الفصل المائة والسادس والثمانون: يا رفيق الدرب، هذه هديتي إليك
____________________________________________
بعد أن أطلق دو غوانغ تلك الأمنية العظيمة، اهتز عالم الخلود بأسره وضجّ بالدهشة والحيرة، فسعى الجميع جاهدين للتحقق من حقيقة الأمر. وحين اكتشفوا أن استهلاك العمر مقابل القوة قد أمسى أمرًا مستحيلًا حقًا، علت وجوههم تعابير شتى وتمازجت في صدورهم مشاعر متضاربة، فقد طال هذا التغيير الجميع بدرجات متفاوتة، بدءًا من يوان يو، الكائن الجبار في العالم الثامن والعشرين، وانتهاءً بأبسط الزراع في العالم الأول.
ولم يكد يمر وقت طويل، وقبل أن يفيق الجميع من هول ما حدث، حتى تجلى شبحٌ فجأة بين السماء والأرض، وقد وقف عند سفح جبلٍ شاهق. وما إن ظهر، حتى انطبعت هيئته قسرًا في عقول جميع الكائنات الحية، ففي تلك اللحظة، وبغض النظر عما كان يفعله المرء، فقد رأى ذلك الرجل ماثلًا أمامه.
كان رجلًا فارع الطول، نحيل البنية، يرتدي رداءً أبيض ناصعًا. وكان شعره الأبيض الطويل لا ينتصب، بل ينسدل في طبيعية على كتفيه. أما وجهه فكان وسيمًا ذا ملامح ناعمة، يبعث في النفس شعورًا بأنه من سلالة النبلاء. وفي تلك اللحظة، كان يمسك في يده قطعة حلوى، يتذوقها في هدوء.
هبت نسمة ريحٍ عليلة عند سفح الجبل، فداعبت خصلات شعره البيضاء وحركتها برفق. رفع الرجل رأسه ببطء، وأمال عينيه نحو السماء، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفةٌ كاشفًا عن بسمةٍ فيها استخفافٌ ومجون، وقال: "يا رفيق الدرب، هذه هديتي إليك".
ثم أخرج قطعة الحلوى من فمه، ونطق بأكثر الكلمات غرورًا بأهدأ نبرةٍ ممكنة: "سأعينك اليوم على تدمير هذا الذي يُدعى بوذا، وسأهدم بركة الإيمان عن بكرة أبيها".
وسخر البعض منه قائلين: "ما الذي يهذي به هذا؟ أيمزح معنا؟"، إذ ظنوا أنه غارقٌ في أحلام اليقظة. وعلق آخرون بتهكم: "هذا الرجل ليس إلا مهرجًا. إن قوة بوذا تفوق إدراكنا بمراحل، فلننتظر ونرَ كيف سيصرعه".
لكن بعضهم تشبث بخيط من الأمل، فقالوا: "إن كان قادرًا على جعلنا جميعًا نرى هيئته وحركاته في عقولنا، فلا شك أنه كائنٌ جبارٌ أيضًا، ولربما يتمكن من فعلها حقًا!". فتعالت الأصوات: "سنرى ما سيحدث!"، و"فلننتظر ونرَ!". أما معظم العامة، فقد اكتفوا بمشاهدة هذا الفصل المثير من الأحداث بعيون المتفرج.
وفي عالمٍ صغيرٍ يسبح بين النجوم التي لا تُحصى فوق الأرض، استشاط الرهبان البوذيون غضبًا. صاح أحدهم: "يا له من مجنون متعجرف!". وقال آخر: "إنه شيطانٌ رجيم، وعلى الجميع أن يتكاتفوا لقتله". وتساءل ثالث: "بوذا كائنٌ عظيم القوة، لا يضاهيه سوى الطاوي. أما هذا الرجل فلا هالة له، فكيف يجرؤ على تحدي بوذا؟".
لقد وُجد بوذا منذ أزمانٍ سحيقة، حتى إنه لا يوجد كائنٌ حيٌ واحدٌ يعلم متى وُلد. وقد نسجت حوله وحول الطاوي أساطير لا تُحصى، وانطبعت قوة كليهما في أذهان الجميع، حتى أصبحا في عيون كل الزراع قمة القوة التي لا يمكن تجاوزها.
وفي ذلك العالم الصغير، اجتمع الرهبان البوذيون الثلاثة مجددًا. نظر الراهب النحيل الطويل إلى رحمة وشفقة وسأله في حيرة: "ما رأيك يا أخي؟". فأطبق رحمة وشفقة كفيه معًا، وقال بوجهٍ لا حزن فيه ولا فرح: "لإلهنا قراره".
وفي عالمٍ صغيرٍ آخر على الجانب المقابل، ارتجفت منفضة الغبار في يد تشانغ دان شيان قليلًا. 'من يكون هذا؟ إن أصله وقوته يكتنفهما الغموض. مهما حاولت استنباط أمره، لا أجد عنه أي معلومة. أيعقل أنه قادرٌ حقًا على قتل بوذا؟ وإن كان هذا صحيحًا، ألا يعني ذلك أنه قادرٌ على قتل الطاوي أيضًا؟ لقد عمت الفوضى العالم!'. فتح فمه وتنهد في أسى.
