بعد مدة طويلة جدا من النوم العميق وسط الثلوج المتساقطة فتحت عيناي اللتين كانتا مجمدتين فحالما فتحتهما سقطت من رموشي اربع قطع من الثلج و لكن كان لا يزال هناك بعض الشعرات المجمدة .

بسطت يدي و توزعت نقاط النار حول كفي بينما اصدرت حرارة منخفضة و جعلت من تلك النار اذيب الثلج الذي كان على رموشي .

بدى لي بعد ان انتهيت انني قد تجمدت بالكامل ، بدايةً من طرف قدماي حتى اخر شعرة من شعري .

كانت بشرتي قد بدأت بالتجمد رغم وجودها الطويل بين الثلوج دون غطاء عليها و كأنني قد بدأت اتجمد حتى اصبح كالجثة الميتة بسبب الثلج .

رغم ان قوتي لم تمتلئ فقط بسبب النوم إلا انني استطيع على الاقل إيجاد مكان ابيت فيه رغم الضعف و ربما لو وجدت شخص اخر يحاول قتلي لقتلني دون جدال او حتى مقاومة .

اذبت الثلج الذي اكتسح جسدي بالكامل و لكنه سيعود بعد فترة وجيزة لذا سأحتاج فقط إلى التوقف فقط بعد كل اربع ساعات لكي اذيب الثلج الذي سينمو مجدداً .

ادخلت سيفي الذي كان مرمياً على الأرض منذ ان اُلقيت هنا في غمده و سربت القليل من الهالة الحرارية لمنع نمو الثلج فوقي مدة اطول من المدة التي حسبتها .

بدأت اتلفت و ادحرج عيناي في الساحة الخالية من البشر و الحيوانات و المخلوقات الحية الأخرى .

لم تكن هناك غير جبال ثلجية و رماح ثلجية مغروزة بشكل عامودي على الأرض الثلجي .

لفتت انتباهي كومة من الثلج المتراكمة على صدأ حديد و التي كانت بجوارها رمح طويل مغروزة بشكل عامودي على الأرض الثلجية كالبقية .

امسكت الرمح و بدأت بتحسسه على مدة دقائق .

كانت اثار الدماء الجافة الباردة عليه لكن دون وجود اي علامة على ان هذا المكان كان ساحة حرب .

اطلقت شعاع دافئ و وجهته نحو الكومة الثلجية المتراكمة .

“ هذا غريب جداً ”

بدأ الثلج بالذوبان و بدأت معه ملامح الرجل الخائف تظهر بالتدريج .

اطلقت شعاع ناري قوي و تراجعت بعض الخطوات إلى الوراء ، اكملت النار إذابة الثلج حتى اتضح مصدر الحديد الصدئ و الذي كان بمثابة درع فضي مجمد منذ فترة طويلة .

سقطت الجثة التي كان صاحبها رجلاً ملقي بكل حواسه و متمسك بالخوف .

عودت إلى الجثة و بدأت بقياس نبضه هذا إذا كان لايزال على قيد الحياة .

“ لا توجد فائدة لقد لقى حتفه ”

اخرجت سيفي من غمده و قطعت يد الجثة بسرعة .

كنت اريد ان ارى ما مدى فعالية الدرع في التدفئة بواسطة رؤية جودة اليد و حرارتها .

انفجر الدم الحار لكن صنعت طبقة ثلجية و غطيت بها الفجوة التي كانت في مكان اليد .

اخذت اليد لكنها لا زالت متلاسقة بقوة مع الدرع الحديدي ، امتصصت الطاقة المتبقية من اليد لكي تصبح اصغر و تتفكك عن الحديد.

بالفعل اصبحت اليد البشرية كغصن شجرة نحيل دافئ بين يدي .

“ لقد قررت ، سوف ارتديه ”

بدأت بإمتصاص الطاقة من الجثة و التي كانت لا تفيد بشيء إطلاقاً .

انطلقت بدرعي الجديد نحو ألامكان و الذي لم اعرف وجهته حتى الآن او بالاحرى لم اعرف اين انا الآن .

ازدادت كومات الثلج المتراكمة شيئاً فشيئاً بعد تقدم بسيط لم يتجاوز الثلاث دقائق .

“ ربما كانت تلك الجثة في طرف ساحة المعركة و الآن هذه الجثث بداية لقلب المعركة ”

بالفعل تماماً بدأت ارى كومات ثلجية لا تعد ولا تحصى بالظهور مع تقدمي البطيء .

” ما هذا بحقك !! “

إطلعت على جبل عملاق وسط تلك الجثث و كأن الجيوش كانت تقاتل من اجله .

تقدمت حتى اصبحت امامه مباشرةً و اصبحت عيناي تلمحان اثار الحديد الصدئ بين ثلوجه .

” هل ممكن ان يكون عملاق ؟ “

اطلقت شعاع ناري متوسط القوة نحو الجدار الثلجي .

فجأة سمعت اهتزاز تحت قدماي و امامي .

