الفصل الثلاثمائة والحادي عشر: الملك العاجز
____________________________________________
بعد تفكيرٍ عميق، شرع غو شانغ في تنفيذ خطته، فلم تُلغَ العملية الأصلية. لقد كثّف عددًا هائلاً من نُسَخه في عالم إله الخلق، وأرسل رجاله ليقودوا تلك النسخ إلى بوابة الفضاء التي فُتحت في عالمه القديم، بهدف غزو العوالم التي خلفها وإخماد نيران الحروب المشتعلة فيها.
فمن بين الأمنيتين المتبقيتين، كانت إحداهما هي وضع حدٍ للحرب وإحلال سلامٍ دائمٍ في عالمه القديم. وكان لزامًا عليه أن ينجز هذا الأمر بنفسه حتى يُحتسب له النجاح، إذ لو سمح لقوة وانغ تشيوان الملكية بتغيير كل شيءٍ بإشارةٍ منه، لكان من المرجح ألا يُعد ذلك من صنعه.
لقد بذل الكثير من الجهد حتى الآن، ولم يكن ليرضى بالفشل في تحقيق أمنيته بسبب مسألةٍ تافهةٍ كهذه.
باستخدام صلاحيات وانغ تشيوان، تأكد غو شانغ من عدم وجود أي إلهٍ للفوضى في هذا العالم. فالقوة العظمى كانت محصورةً في أيدي آلهة الخلق السبعة، الذين بلغوا درجةً من التمكن جعلتهم يلامسون قوة القوانين الكونية، فكان كل واحدٍ منهم قادرًا على اجتياز العصور والسيطرة على الحاضر.
غير أن هؤلاء السبعة قد استمروا في جبروتهم زمنًا طويلاً، وتحققت أمانيهم بلا حدود، حتى لم يعد في هذا العالم ما يسترعي انتباههم أو يثير اهتمامهم. ولهذا السبب، يقضون جُلّ أوقاتهم في سباتٍ عميق، ولن يتدخلوا لوقف عمليات التهدئة التي يقودها غو شانغ.
سارت خطة غزو العوالم بسلاسةٍ تامة، فمع مرور الزمن، وبفضل جيشٍ جرارٍ من نسخ آلهة الخلق، تمكن رجاله من توحيد عددٍ لا يُحصى من العوالم.
وبسطوا نفوذهم وسنّوا قوانين وقيودًا صارمة، مستغلين شبكة المصالح المعقدة والمتشابكة داخل تلك العوالم لإحكام السيطرة عليها.
وبالطبع، كان القمع بالقوة هو الركيزة الأساسية، فقد تحرك عددٌ كبيرٌ من المؤسسين وزرعوا تشكيلاتٍ محكمةً في كل عالم، قيدت الأقوياء والطامحين ومنعتهم من أي محاولةٍ لغزو عوالم أخرى أو حتى الاقتراب من عالمه القديم.
وهكذا، تحققت غاية إيقاف الحرب التي أكدتها أفعال غو شانغ، فبفضل جهوده استعادت معظم العوالم سلامها. لم يجرؤ من في القمة على أي تصرفٍ أهوج خشية الإخلال بتوازن المصالح، بينما بدأ من في القاع يعيشون حياةً ملؤها السعادة والهناء.
في عالمه القديم، وتحديدًا في منطقة بحر تيان فنغ الواقعة في أقصى الجنوب، شق يختٌ ضخمٌ عباب الأمواج. وعلى سطحه الفسيح، وقف غو شانغ ممسكًا بالسياج بكلتا يديه، متأملًا صفحة السماء، وبجانبه وقف وانغ تشيوان في صمتٍ مطبق.
'لم يتبق سوى ستة عوالم، وبعدها ستكتمل مهمتنا بالكامل'. كان غو شانغ يمتلك السلطة المطلقة لفعل أي شيء، لا سيما في حالة الصحو الشديد التي كان عليها، فبمنظوره الإلهي كان يرى كل شيء بوضوح، ويتابع مسيرة رجاله بدقةٍ متناهية.
التفت غو شانغ، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ عريضةٌ خلف نظاراته الشمسية وهو يستمتع بنسيم البحر، وسأل: "ما أخبار آلهة الخلق السبعة؟"
أجاب وانغ تشيوان بهدوئه المعهود وصوته الخالي من أي تعابير: "لقد استخدمت صلاحياتي مباشرةً لحجب إدراكهم، وتركتهم يواصلون سباتهم دون أن يمسهم أي تأثير".
