الفصل المائة والثالث عشر: أربعة آلاف عام
____________________________________________
يمضي الزمان كجريان الماء، لا يتوقف أبدًا. وفي طرفة عين، انقضى من وجود غو شانغ في هذا المكان ما يربو على ألفي عام، ولم يتبقَّ له من العمر سوى ألف ونيف. قضى جلَّ وقته في دراسة استنزاف الجوهر، متخذًا من الحياة طاقةً يسعى من خلالها إلى تحسين جوانب شتى من جسده.
وبعد تعديلات متكررة، بات بمقدور غو شانغ أن يستغل ألف عام من عمره ليبعث قوة تضاهي زراعة العالم السابع، مما رفع من كفاءة استغلاله لطاقته بشكل ملحوظ. وبالطبع، لم يكن في هذا الوهم أي قوة خارقة حقيقية، فما كانت تلك القوة التفجيرية سوى محض حسابات توصل إليها بنفسه، بدت له منطقية ومعقولة.
جلس غو شانغ تحت شجرة في فناء صغير، ومد يده اليمنى ليمسك بذقن فتاة ذات ملامح رقيقة وجمالٍ أخاذ، ثم قال بنبرة ساخرة: "أتنوون تركي هنا لأقضي بقية حياتي؟ مجموعة من الخاوين، يا للملل حقًا."
أفلت ذقنها ثم ارتشف من كوبه. كانت رائحة الفتاة عطرة، لكنها في جوهرها باهتة ومملة. يبدو البشر في هذا العالم حقيقيين تمامًا، غير أن جوهرهم يظل باهتًا، إذ يفتقرون إلى التفكير المستقل الذي ينبغي أن يمتلكوه، وهذا ما يجعل الأمر برمته خاليًا من أي معنى. داعبت نسمة عليلة وجه غو شانغ، فارتعشت شفتاه بضحكة خافتة.
يزخر عالم الزراعة بمعلومات لا حصر لها، يختلط فيها الصدق بالكذب. ففي العالم الفاني، وبسبب القيود المفروضة على مقدار قوة الداو وجودتها، لا تتجاوز القوة القصوى للزارع حدود العالم التاسع، وكل عالمٍ يرتقي إليه المرء يزيد من عمره ألف عام.
ولكن بعد العالم التاسع، وبمجرد اختراق حاجز العالم العاشر، يتضاعف العمر المكتسب عشر مرات، ليبلغ عشرة آلاف عام. ويستمر هذا المعدل في النمو حتى العالم الخامس عشر، مما يعني أن الحد الأقصى لعمر الزارع في هذا العالم قد يتجاوز ستين ألف عام.
أما في عالم الداو، فنظرًا لزيادة تركيز قوة الداو بشكل هائل، تنشأ كنوز غامضة ونباتات فريدة، كما يظهر عباقرة ذوو مواهب استثنائية يبتكرون مهارات عجيبة، وكل هذه الأمور لها تأثيرها في إطالة العمر. وبامتلاكها، يزداد الحد الأقصى لأعمار الزارعين بشكل كبير.
شوان تشن، وغاو تشي، وشوان هوانغ، وهو شيان تشين، والعديد من الأقوياء يمتلكون أشياء مماثلة، ولهذا السبب تحديدًا لم يقلقوا قط بشأن أعمارهم، فهم لا يكترثون إلا بقوتهم وسلطتهم.
أمضى شوان تشن أكثر من ألفي عام ممددًا فوق كومة من الأعشاب البرية، ساكنًا لا حراك فيه. وفي هذا اليوم، لم يعد قادرًا على السيطرة على نفسه، فارتعش جسده واعتدل جالسًا. كانت عيناه أشبه بحجرين أسودين مستديرين من أحجار الغو، تعكسان كل ما أمامهما بصفاء.
"أربعة آلاف عام؟ إن صمدتُ ألف عام أخرى، فسأنجو." كان صوته أجشًّا، ونبرته تحمل وحشة عميقة. لقد كان لا يزال ضعيفًا جدًا، فقد كشفه غاو تشي بنظرة واحدة، ليصبح مجرد أداة في رهانه مع الآخرين، أو بعبارة أخرى، مجرد لعبة.
في اللحظة التي ولج فيها إلى هذا الوهم، سمع صوت غاو تشي الأثيري يتردد في أذنيه. طالما أنه لم يفسد بفعل الوهم لأكثر من أربعة آلاف عام، وظل مدركًا لحقيقة وضعه، فسيتمكن من النجاة! وكمهيمن يسير بأمان في عالم الداو، كان غاو تشي جديرًا بالثقة إلى حد ما.
"ألف عام أخرى، يمكنني فعلها." رفع شوان تشن رأسه، وحدق في الضوء الساطع فوقه، لكنه لم يكن يعلم أنه حتى بعد مرور كل هذا الوقت الطويل، لم يتغير من عمره شيء، فما كان يؤثر فيه حقًا هو قلبه وعزيمته فحسب.
ظلت أنظار شوان هوانغ معلقة بـ غو شانغ. لقد بات الآن على يقين تام بأن الرجل الذي أمامه هو والده. غو شانغ! تلك الهالة المألوفة، وتلك التفاصيل التي لا تخطئها عين.