” هذه مصيبه ، ان الجدار الثلجي يسقط !! “

تراجعت إلى الوراء اكثر من ثلاثين خطوة و كأنني انتقلت .

سقطت الثلوج المتعلقة بالجدار او بما لم يكن بالجدار البتة بل كانت بوابة!!

ترددت في محاولة دخول البوابة او هذا ما ظننت انني سأستطيع فعله فهذه البوابة ضخمة للغاية و مقارنةً بطول مدينة كاسنك فهذه البوابة اطول من المدينة و من اطول برج فيها.

تقدمت مزيلاً الثلج الذي كان يعترض طريقي بسيفي ، نزعت القفاز الحديدي وضعت راحة يدي على الحديد الصدئ و تبين كم أنها باردة .

حاولت مرارا وتكرارا ضرب البوابة حتى احدث فجوة على الاقل ، فبعد ان انتهت طاقتي الجسدية تراجعت عن فكرة الدخول التي كانت خطيرة لكن على الأقل كان سيكون هناك مأوى هناك يستطيع تدفئتي .

إلتفت نحو ١٨٠ درجة امام البوابة حيث لمحت تمثال ثلجي جاثٍ على ركبتيه دون حركة .

تقدمت و انا اخطوا بحذر حتى وصلت إليه .

تمثال ثلجي منحوت بدقة على شكل شخص يعصر يديه على مقبض سيفه .

رأيت ملامح الشخص المنحوت و التي كانت مماثلة لشخص ما .

” من هذا ؟ “

تحسست وجهه الذي كان غاضباً جداً .

” مهلا ، هل…هل هذا الشخص هو هارك بارمند ؟؟ “

لقد بدى زجاجياً اكثر من كونه ثلجياً لكن في كلا الحالتين لا أعتقد انه جسده الاصلي.

” هناك طريقة واحدة لمعرفة ذلك “

رفعت يدي التي كانت تحمل سيفي عالياً و اسقطتها هي و سيفي على عنقه .

” كما توقعت ، مجرد تمثال ثلجي “

سقط رأسه الثلجي على الأرض تاركاً صوت سقوطه الذي بين ان التمثال مجوف من الداخل .

غرز احدهم سهم امامي كان قد سقط منذ ثوان .

إلتفت إلى مصدر السهم حيث كنت قد رأيت رجلين على احصنتهما يمشون بروي .

ظلّت واقفاً مكاني انتظر وصولهما .

” مرحباً ايها الغريب “

لوح احدهم برفع يده.

” هل انت اخر من نجا من المعركة ؟ “

تحدث الآخر.

قمت برفع الخوذة التي كنت قد اخذتها من الجثة من على رأسي .

” لا ، لقد كنت تائهاً و لم اعرف ان كل تلك الكومات الثلجية كانت جثث لجنود المعركة “

نزل رجل من على حصانه الأبيض بينما كان ممسكاً بالحصان .

” هل تريد مساعدة ؟ نحن ذاهبون إلى مملكة نيرون ، هل لديك وجهة ؟“

” ربما إرشاداً نحو اي منزل او مكان دافئ ، لكن اي مساعدة اخرى قد تكون غير مجدية لي “

تحدثت بعد صمت

” رائع ، بخصوص المنزل قد يطول الأمر إلى ان نجده في طريقنا ، غالباً سيستغرق نحو خمس ساعات فقط لإجاد اي منزل او حتى كوخ مهجور في هذه الساحة الخالية “

” ماذا حدث لتصبح هذه الساحة ساحة حرب ؟ و كيف انتهى كل هؤلاء بهذه الطريقة ؟ “

سألت

” حقيقةً و لكي نكون صادقين لا نعلم لكن الشيء الوحيد الذي نعلمه هو انها كانت معركة بين ملك و جنود يقدرون بأكثر من مليون “

توسعت عيناي و بدأت بالإلتفات حولي حتى نظرت إليه مرة اخرى .

” هل يمكن ان كل الطريق الذي يقدر بمشي خمس ساعات و الذي سنسلكه سيكون ممتلئ بالجثث البقية ؟“

” على الأرجح نعم ، فمليون جندي ليس بالعدد القليل الذي ستكون جثثهم قليلة في ساحة المعركة او ربما إذا افترضنا انهم اصبحوا تحت الأرض “

تحدث الرجل الآخر

” هل لي ان اسألكما عن من تكونان ؟ “

بدآ بالإلتفات إلى بعضهم البعض حتى اومآ إلى بعضهم البعض بالموافقة .

” مجرد مهزومين!! “

تحدث الرجل الأول مع ابتسامة خفيفة ، لم تكن تلك الإبتسامة واضحة بسبب وشاحه لكن كنت أستطيع ان اراها .

” اسمك ايها التائه “

ترددت قليلاً في قول إسمي لكن ابقيت نفسي هادئة.

” فيكتور ارابارتيو “

” هذا رائع يا فيكتور يبدو لي انك ذو قوة ، ما هو عنصرك ؟؟ “

تحدث الرجل الآخر الذي كان ذو قبعة و وشاح اسود و ملابس ثقيلة .