بعد أن ألقى كلماته، انطلق الرجل نحو السماء مباشرةً، وكانت سرعته فائقةً لدرجة أن أحدًا لم يتمكن من رؤية مساره بوضوح. أدرك الجميع أن ما حدث لم يكن مجرد انتقالٍ فضائيٍ بسيط، بل انطلق بقوة وسرعة هائلتين. وكان المشهد يتجلى في أذهان جميع الكائنات الحية كأنه بثٌ حيٌ ومباشر.
وبعد أن رأى الجميع سرعة الرجل، بدأت ملامحهم تتغير. أنزل رحمة وشفقة يده اليمنى في عالمه الصغير، ورغم أن تعابير وجهه لم تتبدل، إلا أن القلق بدأ يتسرب إلى قلبه على مصير بوذا. فقال في نفسه: 'إن سرعة هذا الرجل لا تقل عن سرعتي حين أستخدم الانتقال الفضائي بكامل قوتي. وبالنظر إلى هيئته الهادئة، غالبًا لم يستخدم كل طاقته بعد'.
استمر المشهد في أذهانهم، ووجد الرجل نفسه في كونٍ أبيض فسيح. كان كل ما حوله يكتسي بالبياض، فلا تُرى له نهاية. وفي خضم هذا البياض اللامتناهي، كانت عيناه السوداوان لافتتين للنظر بشكل خاص، كأنهما مصباحان ساطعان في ليلٍ دامس، يجذبان كل الانتباه.
وقف الرجل في هذا الفضاء الأبيض وضحك قائلًا: "لماذا يحتاج عالم الزراعة إلى البوذية؟ يا للسخافة، ما الذي تزرعه البوذية أصلًا؟". فأتاه صوتٌ مهيبٌ من كل صوب: "أيها السيد، ألا ترى أنك مغرورٌ أكثر من اللازم؟". ثم ظهر أمامه عملاقٌ شاهقٌ يبلغ طوله عشرات الآلاف من الأقدام.
كان العملاق يرتدي رداءً رهبانيًا ذهبيًا، ويجلس متربعًا في قلب السماء والأرض، ومن خلفه هالةٌ ذهبيةٌ مشعةٌ تبعث في النفوس رهبةً خفية. إنه بوذا! هذا هو بوذا! حين رأت الكائنات في العالم تلك الهيئة في عقولها، اهتزت مشاعرها وتحمست. ففي تلك اللحظة، كانوا يشاهدون الأساطير تتجسد أمام أعينهم.
ضحك البعض بإعجاب وقالوا: "إذًا هذا هو بوذا. إن هيئته تشبه إلى حد كبير ما تخيلته في طفولتي". بينما تطلع آخرون إلى المشهد التالي بترقب وقالوا: "إن قوة بوذا مرعبةٌ إلى ما لا نهاية. هذا الرجل هالكٌ لا محالة". أما الرهبان البوذيون، فقد احمرت أعينهم من شدة الحماس، فرغم إيمانهم بالبوذية، إلا أن هيئة بوذا ظلت دائمًا في مركز عقيدتهم. حدقوا في المشهد أمامهم، خشية أن تفوتهم أدق التفاصيل، حتى إن بعضهم أخرج أوراق الرسم والفرشاة وبدأ ينسخ عظمة بوذا وجلاله، وهم يهتفون: "إلهنا رحيم!".
هز الرجل رأسه وقال وهو يواجه ذلك الكائن الهائل أمامه دون أي خوف: "لستُ أنا المغرور، بل أنت الضعيف. إن كنت تراني مغرورًا، فلمَ لا تقتلني؟ حتى لو لم تستطع مهاجمتي علانيةً لأسبابٍ شتى، فبصفتك أحد أقوى الكائنات في هذا العالم، لا بد أن لديك وسائل أخرى تستخدمها في الخفاء".
ثم أضاف والابتسامة على وجهه تزداد غرورًا: "لكنك لم تفعل شيئًا. أنت تخافني، لأنني ظهرت فجأة". ظل وجه بوذا خاليًا من أي تعابير وهو يستمع إلى كلماته، ثم تكلم بنبرةٍ هادئة: "أنا أدرك قوتك، لكن هذا عالمنا. وبصفتك دخيلًا، فمصيرك محتومٌ بالفشل".
فتح بوذا يده اليمنى، ولوح بها برفق نحو الأسفل، فتحولت كفه الهائلة إلى سلسلة جبالٍ شامخةٍ، تهبط من السماء، وتضغط على الأرض بقوة مهيبة. وكانت المعاني الفنية التي تجلت في هذه الضربة عميقةً وغنيةً للغاية، مما أثر في كائنات عالم الخلود تأثيرًا بالغًا، حتى إن بعض أصحاب الاستيعاب الفذ استغلوا هذه الفرصة للارتقاء في زراعتهم، أو تعميق فهمهم لفنونهم القتالية.
عندها قال الرجل: "جبل الأصابع الخمسة، أتظن نفسك بوذا حقًا؟ بالطبع لست هو، ولكن مهلًا، لستُ أنا أيضًا ملك القردة".