الفصل المائة والسابع والثمانون: فناء بوذا
____________________________________________
تحدث الرجل وعلى شفتيه ابتسامةٌ ماكرة، غير مكترثٍ بهجوم بوذا على الإطلاق. كان جسده الضئيل لا يُذكر أمام الجبال الشاهقة، لكن الهالة التي كانت تشع منه تنم عن ثقةٍ مطلقة. أمسك بخصلة الشعر البيضاء على كتفه بيده اليمنى، ثم مد يده وانتزع منها شعرة واحدة.
"شعرةٌ واحدةٌ تفي بالغرض لقتلك يا بوذا."
نفض الرجل يده، فإذا بالشعرة الناعمة تتصلب وتستقيم في الحال، مُنطلقةً إلى الأمام وهي تشع نورًا براقًا. لم تكن الشعرة البيضاء ندًا للجبال، بل إن تلك الجبال الضئيلة لم تكن جديرةً بأن تُقارن بها.
ارتفعت الشعرة البيضاء عاليًا في السماء. وفي أعين الجميع، تركز المشهد بأسره على تلك الشعرة البيضاء الصغيرة، وكأن عدسةً ضخمة قد سلطت عليها. حلقت الشعرة أعلى فأعلى، وسرعان ما بلغت جانب بوذا.
ومن منظور الشعرة، أدرك الناس كم كان جسد بوذا هائلًا، فأمامه لم تكن الشعرة شيئًا يُذكر، بل إن الإنسان نفسه يبدو ضئيلًا بائسًا، أحقر شأنًا من نملة. ثم ما لبثت تلك الشعرة الضئيلة أن انشطرت إلى اثنتين في لحظة خاطفة، ثم صارت الاثنتان أربعًا، والأربع ثمانيًا.
وفي أقل من بضع ثوانٍ، تحولت الشعرة الواحدة إلى خصلاتٍ لا تُحصى، كثيرةٌ إلى حدٍ لا يمكن عده. تجمع الشعر كله معًا ليُشكل جدارًا أبيض، غطى جسد بوذا الضخم بالكامل.
حدث كل هذا في طرفة عين. وما إن هوت الجبال التي في يد بوذا حتى حاصرها ذلك الجدار الأبيض. ثم ارتجفت الجدران، وانقضّت كل شعرةٍ طويلةٍ إلى الداخل في آنٍ واحد. وفي رمشة عين، تلاشى جسد بوذا الهائل وتحول إلى دخان.
كان الشعر طويلًا وكثيفًا جدًا، وقد مزّق كل نسيجٍ في جسد بوذا في لحظة. رأى الناس بوضوح أن بوذا لم يجد حتى فرصةً لردة فعل خلال هذه العملية، فقد كان بصره لا يزال معلقًا بالهجوم الذي أطلقه للتو.
وفي ذلك العالم الأبيض الخاوي، سقطت شعرةٌ بيضاء طويلة ببطء. ثم انتقل المشهد مجددًا ليسقط على الرجل.
"لقد مات بوذا ودُمرت بركة الإيمان. آمل أن تعجبك هذه الهدية."
قال الرجل في صمت، ثم بدأت هيئته تتلاشى ببطء من الأعلى إلى الأسفل. وعندما اختفى تمامًا، لم تعد تلك الصورة موجودة في أذهان الجميع، وعادت رؤيتهم إلى حالتها الأصلية.
"متى دمّر بركة الإيمان؟" تساءل البعض في حيرة، فكيف له أن يقول إن بركة الإيمان قد دُمرت رغم أنه لم يفعل شيئًا؟ في هذه اللحظة، لم يكن اهتمام الجميع منصبًا إلا على كيفية فعله لذلك، بدلًا من التشكيك في قدرته على فعله من الأساس.
كان هجوم الرجل قبل قليل معقدًا ومبهرًا للغاية، وكانت طريقته تلك أبعد ما تكون عن فهمهم. بالطبع، يمكن لخالدٍ عادي أن يحقق مثل هذا التأثير، لكن هجومًا كهذا لا يمكن أن يقتل بوذا!
في العالم الصغير، تغيرت ملامح رحمة تغيرًا جذريًا. كان يستخدم أساليب الداو، لكنه لم يعد قادرًا على استشعار وجود بركة الإيمان.
'لا، هذا مستحيل. بوذا بتلك القوة، كيف يمكن أن يُقتل على يده؟ لا بد أن ما رأيته كان مجرد وهم.'
'لا بد أن بركة الإيمان قد دخلت في حالة من الفراغ بعد الاستهلاك الهائل الأخير، ولهذا لا أستطيع استشعارها. نعم، لا بد أن الأمر كذلك!!'
لم يقبل رحمة أي تفسير آخر في تلك اللحظة، ولم يؤمن إلا بتفسيره الخاص. فبوذا الذي آمن به لسنواتٍ لا تُحصى قد مُحي من الوجود، وقد انفطر قلبه لذلك. لم تستغرق العملية برمتها، من ظهور الرجل إلى رحيله، أكثر من دقيقة واحدة، لكن ما فعله قد ذاع صيته في العالم بأسره.