رمقه غو شانغ بنظرةٍ فاحصةٍ وقال: "عُد إلى هيئتك الأصلية. هذا العالم سينتهي قريبًا على أي حال، وما تفعله بنفسك لا معنى له إن لم يُحدث في نفسك تغييرًا جذريًا".
وما إن تلقى الأمر حتى غيّر وانغ تشيوان هيئته على الفور، وبعد أن استعاد طبيعته لم يتمالك نفسه من أن يطلق شتيمةً خافتة: "تبًا".
ثم قال بوجهٍ متجهمٍ وكأنما تجرع مرارة العلقم: "يا سيدي، أشعر أنه بعد انهيار هذا العالم، لن أكون قادرًا على خلق حلمٍ جديد..."
كان ذلك الحلم الواقعي هو ميزته الذهبية التي تمنحه كل شيء، ففيه يستطيع أن يفعل ما يشاء ويختبر كل متعةٍ يمكن للعالم الحقيقي أن يقدمها له، بل ويحاكيها بإتقان. في هذا الحلم، يمتلك قوةً لا نظير لها في الخارج ومكانةً لا تُضاهى.
أما إذا انتهى هذا العالم، فهذا يعني عودته ليصبح مجرد شخصٍ عاديٍّ مرةً أخرى، وهي فجوةٌ هائلةٌ لا يمكن تصورها.
"ما يزال أمامك ثلاثون عامًا. هذا العالم قد خلقته أنت بناءً على سيدة الشياطين، ويمكنك استغلال قوتك فيه لنهل المعرفة بجنون وخوض شتى التجارب".
"استخدم هذه الخبرات التي لا تُحصى لتصقل نفسك وتصبح شخصًا أفضل. بهذه الطريقة، حتى لو عدت إلى العالم الحقيقي، ستتمكن من النهوض في وقتٍ قصيرٍ واستعادة كل شيءٍ من جديد".
فما يصوغنا هو تجاربنا، وبدونها لسنا سوى صفحةٍ بيضاء. كلما زادت تجاربنا، اتسعت مداركنا وتعددت حلولنا لمواجهة المشكلات.
بدا الإحراج على وانغ تشيوان وهو يقول: "لقد فكرت في ذلك حقًا، لكنني كنت متعبًا للغاية".
"أنا منيعٌ تمامًا في هذا العالم، وبإمكاني تحمل أي مظلمة، لكن كلما هممت بالتحمل، أجد نفسي عاجزًا عن المضي قدمًا. لا أطيق الإهانات أو التنمر أو الأوامر المتسلطة التي يلقيها علي الآخرون".
"حاولت أيضًا إيقاف الزمن لأغرق في قراءة الكتب وأثري معرفتي، لكن بعد محاولاتٍ طويلة، وجدت أنني لا أستطيع قراءة سوى ما أحب. أما الكتب التي لا تروق لي، فلا أحتملها مهما طال الزمن".
لقد كان مجرد شخصٍ عادي، لا يملك الصبر الكافي لإنجاز هذا الأمر. قرأ الكثير من الروايات عن أبطالٍ امتلكوا قدراتٍ مماثلة، خاضوا تجارب قاسية في عوالم مختلفة، وعادوا إلى عالمهم الحقيقي أشد حسمًا وهدوءًا وذكاءً. لكن أولئك الأبطال كانت لديهم مهامٌ إلزامية تدفعهم لذلك، أما هو، فلا شيء يقيده هنا، فهو منيعٌ يستطيع فعل ما يحلو له.
"إذًا أنت مجرد شخصٍ عديم النفع، تفكر دائمًا في تغيير نفسك، لكنك تفتقر إلى الصبر اللازم للبدء حقًا. وعند أول عقبة، تفكر في التراجع وحل مشاكلك بسلطتك المطلقة!"
استهزأ به غو شانغ بلا رحمة، فقد كان يدرك تمامًا ما يدور في خلده، وبسبب هذه المعرفة احتقره أشد الاحتقار، ثم أضاف: "إن لم تغير عقليتك هذه، فمهما بلغت قوتك، سيبقى قلبك هشًا للغاية".
عند سماع هذه الكلمات، قبض وانغ تشيوان على يديه بقوة وصرخ وكأنه يستعد لخوض معركةٍ فاصلة: "يا سيدي، أريد أن أتغير!"
تجاهل غو شانغ كلماته، وواصل تأمله للأمواج المتلاطمة واستشعاره لنسيم البحر المنعش، بينما كان وانغ تشيوان يصرخ في نفسه: "ولكن قبل ذلك، أخطط للاستمتاع بيومٍ واحدٍ إضافي، يومٌ واحدٌ فقط!"