التي كانت حليقة ، ذراع أحدهم ممتلئة غليظة أغلظ من فخذيه بيدهم سيوف قصيرة عريضة لا يحملها مائة من الأهالي ، ومعهم سياط طويلة إذا ضرب بها أحد الأهالي ضربة قسم ظهره إلى قسمين

عرف فرسان الفيلق الأعظم بذكائهم نقطة ضعفهم واستغلوها جيدًا ، فبعد نزال أرهقهم كثيرا بدا لهم أن هؤلاء الحراس لا يموتون رغم كثرة جراحهم الغائرة ، قد يطعن الفرد منهم مائة طعنة دون أن يسقط ولكن ما أن يمس أنفه بجرح صغير حتى يصرخ من الألم وكأن مشا من الجن قد أصابه ثم يسقط بلا حراك ، ما إن علم الفرسان ذلك الأمر حتى قضوا عليهم في الحال ، فكان كل فارس يجعل أنف خصمه هو هدفه ثم ما يلبث أن يصيب هدفه بنجاح.

أقترب كوبر من تلك الفتاة الجميلة سائلا إياها: "من أنت أيتها الجميلة؟ ومن هؤلاء السود؟ ولم يفعلون بكم هكذا؟"

قالت والحزن يملاً عينيها: "اسمي هجانا زبراخ ، وهؤلاء هم حرس المعبد الناري مأمورون من الملك هازعيل ملك مملكة يازوم بأن يلقوا كل من يخالفه أو يغضب عليه في هذه العين الشريرة المليئة باليخون الشرس مفترس كل شيء"

سالها رحيب متأثرًا بما يسمعه: "ولكن لم يريد الملك هازعيل أن يقتلك ومثلك لا تمثل أي خطر على ملك مثله؟"

"إنه لا يريد قتلي خوفا مني بل انتقاما لرفضي الزواج منه"

"ولم ترفضين الزواج من ملك له كل هذه السطوة والقوة والملكوت؟ إنه زواج تحلم به الكثيرات غيرك!"

"هذا لأنك لم تره ، فهو دميم الخلقة ، شرس الطباع ، غضبه لا ينقطع ، لقد أسر أبي وأمي في أحد سجونه المظلمة التي لا نهاية لها لكي أوافق على الزواج منه لكني لا أملك قلبي فقد أخت العهد على نفسي بألا أكون إلا الواحد فقط هو من سأنتظره مهما أبعدتنا الأقدار فهو فارسي حتى اموت"

قال هانكان متلهفًا: "وأين فارسك هذا؟ وماذا فعل؟"

"إنه ليس في مملكة يازوم ، إنه من مملكة أخرى تسمى مملكة هازان"

"مملكة هازان؟ نحن من مملكة هازان، ما اسم فارسك هذا؟"

"حقًا أنتم من مملكة هازان؟! حمدا لله ، فهل سمعتم عن فارس كان في صغره أقوى وأشجع فرسان أشبال المملكة يدعى هيكون شيراز؟"

التفت الجميع إليها بعد سماعهم الاسم متعجبين من هذه المصادفة الغريبة التي لم يتوقعها أحد

اقترب رحيب منها قائلا بتعجب: "أأنت تلك الطفلة التي كانت تظل تردد اسمه في نزال الأشبال وكنا نضحك على حماستك الزائدة! أأنت مجانا مالوم زيراخ؟"

"نعم ، أتعرفني؟!"

"كلنا نتذكرك جيدًا وأنت تتركين اللهو والمرح وتصعدين أعلى شجرة الشلمان ، وتظلين تشاهدين معارك الأشبال وتشجعين هيكون بشكل كنا نعجب له جميعا ، ولكن لم تركت مملكة هازان وأتيت إلى هنا؟"

"سأحكي لك ؛ إن أبي كان تاجزا كبيرا وكان لدينا قصر مهيب مليء بكل أشكال الجمال ، حديقة غناء مليئة بأشجار الشلمان والأعناب والزهور ذات الألف لون ، خادمات جميلات يملأن القصر طربا ومرخا عيون ماء كأنها ينابيع الحياة ، كل شيء تتخيله وكأنها جنة من السماء السابعة ، أتي في يوم إلى قصرنا لئيم يترامي المكر من عينيه يدعى شيحان يقال إنه كاتم سر الملك هاروت ، أتي وكأن الخراب دفين في جعبته ، وهو من فعل بنا هذا . قال زافار مستنكرا"

"شيحان . . هذا الخبيث الخائن وكأنه يقف دائما وراء كل شر! كيف فعل بكم هذا اللئيم ذلك؟"

"أتي في يوم كان هواؤه شديدًا ، وضوءه خافتا ، بجند كثيرين ، أخرجونا جميعا من القصر وقال لأبي : لقد أصدر الملك مرسوما بنفيك من المملكة كلها ، لم نعرف ما سبب نفينا وأين نذهب بعد ذلك ، إنها مملكة آبائي وأجدادي ، علمنا بعد ذلك أنه أخذ القصر وكل ممتلكاتنا لنفسه وجعله قصره الخاص"

"هذا الماكر الخائن شيحان لا أعلم لم كان الملك هاروت يستأمنه على الرعية وهو بهذه الخسة!"

قطع كوبر الحديث قائلا: "ليس هذا وقت التساؤل يا رحيب ، فالوقت يمر ، اركبي ورائي يا هجانا سنأخذك لمملكتك مرة أخرى ؛ فهي الأقرب أمامنا الآن فنحن لا نستطيع أن نعود بك مرة أخرى إلى مملكة هازان ولا نستطيع أيضًا أن نأخذك معنا ، فيجب عليك أن تتوخي الحذر وأن تتخفي من هذا الملك حتى نعود سالمين من مهمتنا ، وأعدك بأن آتي إليك وأعيدك مرة أخرى إلى مملكة هازان ، فهي مملكتك وستظل كذلك "

"ولكنكم لم تخبروني أين أجد هيكون ؟ فهو رجلي الوحيد الذي أنتظره منذ وقت طويل"

"هيكون بخير وهو من فرسان الفيلق الأعظم ولكن ليس هذا وقت الحديث ، أعدك بأن يأتي معنا في القريب العاجل إليك"

"هيكون أصبح من فرسان الفيلق الأعظم ! حمدا لله لكم أتمنى أن أراه الآن وأحكي له ما فعلتموه من أجلي ، فقد أنقذتموني من الموت "

ركبت هجانا خلف كوبر متعلقة به فطار ( فهر ) مسابقا الريح يتبعه الخمسة عشر فارسا يسابق كل واحدٍ منهم الآخر.

2019/11/30 · 341 مشاهدة · 1589 كلمة
Adk3RAK
نادي الروايات - 2024