عبس شوان هوانغ وهو يفكر في ذلك. 'لا يزال أبي ضعيفًا جدًا الآن. إن أراد النجاة، فعليه أن يكسب الرهان، لكن وضعه الحالي يجعل الأمر صعبًا للغاية. ثم إن غاو تشي لا يخسر أبدًا، سواء أكانت لعبة أم رهانًا، فلا بد له من الفوز. ومن أجل ذلك، قد يكسر قواعد اللعبة، ولا يتورع عن فعل أي شيء.'
مع شخص كهذا، فإن فرصة نجاة والده تتقلص أكثر. 'غاو تشي قوي جدًا، يفوقني بعالمٍ كامل!' انبسطت أسارير شوان هوانغ قائلًا لنفسه: 'من أجل أبي، لا يسعني إلا أن أتحرك قبل الأوان.'
عندما ارتقى إلى العالم السادس في عالم الداو، ظهر يي غوي فجأة محاولًا قتله! كم كان متعجرفًا في ذلك الحين، وكان يمتلك ما يكفي من المقومات التي تبرر غطرسته، فلم يكن من النوع الذي يرضخ، بل يقاتل كل من يعترض طريقه. وبعد معركة طويلة، تمكن أخيرًا من قتل يي غوي وأرسله إلى ذلك الفضاء المظلم، حيث لا يمكنه الخروج إلا إذا صقل أحدهم لؤلؤة الداو غوانغ ليطلق سراحه.
وبعد قتله لـ يي غوي، لفت انتباه غاو تشي. وبعد مفاوضات دارت بينهما، أصبح ابنه بالتبني، مجرد سيف في يده. وعلى مدى عشرات الآلاف من السنين، تحمل الإذلال بصبر، وفعل الكثير من الأمور في الخفاء، كما حشد بعض القوة لنفسه. والآن، قد حان وقت استخدامها!
مر ألف عام آخر. كان غو شانغ يشعر بوضوح بما تبقى من حياته. الآن، وبعد استخدام فن استنزاف الجوهر، لم يعد بإمكانه سوى الارتقاء لعالم صغير واحد على الأكثر، ولم يتبقَّ من عمره سوى ثلاثة أيام.
في هذه الآلاف من السنين التي قضاها في الوهم، كان يستمتع بالحياة، ولم يعانِ قط إلا في اليوم الأول. تحسس فمه الذي لا يزال ناعمًا، ولم يتمالك نفسه من الضحك. 'هذا الوهم يبدو حقيقيًا للغاية، لكن هذا كل ما في الأمر.' فمع ما يربو على أربعة آلاف عام من التأمل، وبفضل مؤهلاته القوية، أدرك كنه بعض الأشياء.
"يا سيدي، تفضل بعض الشاي!" وقفت بجانبه فتاتان ترتديان تنانير ضيقة، تحمل كل منهما فنجانًا من الشاي. أخذ غو شانغ فنجانًا وألقى نظرة على قواميهما الرشيقين. "أزهار في المرآة، وقمر في الماء."
التفت لينظر إلى انعكاس صورته في الفنجان، ولم يستطع إلا أن يتمتم بهذه الكلمات. "يا له من عالم غريب. لكنه، بشكل عام، يعجبني." بدت الدهشة على وجهي الفتاتين، فلم تفهما ما كان يتحدث عنه. تنهد غو شانغ، ثم مد يده ودفع أمامه. تمزق الفضاء من حوله، كاشفًا عن صدع مظلم.
"ماذا؟ ما الذي يفعله؟" شاهد غاو تشي هذا المشهد واتسعت عيناه ذهولًا. اهتز الفضاء بعنف، فقد مزق غو شانغ الوهم بخفة وسهولة. زارعٌ من العالم الرابع، يمزق وهمًا صنعه خبير من العالم الخامس عشر! لو انتشر هذا الخبر، لهزَّ عالم الداو بأسره دون شك.
ابتسم شوان هوانغ الذي كان يقف بجانبه وقال: "لقد اتضحت النتيجة." كان من الواضح أن والده قد فاز.
رفع غاو تشي رأسه ببطء لينظر إلى شوان هوانغ بعد أن سمع ما قاله. "ليس بالضرورة يا ولدي العزيز، فما تراه قد لا يكون الحقيقة." ابتسم غاو تشي. تغير وجه شوان هوانغ على الفور. 'هذا سيء!'
دون تردد أو تفكير زائد، ظهر رمح فانغ تيان هوا جي في يد شوان هوانغ فجأة، وانفجرت منه قوة مهيبة، محدثة سلسلة من التموجات المروعة التي انتشرت نحو غاو تشي. لقد استهان برغبة غاو تشي الجامحة في الفوز!
وقبل أن يبدأ هجومه، كانت حيلة غاو تشي قد سقطت بالفعل على غو شانغ. وخلف شوان هوانغ، ظهر ثلاثة رجال أقوياء كانوا أيضًا في قمة العالم الرابع عشر، وشكلوا صفائف قتالية، وانطلقوا لقتل غاو تشي.