ففي النهاية، لقد رأى الجميع هذا المشهد بأعينهم. لم يعرف أحدٌ اسم الرجل، وكل ما عرفوه أنه فعل كل هذا ليهدي هديةً لشخصٍ واحد. أما من يكون ذلك الشخص، فلم يجرؤ أحدٌ على البحث عنه. لقد انطبع رعب الرجل في قلوب الجميع، فقد خافوا أن تجذب بعض أساليبهم انتباهه، فيجلبوا الكارثة على أنفسهم ومن حولهم.
——————————————
في مدينة عصرية، داخل مجمع سكني عادي، وفي مبنى عادي، كانت هناك غرفة نوم عادية. كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلًا. وما إن تجاوز عقرب الثواني الرقم اثني عشر، حتى بدأ المنبه على المنضدة المجاورة للسرير في إصدار صوتٍ حاد. كان الصوت عالي النبرة ومزعجًا للغاية.
استيقظ الشاب النائم فجأة، ثم صفع المنبه بيده ليعيده إلى صمته.
"لماذا تراودني هذه الأحلام الغريبة كل يوم؟"
نهض الشاب من فراشه وهو يربت على رأسه بقوة.
"لقد حانت الثانية عشرة مجددًا، حان وقت بدء العمل!"
نهض وعلى وجهه نظرةٌ متألمة، ثم فتح الخزانة المجاورة له، وارتدى بدلة سوداء نظيفة. لم يكن مضطرًا لفعل ذلك وهو في منزله، لكنه لم يكن يستطيع التركيز والدخول في أجواء العمل دون ارتدائها. خرج من غرفة النوم وفي يده كوب ماء، وتوجه إلى غرفة الدراسة المجاورة، ثم قام بتشغيل الحاسوب بمهارة.
نقر على أحد الملفات وبدأ يسترجع الأحداث ببطء. وسرعان ما ظهرت في ذهنه حبكةٌ مثيرة.
'هذه القصة رائعة حقًا، لكن للأسف، لقد نسيت معظم الحلم. في كل مرة أصل فيها إلى اللحظة الحاسمة، أستيقظ. أمرٌ يبعث على السأم، سأمٌ شديد.'
'ربما يمكنني تغيير المنبه إلى الثانية عشرة والنصف في المرة القادمة، لكن ألن يكون ذلك تطفلًا بعض الشيء؟ أن أستيقظ وأعمل في هذا الوقت.'
كان الشاب في حيرة من أمره. التقط كوب الماء بجانبه ببطء وارتشف منه رشفة. تحركت أصابعه بسرعة، لتطبع سطورًا من الكلمات على شاشة الحاسوب.
——————————————
في عالم الخلود، وفي قرية مجهولة عند سفح الجبل. كان ضفدعٌ أخضر في نهرٍ صغير يقود سربًا من الشراغيف عبر المياه بسرعة. كان عدد الشراغيف كبيرًا جدًا، وكانت تتحرك في جماعات، في مشهدٍ مهيب.
وفجأة، انقضّت يدٌ صغيرة من الأعلى والتقت عشرات الشراغيف.
"دا باو، أحضر القارورة بسرعة، لقد أمسكت بالمزيد."
نظر الصبي الصغير إلى الشراغيف التي تقفز بين يديه وقال بحماس. سارع صبي آخر بجانبه بتقديم كوب خشبي رفيع.
"آمل أن أراها تنمو لها أربعة أرجل وتصبح ضفادع حقيقية!" قال الصبي وهو يضع الشراغيف في الكوب.
كان رفيقه أقل ثقةً منه، فقال: "في كل عام نأتي إلى هنا لنصطاد الشراغيف، ولكننا لم ننجح مرةً واحدة في تربيتها حتى تصبح ضفادع. أرى أنه من الأفضل ألا نعلق آمالًا كبيرة. أعتقد أنه سيكون من الرائع رؤيتها تنمو لها أربعة أرجل فحسب."
"ما هذا الكلام المحبط الذي تقوله؟ هيا، لنأخذه إلى المنزل ونعتني به جيدًا هذه المرة."
أخذ الاثنان الشراغيف بعناية وسارا عائدين إلى المنزل. لا يزال النهر يجري. وفي اتجاه مجرى النهر حيث كان الطفلان يلعبان قبل قليل، كان جسد شرغوفٍ ببطنٍ أبيض ناصع يطفو مع التيار. قبل قليل، كانت حركة الصبي الصغير سريعةً جدًا وقد ضغط بأصابعه بقوة، فسحق الشرغوف دون قصد. تدفق النهر بقوة وجرف جسد الشرغوف نحو عشبةٍ برية.
وفجأة.
اهتز جسد الشرغوف.