” اُفضل عدم الإجابة ، اخبراني انتما ما اسمكما ؟“

رفع ذو القبعة قبعته دون إزالة وشاحه و تحدث بإسمه .

” ادعى غوت جاركين “

انزل الآخر وشاحه و تحدث بإسمه.

” ادعى روتكتين زانكي “

**

بعد تقدم الوقت بثلاث ساعات من مشينا ظلت النساء اللواتي يأتين من السراب الوهمي بالعودة مرارا وتكرارا حتى ظهر سراب غريب .

قطيع من الذئاب ذي عيون حمراء قاتمة واقفه امامنا على بُعد مسافة طويلة .

” هل هم حقاً حقيقة او مجرد سراب اخر ؟“

سألت

” على الاغلب معضمهم من السراب لكن في هذه الحالة كلهم من السراب عدى ذئب واحد “

تحدث روتكتين .

قدم الذئب الذي اتضح انه بمفرده حقاً لكن حالما وقف امامنا تحدث.

” لم أراك منذ زمن يا فيكتور “

إلتفت غوت إلي.

” فيكتور هل تعرفه ؟ او قد رأيته مسبقاً ؟“

” لقد رأيته مرتان احدهما كان يقاتلني في الغابة و الأخرى كان يحميني فوق الجبل ، انه بالتأكيد الذئب “

” هل نقاتله ؟ “

سأل غوت .

حالما استعدت نظري نحو الذئب قذفني لمسافة بعيدة كل البعد عن غوت و روتكتين.

اخرجت سيفي و حررت بعض الطاقة لكن احتفظت ببقية الطاقة للحاجة .

لم اكد اركز في المعركة حتى طارت الصخور الثلجية في السماء و تسلط ضغط عالي على المكان .

اخرجت غورتس و قام بتغطية ما فوقي فوراً بردائه .

” شكراً لك لكن عليك العودة “

ادخلت غورتس بعد ان قام بحمايتي في الظلام و ما إن اعدت النظر نحو الذئب رأيته يقاتل بصعوبة غوت و روتكتين .

ركزت معضم الطاقة في قدماي و انطلقت بسرعة جنونية نحوه ، امسكت رقبته في حين ضعفه فقمت بوكزه و إطلاقه نحو السماء .

” زوبعة النهاية !“

اطلق غوت زوبعة اطارت بالذئب لمستوى اعلى .

أنطلق روتكتين بسرعة نحو الذئب حتى ان رأينا سقوط اطار بنا و جعل الأرض تتشقق .

كنت لا ازال أرى روتكتين و هو لا يزال يحاول قتل الذئب لكنه عجز عن فعلها بسبب مرونة الذئب التي لم تكن عادية مطلقاً .

قذف الذئب روتكتين نحونا بسرعة .

” امسكه !! “

امرت غوت فوراً .

امسك غوت روتكتين و بدأ في علاجه .

بدأ أيضاً الذئب بالقدوم نحونا ببطء لكن حالما اقترب نطق .

” إكسترا تشين دِماء العروق الثلجية “

بدأت الرياح الثلجية بالدوران حول الساحة بسرعة خارقة و خرجت جبال ثلجية من الأرض بتدرج لكن لم يصمت غوت و نطق رداً للذئب .

” إكسترا تشين رِياح نصل الشمال “

تشكل سيف في الهواء يشع بالأخضر و اُلقي إلى غوت حتى امسكه .

حالما تلامست يد غوت بالسيف تتشقق الأرض من وراءه و خرجت جبال متشكلة من إثر القوة .

لمعت اعين غوت بينما كان روتكتين ممدوداً على الأرض .

إنطلق غوت بسرعة جنونية نحوه و قبل ان يصل إلى الذئب اختفى .

إلتفت نحو اليمين نحو روتكتين و وجدته قد اختفى كذلك .

ظهر رجل بمظلة سوداء و بلباس مدني و بقبعة مرموقه .

اطلق الذئب نحوه هجوم ثلجي حاد يقطع كل من يلمسه .

اختفى هجوم الذئب لكن حدث انفجار ضخم خلفي .

إلتفت إلى الوراء و رأيت على بُعد مسافة ثلاثه كيلومترات سحابة ثلجية غطت على اثر الإنفجار .

انطلق الذئب بمفرده نحوه لكن و دون اي حركة من الرجل انتقل الذئب إلى مسافة مقاربة مني و لكن حالما وقف على قديمه تقطعت رجله و سقط .

توسعت عيناي و وقفت متماسكاً لكي لا يغمى علي ، تقدم الرجل نحوي حتى وقف امامي مع ستر وجهه بالمظلة .

” لا تقلق لن يموت “

تغير المكان على الفور و قد اصبحنا في حديقة قصر متجمدة بالكامل مع السور المتهالك .

” وداعاً “

” مهلاً“

صرخت عليه لكن دون فائدة فقد اختفى .

2023/09/21 · 37 مشاهدة · 1811 كلمة
seasoned
نادي الروايات - 2025